شقيق إيلي كوهين كان يحلّل رسائله واتّهم «مشغّليه» بكشفه!

-

شقيق إيلي كوهين كان يحلّل رسائله واتّهم «مشغّليه» بكشفه!
نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقريرًا مُوسّعًا، تناولت فيه جانباً من قصة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي أعدم في دمشق بعدما ضبطه السوريون متلبّساً في عام 1965.
وتناولت الصحيفة هذه المرة قصة شقيق إيلي كوهين، موريس، بحيث تجنّد الإثنان لـ «خدمة الموساد»، من دون أن يعرف أحدهما شيئاً عن الآخر. وكانت وظيفة موريس عبارة عن «تحليل الرسائل المشفّرة الآتية من وكيلنا في دمشق»، من دون أن يعرف بأنّ مرسل هذه الرسائل هو شقيقه الأكبر إيلي المتواجد هناك. وقد كان موريس متأكداً من أنّ شقيقه إيلي يتواجد في إحدى الدول الأوروبية بوصاية من الحكومة الإسرائيلية.

عندما فهم موريس القضية، وعلم بأنّ شقيقه هو «عميلنا في دمشق»، قدّر بأنّ هناك «خطراً جاثماً على حياته». وتوصّل موريس إلى هذه النتيجة في أعقاب «الأخطاء التي ارتكبها مشغّلو إيلي الإسرائيليون»، لكنّه لم يفصح عن هذا السر حتى للعائلة، رغم معرفته بالمخاطر.

وكتب موريس قبل وفاته الأسبوع الماضي «لم أقتل شقيقي إيلي، لكن حقيقة عدم الكشف عمّا أعرفه كانت خاتمة لمصيره».

تجنّد إيلي كوهين، للموساد قبل شقيقه موريس، الذي يصغره بعامين. بعد فترة وجيزة تجنّد موريس للموساد، وعيّن في جهاز الاستخبارات، وتعرّف إلى كيفية «تجنيد العملاء»، حيث كان يتلقى «الرسائل المشفّرة الآتية من دمشق» ويحلّلها يومياً.

طلب «الموساد» الإسرائيلي ذات مرة من «عملائه في الخارج»، أن ينهوا جزءاً من رسائلهم بـ»جملة حقيقية مأخوذة من حياتهم الشخصية»، من أجل التأكّد من أنّ العملاء هم «من أرسلوا هذه الرسائل وليس شخصاً متخفياً».

في إحدى الرسائل، التي تلقاها موريس، كتب ما يأتي: «هل حصلت ناديا على ماكنة الخياطة «زينغر» التي بعثتها إليها؟».
بحث موريس في «قاموس الشيفرة» عن كلمة «ناديا» و»زينغر»، لكنه لم يجدهما. توجّه إلى المسؤولين في «الموساد» وسألهم عن معان لكلمتي «ناديا» و»زينغر». فردّ عليه مسؤول قائلاً «أنت لست مخوّلاً لتحليل هذا».
بعد نهاية يوم العمل، وصل موريس إلى بيت شقيقه إيلي في زيارة عائلية، ووجد أنّ هناك ماكينة خياطة جديدة من نوع «زينغر»، وربط هذه المعلومة مع اسم زوجة شقيقه ناديا، لكنّه لم يخبرها شيئاً.

بعد أسابيع، وصلت رسائل أيضاً اختتمها عملاء «الموساد» بجملة «حقيقية». وكانت نهاية رسالة «العميل في دمشق» جملة «سمعت أن الآنسة فيفي بدأت تمشي». وفيفي هو اسم الدلع لابنة إيلي. عاد موريس الى البيت ووجد ابنة شقيقه تمشي فعلاً، ما ساعده على حسم موضوع «العميل»، والتأكّد أنه شقيقه.

عانى موريس في تلك الفترة من «أرق وقلق». وتقول الصحيفة: «كان موريس يصحو في الليل ويصرخ. كان يعاني كوابيس لم تتركه. كان دائماً يفكر بالكشف عن هويته لإنقاذه من الموت»، لكنّه في النهاية لم يفعل.»

