جرائم إسرائيلية: اختفاء أطفال أشكناز بالمستشفيات

عشرات الحالات التي اختفت فيها آثار أطفال لمهاجرين يهود من أوروبا الشرقية لدى قيام إسرائيل. الأطباء قالوا إن الأطفال توفوا والعائلات لم تحصل على شهادة ميلاد أو وفاة ولم يعرفوا مكان الدفن

جرائم إسرائيلية: اختفاء أطفال أشكناز بالمستشفيات

الطفل تسفي بالعربة: "لم يعد مقيما"

ارتكبت المنظمات الصهيونية، وبعد ذلك الدولة الإسرائيلية، جرائم عديدة ومتنوعة بحق المهاجرين اليهود من أصقاع الأرض إلى فلسطين، في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات.

وتعصف بإسرائيل الآن قضية اختفاء أطفال يهود اليمن، الذين تقول تقارير صحفية إنهم خطفوا وبيعوا لعائلات ثرية، بينما قيل لعائلاتهم إنهم مرضوا وتوفوا. لكن هذه الممارسات في إسرائيل لم تستهدف يهود اليمن فقط. فقد نشرت صحيفة 'هآرتس' اليوم، الجمعة، تقريرا موسعا عن اختفاء أطفال خُدج لعائلات مهاجرين يهود من أوروبا الشرقية، لكن في جميع هذه الحالات لم تتعامل السلطات بحساسية مع هذه العائلات التي هاجرت من موطنها الأصلي هربا من جرائم وفظائع المحرقة التي ارتكبها النازيون، ضد اليهود وغيرهم، أثناء الحرب العالمية الثانية.

وجمعت الصحيفة في تحقيق خاص شهادات عشرات العائلات الأشكنازية التي فقدت، بين ليلة وضحاها، طفلها أو طفلتها.

وتحدثت غانيت أفرات، وهي محامية وعميلة سابقة في الموساد، عن شقيقها زيليغ، الذي لم تره أبدا، إذ أنه وُلد قبلها. ومثل القصص المتكررة حول اختفاء أطفال المهاجرين اليهود من اليمن، فإن زيليغ أيضا تم أخذه إلى المستشفى ولم يعد إلى والديه، اللذين قيل لهما إنه توفي، ولم  يحصلا على شهادة وفاة ولم يُبَلغا بمكان دفنه. ومثل عائلات أطفال يهود اليمن، تم إسكات والدي زيليغ بفظاظة، رغم أنهما أشكنازيان نجيا من المحرقة، ونقلتهما سلطات الانتداب البريطاني على فلسين إلى معسكر اعتقال في قبرص.

وتقول أفرات إن 'هذه الطريقة (التي اختفى فيها الأطفال) بدأت قبل قيام الدولة، وخارج إسرائيل، وبحق ناجين من المحرقة'. وتؤكد الشهادات على أن هذه الطريقة استخدمت في مستشفيات إسرائيلية أيضا.

وولد زيليغ في حزيران العام 1947 في المعسكر في قبرص، وعندما أصبح عمره أربعة شهور أصيب برُشح بسيط، فأخذته والدته إلى عيادة المعسكر، التي أشرفت عليها منظمة 'جوينت' اليهودية بالتعاون مع مبعوثين من الوكالة اليهودية، وجاؤوا من فلسطين. وأمر طاقم الأطباء الأم بأن تُبقي الطفل زيليغ في العيادة لمراقبة حالته، ورفضوا أن تبقى والدته معه. وفي صباح اليوم التالي، عادت الأم والأب إلى العيادة، حيث قالوا لهما إن ابنهما توفي. وتم طردهم عندما طلبا مشاهدة الجثة.

وقالت غانيت إن والدتها أبلغتها بأن 'أفراد الطاقم الطبي قالوا لهما ’اذهبا من هنا، ما زلتم شبانا وسيكون لديكم أولاد آخرين’'. وفي شباط العام 1948 تم الإفراج عن والدي غانيت، اللذين توجها إلى فلسطين. لكن المثير في الأمر، أنه أثناء توجههما إلى الميناء في قبرص، 'طلب المندوبون من أرض إسرائيل منهما، بصورة مستغربة، التصريح بأنهما يهاجران إلى البلاد مع ابنهما، ذلك الطفل الذي قيل لهم قبل أشهر إنه توفى'. وأقنع مندوبو الحركة الصهيونية الوالدين بالتصريح بذلك 'من أجل أن يحصلا على ظروف سكن أفضل إذا صرحوا بأن ابنهما معهما'.

وتابعت غانيت أنه قبل 20 عاما روى والدها لها هذه القصة، وأنه بحث عن الطبيب والممرضة اللذين عالجا ابنه الرضيع، وأنه عثر في نهاية المطاف على الممرضة. 'قال والدي إن الممرضة اعترفت أمامه بأن ابنه بيع مقابل 5000 دولار لزوجين لا ينجبان، وقالت إن هذه لم تكن الحالة الوحيدة'.

