يعالون: إسرائيل والسلطة توأمان سياميان والدولة الفلسطينية "أحلام يقظة"

رسم وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، صورة جيو إستراتيجية، تبدو فيها إسرائيل في وضع مريح رغم التبدلات الكبيرة حولها، واعتبر أنها في حل من الملف الفلسطيني الذي تديره إسرائيل بحكمة

يعالون: إسرائيل والسلطة توأمان سياميان والدولة الفلسطينية

يعالون (أ ف ب)

رسم وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، صورة جيو إستراتيجية، تبدو فيها إسرائيل في وضع مريح رغم التبدلات الكبيرة حولها، واعتبر أنها في حل من الملف الفلسطيني الذي تديره إسرائيل “بحكمة”. وقسم يعالون المنطقة إلى 4 محاور خلافا للفرز  الثنائي الذي حدده جورج بوش الابن وتبناه الكثيرون في المنطقة بين 'محور الخير' و'محور الشر'، رافضا قبول “التسمية الرومانسية الربيع العربي” والتسمية السوداوية “الشتاء الإسلامي”، قائلا إن الصورة ملونة أكثر.

وجاءت أقوال يعالون في مقابلة مسجلة خاصة بالمؤتمر الثامن لـ'مركز أبحاث الأمن القومي' في جامعة تل أبيب، الذي أطلق أعماله أول من أمس في تل أبيب.

ورداً على سؤال حول التحديات التي سيواجهها الرئيس الجديد لهيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، قال يعالون إنه أولا، على الجيش أن يعطي ردا على التطورات الأمنية الحاصلة أو ما وصفه بـ“معركة ما بين المعارك”، إلى جانب “مواجهة واقع أمني غير مستقر” في لبنان وسوريا وسيناء والضفة الغربية وقطاع غزة. وأضاف أن إسرائيل نجحت في الأعوام الأخيرة في مواجهة هذه التحديات على الرغم من بعض الإخفاقات.

وقال إن الجيش الإسرائيلي لا يواجه “التهديدات التقليدية” السابقة من جيوش نظامية وإنما يواجه صعود مخاطر التنظيمات 'الإرهابية'، حسب تعبيره، والقذائف الصاروخية والصواريخ والحرب الإلكترونية (سايبر)، وأن على الجيش ملاءمة نفسه لهذه التغييرات تنظيميا من خلال إغلاق وحدات أصبحت قديمة لأنها أقيمت لمواجهة مخاطر لم تعد قائمة، في مقابل إنشاء وحدات جديدة لمواجهة التحديات المستجدة، إضافة إلى إحداث تغيير في العقلية والوعي حول نوعية المخاطر الجديدة.

'تعلمنا من تجاربنا المريرة'

وزعم يعالون أن إسرائيل لا تسعى إلى إحداث تغيير في الوضع القائم (ستاتوس كوو) وأنها قررت عدم التدخل في الصراعات الداخلية حولها استنادا إلى تجاربها المريرة في السابق في هذا المضمار، حسب تعبيره، عندما حاولت تنصيب رؤساء وملوك وإنشاء تنظيمات، لذلك أصبح تدخلها ينحصر في تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في المناطق الحدودية مع سوريا، وأنها غير معنية بتقديم أي مساعدة لأي طرف في الصراعات الداخلية.

“داعش ظاهرة عابرة”

وقال يعلون إن القيادة الإسرائيلية لم تتوهم من “التسمية الرومانسية الربيع العربي” ولا من التسمية السوداوية “الشتاء الإسلامي” على الرغم من أن التسمية الأخيرة تصح في بعض المناطق، وأن الهدف كان البحث عن فرص جديدة في ظل التقلبات الجيو سياسية في المنطقة ورصد المخاطر الجديدة الناتجة عن هذه القلبات.

وأضاف أنه عندما ينظر إلى الشرق الأوسط المتغير فهو يرى 4 محاور؛ المحور الأول هو “المحور الشيعي الراديكالي”، حسب تسميته، والذي تقوده إيران ويمتد إلى دمشق وبيروت ووصل أخيراً إلى العاصمة اليمنية صنعاء. وقال إنه منذ الثورة الإيرانية أصبحت إيران هي الخطر الأساسي في المنطقة وليس تنظيم “داعش” الذي وصفه بأنه “ظاهرة عابرة”.

ويرى يعالون أن إيران تحاول فرض هيمنتها على المنطقة استنادا إلى “الإسلام الشيعي المتطرف الخلاصي”، وقال إن هذا الخطر يتزايد في ظل المساعي الإيرانية للحصول على السلاح النووي. وأمام هذا الواقع فإن إسرائيل ليست متفرجة في هذا الموضوع بل كان لها الدور الأساسي في إقناع العالم بأن إيران تبني مفاعلات نووية لأهداف عسكرية.

