قراءة في الرأي العام الإسرائيلي../ د. محمود محارب

لا توجد دولة يحتل الأمن القومي فيها الأهمية القصوى، ويؤثر بقوة في الرأي العام فيها مثل إسرائيل. فالأمن وثقافة الأمن المنتشرة بين النخب والعامة في إسرائيل على حد سواء، هما المؤثران الأساسيان في مواقف الإسرائيليين في السياسة وفي أوجه الحياة المختلفة

قراءة في الرأي العام الإسرائيلي../ د. محمود محارب

عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"

 لا توجد دولة يحتل الأمن القومي فيها الأهمية القصوى، ويؤثر بقوة في الرأي العام فيها مثل إسرائيل. فالأمن وثقافة الأمن المنتشرة بين النخب والعامة في إسرائيل على حد سواء، هما المؤثران الأساسيان في مواقف الإسرائيليين في السياسة وفي أوجه الحياة المختلفة.

ومن الصعب الوقوف على كنه الرأي العام الإسرائيلي وإدراكه، من دون فهم قيمه الأساسية. فلكونه مجتمع مهاجرين ومستوطنين أقام نفسه على حساب الشعب العربي الفلسطيني وعلى أنقاضه، ما انفك المجتمع الإسرائيلي يتبنى وينتج ويطور قيما عنصرية معادية للعرب تسعى لاجتثاثهم.

وهذه القيم تتناقض بحدة وعدائية مع القيم الإنسانية التي توصلت إليها المجتمعات عامة والغربية خاصة. فالقيم الإنسانية مثل الحق في المساواة والمواطنة المتساوية والحرية والعدالة والملكية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، مرفوضة وملفوظة لدى الغالبية العظمى من الإسرائيليين حين يكون الحديث عن العرب الفلسطينيين أو العرب عموما.

ولعل من بين أفضل من عالج القيم والمعتقدات العنصرية التي تؤثر في الرأي العام الإسرائيلي البروفيسور "دانيئيل بار- طال"، المختص بعلم النفس السياسي في كتابه: "العيش مع الصراع: تحليل نفسي اجتماعي للمجتمع اليهودي في إسرائيل"، الذي صدر بالعبرية في سنة 2007.

وقد أكد بار - طال أن المجتمع اليهودي الإسرائيلي طور شبكة متماسكة من القيم والمعتقدات العنصرية التي تشحنه دوما وتعبئه نفسيا لمواصلة الصراع ضد العرب. وقد ركزت هذه المعتقدات والقيم العنصرية، التي باتت جزءا من نفسية المجتمع اليهودي الإسرائيلي، على "أخلاقية" أهداف إسرائيل في التوسع وعلى "صدق وعدالة" تحقيق هذه الأهداف، ووضعت أمن الدولة والأمن الجماعي والفردي فوق أي اعتبار، وتقمصت دور الضحية، مع أن هذه الضحية هي التي تحتل وتبطش، ثم خلقت صورة إيجابية عن الذات الجماعية تتناقض مع حقيقة الذات، ونسبت إليها قيم الأخلاق ومحبة السلام، وطورت "عقلية الحصار" وعززت الشعور القومي والوحدة الوطنية أمام الخطر الخارجي، وافترضت أن وجود الدولة دوما في خطر، وربطت هذا الخطر المتخيل على الوجود بالهولوكوست، ونزعت شرعية العرب وجردتهم من إنسانيتهم وحطت من مكانتهم وأخرجتهم من المجتمع الإنساني.

وشرح بار - طال كيف تفعل هذه القيم والمعتقدات النفسية- الاجتماعية فعلها في تعبئة ثم "انتاج" الشخص اليهودي الإسرائيلي العنصري من المهد إلى اللحد. فمنذ نعومة أظفاره يتم شحن اليهودي الإسرائيلي بهذه المعتقدات العنصرية، قبل مرحلة رياض الأطفال وفي أثنائها، وخلال مقاعد الدراسة الابتدائية والثانوية وفي أثناء خدمته الإلزامية في الجيش. وبعد تسريحه وخروجه إلى المجتمع يبقى اليهودي مكشوفا باستمرار وعرضة لهذه المعتقدات العنصرية من خلال تصريحات وكتابات القادة والنخب ووسائل الإعلام المختلفة والثقافة والأدب والمسرح والأفلام.

لقد ازداد الرأي العام الإسرائيلي في السنوات الأخيرة تطرفا وعنصرية وعدوانية. ليس هذا فحسب، بل إن أي محاولة لإخفاء هذه العنصرية ما عادت موجودة. وبالعكس من ذلك تماما، هناك وقاحة في إظهارها وتبريرها والاعتزاز بها وكأنها أفضل قيمة عليا في الوجود. أينما وليت وجهك في إسرائيل تتجسد أمامك العنصرية عارية في الشارع وفي الجامعة وفي المدرسة وفي المؤسسات العامة والخاصة.

