"الرجال الرماديون" الذين انتصروا على الاستخبارات الإسرائيلية

فشل كبير لأجهزة المخابرات الإسرائيلية وانجاز كبير لحماس، هي حصيلة الـ64 شهرا الفائتة، منذ وقوع غلعاد شاليط في الأسر.. كانت سقطة مدوية لـ"الشاباك" بصفته المسؤول عن التغطية الاستخبارية في الضفة الغربية وقطاع غزة أساسا

فشل كبير لأجهزة المخابرات الإسرائيلية وانجاز كبير لحماس، هي حصيلة الـ64 شهرا الفائتة، منذ وقوع غلعاد شاليط في الأسر. كانت سقطة مدوية لـ"الشاباك" بصفته المسؤول عن التغطية الاستخبارية في الضفة الغربية وقطاع غزة أساسا، وبالدرجة الثانية للوحدة 8200، الوحدة المركزية في قسم الاستخبارات التابع للجيش الإسرائيلي.

هكذا لخص الصحفي يوسي ميلمان، في تقريرنشرته صحيفة "هآرتس"، الصادرة في نهاية الأسبوع، الأيام والشهور والسنين الماضية التي قضاها غلعاد شاليط في الأسر الفلسطيني، والتي على طولها وعرضها فشلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية جميعها خلالها بالحصول على أدنى معلومات تمكنها حتى من فحص إمكانية تنفيذ عملية لتحرير شاليط بالقوة.

هذا على الرغم من أن توفر معلومات عن مكان وجود شاليط وعن ترتيبات الحراسة المفروضة عليه، لا تعني بالضرورة وجود إمكانية تنفيذ عملية لتحريره، لأنه حتى في حالات توافر معلومات جيدة ومحتلنة يجب الأخذ بالاعتبار الفجوات القائمة بين المعلومات والتي من شأنها أن تؤدي إلى الفشل، مثلما حدث في حالة نحشون فاكسمان، حيث كان يخيل للجيش أنه يمتلك معلومات كاملة، لاحقا يتبين ان غياب معلومة صغيرة مثل- وجود باب اضافي في المبنى الذي احتجز فيه فاكسمان- وبسبب فجوات في المعلومات، انتهت العملية نهاية تراجيدية حيث قتل فاكسمان ونير بوراز الذي كان في وحدة الانقاذ، كما يقول ميلمان.

ميلمان يقول، إنه في ظروف عمى معلوماتي مطلق لم يكن أمام الجيش الإسرائيلي ولا أمام القيادة السياسية، أي خيار آخر سوى صفقة تبادل موجعة وغير مسبوقة. صحيح أن مثل هذه الصفقة ما كانت لتخرج إلى النور قبل سنتين ونصف، في نهاية عهد أولمرط، ولكن أولمرط الذي حظي بدعم من رئيس الموساد في حينه مئير دغان ومن رئيس الشاباك في حينه ديسكين، رفض في نهاية آذار 2009 شروط حماس ووضع ثلاثة خطوط حمراء هي: رفض تحرير125 أسيرا من قيادات الأسرى، رفض تحرير أسرى إلى داخل الضفة الغربية، ورفض شمل أسرى من داخل الخط الأخضر في الصفقة.

حماس رفضت التراجع عن شروطها وأولمرط استقال وجاء نتنياهو، الذي حاول التنصل من خارطة الطريق المتعلقة بالصفقة في عهد أولمرط، معتقدا أن أي صفقة ستعني الخضوع لما وصفه بـ"الإرهاب"، وأمل أن تتمكن المخابرات من الحصول على معلومات عن شاليط بعد الحرب على غزة، إلا أن نتنياهو فهم هو الآخر تدريجيا أن المخابرات لا تستطيع توفير معلومات، وأن الخيارات أمامه مسدودة، ناهيك عن أن ضعفه على الجبهتين الداخلية والخارجية.

