كتاب: أسباب فشل عملية السلام وانهيار اليسار الإسرائيلي

يحاول الصحافي والأكاديمي آفي شيلون إثبات فرضية تُرجع فشل العملية السلمية وانهيار معسكر "اليسار" الإسرائيلي إلى ضعف الجذور اليهودية والشرقية لهذا المعسكر، وإلى سعيه للربط بين دفع عملية السلام وبين تعميق القيم اللبرالية العلمانية في المجتمع الإسرائيلي

كتاب: أسباب فشل عملية السلام وانهيار اليسار الإسرائيلي

عرفات وبيلين (أ.ف.ب)

في كتابه "وجع اليسار – يوسي بيلين وانهيار معسكر السلام"، يحاول الصحافي والأكاديمي آفي شيلون، إثبات فرضية تُرجع فشل العملية السلمية وانهيار معسكر "اليسار" الإسرائيلي إلى ضعف الجذور اليهودية والشرقية لهذا المعسكر، وإلى سعيه للربط بين دفع عملية السلام وبين تعميق القيم اللبرالية العلمانية في المجتمع الإسرائيلي.

وأثنى المؤرخ توم سيغف، الذي تناول الكتاب في مقالة نقدية نشرتها صحيفة "هآرتس"، على الكاتب الذي سبق وكتب سيرا ذاتية لدافيد بن غوريون ومناحيم بيغن، لكنه دحض محاولته الادعاء، من خلال السيرة الشخصية ليوسي بيلين، بأن قادة "عملية السلام" لم يكونوا يهودا بما فيه الكفاية أو شرقيين بما فيه الكفاية.

وفي سرده لسيرة حياة بيلين، يعتبر شيلون أن قصة حياته تعكس قصة ما يعرف بـ"أولاد الشمينت الإسرائيليين"، وُلد بعد أسابيع قليلة من إعلان تأسيس إسرائيل، وكان جده مدير بنك، ووالده المولود في بولندا موظف بنك أيضا، بينما عملت والدته في صحيفة "دَفار" كمراسلة للشؤون العربية، وهو لم يعرف الضائقة التي عاشها الكثيرون من أبناء جيل الخمسينيات.

أما نشاط بيلين "السلمي" فقد تبلور بشكل تدريجي. وكتب في عام 1977 أنه إذا لم تجد إسرائيل شريكا فلسطينيا مناسبا لمحادثات حول "الأراضي المحتلة"، فإن عليها التفكير بانسحاب أحادي الجانب. وبدأ منذ العام 1981 في إقامة علاقات مع شخصيات فلسطينية من القدس الشرقية، مثل الكثيرين غيره من الأكاديميين والصحافيين والسياسيين في البلاد والخارج.

ويتوقف الكاتب عند محادثات أوسلو، التي رأي بيلين أنها تختلف عن غيرها، وأنه منذ البداية كانت هذه عملية سياسية هدفها الوصول الى سلام تتحقق من خلاله إقامة دولة فلسطينية. وهو يشير إلى أن بيلين لم يفتش عن حل أخلاقي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، بل سعى إلى ذلك لأنه رأى أن الخطر الرئيسي على وجود إسرائيل هو من إيران.

ومشكلة "اليسار"، كما يعتقد شيلون، تكمن أساسا في كونه لا يتماثل مع المعيار اليهودي ولا ينظر إليه كمن يلتزم بالموروث اليهودي. ويقول في هذا السياق إنه "صحيح أن نتنياهو كان يقوم بمناورة خبيثة عندما قال للحاخام كدوري، عام 1997، إن اليسار نسي ماذا يعني أن تكون يهوديا لكنه أصاب أيضا عصبا مكشوفا، فلا يوجد زعيم واحد لليسار يضع يهوديته في المركز"، ويرى أن "اليسار يسعى إلى إصلاح المجتمع وفق النموذج الأوروبي ويسعى للعيش بطمأنينة على غرار أمريكا الشمالية".

ويتابع أن "هذا لا يعني أن حلول اليسار ليست يهودية بالضرورة، لكنها غير موجهة للجمهور وغير مجدولة بمبررات من المصادر الأولى، ولا تبدو أنها تنبع من القلق على الوجود والهوية اليهودية". ويقول شيلون، الذي لا يذهب إلى حد ادعاء نتنياهو بأن "اليسار نسي أنه يهودي"، إنه إذا كانت لدى اليسار رغبة بالحياة عليه أن يتذكر أنه جزء مركزي من التشكيلة اليهودية.

من جهته، يرى سيغف أن محاولة وضع الصراع في خانة العلاقات بين المتدينين والعلمانيين لا يساعد في فهم "اليسار" ولا فهم الصراع. كذلك الأمر بالنسبة لادعاء شيلون بأن أحد أسباب انهيار معسكر السلام هو كونه ليس شرقيا. والسؤال هو إذا كانت مواقف زعيم حزب العمل، آفي غباي، "اليهودية" ستقوي حزب العمل أم أنها ستقوي حزب ميرتس، بعد هروب العلمانيين إليها.

وعن بيلين يقول سيغف، صحيح أنه لا يحب الموسيقى الشرقية وشعر بغربة ثقافية لدى زيارته للمغرب، لكن وزيري الخارجية من أصل مغربي، دافيد ليفي وشلومو بن عامي، لم يستطيعا دفع عملية السلام أكثر من وزراء خارجية سابقين ولاحقين من أصول أشكنازية، علما أن أحدهما يميني والثاني يساري وهوية كلاهما اليهودية عميقة.

يعتقد بيلين أن عملية أوسلو فشلت لأن الاتفاقية لم يتم تنفيذها بشكل فوري، الأمر الذي أتاح للطرفين افشالها. هو لم ينجح بإقناع رابين وبيرس بالانتقال الفوري للحل النهائي، وخلال تلك الفترة قتل رابين، بينما يضع شيلون دوافع مقتل رابين بخلفية اجتماعية وشخصية أكثر اتساعا من مسألة "التشدد السياسي"، ويدخل في نطاقها التمييز ضد الشرقيين. كما أنه يقترح "ليس بجدية كاملة"، على حد تعبير سيغف، إشراك المستوطنين في عملية السلام.

وبعد أن يدحض سيغف ادعاء شيلون القائل إن فشل "معسكر السلام الإسرائيلي" مرتبط بضعف يهوديته وشرقيته، يضع يده على ما يعتبره سببا حقيقيا لفشل عملية السلام، بالإشارة إلى أن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لا ينبع من الاحتلال ولا يعكس بجوهره خلافا محددا حول حدود، أراض، مياه أو غيرها، وهو استنتاج يصل إليه شيلون أيضا كما يقول، بل هو صدام بين هويتين قوميتين لم تجدا بعد تعريفات متفق عليها، أو كما يحب شيلون القول، روايتين تاريخيتين.

ويختم سيغف بالقول إن بن غوريون تمسك بهذا الفهم في عام 1919، عندما قرر حينها أنه لا يوجد حل. وبعد ثمانية عقود، في كامب ديفيد، أخذ عرفات على عاتقه تمثيل الهوية الإسلامية، كما يفهمها، بينما مثل براك الهوية اليهودية، كما يفهمها، وبعد فشل المؤتمر رفض براك الحديث مع عرفات لفترة طويلة، مثلما يروي شيلون في كتابه، حتى التقيا يوما صدفة بجانب مصعد في الأمم المتحدة وكان براك مع زوجته السابقة، فتوجه عرفات اليها متسائلا، من الرجل الذي يقف الى جانبك؟ "وقد كان هذا سؤال جيد" بنظر شيلون وسيغف.

التعليقات