حرب الستين ساعة؛ البحث عن صورة انتصار..

حرب لبنان الثانية. الحرب العدوانية التي فشلت فشلا مدويا بسبب صمود رجال المقاومة اللبنانية وبراعتهم وشجاعتهم واستعدادهم للنزال.

حرب الستين ساعة؛ البحث عن صورة انتصار..
سادت ليلة السبت أجواء كئيبة في منزل رئيس الحكومة، حين اجتمع للاحتفال بعيد ميلاد عليزا أولمرت.
وزيرة الخارجية تسيبي ليفني أبلغت وزيرة الخارجية الأمريكية رايس أن إسرائيل تقبل مشروع قرار وقف إطلاق النار، إلا أن أولمرت رفض التعجيل في عقد جلسة للحكومة، وتجاهل موافقة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة. " ماذا سنقول للعائلات؟" حاولت ليفني ثني أولمرت قبل أن يتحول مقاتلو وادي السيلوقي إلى بط في حقل الرماية.

هكذا خرجت إسرائيل لعملية برية واسعة في اليومين الأخيرين لحرب لبنان الثانية. من كتاب الصحفيين في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل وآفي يساخاروف تحت عنوان "بيت العنكبوت " الناشر: صحيفة يديعوت أحرونوت.

في ساعات الصباح المتأخرة من يوم الجمعة الحادي عشر من أغسطس/ آب، عقد وزير الأمن عمير بيرتس جلسة مشاورات في تل أبيب لطاقم وزراء حزب العمل. وحاول بيرتس أن يعرض ما اعتبره إنجازات مسودة قرار وقف إطلاق النار التي تمت صياغتها في الأمم المتحدة، والتي ستطرح للتصويت في مجلس الأمن كقرار 1701. لم يسارع وزراء العمل إلى قبول تفسيرات وزير الأمن. وتهجم بنيامين بن إلعيزر على بيرتس قائلا: " هذه كارثة. سيكون لها الاتفاق نتائج كارثية. واعلم أنه إذا انتهت الحرب على هذا الشكل فأنت منته". وكان استياء بن إليعيزر يتركز في البنود المتعلقة بمزارع شبعا وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين. إلا أن بيرتس سارع إلى إنهاء الجلسة رافضا الاستماع إلى وزراء آخرين. وخرج متوجها إلى منزل رئيس الحكومة في القدس الغربية، عازما على إقناع أولمرت بشن حملة برية بشكل فوري.

وحينما وصل بيرتس إلى القدس كان أولمرت منشغلا في جلسة أخرى كانت قد بدأت في الحادية عشرة قبل الظهر. وكان يجلس في غرفة العمل في منزله مع أربعة مستشارين خارجيين، لم يتمتع أي منهم بمنصب رسمي، ولا يتحمل أي منهم أي مسؤولية عن مجريات الحرب، وكان الأربعة: رجل الاستطلاعات كلمان غاييرـ والجنرالات احتياط، عميرام ليفين وديدي يعاري والمستشار الاستراتيجي د. حاييم آسا. ولم يحضر الجنرال أوري ساغي الذي كان مدعوا إلى تلك الجلسة.

وقد اجتمعت هذه المجموعة في ذالك اليوم لأول مرة، بالرغم من أن بعضا من أعضائها كانوا قد اجتمعوا مع رئيس الوزراء خلال الحرب. واستمر اللقاء ساعتين. وعرض أولمرت على الحضور مسودة الاتفاق التي وصلته عبر الفاكس إلى جانب الخطة التي عرضها الجيش. وقال أولمرت "الجيش يطلب مني شهرا، أسبوع لاحتلال المنطقة حتى نهر الليطاني، أسبوعين للتطهير، وأسبوع للانسحاب".

إلا أن كافة الحاضرين اعترضوا على العملية العسكرية الطويلة وحذروا من أن إسرائيل قد تتورط في لبنان لسنوات طويلة. وأيدوا شن حملة برية كوسيلة ضغط للتوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق نار أفضل. وقالوا لأولمرت: إذا اعتمدت اتفاقية مريحة في مجلس الأمن، فينبغي أن توقف فورا زحف الجيش. وخلال الجلسة خرج أولمرت إلى غرفة جانبية وجلس مع بيرتس لعدة دقائق. لم يكن وزير الأمن على ما يبدو على علم بأن في الغرفة المجاورة تجرى مشاورات جدية، وهذه المرة أيضا لم يهتم أولمرت بأن يدعوه للمشاركة فيها.

بعد الساعة 13:00 بقليل شرع أولمرت في سلسلة مشاورات مع مساعديه المقربين. وكان بيرتس ومستشاره العسكري، البريجادير إيتان دانغوت، ينتظران خارج الغرفة، إلا أن بيرتس دخل عدة مرات من أجل الضغط على رئيس الحكومة.

