إسقاط الـ"سوخوي": لا تناقض بين مصالح روسيا وإسرائيل

ليس مستبعدا أن طائرة "سوخوي" كانت في الأجواء السورية، كغيرها من الطائرات التي تغِير على مواقع المعارضة المسلحة بالقرب من الجولان، وأن إسرائيل استغلت اقتراب هذه الطائرة وأسقطتها من أجل أن تفرض واقعا على الأرض

إسقاط الـ

الجولان السوري (رويترز)

يطرح إسقاط إسرائيل لطائرة مقاتلة سورية من طراز "سوخوي"، اليوم الثلاثاء، عددا من الأسئلة حول أحداث مستقبلية محتملة إثر توقعات بإعادة انتشار جيش النظام السوري شرقي خط وقف إطلاق النار وفصل القوات (بموجب اتفاق من العام 1974). وهذه الأسئلة تتعلق بالأساس بالدور الروسي في سورية، بعد عودة النظام للسيطرة على معظم الأراضي السورية.

من جهة، نقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن مصدر في جيش النظام قوله إن إسرائيل أسقطت الطائرة السورية فيما كانت في الأجواء السورية. "العدو الإسرائيلي أكد مجددا تبنيه للمجاميع الإرهابية المسلحة عبر استهدافه اليوم إحدى طائراتنا الحربية، التي تدك تجمعاتهم في منطقة صيدا على أطراف وادي اليرموك في الأجواء السورية".

من الجهة الأخرى، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، رونين منليس، حول إسقاط طائرة الـ"سوخوي"، بصاروخين من طراز "باتريوت"، إن "الطائرة حلقت من قاعدة T4 وتقدمت بسرعة باتجاه إسرائيل". لكن الأمر المهم في تصريح المتحدث العسكري الإسرائيلي، قوله إنه "تم استخدام جهاز التنسيق مع الروس أثناء الحدث"، أي أثناء مراقبة الطائرة منذ تحليقها وحتى إسقاطها. وتابع منليس أن "الجيش الإسرائيلي حذر مسبقا بعدة لغات وبعدة قنوات بخصوص المصالح الأمنية الإسرائيلية، وبموجبها أننا لن نتحمل خروقات لوقف إطلاق النار من العام 1974".

رغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تسقط فيها إسرائيل طائرة حربية سورية، فقد أسقطت طائرة "سوخوي" في العام 2014. لكن إسقاط الطائرة اليوم يختلف عن المرة السابقة، لأن الوضع في سورية أصبح مختلفا منذ أواخر العام 2015، عندما بدأ التدخل العسكري الروسي في سورية.

وتوجيه إسرائيل هذه الضربة للنظام السوري، بإسقاط الطائرة اليوم، يندمج مع الغارات التي تشنها إسرائيل ضد أهداف ومواقع لإيران وحزب الله في سورية، وخاصة بعد التدخل العسكري الروسي. إذ تبين أن روسيا لم تمنع ولم تحاول حتى أن تمنع الغارات الإسرائيلية في سورية، بل أنها التزمت الصمت حيالها. ويأتي هذا الصمت في أعقاب اللقاءات المتكررة بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وتركيز البحث فيها على الموضوع السوري والوجود العسكري الإيراني في سورية. واللافت أن عدد هذه اللقاءات أكثر من لقاءات بوتين مع حليفه رئيس النظام، بشار الأسد.

وجرى الحديث في جميع هذه اللقاءات عن تنسيق أمني روسي – إسرائيلي بشأن أنشطتهما العسكرية في سورية. ومنع هذا التنسيق إسقاط إسرائيل لطائرات حربية روسية كانت تنفذ غارات ضد المعارضة المسلحة السورية، واقتربت من أجواء هضبة الجولان المحتلة. كما منع هذا التنسيق إسقاط روسيا لطائرات وصواريخ إسرائيلية خلال هجمات في سورية

وإذا كان تصريح المتحدث العسكري الإسرائيلي صحيحا، وروسيا لم تنفه، عن تنسيق إسرائيلي – روسي قبيل إسقاط الطائرة السورية، اليوم، فإن هذا يعني أن روسيا سمحت لإسرائيل بإسقاط الطائرة السورية، أو على الأقل لم تحاول روسيا مطالبة النظام بمنع اقتراب الطائرة السورية من الجولان كي لا تسقطها إسرائيل.

