عن إسرائيل التي كانت أسيرة في لبنان!../ أنطـوان شلحـت

تعريف: هذا المقال هو نصّ تقديم كتاب "أسرى في لبنان- الحقيقة عن حرب لبنان الثانية" من تأليف عوفر شيلح ويوءاف ليمور والذي صدر مؤخرًا في ترجمة عربية عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار وسيصدر أيضًا عن منشورات المكتبة الأهلية في عمان- الأردن. وقد ترجمه الأستاذ جواد سليمان الجعبري

عن إسرائيل التي كانت أسيرة في لبنان!../ أنطـوان شلحـت

تعريف: هذا المقال هو نصّ تقديم كتاب "أسرى في لبنان- الحقيقة عن حرب لبنان الثانية" من تأليف عوفر شيلح ويوءاف ليمور والذي صدر مؤخرًا في ترجمة عربية عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار وسيصدر أيضًا عن منشورات المكتبة الأهلية في عمان- الأردن. وقد ترجمه الأستاذ جواد سليمان الجعبري.

 

 

(*) حتى الآن أدّت الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في صيف 2006 ("حرب لبنان الثانية" في تسميتها الإسرائيلية الرسمية)، باعتبارها الحرب الأطول في "تاريخ حروب إسرائيل"، إلى تأليف بضعة كتب، كان أولها- وربما يكون أكثرها أهمية- هذا الكتاب: "أسرى في لبنان- الحقيقة عن حرب لبنان الثانية". وهو من تأليف عوفر شيلح، المعلق السياسي والعسكري في صحيفة معاريف وقناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة ويوءاف ليمور، المعلق العسكري في قناة التلفزة الإسرائيلية الأولى. وقد صدر عشية نشر التقرير الجزئي للجنة فينوغراد، التي تقصت وقائع تلك الحرب، في نيسان 2007.

 

إن التركيز في هذا الكتاب هو، أساسًا، على أداء المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل في إبان الحرب وعلى العلاقة القائمة بينهما. وبناء على ذلك فهو حافل بالتفصيلات الدقيقة في هذا الشأن، والتي قد تشكل مادة دسمة للباحثين والمحللين، وإن بدا أنها بعيدة عن إثارة اهتمام الجمهور الواسع.

 

ومع أن المؤلفين يعتبران أن الفشل الذي مُنيت إسرائيل به في هذه الحرب يظل يتيمًا، إلا أنهما لا يضنّان بالوقائع التي تحمل المسؤولية الكاملة عنه إلى الثالوث الذي وقف على رأس المؤسستين السياسية والعسكرية في أثناء الحرب، والذي كان مؤلفًا من رئيس الحكومة إيهود أولمرت، ووزير الدفاع عمير بيرتس، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش دان حالوتس.

 

وقد أخذ البعض على الكتاب أنه لم يسلط الضوء، بصورة كافية وبتمحيص دقيق، على المسؤولية التي هي من نصيب المسؤولين الإسرائيليين السابقين، وخصوصًا الثالوث السابق في المناصب المذكورة أعلاه، والذي تألف من أريئيل شارون وشاؤول موفاز وموشيه يعالون على التوالي. لكن بالإمكان القول إن هناك تركيزًا على موضوع آخر يحيل إلى هذا الثالوث وإلى من سبقه أيضًا، وهو أوضاع الجيش الإسرائيلي، التي أدّت، من ضمن أمور أخرى، إلى "أن ينسى جوهر الحرب"، وذلك بالأساس تحت وطأة ما يقوم به في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ العام 2000 (أي منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية).

 

كما أخذ بعض آخر على الكتاب أنه لم يتطرّق إلى القصورات في تهيئة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، التي محت الحرب الفارق بينها وبين جبهة القتال، وإلى ما ألحقته الحرب بلبنان من أضرار ودمار وضحايا بشرية.