ويقول أولمرت في شهادته في لجنة فينوغراد: إذا كانت هناك لحظة في كل السنوات الواحدة والستين التي يمكنني وصفها بأنها أصعب لحظة في حياتي- فقد كانت تلك هي اللحظة". ويضيف: "بعد هذه اللحظة فهمت كل ما قرأته لمؤرخين وخبراء حول طعم الوحدة، وحينما تكون المسؤولية كلها ملقاة على عاتقك". ويتابع: "لم تكن مشكلة؛ فرئيس الأركان أيد، ووزير الأمن أيد، ولكن أنا من كان يجب أن يقرر." ويضيف: " أذكر أنني كنت أسير في الغرفة ذهابا وإيابا في هاتين الساعتين، أتعذب مع نفسي، وأمام عيني أرى وجوه الأولاد(الجنود) الذين ربما لن يعودوا، والذين أعرفهم، أبناء أصدقائي، لدي في مكتبي هذا المقولة لرئيس الولايات المتحدة هاري ترومان "المسؤولية تتوقف هنا". نظرت حولي، أنا- وليس أي أحد آخر من يجب أن يقرر، ابن ابني وابن عمي وابن حاييم والذين أعرف أنهم سيدخلون إلى لبنان وقسم منهم لن يعود.

الجهاز السياسي الإسرائيلي تجند كله في تلك الساعات للجهود الدبلوماسية، بهدف تغيير المسودة التي تم التوصل إليها في مفاوضات متواصلة في نيويورك بين سفير الولايات المتحدة وسفير فرنسا والأمم المتحدة. وشرح الإسرائيليون لنظرائهم الأمريكيين أنهم لا يمكنهم قبول النص الحالي وأشاروا إلى المشاكل فيه. وتحدثت وزيرة الخارجية تسبي ليفنني مع نظيرتها الأمريكية كونداليزا رايس والتي كانت في طريقها من واشنطن إلى نيويورك. انقطع الاتصال ثم تجدد في وقت لاحق لدى وصول رايس إلى فندق "فلدورف إستوريا" والذي أدارت منه المفاوضات حول المسودة النهائية. "لا يمكننا قبول هذا النص" قالت ليفني لرايس we cant live with it.

البنود في الوثيقة التي أقلقت ليفني تتعلق بملاحظات الهوامش حول مستقبل مزارع شبعا؛ والبند غير الملزم المتعلق بتعزيز اليونفيل (أي دون التعهد بمنح قوات الأمم المتحدة توكيلا باستخدام القوة) كما أقلقها أيضا غياب الرقابة التي برأيها من شأنها أن تمنع تهريب السلاح عبر الحدود السورية اللبنانية. بند آخر لاقى استياء المحيطين بأولمرت ووزارة الخارجية ، وهو التوازي في قضية الجنود الإسرائيلين الأسرى لدى حزب الله والأسرى اللبنانيين السجناء في إسرائيل. إلا أن رايس فاجأت ليفني بردها الإيجابي، "نحن نعرف" قالت رايس لليفني، سيتم تعديله.

وقد أنهت ليفني المحادثة مع شعور بأن الحل قريب. ويتطلب الآن برأيها مواصلة الضغط السياسي في مسارين: مزارع شبعا والعقوبات على لبنان. إلا أن المقربين من أولمرت كانوا يرون الأمور بشكل آخر. وقالوا: " لم يكن مناص من عملية عسكرية كي نوضح أننا غير مستعدين لقبول صيغة سيئة للمسودة، ولممارسة ضغط على حكومة لبنان كي توافق على تليين مواقفها". ويضيفون: حتى الأمريكيين قالوا لنا قبل ذلك بيومين، يوم الأربعاء، أنه من المفضل التهديد بحملة عسكرية برية، إلا أنهم طلبوا منا إرجاءها. وكانوا في الحكومة راضين من أن الفرنسيين يتصببون عرقا ويخشون من عملية برية واسعة.
في غضون ذلك مارست إسرائيل ضغوطا على فرنسا بهدف حشد تأييدها للتغييرات في المسودة. وتحدث في هذا السياق الوزير شمعون بيرس مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك والذي كان في عطلة.

نحو الساعة 16:50 اتخذ أولمرت القرار النهائي بشن الحملة العسكرية. وكان مترددا حتى اللحظة الأخيرة. ويبدو أن الضغط المكثف الذي مارسه بيرتس ترك أثرا هذه المرة، وكان بيرتس يخشى من انتهاء الحرب بصورة هزيمة إسرائيلية.
ولم يبح أي من الاثنين حتى اليوم ما هو الحديث الذي دار بينهما في الجلسة الثنائية. وقال أشخاص كانوا حينذاك في مكتب أولمرت، إن بيرتس خرج من المكتب كالعاصفة- بعيون بارقة ويتملكه شعور بأنه أنجز شيئا عظيما.

