الانتخابات الإسرائيلية: انزياح شديد نحو اليمين المتطرف، ونتانياهو وليفني يتسابقان لخطب ود الفاشي ليبرمان!

النتائج عززت اليمين المتطرف بـ 16 نائباً آخر، ودقت المسمار الأخير في نعش ما يعرف بـ "اليسار الصهيوني" الذي تقلص لـ 16 مقعداً..

الانتخابات الإسرائيلية: انزياح شديد نحو اليمين المتطرف، ونتانياهو وليفني يتسابقان لخطب ود الفاشي ليبرمان!
متاهة سياسية" - بهاتين الكلمتين اختزلت صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و "هآرتس"، الأربعاء، المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل الناشئ عن الانتخابات العامة التي جرت الثلاثاء الماضي، والتي لم تحسم بشكل واضح هوية رئيس الحكومة المقبلة في أعقاب "التعادل" بين "ليكود" بزعامة بنيامين نتانياهو و "كديما" بزعامة تسيبي ليفني، لكنها حسمت توجه السواد الأعظم من الإسرائيليين نحو اليمين المتطرف الذي زاد تمثيله بـ 16 مقعداً، ووجهت ضربة قاتلة لما يسمى "يسار الوسط واليسار الصهيوني" المتمثل بحركة "ميرتس" وببعض أوساط حزب "العمل" الذي تلقى هو الآخر أعنف هزيمة في تاريخه.. وتقلص تمثيل هذين الحزبين لـ 16 مقعداً فقط.

وأفرزت الانتخابات تكتلاً يمينياً متشددا سيتمثل بـ65 مقعداً في الكنيست الجديدة (من مجموع 120) وبآخرين من حزب "كديما" المحسوب زيفاً على الوسط، لكنه يضم نواباً ليسوا أقل تطرفاً من نواب "ليكود".

نتائج الانتخابات

وفي انتظار فرز نحو 150 ألفاً من أصوات الجنود و"المظاريف المزدوجة" (الديبلوماسيون والسجناء وموظفو دولة وغيرهم، أفادت النتائج النهائية أن حزب "كديما" حصل على 28 مقعداً (في مقابل 29 في الكنيست الماضي) متقدما بمقعد واحد على "ليكود" الذي قفز من 12 مقعداً إلى 27 مقعدا. وحصل حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف بقيادة أفيغدور ليبرمان على 15 مقعدا (في مقابل 11) متقدماً على حزب "العمل" بقيادة وزير الدفاع ايهود باراك الذي تراجع من 19 مقعداً إلى 13 فقط.

وحصلت حركة "شاس" الدينية الشرقية المتشددة على 11 مقعداً (في مقابل 12 في الكنيست الماضي) فيما حافظت نظيرتها الأشكنازية "يهدوت هتوراة" على مقاعدها الخمسة. وحصل "الاتحاد القومي" الأكثر تطرفاً على أربعة مقاعد في مقابل ثلاثة لمنافسه في التطرف "البيت اليهودي - مفدال". وحصلت حركة "ميرتس" على ثلاثة مقاعد فقط (مقابل خمسة في الكنيست المنتهية).

وسجلت الأحزاب العربية الثلاثة نتائج طيبة، إذ عززت "الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة" تمثيلها (من 3 إلى 4 نواب)، وحافظت القائمة العربية الموحدة على مقاعدها الأربعة، كذلك التجمع الوطني الديموقراطي على مقاعده الثلاثة. وبلغت نسبة التصويت 65.2 في المئة، وهي أفضل بنحو 2 في المئة من النسبة التي سجلت في انتخابات عام 2006. ونجحت 12 قائمة في اجتياز نسبة الحسم، بينما فشلت في ذلك 21 قائمة أخرى حرقت مجتمعة نحو مئة ألف صوت، أبرزها حزب "المتقاعدين" الذي تمثل في الكنيست الأخير بسبعة مقاعد ووزيرين.