 

إن الخلاصة العملية الأهم، التي يتوصل المؤلفان إليها، هي أن الحكومة الإسرائيلية كافة بل ودولة إسرائيل برمتها وقعتا أسيرتين في لبنان على مدار أيام الحرب بطولها. أمّا الجيش الإسرائيلي فقد وقع أسيرًا في قبضة قادة سياسيين هم أشبه بالهواة، وقبضة قادة عسكريين تلهوا بـ "الحروب" فيما بينهم أكثر من التفكير بمجريات الحرب نفسها وأهدافها ومترتباتها.

ولا شكّ في أن الوقائع المشمولة في الكتاب تشكل تفسيرًا للمنحى الذي نحته لجنة فينوغراد في تقريريها الجزئي والنهائي، وهو التركيز على ثالوث أولمرت- بيرتس- حالوتس، بعد أن توصلت إلى استنتاج فحواه "أنه لا يمكن تقويم المسارات المتصلة بقرارات شنّ الحرب بشكل كامل من دون التطرّق بشكل مفصّل إلى المساهمة الشخصية والوزارية أو القيادية لأولئك الذين قادوا هذه القرارات من جانب الساسة والعسكر، والذين كانت مساهمتهم في هذه القرارات حاسمة". وزادت قائلة "إننا نقرر أن هؤلاء الثلاثة كان لديهم إسهام شخصي حاسم في القرارات المتصلة بالخروج إلى الحرب وبطريقة اتخاذها، ولذلك فإنهم مسؤولون عن الإخفاقات والأخطاء كما عن الإنجازات التي انطوت عليها". كما أن هذه الوقائع تعتبر سندًا لاستنتاجات اللجنة، وإن كانت سابقة عليها.

وتفصيليًا وجدت اللجنة أن أولمرت "مسؤول عن حقيقة أن قرار شنّ الحرب في 12 تموز 2006، والقرارات الأخيرة في عملية بلورتها، اتُخذت بتسرّع ومن دون فحص عميق لحلبة المعركة ولأسباب السياسة [الإسرائيلية] التي كانت متبعة قبلاً. فهو المسؤول عن اتخاذ قرار شنّ العملية من دون خطة موضوعة جيدًا ومن دون مسار إستراتيجي واضح. هو المسؤول عن أن أهداف المعركة لم تتحدّد بوضوح وحذر، وأنه لم يفحص، بصورة منتظمة، العلاقة بين أهداف المعركة وبين السبل التي اتُبعت لتحقيقها. هو أيضا المسؤول عن أن الخروج إلى المعركة المعقدة جدًا تم من دون التأكّد من مستوى الاستعداد أو الجهوزية العسكرية، ومن دون تنفيذ الاستعدادات المطلوبة في الجبهة الداخلية، ومن دون إجراء تنسيق وثيق مع وزارة الخارجية. وهذه الأمور كلها تنضم معًا إلى الفشل الخطر المتعلق باستخدام رجاحة الرأي والمسؤولية والحذر".

 

وبشأن بيرتس استنتجت اللجنة أنه "في مرحلة الخروج إلى الحرب لم تكن لديه نظرية إستراتيجية متسقة وتامة وواضحة إزاء الوضع على الساحة اللبنانية، ولم يكن لديه إدراك لحقيقة أن هناك إمكانية لأن تكون العملية العسكرية طويلة الأمد، لأنه لم يكن ضمن مخططها وجود آلية لخروج مفهوم ومعقول منها... والمشكلة هنا لا تتعلق فقط بعدم الاطلاع الجيّد على الساحة اللبنانية، وإنما أيضًا بعدم الاطلاع على المبادئ الأساسية لاستخدام القوة العسكرية أداة لتحقيق أهداف سياسية، وبناء على كل ذلك فقد فشل".

