رحلة التعذيب في المعتقلات السرية التابعة لـ"CIA" تنتهي في إسرائيل../ كتب: هاشم حمدان

-

رحلة التعذيب في المعتقلات السرية التابعة لـ
كشف تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" اليوم عن عما أسمته "التعاون الوطيد بين أجهزة الإستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والأردنية"، وعن مسار رحلة معتقل "فلسطيني- أردني- سعودي"، في معتقلات التعذيب السرية، التي سبق وتناولتها كافة وسائل الإعلام. كما يكشف التقرير عن دور إسرائيل في التحقيق مع المعتقلين في سياق حرب الولايات المتحدة على "الجهاد العالمي". كما يشير إلى دور عدد من الدول العربية في تعذيب المعتقلين وتحطيمهم، والتي سبق وأن أشارت إليها التقارير الإعلامية في السابق، ومن بينها الأردن ومصر والمغرب والعراق.

ويشير التقرير إلى التعذيب الوحشي الذي يتعرض له المعتقلون في هذه السجون السرية، والموجودة في الغالب في دول لا تحترم أجهزة استخباراتها حقوق الإنسان والمعتقل، والتي يشرف عليها محققون أمريكيون، يشاركون في التحقيق بشكل غير مباشر، حتى لا تتم مساءلتهم بذريعة مخالفة قانون منع التعذيب.

وفيما يلي التقرير وفقما جاء في صحيفة "هآرتس":

كشف لقاء جرى بالصدفة في الثاني والعشرين من أيلول/سبتمبر 2006، في معتقل الجلمة "كيشون" قرب حيفا، بين معتقل "أردني- سعودي- باكستاني"، مروان إبراهيم علي جبور، وبين المحامي نزار محاجنة، ليس فقط عن القصة الغريبة للمعتقل، وإنما عن التعاون الإستخباري بين إسرائيل والأردن، في سياق علاقات إسرائيل مع وكالة الإستخبارات المركزية (سي آي إيه) وحرب الولايات المتحدة ضد الجهاد العالمي.

ربما تكون هذه القضية هي الحالة الأولى التي تقوم بها الولايات المتحدة بنقل مشتبه بـ"الإرهاب" إلى إسرائيل. وكانت وسائل الإعلام قد نشرت عن مئات الحالات لنقل معتقلين من دولة إلى أخرى في السنوات الأخيرة، ويجري التحقيق في هذه القضية من قبل منظمات حقوق الإنسان ولجنة فحص تابعة للإتحاد الأوروبي، إلا أنه للمرة الأولى، فإن هذه "القصة" في إسرائيل.

يقول المحامي محاجنة إنه تم إدخال عدد من الأسرى إلى القاعة، إلا أن أحدهم قال إنه ليس من بينهم (الإشارة إلى الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية). ولما سأله المعتقل إذا كان لديه المتسع من الوقت، أجابه بالإيجاب. وجلس يستمع لقصة تنشر تفاصيلها للمرة الأولى.

يحتجز جبور في القسم التابع لجهاز الأمن العام (الشاباك) في معتقل الجلمة "كيشون". ومن جهته فإن الشاباك يقول أنه محتجز بشبهة "النشاط الإرهابي"، إلا أنهم رفضوا الإدلاء بأية تفاصيل أخرى، وأكدوا أن المعتقل يخضع للمراقبة القضائية. أي أن القضاة صادقوا على تمديد اعتقاله ومصادرة حقه في الإلتقاء لمحام خلال فترة طويلة. ولذلك، فإن المعلومات حول هذه القضية مصدرها تصريح من المعتقل جبور الذي أجرى المحادثة مع المحامي محاجنة، والمحامي ماهر تلحمي.

