قضايا في جيوسياسية الشرق الأوسط../ عرض د.محمود محارب

-

قضايا في جيوسياسية الشرق الأوسط../ عرض د.محمود محارب
يتألف كتاب "قضايا في جيوسياسية الشرق الأوسط" الصادر عن وزارة الأمن الإسرائيلية من 13 فصلاً، عالجت حدود الشرق الأوسط وسماته وجغرافيته وأهميته الإستراتيجية وديمغرافيته وآثارها السلبية على إسرائيل وفسيفسائه العرقية والدينية وعملية التمدن وإنشاء المدن وتوسعها والمياه والنفط والتحديات والأخطار التي تواجه إسرائيل من كل هذا الواقع الجيوسياسي للشرق الأوسط.

يستند الكتاب، كما جاء في المقدمة، على محاضرات المؤلف التي ألقاها في "كلية الأمن القومي" الإسرائيلية وفي مؤسسات وأماكن أمنية كثيرة أخرى في إسرائيل.

مؤلف الكتاب هو البروفيسور أرنون سوفير المحاضر في قسم الجغرافيا في جامعة حيفا وفي "كلية الأمن القومي" و"مدرسة القيادة والأركان" في الجيش الإسرائيلي، والمختص في المسألة الديمغرافية، إذ استمر لعقود طويلة، عبر كتاباته ومحاضراته، في التحذير من خطر التكاثر الطبيعي الفلسطيني على إسرائيل.

وساهمت كتاباته، هو ومن على شاكلته، بالإضافة إلى عوامل أخرى هامة، في بلورة السياسة الإسرائيلية للسير نحو نظام الأبارتهايد الذي يتشكل حالياً في فلسطين.

يعيد المؤلف، خلال فصول الكتاب، بناء وهندسة رواية الرعب الإسرائيلية من العرب والمسلمين في الشرق الأوسط بصورة "مهنية".

فلا يزال العرب والمسلمون في الشرق الأوسط يشكلون خطراً وجودياً على إسرائيل. وقرار الدول العربية الإستراتيجي التخلي عن الخيار العسكري وحصر حل الصراع على طاولة المفاوضات، وتوقيع العديد من الدول العربية اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وفق الشروط الإسرائيلية، واحتكار إسرائيل للسلاح النووي وتفوقها في الأسلحة التقليدية على الدول العربية، لم يوقف الهلوسة الإسرائيلية ولا هذيان المؤلف بأن وجود إسرائيل في خطر.

تبدو الصورة التي يرسمها للشرق الأوسط قبيحة للغاية. فالشرق الأوسط يأبى التقدم والحضارة و"يرفض الانخراط في عملية العولمة, وهو منطقة باتت مركزاً للتطرف الإسلامي وللإرهاب"، إنه صحراء ونفط وتخلف وفقر وبؤس وتعاسة.

ولا يشذ عن هذا التعميم سوى إسرائيل التي هي بمثابة واحة التقدم والحضارة والعلم والمستوى المرتفع للدخل والنمط الراقي في نوعية الحياة. وهذه "الواحة" تتعرض لأخطار وتحديات كثيرة، تظهر بأوجه مختلفة، تهدد وجود إسرائيل للخطر إذا لم تتنبه إسرائيل إلى هذه الأخطار وتحسن التصدي لها.

يعتبر المؤلف وجود الشعب العربي الفلسطيني في وطنه وتكاثره الطبيعي خطراً على إسرائيل وعلى وجودها كدولة يهودية.

إذ يبلغ عدد السكان فيما يطلق عليه المؤلف "أرض إسرائيل الغربية" (أي فلسطين) وفق إحصاء 2006, 5.3 ملايين يهودي و5.3 ملايين عربي و300 ألف مهاجر روسي غير يهودي. والميزان الديمغرافي يسير لصالح العرب لارتفاع نسبة التكاثر الطبيعي لديهم.

ويستطرد المؤلف أنه لا يمكن الرهان على هجرة يهودية مرتفعة إلى إسرائيل ولا على هجرة طوعية مرتفعة للفلسطينيين من بلادهم، ومن غير المتوقع أن تقوم إسرائيل بطرد الفلسطينيين كما فعلت في سنة 1948، لأن المجتمع الدولي لن يسمح بذلك.

ويستخلص أن على إسرائيل التخلص من المناطق الفلسطينية المزدحمة بالسكان وضم مناطق واسعة غير مأهولة.

تثير المعطيات الديمغرافية الفلسطينية في جوار فلسطين أيضاً, وليس فقط في فلسطين، قلق المؤلف، إذ يقول إن عدد الفلسطينيين في الأردن يتراوح ما بين 3-4 ملايين نسمة، أي أن عدد الفلسطينيين في ما يطلق عليه المؤلف "أرض إسرائيل التاريخية" التي تشمل فلسطين والأردن، يبلغ تسعة ملايين.

ومن المتوقع أن يصل عددهم بعد عقد ونصف إلى ما بين 14 و15 مليونا، مقابل 6.3 ملايين يهودي.