 

أمّا فيما يتعلق بحالوتس فقد رأت اللجنة أنّ تقديراته وتوصياته كانت مركزية، بل وحاسمة إلى حد كبير أيضًا، في بلورة مواقف رئيس الحكومة ووزير الدفاع والمؤسسة السياسية الإسرائيلية عامة. وأدار رئيس هيئة الأركان العامة تقريباً بصورة حصرية نشاطات الجيش كلها. وهذه الحقيقة بنيوية من جهة، وناجمة من جهة أخرى عن تقاليد عريقة، ومرتبطة من جهة ثالثة بقلة تجربة رئيس الحكومة ووزير الدفاع في الشؤون الأمنية وكونهما غريبين عن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.  ومن هنا تنبع الأهمية الحاسمة لرئيس هيئة الأركان العامة في نجاحات المرحلة الأولى للحرب وإخفاقاتها ومسؤوليته الأساس عن ذلك، إلى جانب المسؤولية العليا لرئيس الحكومة والمسؤولية الخاصة لوزير الدفاع.

 

وتابعت اللجنة أنّ المسؤولية الرسمية والعملية لرئيس هيئة الأركان العامة عن قرار الخروج للحرب كانت فرعية مقارنة برئيس الحكومة، وذلك لأن المسؤولية عن قرار من هذا النوع تقع أولاً وقبل أي شيء على عاتق رئيس الحكومة ولأن هذا الأخير عمل وفق هذا النمط، إضافة إلى أنه طوال الطريق كان فحوى الموقف المتصل لرئيس هيئة الأركان العامة هو أن دور الجيش الإسرائيلي هو العمل بما يتلاءم مع توجيهات المؤسسة السياسية. لكن سوية مع ذلك أدى رئيس هيئة الأركان العامة شخصيًا دورًا مركزيًا جدًا، وتقريباً بشكل حصري، في قيادة المبادرة للبدء بالمسار العسكري، وفي إقناع رئيس الحكومة وأغلبية وزرائها بقدرات الجيش على تنفيذ المهمات التي تُلقى على عاتقه وتحقيق إنجازات مثيرة في الحرب، حتى لو اقتصر الأمر على الهجوم الجوّي على حزب الله.

وأكدت اللجنة أنه بالذات لأنه كانت لدى رئيس هيئة الأركان العامة آراء حاسمة في شأن موضوعات المعركة، وبالذات لأنه عرف أنه لم تكن لدى رئيس الحكومة ووزير الدفاع معرفة وتجربة عميقتان في الموضوعات السياسية والأمنية، فقد كان يتوجب عليه أن يحرص على أن لا تعرض توصياته فقط أمام المؤسسة السياسية، وإنما أن تعرض أمامها كل التقويمات والتوصيات والبدائل بصورة منظمة مع الكثير من المواد الخلفية. لكن هذا الأمر لم يتمّ، وانطوى ذلك على فشل جدي.

وفي إجمالها للاستنتاجات المتعلقة بحالوتس قالت اللجنة إن رئيس هيئة الأركان العامة السابق مسؤول، شخصيًا وقياديًا، عن أنه لم تكن في حوزته في يوم صدور الأمر (بشنّ الحرب) خطط معدّة واقعية لوضع من التصعيد في الساحة اللبنانية، كان في وسعها أن تساعد المؤسسة السياسية في إجراء دراسة أفضل للإمكانيات الماثلة أمامه. بالإضافة على ذلك فإن رئيس هيئة الأركان العامة لم يطرح على هذه المؤسسة- على الرغم من معرفته بانعدام معرفتها وتجربتها- تعقيدات تلك الساحة وحقائق الجيش بشأن معيقات العمل ضد النيران المضادة والإعاقات الكبيرة في جهوزية الجيش. وعندما قبلت توصيته بالخروج إلى عملية عسكرية قاسية، لم يستعد رئيس هيئة الأركان العامة فورًا لتعبئة قوات الاحتياط واستكمال النواقص لتهيئة عملية برية عندما يتطلب الأمر القيام بها، ولم يشمل إيقاف إطلاق صواريخ الكاتيوشا ضمن الأهداف المركزية للعملية. وفي كل ذلك ساهم رئيس هيئة الأركان العامة إسهامًا حاسمًا في العيوب والإخفاقات في مجرى اتخاذ القرارات بالخروج إلى الحرب. 