اتصل أولمرت برئيس هيئة الأركان دان حالوتس، والذي كان يجري حينذاك مشاورات في مكتبه، وتركزت في تقييم الأوضاع مع كبار ضباط الجيش. وخرج حالوتس من الغرفة للرد على المكالمة. وبعد محادثة هاتفية قصيرة، أبلغ رئيس الوزراء، أولمرت، رئيس الأركان، أن الجيش لديه 60 ساعة حتى دخول وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ. وحينما عاد حالوتس إلى الغرفة قال للجنرالات المجتمعين: يوجد موافقة للانطلاق إلى الطريق على أن نكون قادرين على وقف كافة العمليات خلال 6-8 ساعات. ولكن لا يوجد خيار فهذا جزء من قواعد اللعبة. وأضاف: فلننطلق إلى الأمام كل واحد منكم يعرف مهمته.

أودي آدم والذي كان يشارك في الجلسة من خلال محادثة فيديو من الشمال فارقهم أولا قائلا أنا ذاهب إلى العمل. وتأخر قائد سلاح الجو إلعيزر شاكيدي قليلا للحصول على توجيهات من حالوتس بشأن هدفين كان ينبغي على سلاح الجو قصفهما. وتبعثرت بعد ذلك الجلسة. ولم يخصص كبار الضباط دقيقة واحدة للبحث في أهداف الحملة التي صودق عليها، أو اقترحوا إجراء تغييرات متعلقة بضيق الوقت الذي حدده أولمرت، أو تباحثوا حول الخطوط التي ينبغي أن تنتشر فيها القوات.

وقد ادعى آدم في شهادته في لجنة في لجنة فينوغراد أنه لم يتم إبلاغ الجنرالات بما يحصل في لأمم المتحدة. وأن حالوتس لم يبلغهم أن مدة الحملة هي 60 ساعة وأن تقديرات قيادة الشمال أشارت إلى أنه يتطلب 96 ساعة لمثل هذه الحملة. ولكن حالوتس طلب 72 ساعة من رئيس الحكومة.

بعد 31 يوما بعد اندلاع الحرب خرج الجيش في حملة برية واسعة، والتي كانت إمكانية شنها قد طرحت في ظهيرة 12 يوليو/ تموز. وربما كان سيؤدي هذا القرار إلى نجاحات ما للجيش لو أنه اتخذ في الأسبوعين الأوليين، إلا أنه اتخذ في موعد متأخر جدا، بمحاذاة وقف إطلاق النار.
ولم يطلب من المجلس الوزاري المصغر التعبير عن رأيه وكان المجلس قد صادق قبل يومين من ذلك الموعد على شن حملة عسكرية طويلة وواسعة معتمدا على صورة أوضاع مختلفة تماما عما كان يدور في الأمم المتحدة. ولم يكن لحالوتس، وأولمرت، الصبر لإجراء مداولات مفصلة، وقال أولمرت لأعضاء لجنة التحقيق أنه تطلب منه اتخاذ قرار.

وبعد أن أصدر أولمرت التعليمات لحالوتس اجرى عددا من المحادثات الهاتفية مع أعضاء المجلس الوزاري المصغر لمشاركتهم في ارتباكه. وسألت وزيرة الخارجية أولمرت كم من الوقت يتطلب الجيش لوقف تقدم القوات عند الحاجة. فرد رئيس الوزراء: الضباط قالوا لي 8 ساعات.
وقدر بعض الوزراء دون أن يقول لهم أولمرت أن الحديث يدور عن وسيلة ضغط فقط: بحيث تتحرك القوات شمالا للضغط على مجلس الأمن لاتخاذ القرار المناسب. إلا أن في قيادة اللواء التي تلقت الأمر بالتحرك كان لدى الضباط فهما مختلفا تماما، من ناحيتهم كانت تلك هي «الحملة الكبيرة».

واتصل أولمرت بشاؤول موفاز في منزله في كوخاف يائير في الساعة 17:50، وقال: صادقت للجيش على عملية واسعة. وخطة موفاز ضمن ذلك". ( كان موفاز قد اقترح قبل ثلاثة أيام على أولمرت أن «يأخذ فرقتين ويصعد باتجاه صور واحتلال مناطق ذات أهمية استراتيجية. وقال موفاز حينذاك: "في هذه الحالة أنت تحاصر حزب الله بحيث لا يمكنهم الخروج، وكل جندي من حزب الله يعرف أن وراءه فرقتين سيفكر مرتين قبل أن يواصل القتال". إلا أن موفاز استصعب الاستيعاب: ترسلهم لثمانية أسابيع في اليوم الـ31؟.

