حكومة نتنياهو تتبنى تقارير منظمات اليمين كسياسة رسمية

تقارير إعلامية تكشف عن تمويل يهود أميركيين متطرفين لجمعيات ومواقع الكترونية تكشف هوية ناشطين في BDS وتمنع إسرائيل دخولهم للبلاد* حكومة نتنياهو تتعامل مع حكومات أجنبية وفقا لتقارير مضللة وكاذبة تصدرها منظمات يمينية

حكومة نتنياهو تتبنى تقارير منظمات اليمين كسياسة رسمية

نتنياهو ونجله يائير (أرشيف - أ.ف.ب.)

تزعم إسرائيل أنها دولة متطورة فيما يتعلق بسياستها، الخارجية خصوصا وتجاه من ينتقدونها، وأقامت وزارة الشؤون الإستراتيجية إضافة إلى وزارات أخرى مثل الداخلية والخارجية، من أجل مواجهة الانتقادات لسياستها ضد الفلسطينيين وحركة المقاطعة العالمية (BDS) ومنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية التي تكشف ممارسات دولة الاحتلال. لكن تقارير نشرتها صحيفة "هآرتس" مؤخرا، تفيد بأن ملاحقة ورصد نشاط وناشطي هذه الجهات التي تنتقد إسرائيل، يقوم بها أفراد لا توجد أية صفة رسمية، وجميعهم ينتمون إلى اليمين المتطرف الفاشي، وبينهم يائير نتنياهو، نجل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو.

أحد هؤلاء الأشخاص هو جوناثان باش. وهو من مواليد بريطانيا، لكنه كيهودي متطرف يستوطن في البلدة القديمة في القدس المحتلة. وأقام باش جمعية باسم "اتجاهات سلام"، التي يتم من خلالها تحويل أموال إلى موقع الانترنت "كناري ميشن"، الذي ينشر معلومات عن ناشطين مناهضين لسياسة إسرائيل ضد الفلسطينيين في الولايات المتحدة، حسبما كشفت الصحيفة اليوم، الاثنين.

جوناثان باش (عن "هآرتس")

ونقلت المجلة اليهودية الأميركية "فوروورد" عن مصدرين قولهما إن باش يعرّف نفسه كمن أقام "كناري ميشن"، وهو موقع الكتروني ينشر معلومات عن أشخاص، وتستخدمها إسرائيل كذريعة لمنع دخول مواطنين أجانب، بينهم الفلسطينية – الأميركية لارا القاسم، إلى البلاد. ورفض باش وآخرون مرتبطون بنشاطه التحدث إلى وسائل إعلام، فيما ادعت وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية أنها لا تتعاون مع باش أو "كناري ميشن" أو أي من الشركات التي يرأسها باش.

وتظهر في موقع "كناري ميشن" ما يوصف بأنه "قائمة سوداء" تضم مئات الطلاب والمحاضرين في الجامعات الأميركية، إضافة إلى أقوال نُشرت في شبكات التواصل الاجتماعي ونددت بسياسات إسرائيل. ولا تزال هوية مشغلي هذا الموقع الالكتروني ومصادر تمويله سرية. لكن تحقيقا نشرته مجلة "فوروورد"، أشار إلى أن منظمة "الفدرالية اليهودية في سان فرانسيسكو" وصندوق عائلة ديلر حوّلا مبلغ 100 ألف دولار إلى "كناري ميشن" بواسطة "اتجاهات سلام"، التي تعرف نفسها كشركة لخدمة الجمهور ومقرها في مدينة بيت شيمش قرب القدس. وتم تحويل هذا التبرع بواسطة "الصندوق المركزي لإسرائيل"، وهي جمعية أميركية تستخدم كقناة لتحويل أموال لتمويل أنشطة اليمين الإسرائيلي والمستوطنين.