وعُقد آخر لقاء بين الجانبين أمس، حيث زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ورئيس أركان الجيش الروسي، فاليري غراسيموف، إسرائيل والتقيا مع نتنياهو ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت. وقال بيان صادر عن مكتب نتنياهو إن "اللقاء تناول الملف الإيراني والأوضاع في سورية". ونقل البيان عن نتنياهو قوله إن "العلاقات بيننا هامة للغاية وهي تجرى كما شاهدتم من خلال عقد لقاءات مباشرة بيني وبين الرئيس بوتين وبين طاقمينا. أقدر التصريحات التي أدلى بها الرئيس بوتين والرئيس ترامب حول أمن إسرائيل خلال القمة الأخيرة".

وإزاء هذه التطورات المتصاعدة، يكثر الحديث في إسرائيل، في الفترة الأسابيع الأخيرة، عن انتشار جيش النظام السوري شرقي خط وقف إطلاق النار وفصل القوات في الجولان المحتل. وفي الوقت الذي تطالب فيه إسرائيل بألا يخرق جيش النظام اتفاق وقف إطلاق النار، فإنها تطالب الآن بإقامة منطقة عازلة في الأراضي السورية وألا تدخلها أية قوات مسلحة سورية. وبالمقابل، تصر إسرائيل على تواجد منظمة "لواء فرسان الجولان" في هذه المنطقة العازلة "كمنظمة مدنية". ويقرّ "فرسان الجولان"، وهو فصيل في المعارضة السورية يتلقى دعما إسرائيليا بالمال والغذاء والرعاية الصحية والسلاح، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "تايمز" البريطانية، قبل سنة.

وأكد المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني، رون بن يشاي، اليوم، على أن "إسرائيل تطالب بالسماح للمتمردين السوريين من منظمة ’فرسان الجولان’ بالبقاء في المنطقة المنزوعة السلاح على الحدود الإسرائيلية السورية على مرتفعات الجولان، ولكن فقط كمنظمة مدنية".

وأضاف بن يشاي أن القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل تعتبر أن "الإيرانيين على ما يبدو لا يبالون بالوعود الروسية (لإسرائيل بإبعاد إيران وقواتها ومليشياتها عن الجولان مسافة عشرات الكيلومترات)، بينما يسمح لهم الأسد بالاندماج في قواته. لذلك فمن الممكن أن التوقع بأن إسرائيل لن تسمح للأسد بمواصلة التقدم في السيطرة على مرتفعات الجولان (المحرر) هو ما دفع لافروف وجيرسيموف الى القدوم على وجه السرعة الى تل أبيب".

زيارة لافروف وجيرسيموف إلى إسرائيل جاءت من أجل مواصلة الحديث عن صفقة روسية – إسرائيلية، تقضي بألا تنفذ إسرائيل خطوات عسكرية من شأنها أن تمنع أو تعرقل سيطرة النظام على كل الأراضي السورية، مقابل مسعى روسي لإبعاد إيران والمليشيات غير السورية الموالية لها وحزب الله عشرات الكيلومترات عن الجولان المحتل.

ليس مستبعدا أن يكون تصريح المصدر العسكري السوري صحيحا، بأن طائرة "سوخوي" التي أسقطتها إسرائيل اليوم كانت في الأجواء السورية، كغيرها من الطائرات الحربية السورية التي تغِير على مواقع المعارضة المسلحة بالقرب من الجولان، وأن إسرائيل استغلت اقتراب هذه الطائرة وأسقطتها من أجل أن تفرض واقعا على الأرض، بأن تبعد قوات النظام عن خط وقف إطلاق النار بما ينسجم مع مطلبها بإنشاء منطقة عازلة، تسيطر عليها هي وحدها. فإسرائيل مقتنعة بالكامل أن الأسد لا يريد فتح جبهة مع إسرائيل بأي حال. وتدرك موسكو هذه الأمور طبعا، ولذلك التزمت الصمت، إذ يبدو أن الكرملين لا يرى أن عدوانية إسرائيل تتناقض مع مصالحه بالتواجد في سورية طالما لا تتعرض إسرائيل لهذه المصالح.

التعليقات