المفاوضات السورية-الإسرائيلية إلى أين؟../ د.محمود محارب

-

المفاوضات السورية-الإسرائيلية إلى أين؟../ د.محمود محارب
دار خلال الشهور الطويلة الماضية نقاش هام بين وجهتي نظر في إسرائيل حول جدوى دخول إسرائيل في مفاوضات مع سوريا، وحول إذا ما كانت هناك مصلحة عليا لإسرائيل في التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا.

وطرح أصحاب وجهتي النظر مجموعة هامة من الأسئلة، حاولوا الإجابة عليها، أبرزها: هل توفر اتفاقية سلام مع سوريا إجابة للمشاكل الأمنية الإسرائيلية المركزية الآنية؟ وهل هناك ضرورة ملحة للتوصل إلى اتفاقية سلام؟ هل من الممكن التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا وفق ما تريده إسرائيل؟ هل سوريا مستعدة وقادرة على دفع ثمن مركبات اتفاقية السلام في ما يخص علاقاتها الثنائية مع إسرائيل المتعلقة بالاعتراف وإقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفارات وخلق علاقات طبيعية بين البلدين؟ هل سوريا مستعدة لتغيير دورها وسياستها الإقليمية في المنطقة، وفي مقدمة ذلك فك تحالفها مع إيران وحزب الله وحماس، وتفكيك المحور الإيراني – السوري والخروج منه؟ ما هو تأثير أحياء المسار السوري - الإسرائيلي على المسار الفلسطيني وعلى الوضع في لبنان والعراق؟ ماذا يحدث إذا لم تستجب إسرائيل لدعوات السلام السورية المتكررة والمنادية باستئناف المفاوضات؟ وماذا سيحدث إذا ما فشلت هذه المفاوضات؟

بعد ثماني سنوات من الجمود أعلنت كل من سوريا وإسرائيل في الحادي والعشرين من أيار (مايو) الماضي أنهما شرعتا في مفاوضات غير مباشرة بينهما، بوساطة تركية. واتضح لاحقا أن إسرائيل اطلعت الإدارة الأميركية سلفا عن نيتها الدخول في المفاوضات وأن الإدارة الأميركية لم تكن متحمسة بل متحفظة، بيد أنها في الوقت نفسه لم تحاول منعها أو وضع العراقيل أمام الشروع بها.

تشير المصادر الإسرائيلية أن تركيا بدأت في وساطتها في أعقاب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تركيا في شباط (فبراير) من العام 2007، واجتماعه مع نظيره التركي رجيف اردوغان. ففي أعقاب تلك الزيارة بدأت تركيا بنقل الرسائل بين دمشق وتل أبيب.

جاءت المفاوضات التمهيدية بين سوريا وإسرائيل بعد حملة سلام سورية طويلة، دعت خلالها سوريا إلى استئناف المفاوضات بين الدولتين، وأصرت في الوقت نفسه أن تكون المفاوضات علنية وغير مباشرة وعلى أساس التزام إسرائيلي مسبق بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967.

لم يكن الموقف الإسرائيلي موحدا في نوعية وكيفية الرد على الدعوات السورية لاستئناف المفاوضات، وتفاعلت في تشكيله وصياغته مجموعة من العوامل والمصالح المتضاربة والمتناقضة. وتراوح الموقف الإسرائيلي وتذبذب بين رفض الدخول في المفاوضات وبين التلكؤ في الرد والتهرب من التطرق إلى الموضوع. وقاد دعوات الاستجابة الإسرائيلية لاقتراحات الرئيس السوري المتكررة باستئناف المفاوضات، في النقاشات الداخلية الإسرائيلية، قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وفي مقدمتهم وزير الأمن الإسرائيلي أيهود براك ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي جابي اشكنازي ورئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية (أمان) عاموس يدلين.

انطلقت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في موقفها من مسألة استئناف المفاوضات مع سوريا من رؤيتها وقراءتها للأخطار والتحديات التي تواجه إسرائيل. فقد اعتبرت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن إيران ومشروعها النووي والمحور الذي أقامته مع سوريا، يشكل الخطر الأساس على نفوذ ودور ومكانة إسرائيل في المنطقة ؛ ومن هذه القراءة والرؤية اشتقت إسرائيل السياسات التي ينبغي إتباعها من أجل التصدي لهذا الخطر الأساس.
أثار استئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل سؤالا حول المستجدات والمتغيرات التي حدثت في المنطقة، منذ توقف المفاوضات بين الدولتين في آذار (مارس) 2000، والتي حدت بالدولتين وقادتهما في نهاية المطاف إلى استئناف المفوضات بينهما.

