هآرتس: لماذا تخفي إسرائيل حقيقة وفرة المياه فيها؟

تحت عنوان "لماذا لا تقول الحكومة أن هناك مياه وفيرة"، تناولت "هآرتس" في تقرير لها مسألة المياه، والتزام إسرائيل الصمت على ذلك لأسباب سياسية واقتصادية. وفي المقابل يشير التقرير إلى إمكانية تحول إسرائيل إلى "دولة مائية إقليمية"..

هآرتس: لماذا تخفي إسرائيل حقيقة وفرة المياه فيها؟

تحت عنوان "لماذا لا تقول الحكومة أن هناك مياه وفيرة"، تناولت "هآرتس" في تقرير لها مسألة المياه، والتزام إسرائيل الصمت على ذلك لأسباب سياسية واقتصادية. وفي المقابل يشير التقرير إلى إمكانية تحول إسرائيل إلى "دولة مائية إقليمية".

وتناولت الصحيفة المسألة منذ قرار الحكومة البريطانية، في أعقاب هبة البراق في آب/ أغسطس 1929، تعيين السير جون هوب سيمبسون لفحص عدم مس تطبيق "وعد بلفور" بالسكان الأصليين لأرض فلسطين التاريخية. وأشارت إلى أن سيمبسون توصل إلى نتيجة مفادها أن البلاد مزدحمة. واعتبرت أن ذلك من بين أسباب صدور ما أسمي "الكتاب الأبيض" في العام 1930، وإلى نتيجة ضرورة تحديد هجرة اليهود إلى فلسطين.

واعتبرت "هآرتس" أن خطأ سيمبسون التاريخي كان أنه اعتبر النقص الخطير في المياه في البلاد كمعطى، وبالتالي فإن الزراعة ممكنة اعتمادا على مياه الأمطار في الشتاء، وعلى تخصيص مساحات أراض واسعة للفلاحين لكي يتمكنوا من إعالة عائلاتهم. كما اعتبرت أن سيمبسون لم يفكر بتطوير مصادر مائية أخرى بما يتيح استغلال مساحات أراض أخرى عن طريق الري.

وتابع التقرير أن الاستيطان اليهودي في فلسطين لم يكن على استعداد لتقبل نتائج سيمبسون، واعتبرها "مؤامرة إمبريالية"، وقرر مواجهتها بعدة طرق: بادعاءات سياسية تثبت أن بريطانيا تتنكر لدعمها للمشروع الصهيوني، وحفر آبار مياه كثيرة قد الإمكان، وخاصة في منطقة حوض الساحل (الحوض الغربي)، وتطوير وسائل تزويد المياه للمناطق التي تعاني من نقص في المياه، وخاصة النقب، وذلك من خلال أنظمة ري. ولفت التقرير إلى ارتباط اسم ليفي أشكول وبنحاس سبير بتطوير الاقتصاد الإسرائيلي من خلال دورهما في تطوير وسائل تزويد المياه عن طريق شركة المياه "مكوروت".

كما كتب التقرير أن الدول العربية هاجمت قيام إسرائيل باستخدام مياه بحيرة طبرية، واعتبرت ذلك مسا بمصادر المياه للأردن وسورية. وأدت الحرب على المياه إلى اشتباكات بين إسرائيل وسورية في سنوات الخميسينات. وفي عام 1965 قررت الدول العربية تحويل مجرى نهر الأردن. وتكتب الصحيفة أن هذا القرار لم ينفذ، ولكنه كان من بين أسباب نشوب الحرب عام 1967.

وتابع التقرير أن إسرائيل بذلت جهودا ليس فقط في تحديد مصادر المياه القائمة، وإنما في مضاعفة مصادر هذه المياه، وبالتالي فإن الأهمية الإستراتيجية للمياه هي التي أدت إلى اعتبار المياه كـ"ثروة وطنية" منذ إقامة الدولة، وأن الحكومة وحدها من يقرر بشأن استخراجها واستخدامها.

وبحسب التقرير، وردا على "تقرير سيمبسون"، ادعى خبراء إسرائيليون بشكل مبالغ فيه، مثل المهندس سمحا بلاس الذي نشط في شركة "مكوروت" سنوات طويلة، أن مصادر المياه تكفي لتزويد البلاد بنحو 3 مليار متر مكعب (كوب) من المياه سنويا، في حين ادعى البروفيسور هيلل شوفال، المختص بدراسة المصادر المائية، أن استغلال كافة مصادر المياه لن يسمح لإسرائيل باستغلال سوى 2 مليار متر مكعب سنويا.