ويعتقد المؤلف أن هذا الواقع الجغرافي والديمغرافي يشكل مشكلة وخطراً إستراتيجياً على إسرائيل. ترتبط مشكلة أخرى، والتي تثير قلق المؤلف، بالتوزيع السكاني لليهود في إسرائيل.

إذ يقطن في تل أبيب وضواحيها 2.8 مليون يهودي، وفي حيفا الكبرى مليون يهودي، وفي منطقة أشكلون/أسدود 700 ألف يهودي, أي أن 4.5 ملايين يهودي من مجموع السكان اليهود في إسرائيل والبالغ عددهم 5.3 ملايين يسكنون في منطقة ضيقة على شاطئ البحر المتوسط، يحيط بهم 5.3 ملايين عربي.

ومشكلة أخرى يتذمر منها المؤلف وتثير قلقه تتعلق بالزيادة الطبيعية ونوعيتها، فبعد عقد ونصف سيزداد عدد سكان إسرائيل بـ2.2 مليون نسمة، وغالبية هذه الزيادة ستكون فقيرة، وستأتي من التكاثر الطبيعي للعرب واليهود "الحراديم".

وإذا فشلت إسرائيل، إزاء هذه الزيادة الكبيرة والفقيرة، في الحفاظ على مستوى حياة مرتفع فإن قسماً من الشباب الإسرائيلي ذي الثقافة الغربية سيهاجر من إسرائيل وسيأبى يهود العالم الهجرة إليها.لم يقتصر اهتمام المؤلف بالفلسطينيين سواء كانوا في فلسطين أو في الأردن أو في مناطق الشتات الأخرى، كمصدر خطر ديمغرافي على إسرائيل، بل امتد ليشمل الجوار العربي لفلسطين بأسره.

فمثلاً، نقل مصر مياه النيل إلى شمال سيناء من أجل ري وإصلاح أراضيها يثير حفيظة المؤلف، لأنه سيجلب مئات آلاف الفلاحين المصريين للعمل في الزراعة في شمال سيناء. وهؤلاء سيكونون فقراء بالمقارنة مع المزارعين في إسرائيل.

لذلك، كما يجزم المؤلف، فإنهم سيحاولون الدخول إلى إسرائيل طلباً للعمل. ويتوجب على إسرائيل الاستعداد لمواجهة هذا الخطر.

ويرى المؤلف أن إسرائيل تشكل نقطة جذب للكثير من العرب والمسلمين في الشرق الأوسط الذين يرغبون في دخولها طلباً للعمل. وهذا يشكل، إذا ما تحقق، خطراً حقيقياً على الطابع اليهودي لإسرائيل وعلى نمط الحياة الغربية لمجتمعها. لذلك فالتحدي الذي تواجهه إسرائيل في مجابهة المسألة الديمغرافية الإقليمية هو كيفية منع إغراق إسرائيل بمواطني الدول العربية.

يعتبر المؤلف أن ظاهرة التمدن وتوسع القرى والبلدان وتحولها إلى مدن ونشوء المدن الكبرى وتعاظم الكثافة السكانية في الدول العربية، المحاذية لإسرائيل، يشكل خطراً إستراتيجياً على إسرائيل.

فكلما ازدحمت وتمددت واقتربت مراكز السكان العرب إلى حدود إسرائيل ازداد تعرض إسرائيل إلى عمليات التسلل والتهريب المختلفة مثل المخدرات والبضائع والنساء والسلاح والمال، خاصة من الحدود المصرية والأردنية.

يعتقد المؤلف أن نشوء المدن هذه وتوسعها، يستدعي إجراء تغييرات في نظرية الأمن والعقيدة العسكرية الإسرائيلية. فهذه المدن والأماكن المزدحمة بالسكان العرب ستشكل ساحات قتال في الحروب القادمة.

لذلك تفقد الدبابات من أهميتها ودورها في حسم المعركة ويحل مكانها المظليون والوحدات الخاصة وجيش المشاة بصورة عامة, مدعومين بسلاح الجو وخاصة الطائرات المروحية , لحسم المعركة داخل المدن والأماكن المزدحمة بالسكان.

يثير نمو البنى التحتية مثل الموانئ والمطارات ومحطات توليد الكهرباء ومنشآت النفط والغاز في الدول العربية، وخاصة المحاذية لإسرائيل، قلق المؤلف. وهو يعارض بعض الإسرائيليين الذين يعتقدون أن نمو وتطور البنى التحتية المدنية في الدول العربية هو أمر إيجابي، لكونه يقلل من مصلحتها في الحرب.

ويقول المؤلف إن هذا الادعاء يستند على تفكير عقلاني غربي والذي لا يتسم به "جيراننا" دوماً. ويدلل على قوله هذا بإعطاء مثال قيام مصر بإغراق المدمرة الحربية الإسرائيلية "إيلات" بعيد حرب 1967، والتي كانت تبحر في المياه الإقليمية المصرية.