لا ، رد أولمرت: إنها فقط 60 ساعة. صباح يوم الاثنين سيدخل وقف إطلاق نار إلى حيز التنفيذ. هناك وثيقة غير جيدة في الأمم المتحدة نأمل بأن تتحسن". فقال موفاز: إيهود تحريك فرقة يأخذ كثيرا من الوقت. ماذا ستحقق في 60 ساعة. لا أنصحك القيام بذلك. لقد صدرت التعليمات، أجاب أولمرت. وبعد المحادثة سرب موفاز الأنباء لمحطة تلفزه. وذكرت إحدى نشرات الأخبار أن الجيش حصل على موافقة للعمل في الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني. هذا غير معقول قال وزير المواصلات موفاز لزوجته أوريت. لقد جن جنونهم تماما، وحزب الله سيعود من عطلة الترفيه إلى مواقعه.

علامات أسئلة كثيرة أثيرت في أماكن أخرى.
في ساعات بعد الظهر تحدث الملحق العسكري في واشنطن، الجنرال دان هرئيل، هاتفيا مع أحد نظرائه في القيادة العامة. وخرج هرئيل بشدة ضد الهجمة البرية: التاريخ لن يسامحكم، يوجد اتفاق وينبغي وقف القوات، ليس هناك داع لنقل المزيد من الجنود".
في ساعات ما بعد الظهر من يوم الجمعة تم إحياء مناسبة عائلية احتفالية. كان ذلك يوم ميلاد عليزا أولمرت، زوجة رئيس الوزراء.
كانت العائلة تخوض خلال أيام الحرب (العائلة آراؤها اكثر يسارية من أراء الأب) نقاشات كثيرة حول القرارات التي اتخذت، إلا أن زوجة أولمرت وأبناءه منحوه الدعم الحسي الكامل.

وتبين لأفراد العائلة من خلال محادثاتهم الهاتفية مع المنزل وهم في الطريق إلى القدس أن الوضع على أعتاب خطوة إيجابية وأن التوصل إلى اتفاق في الأمم المتحدة بات قريبا. إلا أنهم حينما وصلوا إلى المنزل وفتح لهم أولمرت الباب، كان كئيبا والقنوط باد على وجهه.
وقال إنه تسلم صيغة المسودة وأنها مخيبة للآمال. "حقا كل شيء انهار"، سُئل. فأجاب بالإيجاب. وأضاف: تأثير الفرنسيين على المسودة، كان أكثر مما توقعنا. "لا خيار، ينبغي إصدار التعليمات للجيش كي يدخل".

أخفت عليزا أولمرت مشاعرها. أخذت أوراق كبيرة وعلقتها على الجدران، وبدأت ترسم عليها هي والأحفاد. خرج رئيس الوزراء عدة مرات لغرفة مجاورة يتحدث هاتفيا بالانجليزية. ومرارا سمعوه يرفع صوته. "في حياتي لم أحدثها بهذا الشكل" قال لدى عودته من إحدى المحادثات.
ولم يكن إلى جانب أولمرت مستشارون مساء السبت. والمحادثات أجريت فقط عبر الهاتف. وأدرك أفراد العائلة أيضا أن القرار كله بيده..

"استمر ماراثون المحادثات الهاتفية. وفي ساعات المساء قال رئيس الوزراء لأفراد عائلته إنه تم قبول مسودة قرار أخرى، تبدو أفضل لإسرائيل. إلا أن الجيش سيدخل.
أحدهم سأل لماذا. فرد أولمرت: كي يكون الجيش في مواقع جيدة إذا انهار كل شيء. وأضاف: لست متأكدا أن المسودة ستصمد.
والاعتبارات السياسية إذا كانت قائمة لم تذكر. وفي المنزل سادت أجواء كآبة.

مع كل ذلك، وردت التعليمات بشن الهجوم إلى قيادات الفرق في منطقة الشمال دقائق قليلة بعد الساعة 17:00 من يوم الجمعة. وبعد نصف ساعة انتقلت الأوامر إلى الألوية والكتائب. كان الأمر مفاجئا للضباط. ففي وقت سابق قيل لهم إن الموعد الأخير الذي سيتلقون به التعليمات هو الساعة 14:00. وبدأت قيادة لواء الناحال التابعة لفرقة 162 بالاستعداد لمهمة غير عادية، فبدل قطع وادي السيلوقي غربا، تلقوا أوامر بتمشيط المحميات الطبيعية التابعة لحزب الله القريبة من الحدود.