تشير العديد من الأدبيات الإسرائيلية، وخاصة تلك الصادرة عن مراكز الأبحاث، إلى جملة من المتغيرات التي أثرت على إسرائيل في الشروع بالمفاوضات مع سوريا، رغم شكوك إسرائيل أن هدف سوريا من استئناف المفاوضات ليس التوصل إلى اتفاقية سلام، بقدر ما هو استعمال عملية المفاوضات كأداة لفك الحصار عنها، وكذلك رغم التحفظ الأميركي وإدراك إسرائيل أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاقية سلام بدون الرعاية الأميركية.

ويمكن إيجاز هذه المتغيرات والمستجدات بالتالي:
1- خطر إيران ومشروعها النووي : منذ عدة سنوات يهيمن مشروع إيران النووي وتصاعد قوة إيران وتعاظم نفوذها الإقليمي، على ذهنية المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وعلى مختلف النخب الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي، لما يحمله هذا المشروع الإيراني، إذا ما تحقق، من وضع حد لاحتكار إسرائيل للسلاح النووي وإضعاف نفوذ ودور ومكانة إسرائيل في المنطقة.

2- الاحتلال الأميركي للعراق: رغم أهمية الاحتلال الأميركي للعراق في إخراج العراق من دائرة الصراع مع إسرائيل، قامت المقاومة العراقية الفعالة باستنزاف الاحتلال الأميركي وإفشاله في تحقيق هدفه في إقامة نظام حليف مستقر، وباتت أميركا متورطة في الوحل العراقي، الأمر الذي اظهر محدودية القوة العسكرية الأميركية في تحقيق الأهداف السياسية، مما ترك إشعاعه على المنطقة.

3- حرب إسرائيل الثانية على لبنان : أثرت حرب إسرائيل الثانية ضد حزب الله في العام 2006 على نظرية الأمن الإسرائيلية. فقد فشلت إسرائيل بصورة جلية وواضحة في تحقيق أي هدف من أهداف الحرب، وأخفقت في منع أو وقف قصف العمق الإسرائيلي بالصواريخ، مما أدى إلى التقليل كثيرا من عامل مساحة الأرض في الحرب وأظهر ضعف الذرائع الإسرائيلية التي تعارض الانسحاب من الجولان لأسباب استراتيجية عسكرية، فاستمرار احتلال الجولان السوري لا يحمي إسرائيل من الصواريخ المتوسطة وبعيدة المدى التي تمتلكها سوريا بكثرة.

4- خروج الجيش السوري من لبنان: لم يقد انسحاب الجيش السوري من لبنان إلى إضعاف حزب الله أو القوى المساندة لسوريا في لبنان، بل على النقيض من ذلك، فقد ازدادت قوة حزب الله في جميع الميادين وخاصة العسكرية. وقد ساهمت سوريا مساهمة هامة في تعزيز قوة حزب الله العسكرية من خلال تزويده بالسلاح الحديث والمتطور، قبل وبعد حرب إسرائيل الثانية على لبنان.

5- فشل سياسة إسرائيل الأحادية الجانب في فلسطين وفي لبنان.
6- تعثر المفاوضات على المسار الفلسطيني وفشل إسرائيل في إيجاد شريك فلسطيني يقبل الإملاءات الإسرائيلية.
7- ظهور بوادر خروج سوريا من عنق زجاجة الحصار الأميركي.

احتدم جدال هام في الشهور الطويلة الماضية بين وجهتي نظر في إسرائيل حول جدوى المفاوضات مع سوريا وما هي مصلحة إسرائيل في التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا، في ظل المتغيرات المستجدة. وقد طرح المعارضون للتفاوض مع سوريا أسباب كثيرة لمعارضتهم، أبرزها:

على النقيض مما كان الوضع عليه في الماضي، أثناء المفاوضات السابقة، والتي كان من المسلم به حينئذ أن أي اتفاقية سلام مع سوريا ستقود بالضرورة إلى اتفاقية سلام مع لبنان أيضا، ونزع سلاح حزب الله؛ فإن التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا بعد انسحابها من لبنان، لن يقود إلى توقيع اتفاقية سلام مع لبنان ولا إلى نزع سلاح حزب الله. وبقاء امتلاك حزب الله قوة مسلحة قوية ومدعومة من إيران ينقص كثيرا من جدوى التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا لوحدها.