ويدعي المؤلف أن إغراق هذه المدمرة العسكرية لم يكن "عقلانياً" لأن رد فعل إسرائيل كان تدمير وحرق معامل تكرير البترول في مدينة السويس بعد يومين من إغراق المدمرة العسكرية "إيلات".
يرى المؤلف أن أخطاراً بيئية ذات نتائج إستراتيجية تتربص بإسرائيل مصدرها الدول العربية المحيطة بها. فمثلاً هناك خطر أن تحمل التيارات المائية في الشاطئ اللبناني، والتي تندفع من الشمال إلى الجنوب في هذه المنطقة، بخلاف مناطق البحر المتوسط الأخرى، المواد السامة الخطيرة إلى شواطئ إسرائيل.

ويضيف أنه من المعروف أن لبنان شكل، إبان الفوضى التي سادته في العقود الماضية، مخزناً لنفايات خطيرة أرسلت إليه من أوروبا. ومن الصعب معرفة ماذا يدور في هذه الأيام في جوف شواطئ لبنان وكم برميلا يحتوي على نفايات ملوثة تهدد بالانفجار لتلوث المنطقة؟

ويستطرد المؤلف، أن سوريا أيضاً تلوث مياه نهر اليرموك ونتيجة لذلك فإن إسرائيل تحصل على مياه ملوثة من نهر اليرموك ومن نهر الأردن، الذي يشكل نهر اليرموك مصدراً هاماً من مياهه. وحتى الآن نسبة التلويث ليست مرتفعة، ولكن إذا ما استمرت وتزايدت فإنها ستتحول إلى مشكلة إستراتيجية.

والأردن قام بدوره في عملية التلويث ليس أقل من سوريا ولبنان. وأحد الأمثلة على ذلك، كما يقول المؤلف، هو ميناء العقبة. فحركة السفن من وإلى ميناء العقبة ألحقت الأضرار الجسيمة ببيئة خليج العقبة وخاصة بمواقع المرجان فيه. وكذلك تلوث الضفة الفلسطينية المحتلة بيئياً إسرائيل.

ثم ينتقل المؤلف إلى مصر فيقول إنها سببت أضرارا بيئية لإسرائيل لا تقل عن كل ما ذكر. فمثلاَ أخل بناء السد العالي بالتوازن البيئي في مصر والمنطقة وأدى إلى توقف تشكيل الكثبان الرملية في شواطئ إسرائيل. ويضيف أنه لكون إسرائيل تقع إلى الجانب الشرقي من البحر المتوسط فإنها تتعرض دوماً للتلويث الكثير القادم من مصر وخاصة منطقة أشكلون حيث توجد منشآت تحلية مياه البحر.

يستخلص المؤلف أن وجود إسرائيل مهدد دوماً بالأخطار المختلفة والتهديدات المتنوعة من العرب والمسلمين وأن عليها مواجهتها بجرأة وبسرعة وبدون تأجيل أو تلكؤ . فالأخطار تسير بسرعة الفهد في حين تسير معالجة إسرائيل لها بسرعة السلحفاة.

وعليه يدعو المؤلف القيام بأسرع ما يمكن بتوزيع السكان اليهود في كل بقعة داخل الدولة. وفي سياق حضه وتحريضه هذا، تفقده عنصريته صوابه لتصل به إلى حالة من الهلوسة، بعيدة كل البعد عن الواقع وعن التحليل العلمي، تبلغ إحدى ذراها عندما يدعي أنه إذا لم يستوطن اليهود في "كل زاوية" فسيدخل السودانيون "جبل حريف" والسوريون واللبنانيون وآخرون الجليل والفلسطينيون كرم سالم وبدو شمال النقب سيفعلون به ما يحلو لهم.

يدعو المؤلف إسرائيل إلى بناء جدار على حدودها مع الدول العربية وإلى إحكام الرقابة على جميع معابرها لمنع تسلل العرب والمسلمين إليها، كي تبقى دائماً يهودية وقوية وتتمتع بنوعية حياة راقية، فهكذا فقط يمكن "الحفاظ على إسرائيل كجزيرة غريبة وفريدة في عالم الشرق الأوسط المركب والمعقد، وبمعنى معين غير المتوقع وغير العقلاني".

لا يذكر المؤلف طيلة فصول الكتاب أية كلمة إيجابية عن العرب والمسلمين ولا يبخل بوصفهم بما في جعبته من نعوت سلبية منتمياً بذلك إلى المدرسة الاستعمارية التقليدية الممهورة بعنصرية المستوطن الصهيوني الباني وجوده على حساب الغير.

يتجاهل المؤلف أن دولة المستوطنين والمهاجرين هي أكبر ملوث للبيئة. فلم يسلم واد أو نهر أو شاطئ من تلويث مصانعها أو مجاريها. فمثلاَ أدى التلوث الناجم من مصانعها ومنشاَتها الكيمياوية والبيولوجية والنووية إلى إصابة 1250 شخصاً من مواطنيها بالسرطان سنوياً (صحيفة هاَرتس 8/10/2007).

ولكن هذا التلوث يسهل ويهون أمام تلوث الأدمغة وتلوث الفكر بروث العنصرية المصاب يه مؤلف الكتاب والكثيرون من أمثاله في دولة المستوطنين والمهاجرين.

التعليقات