ولا يمر يوم من دون تصريح عنصري من هذا الوزير أو ذاك الحاخام أو الجنرال أو هذا المذيع أو ذاك الخبير في الشؤون العربية. عشرات الحاخامات من أعلى المراتب الدينية توقع عريضة تطالب بعدم تأجير الشقق السكنية للعرب المواطنين. ثم تتبعها عريضة أخرى تطالب بعدم الاختلاط بالعرب... وهكذا. وفي الكنيست تسن القوانين العنصرية بالجملة بمبادرة من الحكومة وبدعم المعارضة أيضا. ورزم من القوانين العنصرية تتوالى في انتظار عملية التشريع في الكنيست.

في الشوارع تظاهرات ضد كل ما هو غير يهودي. وفي ملاعب كرة القدم في المدن الإسرائيلية يهتف المتفرجون "الموت للعرب" علانية أمام الكاميرات، وفي أحيان كثيرة في بث تلفزيوني حي. ولا يقدم أحد للمحاكمة، ولم يقدم أحد للمحاكمة ولن يقدم أحد للمحاكمة. لأن هناك مشكلة في من يحاكم من. فالعنصري لا يحاكم العنصري على العنصرية.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2010، صدر عن "برنامج الأمن القومي والرأي العام الإسرائيلي" التابع لـ"معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب"، كتاب بعنوان: "توجهات الرأي العام الإسرائيلي في الأمن القومي". أما مؤلفا الكتاب فهما يهودا بن مئير مدير "مشروع الأمن القومي والرأي العام الإسرائيلي"، والمختص بدراسة الرأي العام الإسرائيلي وعملية صنع القرارات في إسرائيل، والباحثة أولينا مولدافسكي العاملة في معهد دراسات الأمن القومي.

وكان "برنامج الأمن القومي والرأي العام الإسرائيلي" أسس سنة 1985 لدراسة مواقف اليهود الإسرائيليين وتحليل آرائهم ومفاهيمهم سنويا وبشكل مستمر، من مختلف جوانب الأمن القومي الإسرائيلي. ويعتبر هذا "البرنامج" أفضل من يقدم معطيات ومعلومات عن الرأي العام الإسرائيلي في ما يتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي. وقد أجرى هذا البرنامج منذ تأسيسه وحتى اليوم ثلاثة وعشرين استطلاعا للرأي العام الإسرائيلي، استند فيها على عينة تمثيلية للمجتمع الإسرائيلي اقتربت من الألف شخص، وجرت مقابلتهم وجها لوجه.

ويحتوي الاستبيان اكثر من مئة سؤال. وكان الهدف، في البداية، أن تبقى جميع أسئلة الاستبيان ثابتة من أجل دراسة التغييرات التي تطرأ على الرأي العام في الأجوبة عن الأسئلة نفسها. وتبين مع مرور الوقت أن بعض الأسئلة ما عاد ملائماً فحذف. واستجدت معطيات جديدة أدت إلى اضافة أسئلة جديدة كي تتىلاءم معها. ولكن الاستبيان حافظ على أغلبية الأسئلة التي طرحت منذ بداية البرنامج، وعلى بنيته في معالجة مواضيع الأمن القومي. ويستطلع "البرنامج" منذ نشأته وحتى اليوم آراء اليهود الإسرائيليين وحدهم، ويستثني آراء العرب الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل الذين يشكلون عشرين بالمئة من مجموع المواطنين في إسرائيل، لأن مواقفهم وآراءهم، بحسب القائمين على البرنامج، كما جاء في مقدمة الكتاب الذي بين أيدينا، تختلف عن مواقف المجتمع اليهودي وتتناقض غالبا معه في ما يخص الأمن القومي.

جاء الكتاب في مئة وخمس عشرة صفحة احتوت مقدمة وثمانية فصول، واستطلعت مواقف الرأي العام الإسرائيلي وآراءه وتوجهاته في شأن المجتمع السياسي الإسرائيلي والمزاج القومي والتهديدات المحدقة بإسرائيل، والتهديد النووي الإيراني والوضع النووي الإسرائيلي والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والصراع العربي- الإسرائيلي، ومصير المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1967 والاستيطان والعلاقات العربية ـ اليهودية في داخل إسرائيل والتوتر في داخل المجتمع الإسرائيلي.