وأهم من ذلك، لا توجد ضمانة أن تقوم سوريا بفك تحالفها مع إيران، في حالة التوصل إلى اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل. ويضيف أصحاب وجهة النظر هذه أنه رغم ما يبدو في بعض الأحيان من عدم الثقة والشكوك بين سوريا وإيران، فإن علاقتهما عميقة وطويلة السنين وتستند على مصالح استراتيجية تجمعهما منذ فترة طويلة، وكلاهما شكلا سوية محور المقاومة والممانعة. ومن الصعب على سوريا أن تترك حليفا تتعاظم قوته سنة بعد أخرى، وقد يصبح نوويا في المستقبل المنظور.

ويستخلص أصحاب وجهة النظر هذه أن الرئيس السوري بشار الأسد ليس معنيا بدفع الثمن الاستراتيجي الذي تريده إسرائيل وهو فك التحالف مع إيران. ويشكك هؤلاء في قدرة الرئيس السوري الدخول في سلام شامل مع إسرائيل وفي قدرته فتح بلاده بعمق نحو الغرب، كما فعل السادات، فإجراء تحولات نوعية في سياساته الداخلية والاقتصادية والخارجية قد تقود إلى إسقاط النظام. ويضيف هؤلاء أن الرئيس السوري معني أكثر بالعملية السلمية ذاتها أكثر من اهتمامه بالتوصل إلى اتفاقية سلام. فالعملية السلمية واستئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل تساعد سوريا في الخروج من عزلتها وتمنحها حصانة ضد الضغوطات المختلفة، بما في ذلك الخروج من المحكمة الدولية المتعلقة بمقتل الحريري، بأقل أذى ممكن.

ويشدد هؤلاء ليس فقط على عدم وجود أي ضغط دولي أو إقليمي لإجراء مفاوضات مع سوريا، وإنما أيضا على أن هناك سياسة أميركية تتبنى حصار سوريا منذ سنوات، وقد سار الغرب وبعض الدول في المنطقة وراء هذه السياسة. علاوة على ذلك، لا تستطيع سوريا في المستقبل المنظور شن حرب على إسرائيل لاستعادة الجولان بالقوة العسكرية. ويضيف هؤلاء أنه إذا أقدمت سوريا على ذلك فأنها ستدفع ثمنا باهظا وبدون أن تحقق أهدافها.
يطرح المؤيدون لوجهة النظر الداعية إلى المفاوضات والى التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا جملة من الأسباب نوجز أبرزها:

1- يشكل توقيع اتفاقية سلام مع سوريا الوسيلة الأجدى، ولعلها الوحيدة في الأفق، لأحداث تغيير استراتيجي في دور سوريا في المنطقة وفي علاقاتها مع إسرائيل ومحيطها الإقليمي. فلم تعد المسألة المركزية بالنسبة لإسرائيل، إخراج القوة العسكرية السورية من المواجهة مع إسرائيل، كما كان الوضع عليه في المفاوضات السابقة. فقد باتت المسألة المركزية اليوم تتمثل في ما هو تأثير توقيع اتفاقية سلام مع سوريا على قوة المحور الإيراني وسعي إيران الدؤوب للحصول على السلاح النووي. ويطرح هؤلاء أنه من الخطأ التعامل مع التحالف بين سوريا وإيران بصورة جامدة وكأن هذا التحالف ثابت ودائم وغير قابل للتفكيك. فصحيح أن سوريا في الوضع الراهن حليفة لإيران ولحزب الله. ولكن عند التوصل إلى اتفاقية سلام، تحت رعاية ادارة الولايات المتحدة الأميركية القادمة، وما يرافقها من مفاوضات واتفاق بين سوريا والإدارة الأميركية، حول دور سوريا في المنطقة، فإن علاقات سوريا مع إيران ستضعف بطبيعة الحال، وستصبح هذه العلاقات عاملا معرقلا أمام حصول سوريا على المكاسب الناجمة من توقيعها اتفاقية سلام مع إسرائيل وتقاربها مع الولايات المتحدة ودول المنطقة المعتدلة.

