وثيقة استراتيجية للخارجية الاسرائيلية توصي اعتماد سياسة الردع والتسوية

-

وثيقة استراتيجية للخارجية الاسرائيلية توصي اعتماد سياسة الردع والتسوية
أعدت وزارة الخارجية الاسرائيلية منذ شهور قليلة ولأول مرة في تاريخها وثيقة "لتقييم الأوضاع" السياسية – الإستراتيجية بهدف تحديد المتغيرات والتطورات المحلية والأقليمية والعالمية بغية تقديم توصيات لصناع السياسة الخارجية الإسرائيلية. وقد شكلت الوزارة 17 طاقماً درسوا في مؤتمر "وزارة الخارجية للسياسة والإستراتيجية" تصوراتها على مدار ثلاثة أيام ووضعوا تصوراً تقويمياً واحدا لأهداف السياسة الخارجية الإسرائيلية. وقدّمت الوزارة الوثيقة لصناع القرار في اسرائيل بمن فيهم أعضاء الحكومة الحالية.

وقد استند معدو الوثيقة إلى تجربة أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية ووزارة الخارجية البريطانية في القدرة على تحديد المخاطر الأمنية والسياسية وكذلك الفرص السياسية إما لتطوير علاقات دولية جديدة أو لتطوير علاقات قائمة سواءً على الصعيد الاقتصادي أو الثقافي.

تقييم الأوضاع على الساحة الدولية:
لاحظ معدو الوثيقة 4 متغيرات على الساحة الدولية تؤثر على إسرائيل بمستويات مختلفة. المتغير الأول على في ميزان قوة القوى الكبرى، أي بين الولايات المتحدة الأميركية وبين الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي والهند. فقد شهدت السنوات الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في قوة "القوى الجديدة" مثل الصين وروسيا والهند. ويطلق البعض على الحالة الجديدة وصف "متعددة الأقطاب"، فيما يصر البعض على أن أميركا لا تزال تهيّمن على عالم أحادي القطبية، وأن الهوة بين قوة الولايات المتحدة و"القوى الجديدة" لا تزال شاسعة يصعب جسرها، إلا أن ذلك لم يمنع روسيا الاتحادية، وعلى الرغم من التحديات الداخلية، من المثابرة لإستعادة حيويتها ودورها في مواجهة الولايات المتحدة، كما حصل في الحرب على جورجيا وأزمة الصواريخ الأميركية في بولندا والتشيك. ويرى معدو الوثيقة أن الإدارة الأميركية الجديدة "تضع روسيا في موقع مريح نسبياً" مقارنة مع الإدارة الاميركية السابقة.

وتوصي الوثيقة إزاء الوضع القائم استمرار الحوار الإستراتيجي مع روسيا، ومحاولة إقناعها بأخذ المصالح الاسرائيلية بعين الاعتبار في كل ما يتعلق ببيع الصورايخ المتطورة ووسائل القتال إلى سورية وإيران. وتؤكد الوثيقة أن رصد التحولات الحاصلة في الساحة الدولية يتيح للحكومات الاسرائيلية ليس التعامل الفوري مع المتغيرات فحسب، بل وضع استراتيجيات صحيحة تتوقع المتغيرات المحتملة. ومع أن الوثيقة ترى أن الولايات المتهدة ستبقى شريكة استراتيجة لاسرائيل وستبقى أيضاً القوة العظمى، إلا أن على السياسة الاسرائيلية الخارجية تطوير و"تعميق العلاقات" مع "القوى الجديدة"، وتصف الوثيقة العلاقة الاسرائيلية مع القوى العظمى بالتحدي المركزي للسياسة الخارجية في السنوات المقبلة.
أما التحول الثاني على الساحة الدولية، فهو يتعلق بمصطلح القوة، إذ يقول معدو الوثيقة إن تقدير قوى الدول والأطراف الدولية عموماً استند إلى تقييم قوة الدولة على أساس القدرة العسكرية وتسمى "القوة الصلبة". إلا أن السنوات الأخيرة وعلى خلفية ما يجري في العراق وأفغانستان وصعود قوة الصين والهند في المجال الاقتصادي، فإن تقييم القوة يستند أيضاً إلى معايير مختلفة يطلق عليها "القوة الناعمة"، التي يقصد بها القوة الإقتصادية والتكنولوجية والدبلوماسية والثقافية. وهي معايير بدأت تأخذ حيزاً أكبر في معادلات تقييم الأوضاع الدولية. وقد اعتمد مؤخراً مصطلحاً جديداً، "القوة الذكية" الذي يجمع القوتين: الصلبة والناعمة.

