لماذا قرر بن غوريون قتل رياض الصلح؟ (3/4)../ د. محمود محارب

تطرقت ثلاثة مصادر إسرائيلية منشورة إلى قرار إسرائيل اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، اثنان منها كتبهما عنصران ممن شاركا في محاولة تنفيذ قرار الاغتيال، أما الثالث فأشار بأختصار إلى الموضوع في أطروحة دكتوراه

لماذا قرر بن غوريون قتل رياض الصلح؟ (3/4)../ د. محمود محارب
نشر في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"
 تطرقت ثلاثة مصادر إسرائيلية منشورة إلى قرار إسرائيل اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، اثنان منها كتبهما عنصران ممن شاركا في محاولة تنفيذ قرار الاغتيال، أما الثالث فأشار بأختصار إلى الموضوع في أطروحة دكتوراه. وهذه المصادر هي:

1. مذكرات غمليئيل كوهن قائد وحدة المستعربين في بيروت حينذاك،،وهي بعنوان "المستعربون الاوائل"، (صدر في تل أبيب عن وزارة الدفاع الإسرائيلية في العام 2002). وتنبع أهمية هذا الكتاب من أن المؤلف لم يعتمد في كتابة مذكراته على ذاكرته فحسب، بل على أرشيف الجيش الإسرائيلي، في ما يخص اغتيال رياض الصلح، وخاصة سجل البرقيات التي تبادلتها قيادة وحدة المستعربين في إسرائيل مع مجموعتي المستعربين في بيروت اللتين كلفتا اغتيال رياض الصلح. وقد وثق المؤلف باعتماده على هذه السجلات تواريخ هذه البرقيات ومضامينها في شأن قرار اغتيال الصلح.
2. كتاب رافي سيطون ويتسحاق شوشان وهو بعنوان "رجال السر والخفية: من قصص المخابرات الإسرائيلية خلف الحدود"، (صدر في القدس عن دار عيدنيم في العام 1990). وتعود أهمية هذا الكتاب إلى أن أحد مؤلفَيه، وهو يتسحاق شوشان، كان أحد الاثنين المكلّفين اغتيال رياض الصلح في بيروت.
3. كتاب رؤوفين ارليخ، "في الشرك اللبناني"، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه أعدها المؤلف ذو الخلفية الأمنية، وأصدرتها وزارة الدفاع الإسرائيلية في العام 2000.

في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948، أي في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تفاوض رياض الصلح في باريس، أرسلت قيادة وحدة المستعربين "ش.م.18" التابعة لجهاز المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي إلى غمليئيل كوهن، قائد مجموعتي المستعربين الموجودتين في بيروت آنذاك، برقية لاسلكية طلبت فيها إبلاغ القيادة في إسرائيل عن موعد وصول رياض الصلح إلى بيروت(21).
وتفيد المصادر الإسرائيلية أن ثلاث مجموعات للمستعربين نشطت في لبنان وسورية (اثنتان في لبنان وواحدة في سورية) في أثناء حرب 1948، وكانت هذه المجموعات الثلاث جزءا من وحدة المستعربين "هشاحر" (الفجر) التابعة لقوات "البلماح"، أي القوة الضاربة في الهاغاناه، ومن ثم في الجيش الإسرائيلي. وتضيف المصادر الإسرائيلية ان قرار إرسال المستعربين إلى بيروت اتخذ في تشرين الثاني/نوفمبر1947.

ووصل المستعرب غمليئيل كوهن إلى بيروت في 18 كانون الثاني/ يناير 1948 بهدف الاختلاط بالمجتمع اللبناني ووضع الأسس لإنشاء قاعدة سرية للمستعربين في بيروت. وبعد أن استقر غمليئيل كوهن في بيروت بفترة وجيزة أرسلت له قيادة المستعربين عددا آخر من المستعربين وجهازي اتصال لاسلكي وأسلحة ومتفجرات للقيام بأعمال تخريبية في لبنان. وبعد قيام إسرائيل وتأسيس الجيش الإسرائيلي، أُلحقت وحدة المستعربين "هشاحر" بجهاز المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي وأُعطيت الاسم "ش.م.18"(22).