ووفقا لـ"هآرتس"، فإن الهدف المعلن لـ"اتجاهات سلام" هو "الحفاظ وضمان المناعة القومية وصورة دولة إسرائيل والعمل من خلال وسائل الميديا المختلفة ضد المقاطعة، العقوبات ومنع الاستثمارات في إسرائيل، على ضوء التحديات العالمية، وذلك من خلال استخدام وسائل تكنولوجية من مجال الميديا". ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع على نشاط هذه الشركة قوله إنها تعمل في مجال الأبحاث والحواسيب، وأن عنوانها هو مدقق الحسابات، ايلي غوف، في بيت شيمش، وعددا من أصحاب الأسهم فيها هم مستوطنون في البلدة القديمة في القدس. وأحد هؤلاء يدعى بنيامين بيكر، الذي يدير نزلا في القدس ومعروف بتأييده للحاخام الفاشي المأفون مئير كهانا.

مصدر بمكتب نتنياهو: يائير أكثر تطرفا من كهانا

أظهرت وثيقة قدمها سفير إسرائيل، يعقوب كيدار، في آب/أغسطس الماضي، لوزارة الخارجية السويسرية وطالب فيه بوقف تمويل معهد الأبحاث "عكيفوت"، سهولة وصول منظمات اليمين المتطرف الإسرائيلي إلى رئيس الحكومة نتنياهو، وكيف أن التقارير التي يصدرونها تتحول إلى سياسة رسمية لوزارة الخارجية التي يتولاها نتنياهو أيضا.

وأشارت "هآرتس" إلى أن التقرير الذي قدمه كيدار ضد معهد "عكيفوت" لدراسة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، شبيه إلى حد كبير جدا ويتضمن الادعاءات ذاتها التي وردت في تقرير صادر عن منظمة اليمين المتطرف "عاد كان" (حتى هنا)، في تموز/يوليو الماضي. ووفقا للصحيفة، فإن تقرير "عاد كان" مليء بالأخطاء والمعطيات غير الدقيقة، وتحول خلال شهر إلى وثيقة عمل لحكومة نتنياهو مقابل الدول الأجنبية. وادعى مكتب نتنياهو ووزارة الخارجية أنه "يعمل طاقم مهني وموضوعي في هذا الموضوع، من مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الشؤون الإستراتيجية".

وقالت الوثيقة التي سلمها كيدار للخارجية السويسرية، إن "الحكومة السويسرية ضالعة، سوية مع الحكومة النرويجية، في تمويل 100% من نشاط ’معهد عكيفوت’. والمعهد يسعى إلى العثور على أدلة أو سياسة أو قرارات في أرشيفات دولة إسرائيل، قادت، برأي الباحثين، إلى انتهاك حقوق على أراض وتحويل الوثائق إلى ضحايا مزعومين. والهدق، هو حرب قضائية ضد دولة إسرائيل، في داخلها وخارج البلاد. وضلوع حكومة سويسرا يتجاوز برأينا الحدود الشرعية المتعارف عليها في العلاقات بين الدول ونطالب بوقف التمويل فورا".

ولفتت الصحيفة إلى أن قسم من الوثيقة كان خلفية حول "عكيفوت"، وهو مشابه للتقارير الدعائية للمنظمات اليمينية الإسرائيلية. وجاء فيها أن "معظم مؤسسي ’عكيفوت’ عملوا أو يعملون في منظمة ’ييش دين’ (الحقوقية الإسرائيلية)، التي تنشط في حملات سياسية ضد إسرائيل في الحلبة الدولية. وذلك بهدف تحقيق الهدف المنشود بالنسبة لهم في مواضيع مختلف حولها في إسرائيل، وينبغي حسمها بطريقة ديمقراطية. وتبرعت سويسرا بمبلغ 734 ألف شيكل للمنظمة بين السنوات 2014 – 2017. وتصرح المنظمة بأن هذا مصدر دخله كله. وهي تستخدم مالا أجنبيا من أجل دفع أجندة سياسية في إسرائيل. وهذا ليس مقبولا وإسرائيل تطالب بوقفه".

لارا القاسم في موقع "كناري مشن":

يشار إلى أن "عكيفوت" هو معهد صغير يضم ثلاثة عاملين فقط. وقد أقيم في العام 2014 من أجل إجراء أبحاث تاريخية تتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ويعمل من أجل توسيع إمكانية توجه الجمهور إلى الأرشيفات. وأصدر المعهد تقارير عديدة شملت وثائق حول تاريخ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية. وقد أقيم بمنحة من الحكومة النرويجية بمبلغ 264 ألف شيكل. والممول الرئيسي للمعهد هي حكومة سويسرا، كجزء من المفهوم السويسري بأن حقوق الإنسان يشمل أيضا توثيقا وتخليدا تاريخيا لمجموعات مختلفة.