نتائج الاستطلاع
يحتوي الكتاب أمرين أساسيين: الأول المعطيات الكثيرة عن الاستطلاع نفسه والأجوبة عن أسئلة الاستبيان. والثاني تحليل "المؤلفين" اللذين اجتهدا في كثير من الأحيان في تبرير العنصرية والتطرف. وتعقيبهما على ذلك. وسأكتفي في هذه القراءة بعرض المعطيات عن الاستطلاع والأجوبة الواردة في الكتاب، وسأتجاهل كلية تعقيبات المؤلفين لأن الموضوع هو الرأي العام الإسرائيلي وليس تبريرات المؤلفين للعنصرية والتطرف.

تظهر نتائج الاستطلاع بشكل واضح ازدياد توجه الرأي العام في إسرائيل نحو المزيد من التصلب والتطرف والعنصرية. فمن مقارنة نتائج الاستطلاع الأخير الذي أجراه "البرنامج" في أيار/مايو 2009، باستطلاعات الرأي الأخرى التي أجراها "البرنامج" في السنوات السابقة، يتبين أن المجتمع الإسرائيلي سار نحو المزيد من التطرف والعدوانية والتصلب والعنصرية في أي قضية ومسألة استطلع فيها رأي الإسرائيليين.

وتظهر نتائج استطلاع 2009 أن المجتمع الإسرائيلي برمته انتقل بنسبة 8% نحو اليمين. فقد قسم الاستبيان المجتمع الإسرائيلي الصهيوني إلى خمس مجموعات: يسار متطرف، يسار معتدل، مركز، يمين معتدل، يمين متطرف. وأظهرت النتائج تحرك الرأي العام بنسبة 8% نحو اليمين واليمين المتطرف، حيث تقلص اليسار المتطرف لمصلحة اليسار المعتدل، ولكن جزءاً من اليسار المعتدل اتجه نحو المركز، وجزء من المركز انتقل إلى اليمين، وانتقل جزء من اليمين إلى اليمين المتطرف.

الديمغرافيا والجغرفيا
يتبين من الاستطلاع أن "المسألة الديمغرافية" ما انفكت تحتل القيمة العليا بين مجموعة من القيم لدى الرأي العام الإسرائيلي. فقد طلب الاستبيان من المستطلعين ترتيب أربع قيم وفق أهميتها هي: 1 - أغلبية يهودية في إسرائيل. 2- دولة ديمقراطية. 3- أرض إسرائيل الكبرى. 4- حالة سلام. وحافظت القيمة الأولى، أي أغلبية يهودية في إسرائيل، على المرتبة الأولى في الاستبيان الأخير الذي أجراه "البرنامج" في العام 2009، كما كانت عليه في استطلاعات الرأي السابقة.

وبلغت نسبة الذين اختاروا قيمة الأغلبية اليهودية في المرتبتين الأولى والثانية 72 بالمئة. ويتضح من الاستطلاع أن ما يطلق عليه الإسرائيليون "الخطر الديمغرافي"، أي مجرد استمرار وجود الشعب الفلسطيني في العيش في وطنه وإمكانية أن تتحول إسرائيل إذا استمرت في احتلالها الأراضي الفلسطينية (مناطق 1967) من دولة يهودية إلى دولة ثنائية القومية، المكانة الأهم في تشكيل رؤية الرأي العام الإسرائيلي في خريطة الحل السياسي مع الفلسطينيين. فهناك قيمتان في حالة صراع وتناقض في وجدان مجتمع المستوطنين والمهاجرين الصهيونيين الإسرائيليين: الديموغرافيا والجغرافيا، أو "دولة يهودية بأغلبية يهودية كبيرة وواضحة" مقابل "أرض إسرائيل" التي لا وجود لأغلبية يهودية فيها، وإنما فيها واقع ثنائي القومية، حيث يزداد عدد الفلسطينيين بالتدريج ليتحولوا، بعد عقدين أو ثلاثة، إلى أغلبية واضحة فيها.

ويؤكد الاستطلاع الأخير ما كانت الاستطلاعات الأخرى قد أظهرته، أي تبلور أغلبية كبيرة في الرأي العام الإسرائيلي ترفض وقف الاستيطان وتؤمن بإمكانية استمرار توسيع الاستيطان اليهودي في مناطق كبيرة من الضفة الفلسطينية من ناحية، وحشر الفلسطينيين في المناطق المكتظة بالسكان في دولة قائمة على جزء من الضفة الغربية قد تصل مساحتها إلى نصف المساحة الأصلية للضفة الفلسطينية أو أكثر بقليل، من ناحية أخرى.

الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي
تبين من نتائج الاستطلاع في شأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أن المجتمع الإسرائيلي سار نحو المزيد من التصلب والعدوانية والتطرف في جميع مركبات الصراع التي شملها الاستبيان وهي: مبدأ الأرض مقابل السلام، ومستقبل المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1967، والمستوطنات بتصنيفاتها المختلفة، والانسحاب الأحادي الجانب، والدولة الفلسطينية.

الأرض مقابل السلام
يتضح من الاستطلاع أن معارضة مبدأ الأرض مقابل السلام ازدادت في الرأي العام الإسرائيلي. ففي استفتاء 2009 عارض مبدأ الأرض مقابل السلام 60 بالمئة وأيده 28 بالمئة ووقف على الحياد 12 بالمئة. وفي العام 2005 عارضه 38 بالمئة وأيده 48 بالمئة ووقف على الحياد 12 بالمئة. أي أن معارضة مبدأ الأرض مقابل السلام ازدادت بين صفوف الإسرائيليين في السنوات الأربعة الأخيرة 22 بالمئة، وهي زيادة مرتفعة في جميع المقاييس. وفي الوقت نفسه انخفضت نسبة التأييد لهذا المبدأ عشرين بالمئة.

مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة
أشارت نتائج الاستطلاع إلى تناقص التأييد لانسحاب إسرائيل من الضفة الفلسطينية المحتلة وازدياد المعارضة للانسحاب الإسرائيلي في الرأي العام الإسرائيلي. فقد أجاب أفراد العينة عن سؤال شمل أربعة خيارات كالتالي: أيد 13 بالمئة فقط "تنازلات إقليمية رئيسة"، وأيد 13 بالمئة فك ارتباط من جانب واحد يشمل "تنازلات إقليمية"، وأيد 29 بالمئة حلا جزئيا يشمل "حداً أدنى من تنازلات إقليمية"، وعارض 45 بالمئة جميع الحلول المذكورة أعلاه. ويتضح من ذلك التصلب والتطرف المتزايدين في الرأي العام الإسرائيلي في الإجابة عن السؤال الثاني: إذا توصلت إسرائيل إلى حل دائم مع الفلسطينيين ينهي الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي فهل تؤيد أن تعيد إسرائيل المناطق التالية أم على إسرائيل الاحتفاظ بها حتى لو أدى الأمر إلى عدم التوصل إلى حل دائم؟ فكانت الأجوبة كالتالي:

• 13 بالمئة فقط يؤيدون الانسحاب من غور الأردن، مقابل 1،24 بالمئة في العام 2005.
• 5،17 بالمئة يؤيدون الانسحاب من المسجد الأقصى باستثناء حائط البراق (المبكى)، مقابل 8،27 في العام 2005.
• 8،14 بالمئة يؤيدون الانسحاب من منطقة "غوش عتسيون" الواقعة بين بيت لحم والخليل مقابل 8،28 بالمئة في العام 2005.
• 46 يؤيدون الانسحاب من الجزء الشرقي من جبال "السامرة"، وفيها بعض المستوطنات المنعزلة والصغيرة، مقابل 5،66 بالمئة في استطلاع 2005.
• 1،26 بالمئة يؤيدون الانسحاب من "غربي السامرة" مقابل 1،38 بالمئة في استطلاع 2005.
• 40 بالمئة يؤيدون الانسحاب من الأحياء العربية في القدس الشرقية المحتلة، مقابل 3،46 بالمئة في العام 2005.

المستوطنات
أظهر الاستطلاع أيضاً أن موقف الإسرائيليين من الاستيطان ازداد تشددا وتطرفا عما كان عليه في السنوات السابقة. وجاءت الأجوبة عن سؤال في شأن إمكانية إخلاء المستوطنات في الضفة الفلسطينية (باستثناء المستوطنات في القدس الشرقية المحتلة عام 1967) في إطار حل دائم ينهي الصراع بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، كالتالي:

• عارض 42 بالمئة إزالة المستوطنات تحت أي ظرف، مقابل 28 بالمئة في العام 2005.
• أيد 43 بالمئة إزالة المستوطنات المنعزلة والصغيرة مقابل 52 بالمئة في 2005.
• أيد 15 بالمئة فقط إزالة جميع المستوطنات في الضفة الفلسطينية (باستثناء المستوطنات في القدس الشرقية المحتلة في العام 1967)، مقابل 20 بالمئة في 2005.

