إستراتيجية إسرائيل: لا حرب ولا دولة

الجيش الإسرائيلي يعتبر أن سقوط الصاروخين يستوجب رد فعل إسرائيلي "من نوع آخر". لكن بالإمكان الاستنتاج أيضا، أن الرد "من نوع آخر" لا يعني تغيير الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة بعدم شن حرب أو عملية عسكرية واسعة

إستراتيجية إسرائيل: لا حرب ولا دولة

عند السياج الحدودي في غزة (أ ب)

الجيش الإسرائيلي يعتبر أن سقوط الصاروخين يستوجب رد فعل إسرائيلي "من نوع آخر". لكن بالإمكان الاستنتاج أيضا، أن الرد "من نوع آخر" لا يعني تغيير الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة بعدم شن حرب أو عملية عسكرية واسعة


ذكر صحافيون إسرائيليون، صباح اليوم الأربعاء، في أعقاب سقوط قذيفة أطلقت من قطاع غزة في مدينة بئر السبع، وألحقت أضرارا ببيت هناك، وسقوط قذيفة أخرى في البحر قبالة مدينة بات يام الملاصقة لمدينة يافا من جهة الجنوب، أن ضباطا في الجيش الإسرائيلي قالوا في إيجاز صحافي إن منظمة خارجة عن طوع "حماس" هي التي أطلقت الصاروخين. لكن محللين إسرائيليين، بينهم رون بن يشاي في موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، قالوا إن سقوط القذيفتين يستوجب رد فعل إسرائيلي "من نوع آخر". وبالإمكان الاستنتاج أيضا، أن الرد "من نوع آخر" لا يعني تغيير الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة بعدم شن حرب أو عملية عسكرية واسعة.

في الصباح الباكر اعتبر المحللون، الذين يستمدون المعلومات لتقاريرهم من الجيش مباشرة، أنه "لا يبدو معقولا أن قيادة حماس هي التي أمرت بإطلاق القذيفتين". وبعد ساعتين، أعلنت حركتا حماس والجهاد الإسلامي أنهما لم تأمرا بإطلاق القذيفتين، بل وأنهما تعارضان ذلك ووصفته بغير المسؤول. وظهر اليوم، اعتبر المحللون ذاتهم أن كلتا الحركتين الفلسطينيتين بادرتا إلى إطلاق القذيفتين، "كتهديد هدفه إنقاذ المفاوضات مع المصريين حول تسوية (تهدئة) من الطريق المسدود الذي وصلت إليه أمس. ولذلك امتنعت الحركتان عن تحمل المسؤولية عن إطلاق القذيفتين".

في غضون ذلك، وصل وفد مصري إلى قطاع غزة أمس، ويتوقع أن يصل مدير المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، إلى القطاع اليوم، وأن يزور إسرائيل غدا، من أجل مواصلة المحادثات حول التهدئة في غزة. ويذكر أن رئيس "حماس" في غزة، يحيى السنوار، اشترط في مقابلة معه نشرتها "يديعوت أحرونوت" قبل أسبوعين، بأن اتفاق تهدئة يجب أن يشمل الهدوء من جانب الفصائل في غزة مقابل الهدوء ورفع الحصار من جانب إسرائيل. ويبدو أنه لا يوجد اتفاق حول هذه المعادلة حتى الآن، الأمر الذي أدى إلى التصعيد، فجر اليوم، بطبيعة الحال.

وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن القذيفتين من النوع الدقيق وتحملان كمية متفجرات أكبر من القذائف العادية. ويعتبر الجيش الإسرائيلي أن القذيفتين حملتا رسالة إلى إسرائيل، وأن سقوط إحداهما في البحر قبالة شواطئ وسط إسرائيل كان متعمدا.

وعلى الأرجح أن الطرفين في غزة وإسرائيل باتا يعرفان بعضهما ومنطقهما، بعد كل السنوات الماضية من الحروب والغارات والضربات الصاروخية، وأن هذه الحقيقة دفعت إسرائيل إلى اتخاذ موقف عدم شن حرب واسعة، لسبب بسيط هو أنها لن تحقق أية نتائج من خلالها. فقد شنت ثلاثة حروب، منذ نهاية العام 2008، والمواجهات والتوتر الأمني متواصلة منذ صيف العام 2005، عندما سحبت إسرائيل قواتها ومستوطنيها من داخل القطاع وفرضت الحصار عليه. ولم تحقق إسرائيل شيئا من كل هذه العدوانية، سوى سقوط آلاف الشهداء الفلسطينيين وعشرات آلاف الجرحى ودمار هائل يفاقم الكارثة الإنسانية الرهيبة في القطاع. وفي المقابل، تواصل الفصائل في القطاع إطلاق القذائف الصاروخية كلما دعت الحاجة إلى ذلك، خلال الحروب وبينها، وتبين اليوم أن بحوزتها قذائف صاروخية أكثر تطورا.

الجيش الإسرائيلي، الذي قطع رئيس أركانه، غادي آيزنكوت، زيارته للولايات المتحدة ليعود إلى تل أبيب، يعلم أنه لن يحقق شيئا بحرب أخرى. ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ليس معنيا بحرب كهذه عشية انتخابات عامة ستبقيه في الحكم على الأرجح. وأرجأ نتنياهو انعقاد الكابينيت (الحكومة الأمنية المصغرة) إلى حين عودة آيزنكوت، عصر اليوم.

وفي هذه الأثناء يطلق وزراء أعضاء في الكابينيت تهديدات ويطالبون بالعودة إلى سياسة الاغتيالات. لكن المحللين أجمعوا أن تصريحات للداخل، وموجهة خصوصا إلى اللجنة المركزية لحزب الليكود الحاكم أكثر مما هي موجهة ضد حماس. وأعلن وزير الأمن الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان، أنه أوعز بإغلاق المعابر للقطاع وتضيق مساحة الصيد. أي تشديد الحصار. لكن حتى ليبرمان يعلم أنه سيقرر بعد أيام قليلة إعادة فتح المعابر وتوسيع مساحة الصيد، لأن قطاع غزة، بدون هذه العقوبات، يواجه الكارثة الإنسانية، والجهات الدولية الضالعة في أحداث القطاع ستمارس الضغوط على إسرائيل وحماس من أجل تهدئة الوضع.

كل ذلك يقود إسرائيل إلى الإبقاء على موقفها بعدم شن حرب، لأنها لن تحقق شيئا فيها، وأيضا لأن الوضع الحالي مريح لها من الناحية السياسية أيضا. فاستمرار الصراع بين إسرائيل وقطاع غزة بشكله الحالي، بينما تقف الضفة الغربية على الحياد، يعزز الانقسام الفلسطيني بين حماس والسلطة في رام الله، وبالنسبة لإسرائيل، هذا هو المطلوب: لا حرب واسعة في القطاع وبحيث يبقى محاصرا، ولا مفاوضات مع السلطة كي لا تقام الدولة.

التعليقات