علمانيون محدودو الضمان...!/ أنطوان شلحت

علمانيون محدودو الضمان...!/ أنطوان شلحت
(*) أظهرت معطيات استطلاع مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية لسنة 2008، الذي أجري في النصف الثاني من شهر كانون الثاني الماضي، وتلقينا مؤخرًا نسخة منه، أن 51 بالمائة من اليهود الإسرائيليين يعتبرون أنفسهم علمانيين، في حين أن 19 بالمائة يعتبرون أنفسهم متدينين أو حريديم، أي متدينين متشددين (10 بالمائة قالوا إنهم متدينون و9 بالمائة قالوا إنهم حريديم)، ويعتبر 30 بالمائة أنفسهم محافظين أو تقليديين.

وكانت آخر معطيات صادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي لسنة 2007، بشأن مدى تدين الجمهور اليهودي الإسرائيلي، والتي يقاس فيها مثل هذا الأمر بموجب توزيعة تشمل خمس فئات أساسية، قد أظهرت أن 7 بالمائة من الجمهور اليهودي الإسرائيلي يعتبرون أنفسهم حريديم، ويعتبر 10 بالمائة أنفسهم متدينين و14 بالمائة محافظين متدينين و25 بالمائة محافظين غير متدينين و44 بالمائة يعتبرون أنفسهم غير متدينين- علمانيين.

وقال معدا استطلاع مؤشر الديمقراطية لسنة 2008، وهما د. رفائيل فينتورا وميخائيل فيليبوف، من "مركز غوتمان" في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، واللذان عملا بإرشاد البروفسور آشير أريان، إن الصورة المرتسمة لليهود الإسرائيليين من هذا الاستطلاع شبيهة إلى حدّ كبير مع الصورة المرتسمة من المعطيات السالفة لمكتب الإحصاء المركزي. أمّا الفوارق الطفيفة في النسب فهي ناجمة، أساسًا، عن استعمال أدوات قياس متباينة قليلاً، منها أن مكتب الإحصاء المركزي قسّم جمهور الاستطلاع إلى خمس فئات في حين أن مؤشر الديمقراطية اعتمد توزيعة ذات أربع فئات.

من ناحية أخرى يظهر الاستطلاع نفسه أن أعلى نسبة لليهود الإسرائيليين العلمانيين هي بين المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، إذ قال 75 بالمائة منهم إنهم يعتبرون أنفسهم علمانيين.

وبموجب الانتماء إلى البلدان الأصلية أبان الاستطلاع أن 63 بالمائة من اليهود الأشكنازيين (المقصود، على وجه التحديد، اليهود الإسرائيليين الذين ولدوا أو ولد أهلهم في أوروبا وأميركا وأستراليا وجنوب أفريقيا) يعتبرون أنفسهم علمانيين، في حين أن 32 بالمائة فقط من اليهود السفاراديم- الشرقيين (المقصود، على وجه الدقة، اليهود الإسرائيليين الذين ولدوا أو ولد أهلهم في آسيا وأفريقيا) يعتبرون أنفسهم علمانيين. ويعتبر 44 بالمائة من اليهود الإسرائيليين أبناء الرعيل الثالث فما فوق من مواليد البلاد أنفسهم علمانيين.

كما يظهر الاستطلاع أن اليهود الإسرائيليين الشباب هم، بشكل عام، أكثر محافظة وتدينًا من كبار السنّ. ويعود ذلك، بصورة رئيسة، في قراءة المشرفين على الاستطلاع، إلى ارتفاع نسبة الولادة لدى الجماعات المحافظة والمتدينة في إسرائيل.

وفيما يتعلق بمدى حفاظ اليهود الإسرائيليين على العادات والتقاليد الدينية، أظهر الاستطلاع أن 13 بالمائة منهم يحافظون على هذه العادات والتقاليد بحذافيرها، ويحافظ 22 بالمائة عليها إلى حدّ كبير، بينما يحافظ 48 بالمائة عليها إلى حدّ قليل. أمّا نسبة الذين لا يحافظون عليها قطّ فقد بلغت 17 بالمائة فقط.

غير أن المثير هنا هو أن جزءًا كبيرًا من اليهود الإسرائيليين العلمانيين قالوا إنهم يحافظون، بقدر معين، على العادات والتقاليد الدينية. وبموجب نتائج مؤشر الديمقراطية لسنة 2008، فإن 32 بالمائة فقط من هؤلاء العلمانيين قالوا إنهم لا يحافظون على هذه العادات والتقاليد قطّ. كما يتضح أن ثلث المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق فقط قالوا إنهم لا يحافظون بتاتًا على العادات والتقاليد الدينية اليهودية.

تجدر الإشارة إلى أنّ تحليلاً شاملاً ومعمقًا لأنماط السلوك الدينية في إسرائيل، سبق أن أنجزه "مركز غوتمان" و"صندوق آفي- حاي" في سنة 2000، أظهر أن الغالبية الساحقة من اليهود الإسرائيليين العلمانيين يحافظون على تقليد واحد أو أكثر من العادات والتقاليد الدينية، مثل أكل الطعام الحلال (كاشير)، والامتناع من السفر في أيام السبت، والصوم في يوم الغفران أو في عيد الفصح العبري، وإضاءة الشموع في عيد الأنوار (حـانوكا).