لقد افترض الضباط أن تطبيق الخطة الأصلية في الساعات المتبقية سيكون مستحيلا. وتحدثوا في الإذاعة والتلفزيون دون توقف عن اتفاق قريب في الأمم المتحدة من شأنه أن يوقف إطلاق النار. وحدد الجدول الزمني الذي أعدته الفرقة أن الهجوم على الجانب الغربي للسيلوقي ينبغي أن يبدأ في ساعات الليل. وفي الوقت المتبقي لم يكن ممكنا القيام بذلك.
وفي غضون ذلك حصل لواء الهندسة التابع للمقدم أشري لوغسي، والذي كان قد أعيد من السيلوقي يوم الأربعاء، على الإذن بالذهاب لتناول وجبة السبت في معسكر حوما في هضبة الجولان. وفي هذه اللحظة وصل الأمر المستعجل إلى مراكز القيادة: بالرغم من كل شيء ننطلق إلى الطريق..

وفي نيويورك اقتربت الأطراف للتوصل إلى اتفاق في الساعة 11:00 قبل الظهر(18:00) حسب التوقيت المحلي. وبعد عدة ساعات من المباحثات المكثفة بين سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة جون بولتون وبين نظيره الفرنسي، جان مارك دا سبالية، والتي تخللها مشاورات هاتفية مع تل أبيب وبيروت وباريس وتكساس(التي تواجد فيها الرئيس بوش ومستشاره للأمن القومي ستيف هادليي)، توصل السفيران إلى حل لبعض النقاط المختلف عليها.

بصمات أصابع البيت الأبيض كانت جلية على صيغة الاتفاق التي تمت بلورتها. واتفق أن تتكون القوات الدولية من 15 ألف جندي على الأقل وتعمل حسب بند 7 لوثيقة جنيف، دون الإتيان على ذكر البند بشكل واضح، وكانت التسوية مقبولة على الإسرائيليين واللبنانيين.
البند الإشكالي الآخر بنظر الإسرائيليين هو ذلك المتعلق بمستقبل مزارع شبعا- فتم حذفه.
ومع ذلك لم يتم الاتفاق على تحديد الآلية التي ستفرض حظر السلاح على الحدود بين سوريا ولبنان أو مراقبتها. وأرسلت الصيغة الجديدة لتطلع عليها وزيرة الخارجية رايس ونالت موافقتها. القضية الأخرى التي كانت محل خلاف حلت بعد ساعة ونصف من المداولات في مبنى الأمم المتحدة، بمشاركة السفراء ورايس ووزراء الخارجية العرب، واتفق أن يكون البند على النحو التالي: بعد وقف العمليات العدائية مطلوب من حكومة لبنان نشر قواتها فورا في جنوب لبنان وبالمقابل تسحب حكومة إسرائيل قواتها.

في الساعة 19:30 حسب التوقيت المحلي، اتصل هادلي برئيس طاقم أولمرت د. يورام طوربوفيتش، وأبلغه بنتائج المفاوضات. "سترى" قال لطوربوفيتش: قمت بعمل رائع معكم يا شبان. وأطلعه على ما تم التوصل إليه ولم يخف حماسه للصيغة النهائية لمسودة القرار.
وبالرغم من ذلك يؤكد المقربون من أولمرت أن هادلي قال بوضوح أنه لم يتضح بعد إذا ما كانت لبنان ستقبل القرار في جلسة الحكومة التي ستعقدها يوم غد، السبت. ولكن عمليا رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة كان قد أبلغ موافقته للفرنسيين.
وبعد وقت قصير أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري موافقة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
وبعد الساعة 12:30 ظهرا بقليل حسب توقيت نيويورك (19:30 حسب التوقيت المحلي) تم التوصل إلى اتفاق حول الصيغة النهائية لمسودة القرار.

ووصلت المسودة النهائية لقرار 1701 إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس قبل عدة دقائق من الساعة 20:00. واتصل المدير العام أهرون أفرموفيتش بطوربوفيتش ليبلغه بوصول الصيغة النهائية. إلا أنه بالرغم من ذلك لم توقف حكومة أولمرت الحملة العسكرية.
"لم نتوقف لعدة أسباب" يشرح أحد المقربين لرئيس الوزراء بنظرة إلى الوراء. "لم نعرف إذا ما كانت لبنان ستوافق على الصيغة المقترحة، وإذا ما كان الروس سيضعون العقبات في مجلس الأمن، ومتى سيوقف حزب الله النار.( في تلك المرحلة كان حزب الله يسعى إلى التوصل إلى تفاهمات على غرار حملة عناقيد الغضب، والتي تتيح له مواصلة توجيه الضربات للجيش الإسرائيلي) ويضيف:" لم نتمكن من وقف الجنود في وسط منطقة معادية دون حماية". ( وفي الخلفية ما زال الأمل قائما بأن يحقق الجيش إنجازات عسكرية على الأرض) ويتابع: "قبل الخروج، قال الضباط لنا أنه تم استخلاص الدروس وأن الأمور ستبدو على نحو آخر. كانت هنا فرصة غير عادية لإبعاد حزب الله من منطقة واسعة في الجنوب، ولكن تبين لاحقا أن الجيش مرة أخرى لم ينجز المهمة".