العملية السلمية
أظهر الاستطلاع أن الرأي العام الإسرائيلي يدرك جيدا دوافع قيادة الدولة في تأييدها اللفظي للعملية السلمية. ففي حين يتمسك الرأي العام الإسرائيلي بشدة بالاستيطان وباستمرار احتلال مناطق واسعة من الضفة الفلسطينية،كما هو واضح من الاستطلاع؛ فإن معظم الرأي العام يؤيد إبقاء العملية السلمية والمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين ويعارض إيقافها، لإدراكه أن ذلك يخدم إسرائيل التي تستعمل المفاوضات والعملية السلمية كغطاء لاستمرار الاستيطان من ناحية، ولتجنب الضغط الدولي وخاصة من الولايات المتحدة من ناحية أخرى. فقد أيد 59 بالمئة، في استطلاع العام 2009 استمرار المفاوضات واستمرار العملية السلمية وعارضها 19 بالمئة فقط، مقابل 64 بالمئة كانوا يؤيدون المفاوضات والعملية السلمية في العام 2005 ويعارضها 23 بالمئة.

الدولة الفلسطينية
في سياق قراءة آراء الرأي العام الإسرائيلي ومواقفه الرافضة بشدة للعودة إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 والمتمسكة بالاستيطان وبمساحات واسعة من الضفة الفلسطينية وبمواقفه من المركبات الأخرى للقضية الفلسطينية، يمكن إدراك موقف الرأي العام الإسرائيلي من الدولة الفلسطينية. فالدولة الفلسطينية لدى الرأي العام الإسرائيلي، كما يتبين من نتائج الاستطلاع، تختلف كلية عن دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفق حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967. إنها دولة على جزء من المناطق الفلسطينية المحتلة تقطع أوصالها المستوطنات وجدار الفصل والقواعد العسكرية.

وهي حل لما يطلق عليه الإسرائيليون "المشكلة الديمغرافية" كي "تتخلص" إسرائيل من الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه تحصرهم في معازل تطلق عليها دولة فلسطينية مساحتها الإجمالية نحو نصف مساحة الضفة الفلسطينية أو أكثر قليلاً، ليصبح أسهل عليها التحكم بالفلسطينيين والسيطرة عليهم، وذلك أفضل من إبقائهم تحت الاحتلال المباشر. وعلى الرغم من ذلك كله انخفض تأييد الرأي العام الإسرائيلي لقيام دولة فلسطينية من 58 بالمئة في العام 2005 إلى 53 بالمئة في العام 2009.

حظوظ الحلول السياسية والعسكرية
أظهر الاستطلاع أن 30 بالمئة يعتقدون أن في بالامكان التوصل إلى حل مع الفلسطينيين، في حين يعتقد 70 بالمئة أن ذلك مستحيل، في مقابل 39 بالمئة في استطلاع 2005 كانوا يعتقدون أن ذلك ممكن و61 بالمئة كانوا يرون أن ذلك مستحيل.

ويكشف الاستطلاع أيضاً ان 44 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون في العام 2009 أن أغلبية الفلسطينيين تريد السلام مقابل 52 بالمئة في العام 2005.

وأظهر الاستطلاع أن 58 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون بعدم وجود حل سياسي للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وأن 25 بالمئة فقط يعتقدون بوجود حل سياسي. وفي العام 2005 كانت نسبة الذين يعتقدون بعدم وجود حل سياسي 52 بالمئة، ونسبة الذين يعتقدون بوجود حل سياسي 33 بالمئة. وفي استطلاع 2009 أيد الجملة التالية: "لا يوجد حل عسكري للصراع" 40 بالمئة وعارضها 45 بالمئة. وفي العام 2005 أيدها 38 بالمئة وعارضها 50 بالمئة.

مبادرة السلام العربية
أوضح استطلاع الرأي ازدياد المعارضة في الرأي العام الإسرائيلي لمبادرة السلام العربية. ففي استطلاع 2009 أيد 19 بالمئة فقط ردا إسرائيليا إيجابياً على المبادرة العربية، في حين عارضها 60 بالمئة. أما في 2007 فقد أيد 27 بالمئة ردا إسرائيليا إيجابيا على المبادرة العربية بينما عارضها 49 بالمئة.

الأخطار ومفاهيم الأمن
لدراسة الأخطار على الأمن القومي الإسرائيلي واختبارها، عرض الاستبيان على العينة مجموعة من حالات الخطر، وطلب ترتيب هذه الحالات بحسب الأكثر خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي، فجاءت الاجابات كالتالي:

في المكانة الأولى: امتلاك إيران السلاح النووي. وفي المكانة الثانية: أسلحة كيماوية وبيولوجية في أيدي دول معادية. وفي المكانة الثالثة: تجدد "الإرهاب" بوتائر عالية. وفي المكانة الرابعة: أزمة اجتماعية - اقتصادية عميقة في إسرائيل. وفي المكانة الخامسة: الفساد في القطاع العام في إسرائيل. وفي المكانة السادسة: قيام نظام غير ديمقراطي في إسرائيل. وفي المكانة السابعة: حرب مع سورية. وفي المكانة الثامنة: إعادة المناطق المحتلة لقاء السلام.