تجنّد إيلي لـ»الموساد»، وأخبر الأصدقاء والعائلة بأنّه «وكيل قطع غيار إلكترونية» يعمل مع وزارة «الأمن» الإسرائيلية، لكنّه في الحقيقة كان مشغولاً في «تعلّم التربية الإسلامية والصلاة». عمل إيلي أيضاً على «إخفاء ماضيه اليهودي من أصل مصري». في المقابل، بنى «الموساد» اسماً جديداً لإيلي كوهين، وهو كامل ثابت، رجل أعمال يعيش في الأرجنتين، وتحوّل هذا الاسم بسرعة إلى «واقع».

أشارت الصحيفة إلى أنّ ثابت استطاع أن «يبني علاقات وطيدة مع أناس هامين في سورية»، وتعرف إلى المسؤول السوري العسكري في بوينس آيريس، أمين الحافظ، وبعد عام من بناء العلاقات في الأرجنتين، تلقى كوهين أوامر «الموساد» للدخول إلى سورية واستأجر بيتاً قريباً من قيادة الجيش السوري.

أثارت المعلومات التي كان يرسلها إيلي إلى إسرائيل إعجاب المسؤولين، إلا أن وتيرة المعلومات السريعة التي أرسلت بها المعلومات «أقلقت المسؤولين». وقال مسؤولون إسرائيليون بعد إعدام إيلي كوهين إنّ «تلهّفه من أجل إثبات نفسه أدّى إلى الكشف عنه»، الأمر الذي أثار غضب شقيقه موريس، الذي صرّح في المقابل «إنّ المسؤولين الإسرائيليين طلبوا من شقيقه معلومات أكثر من اللازم، وعرّض حياته للخطر».

وأشار موريس، في محاضرات، إلى أنّ الإسرائيليين اعتادوا على «بث المعلومات التي كان ينقلها إيلي عبر أثير إذاعة إسرائيل باللغة العربية من أجل الضغط على سورية»، مبيّناً أن «قليلاً من الحذر كان من شأنه أن يحفظ إيلي على قيد الحياة».

وتقول الصحيفة إنّ موريس لم يقدر على حفظ السر. انتظر عودة شقيقه من سوريا (باريس حسب إيلي)، من أجل مواجهته. عاد إيلي إلى إسرائيل في إحدى الزيارات، حاملاً حذاءً جديداً هدية لابنته فيفي. كان رقم الحذاء مكتوباً بالعربية. سأل موريس شقيقه «من أين اشتريت هذا الحذاء؟»، فردّ إيلي «من باريس». فسأله موريس «ومنذ متى يكتبون بالعربية على أحذية باريس؟» وبعد دقائق، كتب موريس على ورقة صغيرة على مرأى من شقيقه رقم هاتف بيته في دمشق. فأوقفه إيلي، وذهب إلى قيادة «الموساد» وأخبرهم عن «المحادثة الصعبة». فاستدعي موريس للتحقيق وتم تحذيره: «إياك أن تفتح هذا الموضوع وإلى الأبد».

في عام 1964، وبعد ثلاث سنوات من العمل في دمشق، لاحظ السوريون أن الكثير من قرارات الحكومة السورية تصل إلى إسرائيل، ويتم بثّها في الإذاعة الإسرائيلية باللــغة العربية. فهم السوريون فوراً بأن "جاســـوساً إسرائيلياً مقرّباً من القيادة السورية يعمل لمصلحة إسرائيل" وبدأوا بالبحــث عنه. واستطاع السوريون عن طريق أجهزة روسية متطورة إيجاد المكان الذي يبثّ منه إيلي معلومات لإسرائيل. وتمّ القبض عليه.

لم يكن موريـس في ذلك الوقت متواجداً في العمل لأنه أصيب بوعكة صحية ورقد في المستشفى. وعلم أثناء تواجده هناك بأنّ "جاسوساً إسرائيلياً ضبط في دمشق". فهم موريس أن الحديث يجري عن شقيقه. وعند عودته للعمل، همّ إلى ملف الرسائل من دمشق، لكن الملف كان قد أزيل.

التعليقات