بين الساعات 20:00 و 21:00 بالتوقيت المحلي، تحدثت وزيرة الخارجية ليفني عدة مرات هاتفيا مع نظيرتها رايس. أرادت وزيرة الخارجية الأمريكية أن تعرف إذا ما كانت الصيغة مقبولة على إسرائيل. وطلبت ليفني من مستشارها طال بكر بلورة رأي بالسرعة القصوى. وبعد 40 دقيقة عاد إليها بكر برد إيجابي. وبعد مشاورات مع أولمرت اتصلت ليفني برايس في نيويورك وأبلغتها بموافقة إسرائيل.
كانت الساعة حينذاك 21:00، وفي لبنان كانت قد بدأت أولى المروحيات بإنزال مظليي الاحتياط من فرقة البريجادير أيال أيزنبرغ. كما كانت طلائع قوات فرقة 162 قد بدأت بالتحرك، إلا أنهم كانوا بعيدين عدة ساعات عن نقطة عبور وادي السيلوقي .

وطلبت ليفني في محادثتها مع رايس أن تنشر إسرائيل بيان تأييد لقرار مجلس الأمن. واتصلت ليفني بطوربوفيتش من أجل الاتفاق على صيغة البيان. فطلب منها أن تطلب من رايس والأمين العام للأم المتحدة إرجاء دخول القرار إلى حيز التنفيذ إلى صباح يوم الإثنين، أي بعد 60 ساعة من بدء الحملة العسكرية البرية. لماذا؟ سألت ليفني، تماما كسؤال شاؤول موفاز قبلها بعدة ساعات. وقالت: " كنا قد تحدثنا عن 8 ساعات. ماذا سنقول للعائلات؟ الجمهور لن يفهم ذلك".

وقال طوريوفيتش إن تلك الساعات ضرورية كي يتواجد جنود الجيش في مواقع دفاعية مناسبة. كي لا يتحول الجنود إلى «بط في حقل الرماية»، قال. وتحدثت ليفني مرة أخرى مع أولمرت. " لا أفهم ذلك. وإذا كنت أنا لا أفهم الستين ساعة، فلن يفهم أحد ذلك". وأصر أولمرت " هذه تماما حملة موفاز" متطرقا لخطة العمليات التي عرضها وزير المواصلات قبل ثلاثة أيام. وقال: "سيصل الجنود إلى الليطاني".

مررت ليفني الرسالة لرايس وأنان. وطلبت وزيرة الخارجية الأمريكية أن تجتمع الحكومة الإسرائيلية يوم السبت وتصادق على القرار. إلا أن أولمرت رفض بحجة قدسية السبت وأعلن أن الجلسة ستعقد في موعدها العادي أي صباح يوم الأحد.
يقول أحد مستشاري أولمرت: "تجنبنا اتخاذ قرار للحكومة قبل قبولها في حكومة السنيورة". وفي ساعة متأخرة من المساء تحدث أولمرت هاتفيا مع الرئيس بوش للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب.

يوم الجمعة في الساعة 19:95 بتوقيت نيويورك(السبت 2:52 فجرا حسب التوقيت المحلي) صوت مجلس الأمن على قرار 1701. وقامت بعثتا فرنسا والولايات المتحدة في الأمم المتحدة بذلك بخطوة استثنائية حيث أن قوانين مجلس الأمن تحدد أنه ينبغي التصويت على اقتراح القانون بعد نشره رسميا لمدة 24 ساعة. وصوتت كافة الدول الأعضاء في مجلس الأمن (15 دولة) مع القرار.

ويقول السفير الفرنسي دا-سبيليا إن القرار في مجلس الأمن جاء لتحقيق: إنهاء الحرب، خلق واقع جديد جنوبي الليطاني من دون حزب الله لضمان تسوية بعيدة المدى. وبرأيه، الهجمة البرية الإسرائيلية لم تغير شيئا في صياغة القرار. ويقول: كانت مفاوضات متواصلة والحملة العسكرية لم تؤثر عليها بتاتا".
وقال نظيره الأمريكي جون بولتون أقوالا مشابهة، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين الذي كانوا مطلعين على التفاصيل يدعون أن التهديد بعمليات الجيش التي كانت من الممكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع في لبنان حفزت الاتصالات في الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى صيغة أكثر إيجابية لإسرائيل. ومنذ ساعات الظهر في نيويورك وحينما تلقى الجيش العليمات بشن الحملة العسكرية دخلت الأجهزة السياسية في حراك والذي انتهى بالتصويت على مسودة القرار في ساعات المساء.