ولد جبور في 15/10/1976 في العاصمة الأردنية عمان لأبوين فلسطينيين، أصلهما من خان يونس شمال قطاع غزة. وانتقل مع عائلته إلى السعودية، في جيل سنتين. وعندما بلغ سن 19 عاماً سافر ليدرس هندسة الآلات في باكستان، وهناك تعرف بفتاة باكستانية، فتزوجها وأنجبا ثلاثة أولاد. ثم سافر إلى فرنسا للتطبيق العملي في موضوع الهندسة، عاد بعدها إلى باكستان، ثم زار أفغانستان عدة مرات. وقد أثارت زياراته تلك أجهزة الأمن في باكستان، بذريعة أن طبيعة تحركاته مشابهة لتحركات عناصر القاعدة والجهاد العالمي الذين تم اعتقالهم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

ويقول جبور في تصريح موقع من قبله أنه اعتقل في 09/05/2004، من قبل القوات الباكستانية لكونه أجنبياً وعربياً في باكستان، بذريعة أنه ينتمي للمجموعات الإسلامية الإرهابية، الأمر الذي ينفيه.

ربما لم يكن جبور عضواً في أي تنظيم إرهابي، إلا أنه سافر إلى أفغانستان في العام 1999، وتدرب هناك في معسكر للتدريبات سوية مع "المجاهدين". واستمرت التدريبات لمدة ثلاثة شهور، تركزت في الأساس على تعلم استخدام المسدس وبندقية الكلاشينكوف. وكان من المفروض أن يتم إرساله سوية مع أصحابه للقتال في الشيشان، إلا أن "المجاهدين" في الشيشان لم يتمكنوا من استيعابهم بسبب سيطرة الجيش الروسي على معظم الشيشان.

وعاد إلى باكستان، وبعد عشرة أيام من وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر سافر إلى أفغانستان من أجل محاربة الأمريكيين. وبحسبه لم يتمكن من ذلك، وعاد بعد شهرين إلى باكستان لمواصلة تعليمه. وبشكل مواز قام بتقديم المساعدة للاجئين الذين هربوا من أفغانستان، كان من بينهم عدد من الناشطين في "منظمات إرهابية"، إلا أن جبور يقول أنه لم يكن يعرف من هم وما هو دورهم.

تم اعتقال جبور من قبل الأجهزة الأمنية الباكستانية في أعقاب وشاية، بحسب تصريحه. واحتجز في المعتقل مدة 15 يوماً. ويقول:" في هذه المدة تعرضت للتعذيب. اعتدوا علي بالضرب بأيديهم وبأرجلهم أثناء التحقيق ليل نهار. لم يمنحوني فرصة للنوم لمدة سبعة أيام حتى تعرضت لنوبة قلبية بسبب قلة النوم".

ويتابع أنه تعرض للتعذيب بالضربات الكهربائية أدت إلى حروق في مفاصل اليدين والرجلين والظهر. وقاموا بربط يديه معاً فوق رأسه وأصابعه متشابكة، في حين ربطوا عضوه التناسلي بحبل مشدود إلى حائط، لمدة ثلاثة أيام متواصلة. ويضيف أن الأمريكيين كان لهم دور في التحقيق، وأن الجنود الأمريكيين كانوا يجبرونه على الانحناء حتى يصل إلى أرجلهم على الأرض.

وأثناء التحقيق، تم اعتقال زوجة جبور الباكستانية، وقاموا بتعذيبها لإجباره على الإعتراف أو إجبارها على الإعتراف عليه. وبعد أسبوعين من التحقيق نقل جبور وآخرين إلى عهدة الأمريكيين الكاملة. حيث قام الباكستانيون بنقله إلى المطار إلى طائرة أمريكية توجهت من هناك إلى مكان غير معروف. وقبل أن يصعد إلى الطائرة تم حقنه بأدوية مخدرة.

يقول:" أخذوني إلى مكان لا أعرف ما اسمه، وبقيت هناك لمدة سنتين في سجن منعزل. كانت الغرفة عبارة عن زنزانة تحت الأرض، وكنت وحيداً فيها. لم تتجاوز مساحة الزنزانة المتر المربع الواحد (1×1)، وكانت يدي مكبلة بالحائط على ارتفاع لا يزيد عن 15 سنتيمتراً من أرض الزنزانة، وذلك حتى لا أتمكن من الوقوف على رجلي والانتصاب".