ويقول معدو الوثيقة إنّ إسرائيل ما زالت تتعامل في تقويماتها الاستخبارية وصرف ميزانياتها بشكل عام على أساس "القوة الصلبة"، مشيرين إلى أن لدى اسرائيل فرصة لتطوير "قوتها الناعمة" لما تملكه من تطور تكنولوجي وزراعي وبحثي، إضافة إلى "الإهتمام المتزايد في العالم بالثقافة الاسرائيلية والتقدير التي تحظى به في مسابقات ثقافية وفنية دولية". لذا يوصي معدو الوثيقة رصد مزيد من الميزاينات في هذ المجال.

يلحظ معدو الوثيقة تغييرا هاماً وثالثاً في الساحة الدولية يتعلق بالفاعلين أو "اللاعبين" على الساحة السياسية الدولية الذين ليسوا دولاً، مثل ما يسمى "منظمات إرهابية" أو منظمات مدنية غير حكومية ومنظمات تجارية ومنظمات دولية وإقليمية.

وتدعو الوثيقة صناع القرار وضع عقيدة وطرق عمل جديدة تناسب التغييرات الحاصلة في هذا المجال، وخصوصاً في مواجهة ما أسمته "التنظيمات الإرهابية" التي تعمل كـ"شبه دولة" مثل حماس وحزب الله وغيرها التي تعمل من دون عنوان سياسي محدد في دولة، على الرغم من إنها مدعومة من ايران وسورية، وبالتالي "حيّدت" هذه التنظيمات القدرة الاسرائيلية على "الحسم السريع". وقد تٌستغل هذ التنظيمات من قبل الدولتين المذكورتين لتهدد بتوسيع ساحات المعارك والجبهات وبالتالي إضعاف قوة الردع الاسرائيلية، الأمر الذي يزيد من خطورة تلك المنظمات.

كما تدعو الوثيقة الرسمية صناع القرار في السياسة الخارجية الاسرائيلية إلى تطوير علاقاتها مع حلف شمال الأطلسي والإتحاد الأوروبي.
تلحظ الوثيقة أنّ سلم أولويات الساحة السياسية الدولية شهد تحولات وتبدلات على حساب القضايا الأمنية "الكلاسيكية" والصراعات على الأراضي والحدود، لصالح قضايا أمنية عابرة للحدود مثل منع إنتشار السلاح النووي إضافة لقضايا البيئة وأزمة الغذاء والمياه وتطوير القارة الأفريقية ومواجهة موجات المهاجرين للدول الغربية.

وتوصي الوثيقة صناع القرار الاسرائيليين بوضع "أجندة جديدة" للتعاطي مع التطورات على الساحة الدولية، وذلك من خلال استغلال "المساعدات الخارجية الاسرائيلية" من أجل تحسين صورة إسرائيل كعضو في أسرة الأمم المتطورة والمتنورة. وتلفت الوثيقة إلى أنّ اسرائيل لا تملك رصيداً كبيراً في المجالات التي أصبحت تتصدر سلم اولويات السياسة الدولية مثل الفقر والبيئة، نتيجة سيطرة الأجندة الأمنية على السياسة الخارجية الإسرائيلية والنشاط الدبلوماسي الإسرائيلي. وتوصي الوثيقة بخلق توازن بين "أولويات العالم القديمة" الكلاسيكية وبين "أولويات العالم الجديدة".

ويلخص معدو الوثيقة التطورات والمتغيرات على الساحة الدولية بمصطلح "توسع"، إما على صعيد الفاعلين على الساحة الدولية وتوسع وصعود قوى جديدة مثل الصين والهند وروسيا وإما تنظيمات غير رسمية، أو على صعيد توسع حيز القوة من قوة صلبة إلى قوة ناعمة وذكية.