ورغم ذلك ثمة فرق شاسع بين التهديد بالعملية وبين العملية ذاتها. فمنذ الساعة 21:00 حسب التوقيت المحلي(الموعد الذي اتفقت فيه ليفني ورايس على الصيغة النهائية) لم يجر تغيير على المسودة. ففي لبنان استمرت القوات في التحرك إلى الأمام وبدأ تبادل إطلاق النار تماما في وقت التصويت في مجلس الأمن.
في معارك السيلوقي الغندورية قتل 11 ضابطا وجنديا، من بينهم ضابط سرية من كتيبة المدرعات 401. وفي المعارك القاسية التي وقعت في برون والغندورية قتل ثلاثة مقاتلين من الناحال ومقاتل من جوالة المدرعات. وإلى الخلف في خربة كسيف تعرضت دبابة قائد السرية للقصف بصاروخ مضاد للدروع حينما كان يحاول تخليص آليات أصيبت- وقتل جميع طاقم الدبابة البالغ عددهم أربعة. أكثر من 50 مقاتلا أصيبوا. وقتل ستة جنود آخرون من فرقة 162 في اليومين الأخيرين في منطقة قنطرة حينما كانوا ينفذون مهمات لعبور وادي السيلوقي.
في ساعات الصباح من يوم الأحد تأهبت قوات الناحال والمدرعات في منطقة تقع بين برون والغندورية، وكان يفترض أن تتحرك القوات في ساعات الليل باتجاه الغرب نحو الهدف الرئيسي منطقة جية الواقعة شرقي مدينة صور. وفي ساعات المساء وصلت التعليمات من قيادة الفرقة بالتوقف في المكان وانتظار وقف إطلاق النار.

ويقول ضابط كان له دور مركزي في معارك السيلوقي:" في ذلك الوقت لم أكن أعرف ما أعرفه اليوم حول الاتصالات في الأمم المتحدة في تلك الساعات". كان بإمكاننا وقف الدبابات في أي مرحلة نتلقى فيها التعليمات تقريبا– وتجنب بعض الإصابات. كما أن محدودية الوقت هي أيضا عامل هام: إذ لم نكن نعرف أنه سيتم وقف التقدم بشكل تام يوم الاثنين صباحا. لم يكن باستطاعة الدبابات في الوقت الذي توفر التأثير على المعارك. كان يفضل التقدم باستخدام قوات راجلة فقط والتي تعرضت لأقل إصابات .

ثلاثة أيام بعد وقف إطلاق النار حضر رئيس الأركان للمشاركة في جلسة مع كبار الضباط في فرقة 162. وتجرأ قائد كتيبة 401 الكولونيل موطي كيدو، وسأل: هل كانت الحملة العسكرية الأخيرة حقا ضرورية. واصر حالوتس أن الحملة لعبت لصالح إسرائيل لجهة الاتفاق الذي أعد في الأمم المتحدة. إلا أن كيدور وضباط آخرين شاركوا في المعارك لم يقتنعوا. والوقت الذي مر منذ ذلك الوقت لم يزل شكوكه.
ويقول ضابط احتياط عمل في مركز قيادة الفرقة أثناء الحرب "حينما أفكر بذلك اليوم لدي شعور بأننا لم نقم بما يكفي لوقف العملية الأخيرة". وأضاف: " لقد كانت تلك العمليات دافعا للتمرد، وكلما تذكرت ضحايا اليومين الأخيرين للحرب يصيبني الفزع.

وفي الجدل الذي أعقب الحرب قدم رئيس الوزراء وقائد الأركان ادعاءات لتبرير الحملة البرية. ويدعون في محيط أولمرت أن الجيش وعد أولمرت بأنه قادر على السيطرة على مواقع هامة في الستين ساعة التي تبقت حتى وقف إطلاق النار. وقالوا إنه أراد أن يستعد لاحتمال انهيار وقف إطلاق النار، بحيث يكون الجيش متواجدا في مواقع أمامية لقتال حزب الله. وهناك من ادعى أنه لا يمكن بسهولة وقف فرقة في أوج تقدمها وأن التقدم كان يهدف إلى حماية الجنود في لبنان.