ويضيف جبور أنه كان عارياً غالبية المدة التي قضاها في الزنزانة، ولم ير ضوء الشمس لمدة سنتين..
وفي هذه الفترة كان يستمع إلى الموسيقى لمدة 24 ساعة بدون توقف، وكان الجنود يضربونه بدون توقف. وبحسب الأوصاف التي يدلي بها جبور، فمن الممكن الإعتقاد بأنه كان في معتقل غوانتانامو، في كوبا. حيث تنضاف قصة جبور إلى شهادات أخرى تم الكشف عنها في السنوات الأخيرة في وسائل الإعلام الدولية، والموجودة الآن قيد التحقيق من قبل منظمات حقوق الإنسان ولجنة الفحص التابعة للبرلمان الأوروبي.

والإشارة هنا إلى السياسة التي اتبعها الرئيس الأمريكي جورج بوش. وبموجب هذه السياسة، والتي اصطلح على تسميتها (Renditions)، تقوم أجهزة الإستخبارات الصديقة للولايات المتحدة باعتقال مشتبهين بـ"عمليات إرهابية"، في أعقاب معلومات تقدمها وكالة الإستخبارات المركزية (سي آي إيه)، أو بمبادرة الإستخبارات المحلية. ويخضع المعتقلون للتحقيق، وفي الغالب باستخدام التعذيب من قبل أجهزة استخبارات أجنبية لا تحافظ على حقوق الإنسان والمعتقل.


وكانت وسائل الإعلام قد أطلقت على معسكرات الإعتقال هذه اسم "معتقلات الأشباح"، وذلك لأن أحداً لم يصادق على وجودها أو على النشاط السري الذي يجري تنفيذه في داخلها. وبحسب الشبهات يجري نقل المعتقلين إلى أوروبا، حيث أقيمت معتقلات كهذه في بولندا ورومانيا والبوسنة. إلا أن غالبية "معتقلات الأشباح" هذه تعمل في الدول التي لا يوجد فيها نظام ديمقراطي، مثل أفغانستان وباكستان ومصر والأردن والمغرب والعراق.

وكان قد نشرت صحيفة "هآرتس" قبل سنتين عن وجود معتقل سري كهذا للتحقيق في عمان، حيث تقوم الولايات المتحدة بنقل المعتقلين المشتبه بهم إليه من دول مختلفة في العالم.

وتتابع الصحيفة أن الإستخبارات الأردنية تستخدم كمقاول ثانوي، يعتبر الأهم بالنسبة للولايات المتحدة في الحرب على "الإرهاب العالمي". ففي مقر الإستخبارات الأردنية يوجد قسم للتحقيق يتعرض فيه المعتقلون للتحقيق العنيف والتعذيب. وعلم أن المحققين الأمريكيين يتابعون من وراء "مرآة مزدوجة" ما يحصل أثناء التحقيق، أو يتلقون التقارير عن النتائج. وفي هذه الحالة فإن الأمريكيين لا يكونون حاضرين أثناء التعذيب، وبذلك فهم "لم يخالفوا القانون الأمريكي"..

ويجري نقل المعتقلين جواً إلى معسكرات الإعتقال والتحقيق بواسطة طائرات تستأجرها وكالة الإستخبارات المركزية من شركات في الولايات المتحدة. وهي في الغالب شركات وهمية أقامتها المخابرات ذاتها. وفي التحقيقات الصحفية العالمية وبموجب تسجيلات سلطات المطارات في أوروبا، فقد تم الكشف عن بعض التفاصيل بشأن هذه الرحلات الجوية، بما في ذلك أرقام الطائرات ونماذجها والشركات التي استأجرت منها والأهداف التي وصلت إليها.

والإشارة هنا إلى رحلات جوية انطلقت منذ العام 2002 إلى عشرات المطارات في العالم. وفي هذه التسجيلات يرد ذكر عشرات الرحلات الجوية من وإلى مطار عمان، ومر عدد من هذه الرحلات عن طريق "تل أبيب"، وذلك بحسب منظمة حقوق الإنسان البريطانية "ستيت ووتش". وكان هناك على الأقل أربع رحلات جوية كهذه في السنوات 2003-2004.

في السابع من أيار/مايو 2003، غادرت طائرة أمريكية من طراز "غولفستريم" بيروت في لبنان إلى لارنكا في قبرص، ومن هناك واصلت رحلتها الجوية إلى تل أبيب. وبعد يومين، في التاسع من أيار/مايو، عادت الطائرة إلى لارنكا، واتجهت من هناك إلى المغرب..