'لم يعد مقيما'

في شهادة أخرى، قالت راحيل بوتير، من سكان مدينة رمات غان، إن والديها هاجرا من أوروبا الشرقية ونجيا من المحرقة. وأنجبت والدتها شقيقها في آذار العام 1948 بمستشفى 'برانديس في مدينة الخضيرة. وبعد ذلك مرضت والدتها ورقدت في المستشفى، بينما كان والدها يزور الطفل الرضيع.

وفي أحد الأيام طلب أطباء من والدها إحضار الطفل الرضيع لإجراء فحص له في مستشفى 'هداسا' في تل أبيب، وإبقائه هناك. وتقول بوتير 'لقد استغلوا مرض والدتي وعدم قدرتها على مغادرة الفراش من أجل خطف طفلها'. فبعد ثلاثة أيام أبلغوا الأب أن ابنه توفي، لكنه لم يرى جثته أو قبره.

وعثرت بوتير لاحقا على وثائق تخص شقيقها لكنها أثارت لديها المزيد من علامات الاستفهام. 'تواريخ ولادة ووفاة مختلفة. هناك الكثير من التناقضات. أنا غاضبة على المؤسسة الحاكمة الأشكنازية مثل اليمنيين تماما'.

أنجبت والدة راحيل بن شيمول شقيقها، تسفي، في معسكر في مدينة مرسيليا الفرنسية، بعدما هربا من النازيين في بولندا. وفي العام 1950 مرض شقيقها ورقد في مستشفى في يافا، وبعد ذلك اختفى. وقال الأطباء لوالديها أيضا إن الطفل توفي من دون أن تكون هناك شهادة وفاة أو قبر. وعثرت بن شيمول على وثيقة في وزارة الداخلية الإسرائيلية كتب فيها إن شقيقها غادر البلاد: 'لم يعد مقيما'. وهذه عبارة تتكرر في وثائق تتعلق بأطفال يهود اليمن الذين هاجروا إلى إسرائيل واختفوا وقيل لعائلتهم إنهم توفوا.  

وتحدثت إيلا (اسم مستعار) عن اختفاء طفلتين توأمين فور ولادتهما في مستشفى 'دجاني' في حيفا. 'كانت هذه عائلة أشكنازية، وتحدثوا في البيت لغة الإيديش. وأخذا ابنتيهما منهما، عام 1954. أمهما شاهدتهما بعد الولادة مباشرة وسمعتهما تبكيان. وقال الأطباء لها إنهما بصحة جيدة. وبعد يوم أو يومين، حضر طبيب وقال لها إنهما توفيتا. كيف ماتتا ومتى؟ ما هو مرضهما؟ لم يجب أحد على هذه الأسئلة. وقال الطبيب ’اذهبوا إلى بيتكم. ستنجبان أولادا آخرين’. وهكذا غادرت أمهما المستشفى من شهادة ميلاد ولا شهادة دفن'.

عشرات حالات اختفاء أطفال أشكناز

نشرت لجنة تحقيق حكومية، في العام 2001، تقريرا حول قضية اختفاء أطفال يهود اليمن في إسرائيل، وظهرت فيه قصص مشابهة للقصص أعلاه تحت بند ثانوي عنوانه 'اختفاء أطفال أبناء طوائف أخرى'، في إشارة إلى الأطفال الأشكناز.

وبحسب التقرير، فإن ثلث الأطفال الذين اختفوا لم يكونوا يمنيين. لكن غالبيتهم الساحقة أبناء طوائف يهودية شرقية. وهناك 30 حالة كان فيها الأطفال من أصول أوروبية أو أميركية. وجاء في التقرير أن 'ظروف اختفاء الأطفال من أبناء الطوائف الأخرى مشابهة جدا لظروف اختفاء أطفال المهاجرين اليمنيين. وجميعهم اختفوا في السنوات الأولى بعد قيام الدولة، وجميعهم اختفوا بعد دخولهم إلى المستشفى أو بعد ولادتهم في المستشفى'.

وأشارت 'هآرتس' إلى أن معدي التقرير كانوا يعون الحساسية بشمل الأطفال الأشكناز مع الأطفال اليمنيين، لأن العائلات اليمينية تنظر إلى اختفاء أطفالهم بأنه ناجم عن تعامل عنصري معهم من جانب المؤسسة الحاكمة الأشكنازية.

اقرأ/ي أيضًا | 1948 - 2016: عن قذارة السلاح الإسرائيلي

وخلصت اللجنة إلى أنه لا يوجد توثيق دقيق حول عدد الأطفال الأشكناز الذين اختفوا في تل الفترة، لكن الصحيفة قالت إنه بموجب الشهادات التي جمعتها في تحقيقها، فإن الحديث يدور عن عشرات الحالات وربما أكثر من ذلك، وخاصة وأن عائلات كثيرة التزمت الصمت، وبدأت الآن بكشف سرها. 

التعليقات