أما المحور الثاني حسب يعالون، فهو “محور غريب نسبيا وهو محور الإخوان المسلمين” بقيادة ثلاث كيانات سياسية، حسب تعبيره، وهي تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقطر و”حماستان في غزة”، كما قال، إضافة إلى مصر في فترة رئاسة محمد مرسي، لكن الأمر تغير في أعقاب “الانقلاب المضاد” حسب تعبيره في مصر وعزل مرسي. وقال إن تهديد هذا المحور والإخوان المسلمين لا يزال قائما.

المحور الثالث هو “محور الجهاد العالمي”، حسب يعالون، والذي يشمل تنظيمات مثل “داعش” والقاعدة وجبهة النصرة في سوريا.

المحور الرابع هو ما أسماه “المحور الأكبر العربي السني” المرتبط بالولايات المتحدة الأميركية، والذي التقت مصالحه في بعض الأمور مع مصالح إسرائيل مثل مواجهة الإخوان المسلمين وحركة حماس ومحاربة تنظيمات الجهاد العالمي.

وقال إن هناك فرص عديدة لإسرائيل مع هذا المحور ليس بالضرورة أن تترجم إلى خطوات عملية في الفترة القريبة أو أن يجري الاحتفال بها رسميا أو التوقيع على معاهدات.

وأوضح أن ما يحصل في العالم العربي ليس ربيعا عربيا وليس خريفا إسلاميا، وإنما هو أمر توجد فيه ألوان أكثر، والتي يجب انتهاز الفرص التي يوفرها، حسب تعبيره.

الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني

ردا على سؤال إن كان الجمود السياسي مع السلطة الفلسطينية وعدم قبول إسرائيل لمبادرة السلام العربية هو العائق أمام “الفرص الجديدة” لإسرائيل مع عدة دول في المنطقة التي تحدث عنها، قال يعالون إنه “إذا تحدثت إلى جيراننا وتحديدا القيادات، سترى أن الموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني ليس في رأس سلم الأولويات… ما يهمهم هو إيران والإخوان المسلمين وحماس وتنظيمات الجهاد العالمي وليس الموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني”. وأضاف أنه خارجيا قد يبدو أن هذا الموضوع في رأس سلم الأولويات لكن في الواقع حجمه أقل بكثير بالنسبة لاهتمامات هذه الدول.

وقال إن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لا يمكن تجاهله مطلقا، لكنه ليس السبب أو المحرك الأساسي للصراعات في المنطقة، على الرغم من أن بعض الأطراف الأوروبية كانت وما زالت تعتقد أن هذا الصراع هو محرك الصراعات الأخرى في المنطقة، وأن هناك بعض الأطراف في إسرائيل تعتقد ذلك. وأضاف أن “الثورة في تونس ومصر لم تحصل بسببه، والحرب الأهلية في سوريا لم تحصل بسببه”. وتساءل ماذا سيحصل في هذه المناطق لو جرى حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، هل ستنتهي هذه النزاعات؟ وذلك في محاولة للتأكيد على أن حل الصراع مع الفلسطينيين ليس ضروريا للمنطقة.

ما الحل؟

يرى يعالون أن التعامل مع الملف الفلسطيني يجب ألا يكون من خلال البحث عن معاهدات طويلة الأمد والتوقيع على اتفاقيات في احتفالات رسمية، وإنما يجب “إدارة الصراع بحكمة” لأن مواقف الطرفين متباينة جدا ولن يتم جسر الهوة بينهما في الفترة القريبة. لذا يدعو إلى ما أسماه “الحل من الأسفل إلى الأعلى” وهي التسمية الثانية لما يوصف بـ”السلام الاقتصادي”.

وقال: “نحن لا نريد السيطرة عليهم (الفلسطينيين) وجيد أنه انفصلنا عنهم سياسيا، فلن يصوتوا في الكنيست، ولديهم حكومة وبرلمان على الرغم من أنهم قرروا الانفصال لكيانين”. لذا يرى أن الأهداف يجب أن تكون “متواضعة” وأن يكون الحل من “الأسفل إلى الأعلى” من خلال تطوير مشاريع اقتصادية والتنسيق الأمني وإنشاء البنى التحتية، زاعما أنه لا يمكن أن تكون دولة فلسطينية دون أن تكون “مرتبطة بحبل الصرة” مع إسرائيل وأن الحديث عن إنشاء دولة منفصلة عن إسرائيل هو “أحلام يقظة”، حسب يعالون، وأن لا مكان للفصل لكن هناك إمكانية للاستقلالية السياسية وهذا ما هو قائم اليوم في الضفة الغربية وفق رؤيته.

السلطة لن تنهار

شدد يعالون خلال المقابلة على أن إسرائيل ليست معنية بأن تنهار السلطة الفلسطينية وأن تتحمل إسرائيل مسؤولية الضفة الغربية المدنية، وأن السلطة لن تنهار بكل الأحوال، معتبرا ذلك تهديدا فلسطينيا فارغا قدمته بعض الأطراف الإسرائيلية.