في 12 كانون الأول/ديسمبر 1948 أرسلت قيادة وحدة المستعربين "ش.م.18" برقية إلى غمليئيل كوهن قائد مجموعتي المستعربين في بيروت أبلغته فيها قرارا خطيرا للغاية، وهو التالي: "تقرر تصفية رياض الصلح والمهمة ألقيت علينا. تعقبوه وحضروا اقتراحات للتنفيذ. ستتلقون أمر التنفيذ في حينه"(23). وفي اليوم نفسه أرسلت قيادة وحدة المستعربين "ش.م.18" برقية أخرى إلى قائد وحدة المستعربين في بيروت جاء فيها: "نحن نحضر إرسال طائرة كي تقوم بإنزال المواد المطلوبة لكم... أرسل لنا قائمة بكل ما هو مطلوب لكم...عليك بأسرع وقت إيجاد مكان ملائم للإنزال خارج الأماكن السكنية. عملية الإنزال ستتم في الليل..."(24).

ألقت قيادة وحدة المستعربين "ش.م.18" مسؤولية تنفيذ عملية الاغتيال على المستعرب كوهن يعقوب أحد عناصر مجموعتي المستعربين في بيروت(25). وفور تلقي عناصر مجموعتي المستعربين قرار اغتيال رياض الصلح من قيادتهم في إسرائيل شرعوا في جمع المعلومات ووضع الخطط لتنفيذ العملية. فراقبوا رياض الصلح وتعقبوا تحركاته اليومية، خاصة عند ذهابه من بيته إلى مبنى البرلمان في بيروت وإيابه منه. وفي بعض الأحيان تعقبوا تحركاته في الليل في أثناء ذهابه للاجتماع إلى رئيس جمهورية لبنان.

ومن بين الأمور العديدة التي قام بها المستعربون فحصهم بدقة طريق انتقال رياض الصلح ومراقبتهم الترتيبات الأمنية حوله. ويذكر رافي سيطون ويتسحاق شوشان في كتابهما "رجال السر والخفية : من قصص المخابرات الإسرائيلية في ما وراء الحدود"، أن يتسحاق شوشان، وهو العنصر المستعرب الشريك لكوهن يعقوب في تنفيذ عملية اغتيال رياض الصلح، اكتشف نقطة ضعف في الطريق التي يسلكها رياض الصلح من بيته إلى البرلمان. فقد كان في هذا الشارع مقطعاً يستعمل رصيفه سوقاً، الأمر الذي يؤدي إلى بطء سرعة السيارات. واقترح يتسحاق شوشان إلصاق لغم من نوع "كونوس" بسيارة رياض الصلح عند مرورها بهذا المقطع. بيد أن هذه الخطة لم يتم تبنيها. واستمر المستعربون في بيروت في القيام بعمليات المراقبة والتحري ووضع الخطط بجد ونشاط، والبحث عن أفضل الطرق لاغتيال رياض الصلح من دون ترك آثار تدل على مرتكبي الجريمة أو تقود إلى اعتقالهم أو قتلهم عند تنفيذ عملية الاغتيال.

منذ النصف الثاني من كانون الأول/ديسمبر 1948 وحتى أواخر شباط/ فبراير1949 تبادلت الوحدة "ش. م.18" الكثير من البرقيات مع المستعربين في بيروت، تضمنت توجيهات وإرشادات من القيادة في إسرائيل في شأن عملية الاغتيال وحثتهم مراراً على تنفيذ عملية الاغتيال.ويذكر غمليئيل كوهن في كتابه"المستعربون الأوائل" أنه في الثامن من كانون الثاني/يناير 1949 أصدرت قيادة الوحدة "ش.م.18" أمراً إلى كوهن يعقوب حثته وأمرته مجددا بتنفيذ العملية. وجاء في الأمر : "نعطيك بهذا أمراً بتنفيذ عملية اغتيال رياض الصلح رئيس حكومة لبنان. نفذ أمر التصفية في أقرب فرصة". وشددت هذه البرقية على أن "لهذه العملية أهمية قصوى لمصالحنا"(26).

في العاشر من كانون الثاني/يناير 1949 أرسل كوهن يعقوب إلى قيادته في إسرائيل برقية جاء فيها أن عملية تصفية رياض الصلح قد تستغرق وقتا، وأن هناك ضرورة لضمان النجاح مئة بالمئة، وأنه سيعمل على تصفية رياض الصلح في أقرب وقت. وفي ردها على كوهن يعقوب وافقت القيادة في إسرائيل على أن التنفيذ يجب أن يكون ناجحا مئة بالمئة وقدمت له بعض الإرشادات التقنية في شأن استعمال المواد التفجيرية في عملية الاغتيال، وأوصت بأن تتم عملية التصفية في ساعات الظلام.