القضية ما كان يجب أن تنتهي بهذا الشكل، رغم معطيات البداية التي كانت معقولة، كان "إنذار مسبق" عن إمكانية اختطاف رغم أنه لم يكن محددا، لكن بالرغم من ذلك نجحت حماس بمفاجأة الجيش، واختطاف شاليط، ناهيك عن أن بعض الظروف الإضافية زادت من حدة الفشل.

ولاحقا فإن المعلومات التي توفرت عن هوية الخاطفين، كان يفترض أن تساعد الاستخبارات الإسرائيلية، كذلك فإن كون الاختطاف جاء حصيلة تعاون عدة تنظيمات كان من المفروض أن يسهل عملية الاستخبارات.

عمليا، كانت العملية نتيجة شراكة بين حماس وعائلة دغمش، التي أطلق "الشاباك" على أفرادها "الرماديون" – أناس يعملون "حمالين" في تفريغ حمولات الإسمنت من الشاحنات. وفي الآونة الأخيرة وسعوا تجارتهم فأقاموا ميليشيا خاصة، على أساس عائلي وتحولوا، كما يقول ميلمان، إلى وكيل ثانوي لدى حماس في مهمات الإرهاب، هم من قتلوا حسب تعاقد مع حماس، موسى عرفات لقد دخلوا الى بيته وأنزلوه إلى الشارع، وقتلوه على مرأى من المارة، يقول ميلمان.

ويضيف تقرير "هآرتس"، أن كثرة الأجسام والمنظمات المشاركة في عملية الاختطاف، كان يفترض أن يمس بسرية العملية، ويسهل على "الشاباك" في الحصول على معلومات، إلا أن ذلك لم يحصل وهذا هو الفشل الأول، أما الفشل الثاني فيكمن في عجز "الشاباك" عن التسبب بأن تقترف حماس أخطاء تساعده في الحصول على معلومات، هذا فعلا ما حصل في حالة المهندس يحيى عياش، الذي هرب من الضفة الى غزة واختفت آثاره ولكن بمساعدة سلسلة عمليات، تم خلالها تفعيل عملاء ارتكب عياش عدة أخطاء وظهر إلى السطح، وهكذا أمسك "الشاباك" بطرف الخيط الذي مكّن من تصفيته، بواسطة عبوة وضعت في هاتفه المحمول، وتم تشغيلها بواسطة جهاز تحكم عن بعد بواسطة طائرة بدون طيار عام 1996.

مثل هذا الأمر لم يحدث في حالة شاليط، يقول ميلمان، "الشاباك" بدأ بتجميع المعلومات في مرحلة متأخرة نسبيا، الفترة التي مرت مكّنت الخاطفين من الاختفاء نهائيا، "الشاباك" تمكّن من رصد اثنين من الخاطفين، والتعرف على هويتهم ونجح بتصفية اثنين منهم؛ عماد حامد وكمال النيرب، الذي كان أول من حقق مع شاليط، في حين تمكن من اختطاف آخرين والتحقيق معهم، الا أن هذه التحقيقات لم تثمر شيئا.

يمكن أن نسجل بالتأكيد أن حراس شاليط حافظوا على عدم استعمال الهواتف الخليوية، أو الأرضية أو الأجهزة اللاسلكية أو الحاسوب، وعرفوا أن الاستخبارات الإسرائيلية تعمل ساعات إضافية في تتبعهم، ولذلك لم يتركوا آثارا رقمية (ديجيتالية)، وفي غياب وسائل التنصت فإن الالتقاط وفكّ الرموز من قبل "الشاباك" ووحدة 8200 لن يجدي.

ويختتم تقريرهآرتس بالقول، يبدو أن الخاطفين قللوا من تبادل الرسائل فيما بينهم، وتواصلوا مباشرة أو عن طريق حمائم بريد، ولم يكشفوا وجوههم أمام شاليط، لكي لا يتعرف عليهم، وفي تلك الحرب الصامتة كانت أيدي حماس هي العليا هذه المرة.

التعليقات