 

إلى هذه الاستنتاجات الرئيسة أضاف تقرير لجنة فينوغراد أنه كان هناك شركاء آخرون في الإخفاقات، فـ "تعقيدات الساحة (اللبنانية) ليست تحت سيطرة إسرائيل، وكذلك الأمر بالنسبة لقدرة حزب الله على أخذ مواقعه على الحدود، وبالنسبة لتعاظم قوته في أعقاب الانسحاب الأحادي الجانب من لبنان، والذي لم يتلوه انتشار الجيش اللبناني".

 

وبطبيعة الحال كانت هناك استنتاجات عينية تخصّ الحرب على لبنان، وأخرى مطروحة على المدى الأبعد.

 

من هذه الاستنتاجات الأخيرة، مثلاً، قول اللجنة "يبدو لنا أن أحد الإخفاقات الرئيسة لإسرائيل هو انعدام استعدادها لتحديث مفهومها الأمني- السياسي (بالمعنى الواسع)، بشكل يعكس بصورة صادقة مجمل القوة الإسرائيلية وحدودها. وقد وجدنا، خلال فحصنا، أن هناك قدرًا كبيرًا من التقدير غير الصائب لقوتنا ومن التقدير الناقص لقدرات الخصم ودراسته، وذلك بين المؤسستين العسكرية والسياسية على حدّ سواء. وهذه عيوب من شأنها أن تكون مصيرية".

 

كما أشير إلى مسألة الدمج ما بين استعمال القوة العسكرية والردع العسكري لتحقيق غايات سياسية حيوية. وجاء فيه في هذا الشأن: إن الإخفاقات والتقصيرات التي انكشفت في هذه النقاط خطرة ومقلقة، لا أقل من عيوب اتخاذ القرارات المرتبطة بشنّ الحرب. هناك نواقص عميقة وصعبة في مستوى جهوزية الخطط العملانية والتدريب المناسب، ونواقص في مستوى تجهيز وتحصين الجنود والجبهة الداخلية المدنية، وهناك انعدام للبحث العام ولاتخاذ القرارات المتعمقة والتعقب المسؤول لتنفيذها، وكل ذلك يقف في صلب الإخفاقات التي تكشفت في حرب لبنان. وتلك هي سمات متواصلة للدولة والمجتمع.

 

وأضافت اللجنة: لقد تفحصنا جيدّا سلوك أصحاب القرار في الحرب ووجدنا أنه يتميز بالمنجزات لكن بالعيوب أيضًا. غير أنّ هذه العيوب القاسية لها الآن، وكان لها في السابق، شركاء كثيرون جدًا. يندرج في إطار هؤلاء الشركاء ليس فقط الأشخاص والمؤسسات، وإنما أيضًا سيرورات اجتماعية عميقة تصل إلى درجة حصول تغيرات في الروح الوطنية ذاتها. ورأت أنه كان هناك شركاء في هذه الإخفاقات هم الحكومة وأعضاء كبار في هيئة الأركان العامة لم يفعلوا ما هو مطلوب منهم.

 

ثمة تداعيات أخرى يثيرها هذا الكتاب، لعل أبرزها ذلك المتعلق بالدور الأميركي. فهو يشير، مثلاً، إلى أنه في أثناء الحرب انساق أولمرت، بصورة استحواذية، وراء وهم خطر فحواه أن أكثر ما تحتاج إسرائيل إليه كي تحقق أهدافها من الحرب هو المزيد من الوقت، وهي حاجة حصلت عليها بسخاء من الإدارة الأميركية.

 

واشنطن حثّت على

التعرّض لسورية

 

يؤكد الكتاب أنّ الإدارة الأميركية حثّت إسرائيل على توجيه ضربات عسكرية إلى سورية خلال الحرب.

 

وقد جاء فيه في هذا الشأن أنه خلال الأعوام، التي سبقت الحرب على لبنان، وعمليا منذ أن صاغ الرئيس الأميركي السابق جورج بوش مفهومه بشأن "محور الشر"، الذي يضم كلا من إيران وسورية وحزب الله وحركة حماس "أوضحت الولايات المتحدة بطرق عديدة لإسرائيل أنها ستكون في غاية السرور إذا ما وجهت ضربة إلى سورية في إطار محاولة ترتيب الوضع في لبنان، مبينة للأسد [الرئيس السوري بشار الأسد] تبعات نهجه المعادي لأميركا عند حدود سورية - العراق، وبذا تساهم إسرائيل بقسطها في اجتثاث علاقة طهران- دمشق- بيروت".