ثم سئل أفراد العينة عن رأيهم في قدرة إسرائيل على مواجهة لحالات متعددة من التهديدات. وسنستعرض هنا هذه الحالات ونضع إلى جانبها نسبة الذين قالوا في سنة 2009 إن إسرائيل ستواجه بنجاح هذه الحالات من التهديدات ونقارنها بالإجابات في عام 2004:

• حرب شاملة بين إسرائيل وجميع الدول العربية: 75بالمئة في 2009 وفي 2004 كانت 67 بالمئة.
• حرب تشنها سورية على إسرائيل: 97 بالمئة في 2009 وفي 2004 كانت 96 بالمئة.
• قيام دولة معادية بمهاجمة إسرائيل بأسلحة بيولوجية وكيماوية: 76 بالمئة في 2009 وفي 2004 كانت 70 بالمئة.
• قيام دولة معادية بمهاجمة إسرائيل بأسلحة نووية: 67 بالمئة في 2009 وفي 2004 كانت 52 بالمئة.
• عمليات "إرهابية" مهمة ومستمرة: 89 بالمئة في 2009 وفي 2004 كانت 84 بالمئة.
• تمرد يقوم به العرب في إسرائيل: 91 بالمئة في 2009 وفي 2004 كانت52 بالمئة.
• انقسام داخلي (يهودي) على مصير المناطق المحتلة والسلام:91 بالمئة في 2009 وفي 2004 كانت85 بالمئة.
• هجوم بصواريخ أرض- أرض على إسرائيل: 92 بالمئة في 2009 وفي 2004 كانت 86 بالمئة.
• انقسامات اجتماعية ودينية (بين اليهود): 89 بالمئة في 2009 وفي 2004 كانت 72 بالمئة.
• خفض المساعدات الأميركية لإسرائيل: 78 بالمئة في 2009 وفي 2004 كانت53 بالمئة.

الخطر النووي الإيراني
يحتل منذ عقد ونيف ما يطلق عليه الإسرائيليون "الخطر النووي الإيراني"، قمة أولويات الأمن القومي الإسرائيلي. ولا يزال الرأي العام الإسرائيلي، بحسب الاستطلاع الأخير في 2009، يعتبر إمكانية امتلاك إيران السلاح النووي التهديد الأكثر خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي. وجواباً عن سؤال: ماذا ينبغي أن يكون رد إسرائيل إذا عرفت أن إيران تمتلك سلاحا نوويا، أيد 59 بالمئة قيام إسرائيل بمهاجمة المواقع النووية الإيرانية وعارض ذلك 49 بالمئة.

وعن سؤال آخر هو: كيف ستتصرف إيران إذا امتلكت سلاحا نوويا، أجاب 21 بالمئة أن إيران ستهاجم إسرائيل بأسلحة نووية. وقال 35 بالمئة إن إيران ستهدد إسرائيل بالسلاح النووي ولكنها لن تستعمله خشية من الرد الإسرائيلي. وقال 26 بالمئة إن إيران ستضغط على دول في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، وستبتزها لتحقيق أهدافها. وقال 13 بالمئة إن إيران ستشجع حزب الله وحماس على تصعيد العمليات العسكرية ضد إسرائيل، و4 بالمئة فقط قالوا إن إيران ستتصرف بحذر وبرغماتية.

الوضع النووي الإسرائيلي
يتبين من الاستطلاع أن 90 بالمئة من الإسرائيليين يؤمنون بأن إسرائيل تمتلك سلاحا نوويا، وأن 8 بالمئة غير متأكدين من ذلك. وتبين أيضاً أن 80 بالمئة يؤيدون سياسة الغموض النووي التي تتبعها إسرائيل منذ أكثر من خمسة عقود، في حين يؤيد 19 بالمئة إعلان إسرائيل نفسها دولة نووية لردع أعدائها، وواحد بالمئة فقط أيد تخلي إسرائيل عن سلاحها النووي.