ويضيف التقرير أن هذه المعطيات لم تسهل الرد على سلطات الانتداب البريطاني فحسب، وإنما تسببت بعملية ضخ زائد للمياه، ورفع نسبة ملوحة المياه في حوض الساحل (الحوض الغربي)، كما أدت إلى استثمار فائض عن الحاجة في مشاريع المياه المكلفة، مثل نقل مياه طبرية ونهر العوجا (يركون) إلى النقب، كما شجعت المعطيات على إدخال زراعات بحاجة إلى مياه غزيرة، مثل قصب السكر والقطن والفول السوداني، وأقيم مصنعان لإنتاج السكر في العفولة و"كريات غات"، لم يستخدما لاحقا بعد وقف زرعة السكر. ولم تكن زراعة القطن، رغم أنها وفرت أماكن عمل، قادرة على منافسة القطن الآتي من دول الشرق الأقصى.

وبحسب التقرير فإنه حين إقامة إسرائيل، ووصول الهجرة اليهودية الكبرى كان من الواضح أن مصادر المياه القائمة ليست كافية، فالمياه الجوفية لم توفر أكثر من مليار متر مكعب سنويا، حتى لو استغلت الآبار بأكثر من الحد المسموح به. وفي المقابل فإن مياه الفيضانات والمياه المكررة من الصناعة ومصادر المياه المالحة والمياه العادمة لم توفر سوى 350 مليون متر مكعب سنويا. ولفت التقرير إلى أنه في العام 1948، وقبل انتهاء القتال، تقرر تنفيذ ما أسمي "مشروع المياه القطري" لنقل مياه بحيرة طبرية إلى الجنوب لمسافة تزيد عن 130 كيلومترا. وأنجز المشروع، الذي تضمن تحويل مياه نهر الأردن واليرموك والليطاني، من الشمال إلى الجنوب في العام 1964.

وأشار التقرير إلى أن فكرة "مشروع المياه القطري" طرحت للمرة الأولى عام 1939 من قبل الخبير الدولي د. وولتر كلاي لاودرميلك، الذي ألف كتاب "أرض إسرائيل الأرض الموعودة". في المقابل يشير التقرير إلى أنه اليوم، وبعد 60 عاما، من الممكن الجزم بأنه بالرغم من النفقات الكبيرة التي كانت مطلوبة للمشروع، فإنه لم يزود سوى 500 متر مكعب من المياه سنويا، أي أقل من ثلث استهلاك المياه السنوي في تلك الفترة، إضافة إلى النتائج السلبية التي رافقت إنجاز المشروع، وبضمنها انخفاض مستوى المياه في بحيرة طبرية بشكل حاد، والصراع مع سورية والأردن، والمس الخطير الذي حصل في مستوى المياه في البحر الميت بسبب تراجع تدفق مياه نهر الأردن إليه.

ويتابع التقرير أن متخذي القرارات في إسرائيل، وبضمنهم لجنة المالية في الكنيست، عملوا سرا على إقامة مصانع تحلية لمياه البحر. بيد أن ذلك واجه مشكلة التكلفة المالية الكبيرة المطلوبة والتي وصلت إلى مليارات الشواقل، كما أن طرق التحلية كانت متعددة وكان من الصعب اختيار إحداها، إضافة إلى مشاكل بيئية أخرى، وكان الأخطر من بينها كيفية التخلص من جبال الملح المتبقية بعد التحلية، كما أن تكلفة كل متر مكعب من المياه وصلت فيه حينه إلى دولار واحد وهو ما لم يكن بإمكان أي فرع زراعي تحمله.

وبدأت عملية التحلية في العام 1973، حيث بدأت "مكوروت" بإقامة مصانع تحلية بطريقة "الأوسموزا المقلوبة" التي عالجت مصادر مائية مالحة لاحتياجات البحر الميت وإيلات والمستوطنات التي لم تحصل على مياه من مشروع المياه القطري. وبعد 30 عاما، أي في العام 2008، قررت الحكومة إقامة مصانع تحلية كبيرة على طول الساحل، وذلك بهدف تحلية 505 مليون متر مكعب سنويا حتى العام 2013، والوصول إلى حد تحلية 750 مليون متر مكعب سنويا حتى العام 2020.

ويضيف التقرير أنه منذ العام 2008 حصلت "ثورتان تكنولوجيتان" غيرتا خارطة المياه في إسرائيل، وكان لهما أبعاد سياسية بعيدة المدى. الأولى هي انخفاض تكلفة تحلية مياه البحر من دولار واحد للمتر المكعب إلى 40 سنتا، بل أقل من ذلك في مصانع التحلية التي أقيمت في الخضيرة و"بلماحيم" وعسقلان و"شوروك"، وذلك بفضل استخدام "الغاز الإسرائيلي" بدلا من الكهرباء المولدة عن طريق حرق الديزل المستورد. أما الثانية فهي نجاح المنشآت في إعادة تكرير وتطهير المياه العادمة والتي أقيمت في العقود الأخيرة قرب المدن الإسرائيلية، وبالنتيجة بات بالإمكان ري غالبية الزراعة الإسرائيلية من هذه المياه والتي كان المستهلك الأساسي للمياه العذبة في البلاد.

