المقاطعة شبح يرعب إسرائيل

ومن منطلقاته تلك، يسعى نتنياهو لإفراغ مبادرة كيري من مضمونها والتعامل معها بانتقائية واعتبارها توصية أمريكية تخضع للتفاوض، مصرحًا بأن"إسرائيل غير ملزمة بقبول كل ما يطرحه الأمريكيون"، وفي اتجاه مواز، يعمل نتنياهو على الخروج بأقل ضرر من هذا المأزق، وأفضل سيناريو بالنسبة له أن يأتي الرفض من الجانب الفلسطيني، بل ويعمل جاهدا على الدفع بهذا الإتجاه من خلال الإتهامات اليومية التي يوجهها للفلسطينيين، ولم يكن اتهامه لرئيس البيت اليهودي بأنه يلحق ضررا بالجهود لكشف "التعنت" الفلسطيني، خارج هذا السياق.

المقاطعة شبح يرعب إسرائيل

يستعد  وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لطرح مبادرته المجحفة بحق الفلسطينيين،  فيما تنتهج إسرائسل سياسة المراوغة للتنصل منها وإلقاء مسؤولية الفشل على الفلسطينيين، وبدأت حكومة نتنياهو تستعد لما بعد فشل المفاوضات، فالجلسة التي عقدتها يوم الأربعاء الماضي، لبحث مواجهة شبح المقاطعة المرعب،  هي جزء من استراتيجية متكاملة تهدف إلى الخروج من مأزق خطة كيري بأقل أضرار ممكنة.


وقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأربعاء الخطوط العريضة لمبادرة كيري التي ستمثل إطارًا للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي مجحفة بحق الشعب الفلسطيني إذ أنها تتنكر لحق اللاجئين في العودة لوطنهم الذي اقتلعوا منه، وتمنح الفلسطينيين كيانا سياسيًا منقوص  السيادة، وتشدد على الترتيبات الأمنية لإسرائيل وتدعو الفلسطينيين والعرب للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية بكل ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات وانعكاسات سلبية.

لكن مبادرة كيري ورغم بؤسها بالنسبة للفلسطينيين، تعتبر مأزقا لإسرائيل –  من منطلق إمعانها في التنكر للحقوق الفلسطينية، وتسعى جاهدة للتنصل منها دون أن تُحمل مسؤولية الفشل، ودون أن تكون مضطرة لدفع ثمن، لكنها في الوقت ذاته تستعد للسيناريو الأسوأ وهو مواجهة  حملة مقاطعة دولية.

قد يكون سيناريو جنوب أفريقيا بعيدًا عن الواقع نظرًا لموقع إسرائيل في المنظومة العالمية وتحالفاتها مع الغرب، لكنه سيناريو الرعب الذي يقض مضاجعها ويستدعيها للتحرك لدرء هذا الخطر المحدق في حال تفجر المفاوضات وهو الأمر المرجح نظرًا لعدم استعداد إسرائيل سياسيا ونفسيا للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.

يرفض بنيامين نتنياهو من منطلقات أيدلوجية انسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967، وقبل أن يصبح رئيسًا للوزراء لم تكن تصريحاته تختلف عن تلك يطلقها رئيس البيت اليهودي وحليفه في الائتلاف الحكومي نفتالي بينيت، لكنه اليوم في موقع مسؤولية يفرض عليه انضباطا وتعاملا مع منظومة دولية تجمع على حل على أساس حدود 1967،  وجاءت مبادرة الولايات المتحدة  لتضعه في مأزق فهو لا يمكنه القبول بسبب قناعاته وأيدلوجيته، ولا يمكنه الرفض كي لا يدفع الثمن، لذلك هو يسير على حبل دقيق من الرفض والقبول ويتبع سياسة المراوغة والمراوحة في المكان وتمييع المفاوضات، والقبول بالحل على مستوى التصريحات والقيام بنقيضها على الأرض.

ومن منطلقاته تلك، يسعى نتنياهو لإفراغ مبادرة كيري من مضمونها  والتعامل معها بانتقائية واعتبارها توصية أمريكية تخضع للتفاوض، مصرحًا بأن"إسرائيل غير ملزمة بقبول كل ما يطرحه الأمريكيون"، وفي اتجاه مواز،  يعمل نتنياهو على الخروج بأقل ضرر من هذا المأزق، وأفضل سيناريو بالنسبة له أن يأتي الرفض من الجانب الفلسطيني،  بل ويعمل جاهدا على الدفع بهذا الإتجاه من خلال الإتهامات اليومية التي يوجهها للفلسطينيين، ولم يكن اتهامه لرئيس البيت اليهودي بأنه يلحق ضررا بالجهود لكشف "التعنت" الفلسطيني، خارج هذا السياق.

في الجانب الآخر،  فإن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يسعى هو أيضا لعدم تحمل مسؤولية الفشل، وتجنب مواجهة عقوبات مالية تهدد وجود الكيان السياسي الفلسطيني المتمثل بالسلطة الفلسطينية، ويبدو أنه على استعداد لقبول مقترحات كيري رغم إجحافها، ورغم تنكرها لحق عودة اللاجئين الذي تم التفريط فيه على مستوى عربي من خلال إقرار مبادرة السلام العربية عام 2002  واستبدال حق العودة المنصوص بقرار دولي بـ "حل متفق عليه".
النقاط الأساسية لخطة كيري
خطة كيري، التي نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأربعاء،  الخطوط العريضة لها، هي ليست خطة للتطبيق، بل هي سقف وإطار للمفاوضات، وبحسب المحلل السياسي للصحيفة توماس فريدمان،  فإن كيري سيطرح الخطة في غضون أسابيع وهي  تفضي إلى إنهاء الصراع وإنهاء الإدعاءات والمطالب.

والخطوط العريضة للخطة: انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية على أساس حدود عام 1967 مع ترتيبات أمنية في منطقة الأغوار، يصفها فريدمان بأنها "غير مسبوقة ولا مثيل لها".  ولن يشمل الانسحاب عددًا من الكتل الاستيطانية  حيث ستبقى بيد إسرائيل في مقابل تعويض الفلسطينيين لقاءها بمساحة بديلة.

وتتضمن الخطة إعلان عاصمة فلسطينية في القدس العربية،  وأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية، ولا تتضمن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. ويقول فريدمان  إن كيري يتوقع  من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو،  ورئيس السلطة الفلسطينية أن يقبلا الخطة  برغم تحفظهما على بعض النقاط، وأن  تشكل أساسًا وإطارا للمفاوضات.
 

التعليقات