في اليوم نفسه أرسل كوهن يعقوب رده على رسالة القيادة في إسرائيل ذكر فيها أن من غير الممكن تصفية رياض الصلح بواسطة إطلاق النار عليه لانعدام إمكانية الانسحاب والهرب. وأضاف ان الحراسة على بيت رياض الصلح مشددة، وأن حراسه يرافقونه في تحركاته، وأن جدول أعماله غير ثابت. وأخبر كوهن يعقوب قيادته في هذه البرقية عن تفصيلات خطته لاغتيال رياض الصلح حيث ذكر أنه سينفذ عملية الاغتيال هو ويتسحاق شوشان مع مستعرب آخر في ساعات الليل في الشارع الذي يسكن فيه رياض الصلح، وأن العملية ستنفذ بواسطة إلصاق لغم موقوت من نوع "كونوس"،الذي يلتصق بسهولة بالسيارة، بسيارة رياض الصلح عندما تبدأ في التحرك. وفي اليوم التالي أرسلت قيادة وحدة المستعربين "ش.م.18" ملاحظاتها على خطة اغتيال رياض الصلح إلى كوهن يعقوب وافقته فيها على أنه ينبغي عدم تنفيذ العملية بواسطة إطلاق النار، وحذرته من أن السيارة التي ستستعملها مجموعة المستعربين لتنفيذ العملية قد تفشل العملية إذا وضعت قريبا من مسرح العملية، وأوصت بوضع هذه السيارة في مكان آمن. وأضافت القيادة أنه ينبغي أن ينفذ العملية شخصان لا ثلاثة. وأشارت القيادة إلى أن هناك إمكانية للتسبب في إيقاف سيارة رياض الصلح بواسطة رش مسامير على الشارع، وعندما تتوقف السيارة يتجه نحوها منفذا العملية ويتظاهران بأنهما سيقدمان المساعدة ويلصقان بسرعة اللغمين الموقوتين من نوع "كونوس" بالسيارة(27).

يذكر غمليئيل كوهن في كتابه "المستعربون الأوائل" أن قيادة المستعربين في إسرائيل ظلت تحث كوهن يعقوب على القيام بعملية التصفية، واقترحت عليه في 17 كانون الثاني/يناير1949، جراء فشله في تحقيق خطته، وضع لغم في جثة كلب على الطريق التي تمر به سيارة رياض الصلح. ويقول المؤلف أن الإمكانيات والقدرة على تصفية رياض الصلح كانت أضعف من التطلعات المرتفعة والضغط الدائم من القيادة في إسرائيل للقيام بتصفية رياض الصلح (28). ويذكر غمليئيل كوهن أيضاً ان قيادة المستعربين في إسرائيل أبرقت في 28/1/1949 إلى كوهن يعقوب وأخبرته أنه "لأسباب سياسة متعلقة بعلاقات إسرائيل مع لبنان نأمركم بتأجيل عملية التصفية"، وطلبت البرقية من كوهن يعقوب الاستمرار في أعمال المراقبة والتفكير في إمكانية تحسين خطة التصفية. وفي 22 شباط/ فبراير 1949 أصدرت قيادة المستعربين في إسرائيل أمرا إلى كوهن يعقوب بإلغاء العملية كلية(29).

في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تسعى لتصفية رياض الصلح جسديا، حاولت القيادة الإسرائيلية أيضا "حرقه" سياسيا. ففي كانون الثاني/ يناير 1949 سرب مسؤول إسرائيلي أمر الاجتماعات السرية التي عقدت بين رياض الصلح وإلياهو ساسون ومجموعته في باريس إلى صحيفة "نيويورك هيرالد تريبيون" بواسطة مراسلها كينيث بيلبي. وفي اليوم التالي لنشر الخبر في صحيفة "نيويورك هيرالد تريبيون" نشرت صحيفة "النهار" البيروتية، المعارضة لحكومة الصلح، في عددها الصادر في 21/1/1949، ترجمة للمقال الذي نشر في الصحيفة الأميركية (30). أدرك طوفيه أرازي المعنى السياسي الكامن وراء تسريب القيادة الإسرائيلية أمر الاجتماعات السرية مع رياض الصلح. ففي رسالة له من باريس إلى إلياهو ساسون في تل ابيب عن التسريب قال أرازي : "أقوالك عن التسريب بخصوص رياض الصلح هزتني، خاصة بعد أن جاءت الردود من بيروت : أرسلت لك "النهار" البيروتية التي نشرت كليشيه مما جاء في مقال بيلبي في هيرالد تريبيون. يخبرونني أن المخابرات اللبنانية اندفعت في الشوارع وجمعت الأعداد التي نشرت الخبر. في هذا البريد ابعث لك أيضا صحفا تشير إلى حدوث تفتيش في هيئات التحرير الخ. لقد كنا على يقين أنكم قمتم عن قصد بالتسريب- لكننا لم نفهم المنطق من ذلك- وانكم قررتم إن "تقبروا" رياض"(31).