وأضاف أن مسؤولين إسرائيليين اجتمعوا، خلال الأعوام الفائتة، مع نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، ووزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، خرجوا بانطباع مؤداه أن"الولايات المتحدة تكاد تطلب من إسرائيل إيجاد ذريعة لضرب سورية" وأن "الصقور في البيت الأبيض ووزارة الدفاع عرضوا هذه المهمة على أنها بمثابة مهمة يتوجب على إسرائيل تنفيذها، بصفتها حليفة الأميركيين في المنطقة البالغة الإشكالية بالنسبة للإدارة الأميركية".

وكشف الكتاب أنه "في الأيام الأولى لحرب لبنان تجددت هذه الرسائل [الأميركية] بقوة أكبر". ونقلت جهات أمنية إسرائيلية في واشنطن إلى القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل تقارير مفادها أن الأميركيين يريدون "أن نقحم سورية" في الحرب. كما نقل سفير إسرائيل لدى واشنطن، داني أيالون، أقوالا بروح شبيهة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت.

كما استمع رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، موشيه يعالون، الذي كان موجودًا في حينه في واشنطن بصفة شخصية، إلى أقوال مماثلة من مسؤولين في قيادة الإدارة الأميركية جاء فيها "إذا ما احتجتم إلى أي مساعدة فإننا سنهتم (بتزويدكم) بكل شيء من معلومات استخباراتية وسلاح وكل ما تحتاجونه".

وأشار المؤلفان إلى أقوال الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه)، جيمس وولسي، في "مؤتمر هرتسيليا" في نهاية العام 2006، والتي اعتبر فيها أن "إسرائيل أخطأت بعدم مهاجمة سورية في الصيف الأخير"، أي في أثناء حرب تموز في صيف ذلك العام. وأكدا أن أقوال وولسي عبرت على ما يبدو بشكل صريح عما قيل خلال الحرب في داخل الغرف المغلقة.

غير أنه كان هناك خلاف في الآراء في إسرائيل بشأن هذه الضغوط لضرب سورية، بالإضافة إلى وجود موقف صاغه الجيش الإسرائيلي مفاده أن "أحد أهداف القتال هو أن تبقى سورية خارج نطاق الحرب". وقد شدّد وزير الدفاع عمير بيرتس على هذا الموقف عدة مرات خلال الحرب في اجتماعات الحكومة الإسرائيلية المصغرة للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت).

كذلك فإن "التعلة الأساس لمعارضة رئيس هيئة الأركان (دان حالوتس) لعملية عسكرية برية أوسع (في جنوب لبنان) هو خطر اندلاع مواجهة مع سورية"، فيما أيد نائب رئيس هيئة الأركان موشيه كابلينسكي ضرب سورية وقال في مداولات عسكرية داخلية في يوم 12 تموز 2006، أي يوم اندلاع الحرب، إنه قد "تنشأ فرصة" لضرب سورية وإذا ما نشأت فرصة كهذه فعلا فإنه لا بُدّ من استغلالها.

كذلك فإن رئيس جهاز الموساد، مئير داغان أبدى تأييده، في 12 تموز، لمهاجمة أهداف سورية، وتحدث في اجتماع لدى أولمرت، سبق اجتماع الحكومة الإسرائيلية الذي عقد في إثر هجوم حزب الله وأسر الجنديين الإسرائيليين في صبيحة اليوم ذاته، عن "هجمات انتقائية في سورية".

وبعد ذلك بيومين وخلال اجتماع اللجنة الوزارية السباعية، التي تضم أولمرت ونوابه ووزير الأمن الداخلي آفي ديختر، وتقرر فيه قصف ضاحية بيروت الجنوبية، تحدث ديختر عن إمكان مهاجمة سورية.