تتطرق الوثيقة في هذا الجزء إلى التهديدات السياسية والاستراتيجية التي تواجه إسرائيل في المنطقة، كذلك الفرص السياسية والعملية السياسية، وعلى رأسها فرصة تشكل محور عربي معتدل يرى في إيران تهديداً كما تراها إسرائيل.

على صعيد التهديدات، احتل الملف النووي الإيراني مركز هذه التهديدات، إذ تدعي الوثيقة أن الهيمنة الاستراتيجة الإقليمية التي تطورها إيران هي المكون الاستراتيجي الأبرز في المنطقة. وترى الوثيقة أنّ الخطر الإيراني له أربعة أبعاد: النووي، دعم ما أسمته الإرهاب، محاولة خلخلة أنظمة عربية معتدلة وأخيراً التهديد الأيدولوجي – الثيولوجي الإيراني برفض الإعتراف بحق إسرائيل في الوجود بوصفها "الشيطان الأصغر"، وهي تهديدات ستبقى على رأس أجندات الخارجية الاسرائيلية، التي تعمل بطرق دبلوماسية لتنبيه العالم للمخاطر الإيرانية، وسيشهد العام الحالي تصعيداً في النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي، من أجل توعية الأسرة الدولية لضرورة فرض عقوبات على ايران كشرط لنجاح المساعي الدبلوماسية.

وتوصي الوثيقة الخارجية الإسرائيلية باستغلال ما أسمته محاولات إيران خلخلة أنظمة عربية معتدلة لها قواسم مشتركة مع إسرائيل، وعلى رأسها القضية الايرانية، وبالتالي دفع التسوية مع الفلسطينيين وسورية ومع ما وصفته الوثيقة "المعسكر العربي المعتدل".

على الساحة الفلسطينية، ترى الوثيقة أن الهدف الاستراتيجي للسياسة الخارجية الإسرائيلية في الضفة الغربية هو التوصل إلى تسوية دائمة، مقابل الإطاحة بحركة حماس أو إضعافها في قطاع غزة، والمحافظة على شروط الرباعية الدولية تجاه الحركة.

على الساحة العراقية، تقول الوثيقة إن العراق شكل في السابق تهديدا جدياً على اسرائيل، ومنذ احتلاله في العام 2003 تحول العراق إلى ساحة لصراع مذهبي سني – شيعي، وإلى إمتحان إستراتيجي للحرب على الإرهاب التي قادها الرئيس الأميركي جورج بوش. وحسب الوثيقة فإن الولايات المتحدة تمكنت من استخلاص العبر في العراق وخلق فرصة حقيقية لاستقرار الساحة العراقية، التي سيكون لها أثر إيجابي بعقد تحالفات جديدة ولقاء مصالح مشتركة بين الولايات المتحدة والعراق ودول أخرى وربما إسرائيل.

أما على الساحة السورية، فإن معدي الوثيقة يدعون أن سورية بعثت بإشارات منذ فترة تعبيراً عن رغبة في التقارب مع الولايات المتحدة والتفاوض مع إسرائيل، وتشير الوثيقة إلى ان حكومة اولمرت أجرت "محادثات تقارب" غير مباشرة مع سورية بوساطة تركية. وتدعو الوثيقة صناع القرار في تل أبيب إلى إتخاذ قرار استراتيجي حول سوريا والتوقف العميق عند السياسة المطلوبة تجاه سورية وحزب الله.

ويخلص معدو الوثيقة إلى القول إنه خلافاً للساحة الدوليةـ فإن الساحة الإقليمية تشهد حالة "تقلص وإنطواء حول إيران"، منوهين إلى أن ذلك لا يعني "تقلص" التهديدات على اسرائيل، فإن تهديد النووي الايراني و"محور التطرف" حول إيران زاد "سلة التهديدات" الأمنية في البيئة المحيطة بإسرائيل.

ويشر معدو الوثيقة إلى أن العام الحالي في المنطقة هو عام إنتخابات في لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وربما في السلطة الفلسطينية مطلع العام المقبل.