2- هناك مصالح حقيقية لسوريا في التوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل، تضمن استعادة الجولان إليها وإزالة الخطر الإسرائيلي عليها؛ كذلك من الصعب أن تتمكن سوريا من تطوير ذاتها بدون تحسين علاقتها مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية. ويضيف هؤلاء أن سوريا تدرك أن مجرد تفعيل المسار السوري الإسرائيلي والدخول في المفاوضات بدون التوصل إلى اتفاقية سلام، لا يخدم هدف سوريا تحسين علاقاتها مع الغرب، كما أثبتت التجربة في الماضي عندما فشلت المفاوضات بين سوريا وإسرائيل قبل ثماني سنوات.

3- رغم انسحاب سوريا من لبنان لا زالت دمشق تتمتع بنفوذ كبير في لبنان عبر حلفائها وخاصة حزب الله. وتمتلك سوريا القدرة في التأثير على حزب الله بحكم موقعها الجغرافي، لاعتماد حزب الله عليها في الحصول على السلاح، سواء كان ذلك سلاحا سوريا أو إيرانيا. ويستخلص أصحاب وجهة النظر هذه أن اتفاقية سلام مع سوريا وترتيب دورها الإقليمي في المنطقة مع الولايات المتحدة الأميركية، يقود أما إلى التوصل إلى اتفاقية سلام مع لبنان أو إلى التوصل إلى تفاهم مع سوريا حول الوضع في لبنان.

4- تفتح اتفاقية سلام مع سوريا مرحلة جديدة في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية. فهي من ناحية تنهي جانب هام من الصراع العربي-الإسرائيلي، وهو الصراع بين الدول – دولة إسرائيل والدول العربية - وتقود من ناحية ثانية إلى ترقية علاقات إسرائيل مع العديد من الدول العربية، قد تصل إلى إقامة علاقات دبلوماسية جديدة كاملة مع العديد منها. ومن شأن ذلك كله تخفيف حدة الصراع أو التوتر في المنطقة، وتقليص مسببات ودواعي الأطراف العربية السعي للتحالف مع إيران.

5- سيعكس توقيع اتفاقية سلام مع سوريا نفسه على دور سوريا في القضية الفلسطينية. فمن المتوقع، كما يقول أصحاب وجهة النظر هذه، أن تخرج سوريا من محور المقاومة أو الممانعة، الأمر الذي سيؤثر على تغيير علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية. فمن ناحية سيحدث تقارب مع قيادة السلطة الفلسطينية وقيادة م.ت.ف، وفي الوقت نفسه من المتوقع، من ناحية أخرى، أن تكف سوريا عن، أو تقلل من دعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية، وخاصة حماس والجهاد.

6- ستحفز اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل الفلسطينيين إلى إسراع الخطى للتوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل لئلا يتركوا وحدهم.

هناك قسمان أساسيان في أية اتفاقية سلام مستقبلية بين إسرائيل وسوريا. يرتبط القسم الأول بالعلاقات الثنائية بين سوريا وإسرائيل، مثل مسائل الحدود والمياه والترتيبات الأمنية والمناطق المنزوعة السلاح والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الطرفين. أما القسم الثاني فيرتبط براعية المفاوضات، الولايات المتحدة الأميركية، الغائبة عنها حتى الآن، وعلاقاتها مع سوريا وإمكانية اتفاقها معها حول دور سوريا الإقليمي في أعقاب اتفاقية السلام من ناحية، والدعم المالي والعسكري الذي ستحصل عليه إسرائيل من أميركا إثر التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا وانسحابها من الجولان السوري وإزالتها المستوطنات والقواعد العسكرية من ناحية أخرى.

تقف أمام التوصل إلى اتفاقية سلام جملة من التحديات والعوائق سواء على صعيد العلاقات الثنائية بين سوريا وإسرائيل أو على صعيد دور أميركا واتفاقها مع القيادة السورية حول دور سوريا الإقليمي في المنطقة. وأهم هذه العوائق والتحديات:

1- مسألة التزام إسرائيل بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967: هناك إقرار في إسرائيل، بصورة عامة، أن الانسحاب من الجولان السوري المحتل هو ثمن التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا. فقد ظلت سوريا طيلة الوقت مصممة على هذا المطلب ولم تتزحزح عنه قيد أنملة. ولكن، رغم ذلك، تسعى إسرائيل إلى أحداث تآكل في الموقف السوري تجاه هذه المسألة عبر عدة وسائل:
أ- التمييز بين حدود الرابع من حزيران والحدود الدولية بين سوريا وفلسطين التي رسمتها بريطانيا وفرنسا سنة 1923؛ وتبدي إسرائيل استعدادها للانسحاب إلى الحدود الدولية بين سوريا وفلسطين وتطرح نفسها إنها هي وريثة لفلسطين. هكذا!
ب- تحاول إسرائيل أن تطرح أن حدود الرابع من حزيران غير واضحة المعالم وأن هناك حاجة إلى ترسيمها من جديد، وذلك بهدف فتح باب التفاوض على الحدود وفرض رؤيتها على سوريا في ترسيم هذه الحدود والانتقاص من المساحة التي ينبغي عليها الانسحاب منها إلى حدود الرابع من حزيران.