يطرح قرار إسرائيل اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في الوقت الذي كانت لا تزال تجري مفاوضات معه أسئلة عدة في مقدمتها: لماذا قررت إسرائيل اغتيال رياض الصلح؟ وما هي دوافع هذا القرار الخطير؟ ما هي الأهداف التي سعت إسرائيل لتحقيقها من الاغتيال؟. للإجابة عن هذه الأسئلة هناك جملة من المعطيات ينبغي الإحاطة بها، تتعلق بإستراتيجية إسرائيل إبان قيادة بن غوريون خلال حرب 1948 تجاه لبنان، وبسعي بن غوريون للاحتفاظ بالمنطقة اللبنانية التي احتلها الجيش الإسرائيلي في عملية "حيرام" تمهيدا لضمها إلى إسرائيل.

بن غوريون وقرار قتل رياض الصلح

تمتع ديفيد بن غوريون بمواصفات القائد التاريخي للييشوف ومن ثم لإسرائيل، وأمسك بقوة بالقرارات التي تخص الأمن القومي الإسرائيلي. وجمع بن غوريون بين زعامته لحزب "مباي" وللتيار العمالي وبين منصبي رئيس الوزراء ووزير الدفاع، وكان من ضمن صلاحياته المسؤولية المباشرة عن أجهزة الأمن المختلفة، التي ما كان يمكن أن يصدر عن احدها، وهو جهاز المخابرات العسكرية، قرار اغتيال رياض الصلح إلا بعد تلقي رئيسه أمرا مباشرا بذلك من ديفيد بن غوريون.

لم يكن بن غوريون مقتنعا بحدود الهدنة التي رُسمت بعد عن الجولة الثانية من الحرب في تموز/يوليو 1948، تلك الحدود التي كان يصفها بأنها سخيفة ومضحكة، وكان يسعى بكل جهد لتوسيع حدود إسرائيل في جميع الجبهات.

اعتبرت الوكالة اليهودية، ثم إسرائيل تحت قيادة بن غوريون، والحكومات التي تعاقبت بعده، أن تدخل إسرائيل في الشؤون الداخلية العربية وتوجيه تطور الأحداث فيها لمصلحة إسرائيل، هو جزء من أمن إسرائيل. كان بن غوريون يخشى أن تواجه إسرائيل عدوا عربيا موحدا مصمما على مقاومتها، لذلك بذلت جهداً كبيراً لإذكاء الخلافات والصراعات الداخلية في داخل كل دولة عربية، وكذلك بين الدول العربية، على أسس طائفية أو عشائرية أو جهوية أو عرقية، وكذلك لايجاد مصالح مشتركة بين النخب السياسية في هذه الدول وإسرائيل.

في 25 أيار/مايو 1948، أي بعد قيام إسرائيل بعشرة أيام فقط، كتب ديفيد بن غوريون في مذكراته : "ان نقطة الضعف في الائتلاف العربي هي لبنان. الهيمنة الإسلامية فيه هيمنة مصطنعة ومن السهل إسقاطها. ينبغي إقامة دولة مسيحية يكون الليطاني حدها الجنوبي. وسوف نوقع معاهدة معها "(32). لم يكتب بن غوريون ذلك من فراغ، فقد كان لديه ما يستند عليه من علاقات قوية ومتشعبة مع فئات واسعة لها تأثيرها في لبنان، ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعضها.

1. بعد التوصل إلى صيغة "الميثاق الوطني" ووصول بشارة الخوري ورياض الصلح إلى دفة الحكم في لبنان في العام 1943، ركزت الوكالة اليهودية اتصالاتها بالقوى اللبنانية المعارضة لصيغة "الميثاق الوطني" وأجرت الكثير من الاتصالات بها. وقد توجت هذه الاتصالات والمفاوضات بتوقيع معاهدة سرية في 30 أيار/مايو 1946 بين الكنيسة المارونية، التي عرضت نفسها بأنها تمثل الطائفة المارونية في لبنان (الطرف الأول)، وبين الوكالة اليهودية (الطرف الثاني). وجاءت هذه المعاهدة في ست مواد نصت على عقد تحالف بين الطرفين والتعاون بينهما في جميع الميادين. ونكتفي بإيراد المادة الأولى للبرهان على مدى خطورة هذه المعاهدة وعلى الشوط الذي قطعه فريق من اللبنانيين في تعامله وتحالفه مع الصهيونية واسرائيل، الأمر الذي كان له تأثير في تطلعات بن غوريون في تلك الفترة. فقد ذكرت المادة الأولى الآتي: "يعلن الطرف الأول اعترافه الكامل بالروابط التاريخية القائمة بين الشعب اليهودي وفلسطين وبتطلعات الشعب اليهودي في فلسطين، وبحق الشعب اليهودي في الهجرة إلى فلسطين وفي الإقامة فيها بحرية، ويعلن موافقته على البرنامج السياسي الحالي والمعلن للوكالة اليهودية الذي يتضمن بشكل خاص إقامة الدولة اليهودية"(33).