ليفني ونتانياهو و "خطاب النصر"

واستقبل حزب "كديما" النتائج بفرحة عارمة وصفق أنصاره لزعيمة الحزب ليفني على نجاحها في خروج الحزب فائزاً بأكبر عدد من المقاعد متخطية نتانياهو المتمرس في السياسة واللامع الخطابة الذي تفوق عليها في جميع استطلاعات الرأي، وأحياناً بعشرة مقاعد.

وأعلنت ليفني في "خطاب النصر" أنها الفائزة في الانتخابات وقالت إن "الشعب قرر اليوم (اختيار) كديما، والمطلوب الآن احترام حسم الناخب والقيام بالخطوة الصحيحة بالانضمام إلى حكومة وحدة وطنية بقيادتنا تكون في مركزها الأحزاب الكبرى، تلك التي على يسار كديما (العمل)، وتلك على يمينها (إسرائيل بيتنا وشاس)».

وتابعت موجهة كلامها لنتانياهو: "لقد اقترحت عليك قبل الانتخابات الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية برئاستي من أجل مواجهة التحديات التي تواجه إسرائيل، لكنك رفضت وقلت إنه ينبغي على الشعب أن يقرر، وها هو الشعب يقرر اليوم: كديما".

من جهته، أعلن نتانياهو أيضاً أنه الفائز في الانتخابات، وقال في "خطاب النصر" إن الشعب قال كلمته بوضوح، وان المعسكر القومي بقيادة ليكود سجل تقدما واضحا. وأعرب عن ثقته بأنه سيكون رئيس الوزراء المقبل، وقال: "أنا واثق بأنه سيكون بمقدوري تركيب حكومة كبيرة وواسعة القاعدة ومستقرة قادرة على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية وغيرها".

ليبرمان يفضل نتانياهو ولا يستبعد ليفني

من جهته، ألمح ليبرمان الذي خاب أمله نظراً الى عدم حصول حزبه على 20 مقعداً، إلى أنه سيوصي الرئيس شمعون بيريز بتكليف نتانياهو لترؤس الحكومة المقبلة، لكنه لم يستبعد التحالف مع ليفني.

وقال إنه سعيد في أن "المفتاح" لتشكيل الحكومة المقبلة بيد حزبه، "وهذا المفتاح يحملنا مسؤولية كبيرة، وقرارنا لن يكون سهلاً، لكنني أعترف بأنني كمن ترعرع في المعسكر القومي، فإننا نريد حكومة قومية، يمينية... هذا ما تهواه قلوبنا... ونحن لا نخفي ذلك". واشترط أن تقوم الحكومة المقبلة "بالقضاء على حماس" ورفض أي تفاوض أو تهدئة مع هذه الحركة.

وفي حال أعلن ليبرمان رسمياً دعمه لنتانياهو، فستتوافر لدى الأخير غالبية برلمانية مطلقة لحكومته (من 65 نائباً)، بينما سيكون لدى ليفني في أحسن الأحوال دعم من 44 نائباً (كديما والعمل وميرتس)، وربما بعض النواب العرب الذين تستثنيهم في حساباتها لتشكيل الحكومة.

ويسعى نتانياهو الى الحصول على دعم سريع من ليبرمان ونواب حزبه ليشكل "جسماً مانعاّ" من 65 نائباً يذهب به إلى الرئيس الإسرائيلي، مع بدء الأخير الأسبوع المقبل مفاوضاته مع ممثلي الأحزاب لتشكيل الحكومة، ويبلغه أن غالبية النواب تدعمه لتشكيل الحكومة.

ويرى مراقبون أن نتانياهو ليس متحمساً لإقامة حكومة يمينية متطرفة قد تعرض إسرائيل إلى انتقادات دولية، لكنه يريد من خلال ضمان "جسم مانع" أن يحول دون أن يناط التكليف بليفني، ليتوجه إليها لاحقاً بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، بطلب الانضمام إلى حكومته على حساب بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة، ما من شأنه أن يمنح حكومته بعض الاعتدال.

