"قانون القومية على طريق التحول إلى دولة قومية دينية"

"القانون الذي لا يأخذ بالحسبان أن إسرائيل هي ليست يهودية فقط بل لكل مواطنيها أيضا، وهو قانون إقصائي، مهين ويستدعي رفضه بتقزز، ليس من قبل العرب فقط، بل من قبل كل من عنده ذرة إنسانية"

(أ ب)

اعتبر أستاذ القانون الإسرائيلي، مردخاي كريمنتسر مناقشة الكنيست لمشروع قانون أساس دولة إسرائيل- الدولة القومية للشعب الإسرائيلي حالة كارثية لم يكن لها مثيل منذ "إعلان الاستقلال"، مشيرا إلى أن تمرير القانون سيعتبر ثورة ونهاية لدولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية.

وكان الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، قد بعث، في خطوة غير مألوفة ومتحدية لرئيس الحكومة نتنياهو، رسالة إلى اللجنة المشتركة المكونة من لجنة الكنيست ولجنة القانون والدستور، أعرب فيها عن معارضته الشديدة للقانون، وحذر من تشريع إقامة تجمعات سكنية بدون اليهود الشرقيين وبدون الحريديين وبدون "الدروز" وبدون المثليين، دون أن يذكر العرب، المستهدفين أساسا من القانون.

وأعرب ريفلين عن خشيته من أن يمس البند المتعلق بالسماح بإقامة تجمعات سكنية على أساس ديني أو قومي بـ"الشعب اليهودي" وباليهود في أنحاء العالم وبدولة إسرائيل، وأن يستعمل كسلاح بأيدي أعداء إسرائيل، على حد قوله.

كما حذر المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، أيضا من التداعيات التي سيجلبها القانون على إسرائيل في الساحة الدولية، في حين قال نائبه راز نزري، إن القانون، وبالإضافة إلى المسّ بصورة إسرائيل الديمقراطية في العالم، سيكون له أبعاد في مجال الاتفاقات والمواثيق الموقعة عليها إسرائيل، وكذلك في مجال القانون الدولي.

ومن المفارقات أن أحد البدائل التي يدرسونها في الليكود للبند الإشكالي المتعلق بإجازة إقامة تجمعات سكنية على أساس ديني أو قومي، هي العودة إلى قرار الأمم المتحدة المستند إلى صك الانتداب الذي أيد الاستيطان اليهودي المكثف، في حينه، في المناطق الواقعة بحوزته، وكان البند السادس للصك المذكور قد أعرب عن تأييد بريطانيا للاستيطان اليهودي المكثف والهجرة اليهودية إلى "أرض إسرائيل".

وتشي العودة إلى بنود من صك الانتداب البريطاني بأن دولة إسرائيل ما زالت تتعامل مع ذاتها كحركة استيطانية، وتتعامل مع العرب مواطني الدولة، كما تعاملت مع الفلسطينيين قبل 1948 في مجال السيطرة على الأرض وزرعها بالمستوطنات اليهودية.

يشار إلى أن قانون القومية الذي جرى تقديمه قبل ثلاث سنوات، ومر خلال تلك الفترة بعدة تعديلات ما زال يثير نقاشات حادة داخل الكنيست وبين النخب الإسرائيلية، ليس لأنه قانون عنصري يميز ضد العرب ويضعهم ويضع لغتهم في درجة أقل من اليهود فقط، بل لأن هذه النخب تتخوف من طغيان الطابع اليهودي الديني على الطابع الليبرالي الديمقراطي.

وتخشى تلك النخب الإخلال بالتوازن الذي كان قائما حتى اليوم، والذي عبر عنه التعريف الذي اتفق عليه لدولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، خاصة وأن مشروع القانون يتضمن أكثر من بند يركز على هذا الجانب، منها استعمال الفقه اليهودي كأحد مراجع القضاء، والسماح بإقامة تجمعات سكنية على أساس ديني، وذلك مقابل تهميش الجانب الليبرالي والقيم الديمقراطية العامة.

وفي هذا السياق يرى بروفيسور كريمنتسر أن القانون سيضع حدا لإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية تلتزم بمبادئ وثيقة الاستقلال وبالقيم الليبرالية العامة، ويخلق بالمقابل دولة يهودية، قومجية، دينية مناهضة للقيم الإنسانية والليبرالية.

ويقول كريمنتسر، القانون الذي لا يأخذ بالحسبان أن إسرائيل هي ليست يهودية فقط بل لكل مواطنيها أيضا، وهو قانون إقصائي، مهين ويستدعي رفضه بتقزز، ليس من قبل العرب فقط، بل من قبل كل من عنده ذرة إنسانية، كذلك هو الأمر بالنسبة للتوافق الدستوري العنصري المتعلق بإقامة تجمعات سكنية "مطهرة"على أساس ديني أو قومي، والتي هي عمليا تجمعات يهودية تقصي العرب.

ويختم خبير القانون الإسرائيلي مقاله الذي نشرته "هآرتس"، بالتشكيك بصلاحية الكنيست اتخاذ خطوة "ثورية" من هذا النوع، تقتلع، بضربة واحدة، القاعدة القيمية الأساسية التي تقوم عليها الدولة، مشيرا إلى أن دولة ليس لديها حدود نهائية غير مؤهلة أصلا لتعريف ذاتها، لأنه في حال ضم المناطق المحتلة فإن تعريف إسرائيل كـ "دولة الشعب اليهودي" سيكون أحد منتوجات مدرسة الأبرتهايد التي في طريقها للاستيلاء على الكنيست.

التعليقات