2. في النصف الأول من العام 1948 اتفق مندوبو الوكالة اليهودية مع الأب جوزيف عواد اللبناني على إثارة الرأي العام الماروني ضد حكومة رياض الصلح. وقد استلم الأب جوزيف عواد مبالغ مالية من مندوبي الوكالة اليهودية لتحقيق هذا الهدف، وأجرى اتصالات بفئات كثيرة في لبنان، من بينها قيادة حزب الكتائب التي اقترح عليها تنظيم انقلاب عسكري لإسقاط حكومة رياض الصلح، وقد أبدت هذه القيادة بدورها موافقتها(34).
 
3. تفيد الوثائق الإسرائيلية أن موضوع تنظيم انقلاب عسكري في لبنان ضد حكومة رياض الصلح طرحه طوفيه أرازي مرتين، على الأقل، على الرئيس السابق للبنان إميل إده، الذي كان يدعو إلى "لبنان الصغير" المتحالف مع إسرائيل، من دون جنوب لبنان وشماله. وفي هذا السياق ذكر إميل إده في الاجتماع الثاني الذي عقد بين طوفيه أرازي وإميل إده في بداية تموز/يوليو 1948، أن المعارضة اللبنانية ليست قوية بما فيه الكفاية لإسقاط الحكومة بانقلاب عسكري وقتئذ. ولكنه ذكر أمرا مهماً وخطيراً، وقال إنه في حالة قيام الجيش الإسرائيلي باحتلال أراض واسعة من جنوب لبنان حتى صور وصيدا فإن المعارضة يمكنها أن تنظم نفسها خلال شهر إلى شهرين وتستغل هذا الاحتلال للقيام بانقلاب عسكري وإسقاط حكومة رياض الصلح وتأليف حكومة جديدة. ويفيد تقرير أرازي عن هذا الاجتماع أن إميل إده حث إسرائيل على القيام بذلك، واقترح في هذا الاجتماع أيضاً أن تظهر إسرائيل قوتها وحزمها وأن تقوم بسلسلة من الخطوات منها قصف دمشق بالطائرات لتلقينها درسا، وبعد ذلك تقوم الطائرات الإسرائيلية بإسقاط آلاف المنشورات على بيروت وتهدد فيها بشكل واضح أنه إذا لم تقم الحكومة اللبنانية بتغيير سياستها تجاه إسرائيل فإن إسرائيل ستقصف بيروت. وبعد ذلك تباشر إسرائيل غزو لبنان ويحتل الجيش الإسرائيلي المنطقة حتى ما بعد الليطاني ليصل إلى صيدا(35).
 
الهوامش:

21- غمليئيل كوهن، "المستعربون الاوائل"، تل أبيب : وزارة الدفاع، 2000، ص 268.
22- المصدر السابق نفسه، الفصل الرابع عشر.
23- المصدر السابق نفسه، ص 268.
24- المصدر السابق نفسه.
25- المصدر السابق نفسه.
26- المصدر السابق نفسه، ص 269.
27- المصدر السابق نفسه، ص 270 – 272
28- المصدر السابق نفسه.
29- المصدر السابق نفسه.
30- انظر حسان حلاق، موقف لبنان من القضية الفلسطينية :1918 – 1952، بيروت: مركز الأبحاث الفلسطيني، 1982، ص 240.
31- أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة أرازي من باريس في 6/2/1949.
32- Avi Shlaim, ‘Israeli Interference in Internal Arab World: The case of Lebanon’, in G. Luciani & G. Salame (eds.), The Politics of Arab Integration, London , 1988, p.236.
33- الأرشيف الصهيوني المركزي، ملف س 25/ 3269.
34- أرشيف الدولة، ملف حيتس 23/5563.
35- أرشيف الدولة، ملف حيتس 6/3766، رسالة إلى شمعوني في 13/7/1948. ومن الملاحظ ان إسرائيل قامت بتنفيذ الاقتراحات التي عرضها إميل اده على طوفيه أرازي.
 

التعليقات