ولم ينتظر نتانياهو وليفني النتائج النهائية، فباشرا لقاءاتهما أمس بليبرمان وبزعيم حركة "شاس" الدينية ايلي يشاي لخطب ودهما، علماً أن الأخير يريد أيضاً أن يكون له دور في تشكيل الحكومة المقبلة، وهو الذي أفشل مساعي ليفني قبل ثلاثة أشهر لتشكيل حكومة جديدة في ظل أنباء عن أنه اتفق سراً مع نتانياهو على إفشال جهود ليفني في مقابل ضمه إلى حكومته لقاء التجاوب مع شروط الحركة للانضمام.

"العمل" يقرر البقاء في المعارضة

في غضون ذلك، ليس أكيداً أن يكون حزب "العمل" المهزوم شريكاً في الحكومة المقبلة، بغض النظر عن هوية رئيسها.

ونقلت الإذاعة عن زعيم الحزب ايهود باراك قوله في أحاديث مغلقة أمس إنه ينبغي البقاء في المعارضة وإعادة بناء الحزب ليعود في المستقبل إلى سدة الحكم. وقالت أوساط في الحزب إن غالبية نوابه الـ13 تعارض الانضمام إلى أي حكومة، وان باراك يدرك أنه في حال حاول الانضمام إلى الحكومة، فإن نواب الحزب سيتمردون عليه ويطالبونه بالاستقالة ودفع ثمن الفشل، لكنهم لن يفعلوا ذلك في حال قاد الحزب إلى مقاعد المعارضة. كذلك يعارض أقطاب بارزون في "العمل" أن يشارك الحزب في حكومة تضم الحزب المتطرف "إسرائيل بيتنا".

وصفق المعلقون الإسرائيليون لليفني على إنجازها، معتبرين اجتياز "كديما" لـ "ليكود" ضربة موجعة لنتانياهو الذي توجته الاستطلاعات منذ عام "ملكاً على إسرائيل".

وكتب بعضهم ملخصاً الانتخابات: "ما كان هو ما سيكون"، في إشارة إلى أن عدم استقرار الساحة السياسية في إسرائيل سيبقى على حاله. وعاود البعض اقتراحه تشكيل حكومة بين "ليكود" و "كديما" يتناوب زعيما الحزبين على رئاستها على غرار ما حصل في "حكومة الوحدة" أعوام 1984 - 1988 بين زعيمي "ليكود" و "العمل" اسحق شمير وبيريز.

سياسياً، اتفق المعلقون على أن النتائج تؤكد انزياح المجتمع الإسرائيلي خطوة أخرى نحو التشدد السياسي، وأشاروا إلى أن الكنيست الجديدة تضم غالبية كبيرة من النواب المعارضين قيام الحكومة بـ "التنازلات" المطلوبة للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، وعليه فإن الحكومة الجديدة لن تكون قادرة على التقدم في أي اتجاه. وكتب كبير المعلقين في "يديعوت أحرونوت" أن الأحزاب اليمينية المتشددة ستفرض على الحكومة المقبلة في حال شكلها نتانياهو شللاً سياسياً وستعقد العلاقات مع واشنطن.

ورأى ان الخيار الآخر المتاح أمام نتانياهو يتمثل بتشكيل حكومة وحدة برئاسته يكون حزبا "ليكود" و "كديما" في مركزها وتسند الى ليفني حقيبة الخارجية ولشاؤول موفاز الدفاع. لكنه استدرك قائلاً إن المشكلة هي أن "كديما لن يوافق على ذلك لأنه خرج من هذه الانتخابات كحزب متساوي القوة، بل أكبر قليلا من "ليكود" وستطالب ليفني بأن تكون هي على رأس الحكومة".

وأضاف أن "الحل الأمثل هو التناوب، أي أن يرأس كل من نتانياهو وليفني الحكومة لمدة سنتين، ولا يبدو أن هناك خياراً أفضل أمامهما".

التعليقات