وتعتبر هذه الغالبية مستقرة على مدار أعوام طويلة، حتى لدى توحيد السؤالين المتعلقين بمدى التدين، ومدى الحفاظ على العادات والتقاليد الدينية، ولدى توزيع الأجوبة على سبع فئات، مثلما حدث لأول مرة في الدراسة المشتركة لـ"مركز غوتمان" و"صندوق آفي- حاي" المذكورة. أمّا الفئة الأكثر شيوعًا، وتشمل نحو ثلث عموم السكان اليهود الإسرائيليين، فهي للذين يعتبرون أنفسهم علمانيين ويلتزمون بتطبيق بعض الشرائع الدينية.

وفي رأي معدي الاستطلاع فإن هناك تقسيمًا قارًًا، خلال العقدين المنصرمين، للجمهور اليهودي الإسرائيلي عماده ثلاث مجموعات رئيسة: نصف الإسرائيليين يعتبرون أنفسهم علمانيين، ونحو 30 بالمائة يعتبرون أنفسهم محافظين، و20 بالمائة يعتبرون أنفسهم متدينين أو حريديم. غير أنه على الرغم من ذلك النصف الذي يجاهر بعلمانيته، فإن نحو خُمس اليهود الإسرائيليين فقط يعلنون أنهم لا يحافظون على العادات والتقاليد الدينية مع ما قد يعنيه هذا من التزام بيّن، وإن النمط السائد لدى هؤلاء هو المحافظة على بعض هذه العادات والتقاليد داخل مجموعة كبيرة من الإمكانيات.

كما أكد كلاهما أن التوزيعة الثابتة ما بين علمانيين ومحافظين ومتدينين وحريديم عائدة إلى سببين أساسيين هما: الأول- نسبة التكاثر الطبيعي العالية بين المحافظين والمتدينين، وخصوصًا بين الحريديم، والثاني- الهجرة العلمانية من دول الاتحاد السوفييتي السابق.

وهكذا، فإنّ "بروفيل" المجتمع اليهودي الإسرائيلي من ناحية أنماط تدينه، بموجب هذا الاستطلاع، يشفّ عن حال تبدو ملتبسة تحتل التقاليد والعادات الدينية فيها موقعا حاسما حتى لدى القائلين بأنهم علمانيون.

وبالإمكان القول، بناء على ذلك، إن هذه الحال هي التي تجعل تلك التقاليد موجودة في كل مكان من إسرائيل، لكن من دون أن تكون تحت الأضواء الساطعة، خاصة أضواء العقل العام [الإسرائيلي]، الذي يتهرّب من واقع تجيير الصهيونية للدعاوى الدينية اليهودية في كل ما أقدمت وتقدم عليه من ممارسات سياسية وخلافها، منذ أن تأسست وحتى أيامنا الراهنة، على الرغم من الزعم بأنها حركة علمانية، لأنه تماشى ويتماشى مع هذا الواقع قلبًا وقالبًا، أو لخشيته من مواجهته مع ما يعنيه ذلك- أو ينبغي أن يعنيه- من استحقاق تعرية الصهيونية وأراجيفها بشأن مصطلحات وتعريفات صميمية، على غرار الشعب، البلد، الدولة والهوية.

يُعد "مركز غوتمان" في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" مرجعًا أول، من الناحيتين الكمية والنوعية، للمعلومات المتعلقة بدراسة مواقف وآراء الرأي العام الإسرائيلي منذ إقامة إسرائيل في سنة 1948.

ويضم مخزون المركز نحو ألف ومائتي بحث ودراسة أجريت منذ سنة 1947، التي تأسس فيها المركز، وحتى الآن.

أمّا محاور هذه الأبحاث والدراسات فإنها تشمل موضوعات عديدة نذكر منها ما يلي: العنف داخل المجتمع الإسرائيلي؛ ثقة الجمهور بالحكومة والمؤسسة السياسية عامة؛ الانتخابات البرلمانية؛ السياسة النووية؛ علاقات المتدينين- العلمانيين؛ القضية الفلسطينية؛ اتفاقيات السلام؛ المستوطنات؛ حقوق المواطن والحريات الفردية؛ العلاقات العربية- اليهودية؛ الانتفاضة؛ العلاقات الإسرائيلية- الأميركية؛ العلاقات بين إسرائيل والشتات اليهودي؛ السياسة الخارجية؛ الحروب؛ علاقات العمل؛ العرب في إسرائيل؛ الهجرة؛ المناطق المحتلة؛ الدولة الفلسطينية؛ الصهيونية؛ مستوى المعيشة؛ الأسرى والمفقودون؛ الخدمة العسكرية؛ عملية السلام؛ أداء الحكومة وقراراتها؛ الإعلام.

التعليقات