كما يشير معدو الوثيقة إلى "لاعب أقليمي" يعزز مكانته في المنطقة وهي تركيا، والتي بنظر معدي التقرير لا تزال شريكة إستراتيجية هامة لإسرائيل، على الرغم من "التصعيد" السياسي التركي تجاه إسرائيل خلال الحرب على قطاع غزة، إلا أن آثار التصعيد تتلاشى تدريجياً وتعود إلى "وضعها الطبيعي".

ويؤكد معدو الوثيقة أن لتركيا دورا هاما ومركزيا في المنطقة وتجاه سورية والعراق وإيران وإنتشار السلاح النووري و"الإرهاب"، ويصفون السياسة التركية تجاه إيران بأنها "حيادية" وحذرة. ويرى معدو الوثيقة أن العلاقات مع تركيا قد تتعزز على المدى القريب وتتحول إلى علاقة استراتيجية أمنية ثلاثية بين إسرائيل وتركيا وأميركا في عهد أوباما. كما يوصي معدو الوثيقة باستمرار الحوار السياسي مع تركيا ودراسة إمكانية الدعم الإقتصادي التركي للسلطة الفلسطينية.
بعد تحديد التهديدات على اسرائيل، وعلى رأسها الملف النووي الايراني، فإن الوثيقة تلحظ فرصا جديدة وأهمها تبلور "معسكر عربي معتدل" في مواجهة "التهديد الإيراني". لذا يوصي معدو الوثيقة ببلورة "إستراتيجية سياسية إسرائيلية تشمل ردا أفضل للتهديدات وإستغلالاً عقلانياً للفرص".

ويخلص معدو الوثيقة إلى التوصية باعتماد إستراتيجية سياسية تستند إلى ركيزتين: الردع والتسوية.

الركيزة الأولى – الردع - في مواجهة سورية وإيران وحزب الله اللبناني وحماس والجهاد الإسلامي وما شابه، بحيث يكون الردع بشكل مستمر وموثوق. ويشير معدو الوثيقة إلى أن السياسة تجاه إيران يجب أن تعتمد في ردعها عن ما وصفوه "إستراتيجيتها للهيمنة الإقليمية" على كافة مركباتها وأهمها البرنامج النووي التي على "الدول شبه العقلانية" – تشمل الولايات المتحدة وإسرائيل - مواجهتها، إذ إنه التحدي المركزي لها.
ويؤكد معدو الوثيقة أن "الردع" هو مصطلح ينطوي على تعقيدات خصوصاً في مواجهة منظمات وحركات مسلحة.

أما الركيزة الثانية التي يجب اعتمادها فهي إستراتيجية التسوية بهدف خلق تغيير جذري بعيد المدى في الدول "المعتدلة". وبنظر معدي الوثيقة يتطلب ذلك "إطارا سياسيا يكون مقبولا على إسرائيل والولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى ودول عربية معتدلة"، ويضيفون أن "الإطار السياسي الحالي – تفاهمات مدريد واتفاقيات أوسلو وخارطة الطريق ورسائل بوش وعملية أنابوليس وبنود في المبادرة العربية للسلام – توفر أساساً ممكناً لبلورة إستراتيجية إسرائيلية للتسوية منسقة ومواكبة للتحولات والتطورات تجاه دول مثل سورية وربما لبنان وأيضاً تجاه أطراف معتدلة في الساحة الفلسطينية".

كما يرى معدو الوثيقة أن الحالة الفلسطينية تشكل حالة – عينية مصغرة لصورة المنطقة، إذ تحوي تهديدات وفرصا، وتفرض استمرار سياسة الردع تجاه حماس و"المنظمات الإرهابية"، مقابل استمرار المحاولات المستمرة للتسوية مع "عناصر معتدلة" في م.ت.ف وعلى رأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وبنظر معدي الوثيقة فإن الضربة التي تلقتها حماس في العدوان الأخير مقابل تعزيز قوى أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية تضع الأساسات لبلورة الاستراتيجية المواكبة للتطورات الحاصلة في المنطقة.

ويختم معدو الوثيقة بالتوصية بضرورة مراعاة التوازن بين الردع والتسوية، مراعاة تفضيل الأولويات والمصالح بين التحديات والساحات المختلفة، تقوية العلاقات مع الولايات المتحدة وإستغلال الفرص أمام الدول العربية المعتدلة.

التعليقات