ويشير التقرير إلى أن الغرابة في ما أسماه "ثورة المياه" تكمن في أن الجهات التي عملت على هذه الوفرة، الحكومة و"مكوروت" والشركات التي استثمرت المليارات في مصانع التحلية ومنشآت التطهير"، لم تطلق الأبواق وتعلن عن نجاحها.

ويضيف التقرير أن هذه النجاحات يتم الحديث عنها بالتلميح فقط. وكمثال على ذلك فإن شركة "غرانيت هكرميل" حققت ربحا قيمته 100 مليون شيكل من بيع حصتها في منشأة "بلماحيم" بعد فترة قصيرة من إقامتها. كما نشر أن ضخ المياه من بحيرة طبرية بواسطة مشروع المياه القطري قد تباطأ.

وبحسب معد التقرير فإن الصمت الذي يلف موضوع وفرة المياه في إسرائيل يعود لثلاثة أسباب على الأقل، الأول هو أن تكلفة تحلية مياه البحر قد تراجعت كثيرا ولكن الحكومة تعهدت للمستثمرين بأسعار طائلة مقابل المياه وهي أسعار غير واقعية اليوم، وفي المقابل فإن الحكومة تستطيع خفض كمية المياه التي تشتريها من منشآت التحلية، ولكنها ليست قادرة على دفع ثمن أقل من الثمن الذي تعهدت به لقاء كل متر مكعب تشتريه.

أما السبب الثاني فهو الخشية من معرفة الجمهور الإسرائيلي بـ"الثورة في مجال تزويد المياه"، ويطالب، وبحق، بخفض أسعار المياه بشكل أكبر بكثير من نسبة 5% التي جرى الحديث عنها في مطلع العام الحالي. ويشير معد التقرير في هذا السياق أنه ليس صدفة أن المستهلك الإسرائيلي يحاول التملص من دفع ثمن المياه، حيث وصلت المبالغ التي لم تسدد في العام الماضي إلى أكثر من 200 مليون شيكل.

أما السبب الثالث لعدم الحديث عن وفرة المياه فهو لمنع التبذير في استهلاك المياه، حيث أن هناك مخاوف من "تطاير" شعور المستهلك بـ"خسارة على كل نقطة مياه"، وبالنتيجة سيحصل تبذير كبير للمياه في الاستهلاك المنزلي وفي الحدائق وبرك السباحة.

كما يلفت معد التقرير إلى أن اعتبارات سياسية قد تقف وراء إخفاء حقيقة وفرة المياه، حيث أن ذلك قد يتيح لإسرائيل استغلال موضوع المياه، والذي كان في السابق من بين أسباب الصراع مع الدول المجاورة، للتأثير على جهود السلام في المنطقة. ويشير التقرير إلى أن قطاع غزة والضفة الغربية والأردن تعاني من نقص خطير في المياه، ويجري الترحيب بالجاهزية الإسرائيلية الفورية لتزويدها بمياه التحلية وبتكنولوجيا إقامة منشآت تحلية مماثلة في الدول العربية.

وأشار التقرير إلى أنه على أرض الواقع فإن إسرائيل تزود قطاع غزة والأردن بكميات كبيرة من المياه. وتقوم إسرائيل بتزويد الأردن بـ50 مليون متر مكعب من المياه سنويا من مياه نهري الأردن واليرموك، وضخ مياه  من أراضي الأردن لري زراعات إسرائيلية مجاورة. كما يشير التقرير في الوقت نفسه إلى أن إسرائيل قررت مؤخرا، وبشكل سري، زيادة تحويل مياه الأردن لإسرائيل بـ20 مليون متر مكعب أخرى.

ويضيف التقرير أن "مكوروت" اقترحت على الأردن إقامة منشأة للتحلية تبعد 50 كيلومترا إلى الشمال من مدينة العقبة الأردنية، بحيث تصلها المياه من البحر الأحمر، إلا أن الأردن قررت في النهاية التنازل عن إشراك إسرائيل في المشروع، والتعاون مع خبراء أجانب وبتمويل من البنك الدولي. وبذلك لم تبق لإسرائيل من دور في هذا المشروع، الذي سيجري جزء من مياهه إلى البحر الميت، سوى مشاركة وزير الطاقة سيلفان شالوم في التوقيع على ذلك في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي في واشنطن.

ويخلص التقرير إلى أنه "بالرغم من الصمت الإسرائيلي والواقع السياسي الذي يصعب على إسرائيل التحول إلى دولة مائية إقليمية، فإنه لا شك بأنه مثل الغاز الطبيعي الذي اكتشف في عمليات التنقيب في البحر المتوسط فإن الوفرة المتوقعة من اليماه سوف تؤدي إلى تغيير في الوضع الاقتصادي والسياسي لإسرائيل، بما يؤثر إيجابا على رفاهية كل مواطن في إسرائيل".
 

التعليقات