2- علاقة سوريا مع إيران ودور سوريا الإقليمي في المنطقة: تدرك إسرائيل وأميركا أن سوريا لن تقطع علاقاتها كلية مع إيران وحزب الله بعد توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل. ولكن تشترط إسرائيل أن توقف سوريا تعاونها ودعمها لأي نشاط معادي لإسرائيل سواء في علاقاتها مع إيران أو حزب الله أو حماس أو الجهاد.

3- دور أميركا: التوصل إلى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل يعتمد ومرهون بموقف الإدارة الأميركية القادمة. فهل ستتبنى الإدارة الأميركية القادمة دورا فعالا في رعاية المفاوضات بين سوريا وإسرائيل؟

4- المسار اللبناني-الإسرائيلي : هل ستحاول سوريا بجدية استعمال نفوذها من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام بين لبنان وإسرائيل؟ وهل ستنجح في ذلك؟

5- يشكك الكثيرون في قدرة الحكومة الإسرائيلية الحالية، أو أية حكومة إسرائيلية قادمة، في تنفيذ اتفاقية سلام مع سوريا، في ضوء وجود أغلبية كبيرة في الرأي العام الإسرائيلي، في الوقت الحالي، التي تعارض الانسحاب من الجولان، وفي ضوء التشريع الجاري في الكنيست الذي يشترط الانسحاب الإسرائيلي من الجولان بالحصول على أغلبية 80 عضو كنيست من مجموع 120 عضو، أو الحصول على أغلبية في استفتاء عام. لم يجر في إسرائيل منذ قيامها وحتى اليوم أي استفتاء عام، وإذا وقعت الحكومة الإسرائيلية في المستقبل على اتفاقية سلام مع سوريا، وبدعم ورعاية أميركية، فلن تجد الحكومة الإسرائيلية صعوبة كبيرة في الحصول على أغلبية في الاستفتاء العام، وذلك رغم ما يبدو في الوقت الراهن من وجود أغلبية كبيرة في الرأي العام الإسرائيلي ضد الانسحاب من الجولان. فالنخب في إسرائيل، وخاصة قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية، هي التي تساهم مساهمة كبيرة في تشكيل الرأي العام وليس العكس. علاوة على ذلك، يشكل العرب في إسرائيل 14% من مجموع ذوي الحق في المشاركة في الاستفتاء العام، ومن المتوقع إن تكون مشاركتهم مرتفعة في الاستفتاء وداعمة لاتفاقية سلام مع سوريا، التي تضمن انسحاب إسرائيل من الجولان.

يبدو أن سوريا صمدت أمام الحصار الأميركي المدعوم إقليميا، وأنها خرجت من عنق زجاجة الحصار. وتمتلك سوريا مواطن قوة هامة، ناجمة من قوتها الذاتية ودورها في محور الممانعة والمقاومة، ومن علاقاتها مع إيران ومع الملفات اللبنانية والفلسطينية والعراقية. ومن الواضح أن شكل وشروط أية اتفاقية سلام قادمة بين سوريا وإسرائيل ستستند على أولويات وأهداف كل طرف وعلى موازين القوى بينهما. وبإمكان سوريا أن تحسن لصالحها شروط وشكل اتفاقية السلام، ودورها الإقليمي في المستقبل، إذا ما بذلت كل جهدها في حشد طاقاتها واستعدادها للحرب وتعزيز قدراتها القتالية إلى أعلى درجة ممكنة، وكأن الحرب ستحدث في أية لحظة. فإذا كانت هناك عبر في التاريخ، وهو مليء بالعبر والدروس، فان من أهم عبر ودروس التاريخ أن من يريد السلام لا بد له أن يستعد بكل طاقاته للحرب.

"نشر أيضا في مركز دراسات الجزيرة"

التعليقات