وبعد أسبوع، تم تسجيل هبوط آخر في تل أبيب (مطار اللد) في الثالث عشر من أيار/مايو 2003، حيث غادرت طائرة من طراز "هركوليس" التي تحمل التشخيص N8213G التابعة لشركة "برسكوت سوفورت"، أثينا إلى تل أبيب. وفي اليوم نفسه غادرت الطائرة من تل أبيب إلى أرمينيا. وبحسب التقارير الإعلامية الأمريكية فإن شركة الطيران "برسكوت سوفورت" هي شركة وهمية أقامتها وكالة الإستخبارات المركزية (سي آي إيه).

بعد سنة، في الثامن أيار/مايو 2003، غادرت طائرة "غولفستريم" أمريكية من روما إلى لارنكا، ومن هناك، وفي اليوم نفسه، واصلت رحلتها الجوية إلى تل أبيب لتعود بعدها إلى لارنكا بعد وقت قصير. وبعد مرور عدة أيام هبطت الطائرة في تل أبيب في طريقها إلى لارنكا. وعندما واصلت لارنكا، غادرت في اليوم نفسه إلى عمان.

بحسبما أمكن استيضاحه، فمن غير المعروف أن هناك معتقلات مشتركة لمحققين إسرائيليين وأمريكيين في إسرائيل، على الرغم من أنه كان قد اتضح من الماضي أن هناك معلومات عن اعتقالات وتحقيقات مع "مشتبهين بالإرهاب من حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي"، يتم تناقلها بين الإستخبارات الإسرائيلية والأمريكية.

وبحسب "هآرتس"، حتى التعاون الوطيد بين إسرائيل والأردن في ما يسمى "الحرب على الإرهاب" ليس بالأمر الجديد، فهذا التعاون قائم بشكل مواز للقاءات التي جرت بشكل سري حتى العام 1994، بين الملك حسين وكبار المسؤولين في الأردن، بما في ذلك قادة الأجهزة الإستخبارية السرية، وبين القيادة في إسرائيل ورؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وبعد توقيع اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل، توطد التعاون أكثر من ذي قبل.


ويأتي تصريح مروان جبور ليلقي المزيد من الأضواء على الموضوع، بشأن الأردن وإسرائيل. فيقول:" جرى نقلنا جواً إلى الأردن من قبل القوات الأمريكية، وتم تسليمنا للقوات الأردنية التي باشرت التحقيق معنا. واستمر التحقيق لمدة شهر ونصف، جرى بعدها نقلنا إلى الحدود، لتسليمنا للاستخبارات الإسرائيلية"..

ويقول جبور إنه تم نقله بسيارة من المكان الذي كان محتجزاً في داخله في الأردن، وعندها طلب منه الأردنيون الصعود إلى حافلة سوف تقله إلى إسرائيل، إلا أنه رفض، وقال لهم:" إذا أردتم أن تسلموني لليهود، فعليكم أن تفعلوا ذلك بأنفسكم". وعندها قام الأردنيون بنقله بسيارة أخرى، رافقه فيها رجال أمن إسرائيليون..

وأوردت "هآرتس" تعقيب جهاز الأمن العام (الشاباك) أن جبور قد اعتقل في للمرة الأولى في إسرائيل في الثامن عشر من أيلول/سبتمبر، ومنذ ذلك الحين تم تمديد اعتقاله عدة مرات، كان آخرها في الثالث والعشرين من تشرين الأول/أوكتوبر. وكان من المفترض أن تناقش المحكمة العسكرية في معتقل الجلمة تمديد اعتقاله مرة أخرى، أو تقديم لائحة اتهام ضده، أو إعادته إلى الأردنيين. ومن جهته يخشى جبور من إمكانية أخرى وهي أن يتم نقله لأجهزة الأمن الفلسطينية. أما إمكانية أن يطلق سراحه ويلتم شمله بعائلته، فتبدو بعيدة بعد الباكستان عن معتقل الجلمة..

التعليقات