وصدر تقرير منظمة اليمين "عاد كان" حول "عكيفةت" في تموز/يوليو الماضي، وامتد على 38 صفحة وشمل ملاحق، وادعى أن "عكيفوت" هو ذراع سويسرية لجمع معلومات استخبارية وسرقة أسرار إسرائيلية، بواسطة التعاون مع مسؤول في محفوظات الدولة وزرع أشخاص في مجلس الأرشيفات. وشبهت "عاد كان" نشاط "عكيفوت" بسرقة الموساد الأرشيف النووي الإيراني في طهران، التي كشفها نتنياهو مؤخرا. لكن "عكيفوت" هو معهد أبحاث ينشر تقارير حول وثائق كشفت عنها الأرشيفات، المسؤولة عن إلغاء سرية الوثائق. ويذكر أن بعض الوثائق، المتعلقة بأحداث وقرارات أمنية وبأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وقسم من الأحداث التي وقعت إبان النكبة ومصنفة "سرية"، يتم الكشف عنها بعد مرور سبعين عاما، لكن نتنياهو أعلن، الأسبوع الماضي، أنه سيمدد ذلك إلى تسعين عاما.

وزعمت "عاد كان" في تقريرها أن المؤرخ والناشط السياسي، البروفيسور غادي إلغازي، المعروف بمواقفه اليسارية، يعمل بالتنسيق مع "عكيفوت" ويساعدهم على كشف وثائق. لكن بموجب القانون الإسرائيلي، فإنه لا توجد صلاحية بأيدي مجلس الأرشيفات بكشف وثائق ومهمة المجلس تقديم الاستشارة لإجراءات عمل الأرشيفات. وادعت "هاد كان" أيضا أنه تم تعيين إلغازي عضوا في مجلس الأرشيفات في موازاة تأسيس "عكيفوت"، رغم أن التعيين تم بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من تأسيس "عكيفوت".

وكانت صحيفة "يسرائيل هيوم"، المقربة من نتنياهو، قد نشرت في مطلع آب/أغسطس الماضي، أي بعد نشر تقرير "عاد كان"، أن نتنياهو تحدث هاتفيا مع وزير الخارجية السويسري، إناتسيو كسيس، لمدة 40 دقيقة، وطلب وقف تمويل "عكيفوت". وأجاب كسيس إنه سيفحص الأمر، وبعد أسبوع قدم كيدار وثيقته إلى وزارة الخارجية السويسرية. وقالت "هآرتس" إن نتنياهو يمارس ضغوطا على دول أجنبية من أجل وقف تمويلها لمنظمات إسرائيلية. ونقلت عن قيادي في حزب الليكود قوله إن نتنياهو يسعى إلى الإعلان عن وقف تمويل منظمات حقوقية إسرائيلية قبيل الانتخابات العامة المقبلة، كي يشدد على أنه يتمتع بعلاقات دولية.

نقلت الصحيفة عن مصدر في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية قوله إن الأنشطة ضد المنظمات الإسرائيلية اليسارية لا تجري في إطار عمل طاقم منتظم في مكتب نتنياهو ووزارة الخارجية، وإنما بواسطة نجل نتنياهو، يائير. وينظر يائير نتنياهو إلى منظمات حقوق الإنسان على أنها "مؤامرة معادية للسامية" يمولها المليونير جورج سوروس وينبغي محاربتها. وقال المصدر في مكتب نتنياهو عن يائير إنه "متطرف أكثر من مئير كهانا"، وهو صديق مقرب من متان بيلغ، مدير عام حركة "إم تيرتسو"، التي باتت الذراع التنفيذية خارج الكنيست لمكتب نتنياهو. وبيلغ هذا يركز المعلومات ضد منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة وضد منظمة "يكسرون الصمت" ومنظمات حقوقية أخرى.

التعليقات