وبحسب الكتاب فإن أولمرت، الذي كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تكيل له المديح خلال الأيام العشرة الأولى للحرب، أخذ يفكر في إمكان مهاجمة سورية، ورغم أنه لم يتحدث في الموضوع في اجتماعات رسمية إلا إن مقربين منه أكدوا أن الفكرة بدأت تستهويه، لكن قسما من هؤلاء المقربين حذره من مغبة الإقدام على تنفيذ ذلك وطالبه بعدم الانصياع للمطالب الأميركية.

ويبدو، بحسب الكتاب، أن ما حسم الأمر إلى ناحية عدم مهاجمة سورية هو حالة الجيش الإسرائيلي المتردية وعدم قدرته على خوض مواجهة معها.

ففي اليوم الأول للحرب طالب قائد الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال أودي آدم، بتجنيد لواء في تشكيلات الاحتياط للدفاع عن هجوم محتمل لوحدات كوماندوز سورية، لكن بدلا من ذلك تم إرسال كتيبة نظامية تم نشرها من جبل الشيخ والمناطق الواقعة غربه الأمر الذي أفقد هذا القطاع من الجبهة أي أهمية دفاعية، فيما تم تجنيد لواء احتياط فقط في 17 تموز بعد ورود معلومات عن حالة استنفار في صفوف قوات الكوماندوز السورية، أمّا تشكيلات الاحتياط المدرعة الإسرائيلية التي كانت غايتها الدفاع عن الجولان فلم يتم تجنيدها بتاتا سوى في وقت متأخر وتم توجيه معظمها إلى الجبهة اللبنانية.

وشكل حالوتس طاقما برئاسة قائد شعبة التنصت، أودي شاني، وكلفه بإعداد تقرير حول وضع الجيش واستعداده لحرب مع سورية، لكن نتيجة التقرير كانت واضحة للغاية وجاء فيها أن الجيش الإسرائيلي غير مستعد لتطور كهذا.

كذلك اتضح بعد الحرب أن سلاح الجو الإسرائيلي ما كان في إمكانه مهاجمة أهداف كثيرة في سورية بسبب انشغاله المفرط في الغارات على لبنان، علاوة على أن الذخيرة التي تستخدمها المقاتلات الإسرائيلية أخذت تنقص في مخازن الجيش.

وفي موازاة ذلك كله بعثت الحكومة الإسرائيلية برسائل تهدئة لسورية عبر قنوات أجنبية تفيد بأنه لا توجد لدى إسرائيل نيات لمهاجمة سورية.

لكن الأميركيين لم يكونوا راضين عما اعتبروه "ترددا إسرائيليًا". وينقل الكتاب عن مسؤولين أميركيين كبار قولهم لمندوبين إسرائيليين "يبدو أنكم تخافونهم"، أي السوريين، و"كان الشعور في واشنطن هو أن إسرائيل أظهرت ضعفا سيكون له تأثير بالغ في أماكن مؤلمة للغاية بالنسبة للأميركيين، وعلى رأسها العراق".

كما يطرح الكتاب تساؤلات بشأن فشل حملات الاحتجاج الإسرائيلية، التي أعقبت الحرب، في الإطاحة بأولمرت. وقد أرجع ذلك، أساسًا، إلى مشاعر الإنهاك التي تجتاح المجتمع الإسرائيلي، وانعدام الثقة لديه أن في إمكان هذه الحملات أن تؤدي إلى التغيير المطلوب.

 

في واقع الأمر فإن هذا هو ما حدث فعلاً. وعلى الرغم من شبه إجماع المحللين على أن أولمرت قد أنهى حياته السياسية تحت وطأة إدارة هذه الحرب ونتائجها الكئيبة، إلا إن هذه الحياة لم تنته فعلاً إلا بقرار منه أعلنه في 30 تموز 2008، أي بعد عامين من اندلاع الحرب، بقي خلالهما متمسكًا بموقفه المصرّ على البقاء في منصبه، من دون أن ينجح المناخ الإسرائيلي العام، الذي ظلّ يلح على استقالته، في أن يقلب هذه الحالة رأسًا على عقب.  

التعليقات