ويعارض الإسرائيليون بأغلبية كبيرة جدا تصل إلى 87 بالمئة تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من السلاح النووي، حتى وإن امتلكت إيران سلاحا نوويا، ويؤيد 13 بالمئة فقط من الإسرائيليين العمل لجعل الشرق الأوسط خاليا من السلاح النووي في مثل هذه الحالة. وعما ينبغي أن تفعل إسرائيل في حال قررت عدم مهاجمة المواقع النووية الإيرانية، وأصبحت إيران دولة نووية، أجاب 39 بالمئة أن على إسرائيل تعزيز قدرتها الردعية، في حين قال 42 بالمئة إنه ينبغي تطوير منظومات الصواريخ المضادة للصواريخ، وقال 18 بالمئة إن على إسرائيل بناء ملاجئ لسكانها.

لا ينشر "برنامج الأمن القومي والرأي العام الإسرائيلي" جميع الأسئلة وجميع الأجوبة عنها. وفي محاضرة له في يوم دراسي عن "الشرق الأوسط في عصر الذرة" كشف يهودا بن مئير النقاب عن جملة من الأسئلة طرحها "البرنامج" في سنوات الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن المنصرم، وتبين منها أن 80 - 90 بالمئة من المجتمع الإسرائيلي ينظر بإيجابية إلى استمرار إسرائيل في تطوير أسلحتها النووية.

وذكر يهودا بن مئير أيضاً أنه تبين من الاستطلاعات التي أجراها "البرنامج" في الفترة المذكورة أعلاه أن الذين يعتقدون أن لإسرائيل الحق في استعمال السلاح النووي، في ظل احتكارها هذا السلاح، ضد الدول العربية هو في ازدياد مستمر. ففي العام 1986 كان ثلث الإسرائيليين يرى أن لإسرائيل الحق في استعمال سلاحها النووي - وليس امتلاكه فحسب - وعارض ثلثا الإسرائيليين ذلك.

أما في العام 1993 فقد ارتفعت نسبة المؤيدين لاستعمال السلاح النووي إلى الثلثين وانخفضت نسبة المعارضين إلى الثلث. وتبين من محاضرة بن مئير، أن أغلبية الإسرائيليين الساحقة، في المرحلة المذكورة أعلاه، تؤيد استعمال إسرائيل سلاحها النووي ليس كرد على تعرضها لهجوم نووي فحسب، وإنما كرد على تعرضها لهجوم كيماوي أو بيولوجي أيضاً.

ليس هذا فحسب، فقد أيد ما بين 47 و 58 بالمئة، في الفترة المذكورة أعلاه، استعمال إسرائيل سلاحها النووي ليس في الدفاع عن الوجود أو كرد على هجوم نووي أو بيولوجي أو كيماوي، وإنما لتجنب هزيمة عسكرية بالأسلحة التقليدية. وأشار يهودا بن مئير في محاضرته إلى أمر آخر مهم وخطير في الوقت نفسه، هو أن نسبة الإسرائيليين في الفترة المذكورة أعلاه التي أعربت عن تأييدها حق إسرائيل في استعمال سلاحها النووي للتقليل من الخسائر في أرواح الإسرائيليين تراوحت ما بين ثلث الإسرائيليين ونصفهم، وذلك من دون تعرضها لأي هجوم بأسلحة تدمير شامل، وتحت فرضية استمرار احتكار إسرائيل للسلاح النووي في المنطقة [1].

آراء في العرب الفلسطينيين في إسرائيل
تتجلى عنصرية الرأي العام الإسرائيلي وعدوانيته ليس في مواقفه وممارساته ضد الشعب العربي الفلسطيني في المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1967 أو ضد الدول العربية فحسب، وإنما في مواقفه وآرائه حيال العرب الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل أيضاً، والذين تبلغ نسبتهم 20 بالمئة من مجموع سكان إسرائيل. وأكدت نتائج الاستطلاع الذي أجراه "برنامج الأمن القومي والرأي العام الإسرائيلي" في سنة 2009 ازدياد تفشي العنصرية والعدوانية في المجتمع اليهودي الإسرائيلي. فقد أظهرت هذه النتائج تعاظم نسبة اليهود الإسرائيليين الذين يؤيدون تشجيع هجرة العرب إلى خارج إسرائيل، حيث وصلت هذه النسبة في العام 2009 إلى 72 بالمئة.

وكانت هذه النسبة في العام 2001 وصلت إلى 50 بالمئة، ثم ارتفعت في 2006 إلى 63 بالمئة، ووصلت في 2007 إلى 66 بالمئة. وأكد الاستطلاع كذلك أن 70 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون ترحيل"ترانسفير" أعداد كبيرة أو محدودة من العرب مع قراهم ومدنهم إلى خارج إسرائيل؛ وهذه النسبة متساوية للنسب في السنوات السابقة ما يدل على ترسخ فكرة "الترانسفير" في صفوف الإسرائيليين.