وكلما مر الوقت يتضح أكثر فأكثر كم كانت تلك التبريرات واهية. ويعترف جنرالات في القيادة العامة اليوم أنه ثمة شك في أن قرار شن الحملة البرية مساء الجمعة كان مبررا، ويرون أنه بالرغم من ذلك لم تكن صعوبة في وقف التحرك صباح يوم غد. فلم تفقد أي دبابة كوابحها في وادي السيلوقي.

ويعتقد الجنرالات أنه حسب الجدول الزمني الذي حدد للجيش فأن احتمال وصول ضفة الليطاني كا ضئيلا. كما أن الادعاء الذي اعتمد على أن حزب الله سيخرق وقف إطلاق النار- وأنه سينهار لم يكن يعتمد على أي أساس. وإذا كانت المواقع التي تواجد فيها الجيش إلى هذا الحد هامة، كما ادعي، وإذا كانت الخشية من خروقات من قبل حزب الله لها ما يبررها، من غير الواضح لماذا صدرت التعليمات للقوات بالتوقف يوم الأحد، وانسحبت إلى الخلف يوما بعد ذلك.

تاريخ حروب إسرائيل مليئ بالأخطاء، وبالمعارك التي لم تدار كما ينبغي، وبالضحايا الذين يمكن وصفهم في بعض الأحيان بضحايا العبثية.
لقد نفذت في الماضي عمليات في اللحظة الأخيرة وكانت تهدف إلى التوصل إلى مزيد من الإنجازات مع اقتراب الإعلان عن وقف إطلاق النار، كان ذلك في حرب يوم الغفران وفي حرب لبنان الأولى. وقد تكون السيلوقي ليست حالة خاصة.

قد تكون دوافع أولمرت وبيرتس، ليست فقط القلق على مكانتهم السياسية- بل خشية حقيقية من خسارة الإنجازات المحدودة للحملة بمجملها. من الضروري أن نأمل أن يكون حالوتس والجنرالات وضباط الفرق الذين ضغطوا بشكل كبير لشن العمليات الأخيرة، بينما مجلس الأمن يستعد لتصويت حاسم في نيويورك، قد فكروا فعلا وببساطة بمكانة إسرائيل في المنطقة بنهاية الحرب وليس على المخاطر التي تحلق فوق مستقبل سيرتهم العسكرية.

لقد انعكست في الأيام الأخيرة للحرب تداعيات الظواهر التي تكشفت خلالها: انقطاع المستوى السياسي عن التطورات في الجبهة؛ تقلب السياسيين والذي تأثر كثيرا بالتقلب في الرأي العام؛ قلة اطلاع قيادة الأركان العامة على مجريات الأحداث في المستوى السياسي؛ غياب التدريبات والذي مس في القدرات المهنية للضباط في المستويات المتوسطة.

يشار إلى أن أحاديث التباهي حول الانتصار السريع في الأيام الأولى لم يتبق منها الكثير في الأسبوع الأخير. وتبين أن المستوى السياسي والقيادة العامة على استعداد للمخاطرة والتضحية بجنود من أجل هدف معروف مسبقا أن احتمال تحقيقه ضئيل أو الفائدة التي يمكن أن يعود بها ضئيلة. سمى ذلك رئيس الأركان السابق بوغي يعلون بعد الحرب "ألاعيب فاسدة" ، ربما بالغ قليلا.

الحملة الأخيرة كانت فشلا مدويا، "تغيير المسار 11" لم يحقق هدفه. لم ينجح الجيش في خفض وتيرة إطلاق الصواريخ ولم يصل في معظم القطاعات إلى الخطوط التي طمح للوصول إليها والتي حددت للفرق. ترميم قوة الردع لم ينجز، ولم يأتوا حتى بصورة انتصار، ولا حتى إنقاذ سياسي لأولمرت وبيرتس، اللذان كانا ينبغي أن يبديا قليلا من ضبط النفس حيال ضغط رئيس الأركان عليهما.

لقد أطلق حزب الله في الأربع والعشرين ساعة الأخيرة للحرب على الشمال عددا قياسيا من صواريخ الكاتيوشا، حوالي 250. قتل شخص واحد وأصيب العشرات.

بعد ظهر يوم الأحد صور طاقم قنال 2 إطلاق كاتيوشا من قرية لبنانية قرب الـ"مطلة" على بعد أقل من كيلومتر من الحدود. ووضعت تلك الصور التي التقطت لحظات قبل وقف إطلاق النار ادعاءات رئيس الوزراء بالانتصار أمام ضوء ساطع.


كتاب عاموس هرئيل- وأفي يساخاروف "بيت العنكبوت" قصة حرب لبنان الثانية- الناشر صحيفة يديعوت أحرونوت.

التعليقات