وقال إنه عشية حملة “السور الواقي” واجتياح جنين في الانتفاضة الثانية، حذرت جهات إسرائيلية بأن الاجتياح سيؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية، لكن السلطة لم تنهار حينها على الرغم من من رئيسها وقتذاك ياسر عرفات كان ضعيفا، والسبب في ذلك أن السلطة لديها “قدرة وظيفية من الأسفل” أي أن انهيارها سياسيا لا يعني أنها ستنهار وظائفيا.

وأوضح أن تهديدات رئيس السلطة محمود عباس بـ”إلقاء مفاتيح السلطة” واهية لأن هناك أطراف عديدة في فتح وفي الداخل والخارج “ستتلقف هذه المفاتيح” وتواصل دور السلطة. وقال إن الفلسطنيين خسروا اقتصاديا في المناطق التي انسحبت منها إسرائيل، وزعم أن بانسحاب إسرائيل من القطاع خسرت آلاف العائلات مصدر رزقها من العمل المستوطنات، مدعيا أن الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية يقوم على دخل الأيادي الفلسطينية العاملة في المستوطنات وفي إسرائيل وليس من التبرعات الخارجية.

وقال إن الوضع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أشبه بتوأمين سيامين ولا يمكن فصلهما على الرغم من أنهما انفصلا سياسيا.

العصا والجزرة في غزة

وفي تطرقه للأوضاع في قطاع غزة، قال يعالون إن السلطة الفلسطينية تخلت عن مسؤولياتها في القطاع بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة. وقال “حاولنا بعد الجرف الصامد السماح للسلطة الفلسطينية بالتنسيق مع مصر الدخول إلى القطاع وهم رفضوا (الفلسطينيون)”، وأوضح أنه في أعقاب الحرب تشكلت لجنة ثلاثية لإدارة المعابر تتشكل من منسق عمليات جيش الاحتلال في الضفة الغربية ورئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله والمبعوث الأممي روبرت سيري، إلا أن السلطة، حسب يعالون، تهربت من تحمل مسؤولية القطاع. وقال إن إسرائيل طلبت من السلطة تولي المعابر معها إلا أنها تهربت من ذلك واختارت التوجه إلى المؤسسات الأممية والمحكمة الجنائية الدولية، وقال إن السلطة تطالب بالصلاحيات لكن لا تريد تحمل المسؤوليات.

وأضاف أن إسرائيل لديها القدرة على المناورة في إدارة الوضع في غزة وأن تستخدم سياسة العصا والجزرة في القطاع المرتبط باسرائيل وأن لذلك أثرا إيجابيا لصالح إسرائيل بنظرة إستراتيجية.

الملف الإيراني

وفي ما يتعلق بالملف الإيراني، قال يعالون إن إسرائيل تريد “اتفاقا شاملا” بين الدول الغربية الست وإيران وليس اتفاقا في موضوع محدد. وكرر الموقف الإسرائيلي بأنها تفضل ألا يتوصل الغرب إلى اتفاق نووي مع إيران على اتفاق سيء بالنسبة لإسرائيل، لأن ذلك سيتيح للغرب فرض المزيد من العقوبات على إيران وضعضعة الأوضاع داخل إيران.

وقال: “رأينا أن من الصواب الضغط على النظام الإيراني كي نوصلهم إلى معضلة ’القنبلة أم البقاء’، وبدرجة معينة هذه الإستراتيجية نجحت. ففي مرحلة معينة أدرك خامنئي بأنه إذا لم يجلس في مفاوضات فهو لن يبقى. وهذا ما حصل قبل عامين تقريبا”.

وأضاف أن هذه الإستراتيجية اعتمدت على الضغط والعزلة السياسيين وفرض عقوبات تهدد بانتفاضة داخلية إلى جانب التهديد بعملية عسكرية. وقال إن خامنئي أدرك نتيجة ذلك أن عليه الجلوس مع الشيطان الأكبر أي أميركا للحفاظ على النظام، حسب يعالون.

وانتقد يعالون الدول الغربية المفاوضة، وقال إنها بدلا من أن تطرح موقفا صلبا جدا في المفاوضات وعلى سبيل المثال منع إيران من حيازة أي جهاز طرد مركزي بدلا من مفاوضتها على عدد هذه الأجهزة والتي يصل إلى آلاف الأجهزة التي ستبقى بحوزتهم.

وأضاف أنه بدل أن يشمل الاتفاق وقفا لدعمها للمنظمات الإرهابية حول العالم، حسب تعبيره، يجري التفاوض معها في قضية واحدة وليس حول رزمة شاملة من الاتفاقيات وهو ما سيؤدي حتما إلى اتفاق سيء، كما قال، وأنه سيبقي القدرة لدى إيران للحصول على سلاح نووي، وأن إسرائيل تريد بدلا من ذلك إما اتفاقية شاملة حول كل القضايا، أي فشل المفاوضات والاستمرار في فرض العقوبات.

التعليقات