أما عن كيفية معاملة إسرائيل للعرب، فيفيد الاستطلاع أن 55 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون اتخاذ إسرائيل المزيد من الخطوات العقابية بحق العرب الفلسطينيين المواطنين فيها بدل منحهم المساواة. كذلك يكشف الاستطلاع أن 77 بالمئة يرفضون مشاركة العرب المواطنين في اتخاذ القرارات السياسية المهمة، وكذلك يعارض 70 بالمئة من الإسرائيليين وجود أحزاب عربية أو وزراء عرب في الائتلاف الحكومي.

على الرغم من تبني جميع الدول العربية رسميا خيار السلام مع إسرائيل كخيار استراتيجي وحيد منذ عقدين، وعلى الرغم من تقديم جميع الدول العربية والقيادة الفلسطينية التنازل تلو الآخر عن الحقوق العربية وفي مقدمتها الحقوق الفلسطينية، وعلى الرغم من مبادرة السلام العربية التي أجمع العرب عليها منذ 2002، وعلى الرغم من المبادرات الفلسطينية بما في ذلك "مبادرة جنيف"، وتوقف عمليات المقاومة منذ نحو نصف عقد، إلا أن الرأي العام الإسرائيلي يظهر بشكل قاطع أنه يسير باستمرارية وثبات نحو المزيد من العدوانية والتطرف والعنصرية تجاه العرب جميعا وتجاه حقوقهم. وربما يكون أكثر قربا إلى كبد الحقيقة القول إن الرأي العام الإسرائيلي بسبب مواقف الدول العربية والقيادة الفلسطينية ومواقفها، وليس رغماً عنها، يزداد توغلا في التطرف والعدوانية والعنصرية.

ولا يوجد هنا عدم تفاهم اطلاقا، فالرأي العام الإسرائيلي يدرك، الإدراك كله، أن العرب يريدون التوصل إلى سلام شامل وكامل مع إسرائيل على أساس حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 التي تعطي إسرائيل 78 بالمئة من مساحة فلسطين، وهو يرفض ذلك. إنه يريد أكثر من ذلك.

الرأي العام في إسرائيل بأغلبيته الكبيرة يريد التمسك بالجولان السوري المحتل، وقضم وضم أكثر ما يمكن قضمه وضمه من مساحة الضفة الفلسطينية، وهو يصر على ذلك كما يؤكده استطلاع الرأي الذي بين أيدينا. وهو لا يعير مواقف الدول العربية والقيادة الفلسطينية أهمية في التأثير في قراره الانسحاب من المناطق العربية المحتلة، فهي، أي القيادة الفلسطينية، بحسب فهمه، أخرجت نفسها من الصراع. ما يقلقه ويؤثر فيه حقاً، وهذا ما يظهره الاستطلاع في شأن مصير المناطق العربية المحتلة في العام 1967، هو الموقف الأميركي ثم "المسألة الديمغرافية".

ففي ظل اضمحلال القيم الإنسانية وتلاشيها في المجتمع الإسرائيلي، وسيادة القيم العنصرية النافية للآخر، وانغلاق المجتمع الإسرائيلي على نفسه، وعدم اجرائه أي حوار مع الآخر إلا من منطلق القوة والهيمنة والاستعلاء والإقصاء، وفي ظل عدم وجود ميزان قوى إقليمي يردع المجتمع الإسرائيلي، وفي ظل استمرار احتكار إسرائيل السلاح النووي في المنطقة، وفي ظل استمرار الدول العربية في تبنيها خيار السلام كخيار استراتيجي وحيد، وفي ظل وجود مجتمع إسرائيلي يرفض الاندماج في المنطقة، ويسعى، عوضا عن ذلك، إلى الهيمنة عليها وفرض "الحل الوسط" الذي تتوصل اليه شرائح المجتمع الإسرائيلي الموغلة في العنصرية، وبدلا من التوصل إلى "حل وسط" حقيقي مع العرب؛ يظل الرأي العام الإسرائيلي يدور في فلك العنصرية والعدوانية والاستقواء، ولا يحرره منه إلا ميزان قوى جديد في المنطقة، يحمل بين ثناياه إمكانية تدفيعه ثمن عدوانيته وعنصريته واحتلاله.

-----------
[1] يهودا بن مئير، "العصر النووي والجمهور الإسرائيل، في كتاب : أوراق العزار - يوم دراسي في موضوع: الشرق الأوسط في عصر الذرة، تل أبيب: مركز يافه للدراسات الإستراتيجية، 1994، ص 60 ـ 61.

التعليقات