دراسة: أزمة الغمر والباقورة نابعة من "خطأ إسرائيلي خطير"

عزت دراسة إسرائيلية إعلان الأردن لاستعادة الباقورة والغمر إلى الوضع الاجتماعي – الاقتصادي والديمغرافي في الأردن، والاحتجاجات الكبرى وجمود المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وبالإساس بسبب خطأ الأداء الدبلوماسي الإسرائيلي تجاه الأردن

دراسة: أزمة الغمر والباقورة نابعة من

(مكتب الصحافة الحكومي)

عزت دراسة إسرائيلية إعلان ملك الأردن عبد الله الثاني عن استعادة منطقتي الباقورة والغمر من إسرائيل إلى عدة أسباب، بينها الوضع الاجتماعي – الاقتصادي والديمغرافي في الأردن، والاحتجاجات الكبرى وجمود المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن الدراسة أكدت في الوقت نفسه على خطأ خطير في الأداء الدبلوماسي الإسرائيلي تجاه الأردن، وهو ما سبب أزمة بين الدولتين و"زعزعة اتفاقية السلام".

ويذكر أنه بموجب ملحقين لاتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية، الذي جرى التوقيع عليها في 26 تشرين أول/أكتوبر العام 1994، فإن إسرائيل تستأجر هاتين المنطقتين، الواقعتين في شمال وجنوب الأغوار، لمدة 25 عاما، تنتهي العام المقبل، لكن بإمكان الأردن الإعلان، قبل عام من انتهاء فترة الاستئجار، عن رغبته باستعادتهما، وعدم تمديد مدة الاستئجار لربع قرن آخر. وينص ملحقا الاتفاقية على استعادة الأردن سيادته على المنطقتين من خلال "التشاور" بين الجانبين. ويستخدم مزارعون إسرائيليون الباقورة، الواقعة شمال الأغوار ومساحتها 800 دونم تقريبا، والغمر، الواقعة جنوب الأغوار ومساحتها 2000 دونم تقريبا، لزراعة عدة أنواع من الخضار والتمور.

وبحسب الدراسة، الصادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، فإن "العائلة المالكة في عمان تؤمن بأنه إذا لم يتم التوصل إلى تسوية دائمة إسرائيلية – فلسطينية عامة، وفي البلدة القديمة في القدس خاصة، ستصل الأمور إلى حد اشتعال الوضع إقليميا وتهديد حقيقي على الأردن".

أزمات متتالية واحتجاجات متصاعدة

وأضافت الدراسة أن العلاقات بين إسرائيل والأردن شهدت أزمات شديدة وتجاوزتها، بدءا من مقتل الطالبات الإسرائيليات السبع في الباقورة، عام 1997، ومحاولة اغتيال الموساد للقيادي في حماس خالد مشعل في عمان، في العام نفسه، ثم اندلاع الانتفاضة الثانية، عام 2000، والمواجهات في الحرم القدسي، وخاصة بعد نصب الاحتلال الإسرائيلي للبوابات الالكترونية، ثم مقتل مواطنين أردنيين برصاص حارس السفارة الإسرائيلية في عمان، العام الماضي. إضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل لم ترسل سفيرا لها إلى عمان خلال فترات طويلة.

وتابعت الدراسة أنه في المقابل جرى التوقيع على تفاهمات متبادلة بين الأردن وإسرائيل، شملت مجالات الاقتصاد وجودة البيئة والتجارة والصحة العامة والعلوم والثقافة والزراعة، وفي السنوات العشر الأخيرة، جرى التوقيع على اتفاقيات في مجالات الغاز الطبيعي والمياه والسياحة. لكن مشروع قناة البحرين، الأحمر والميت، وغايته إنقاذ البحر الميت وتزويد مياه محلاة وتوليد الكهرباء بالطاقة المائية وتطوير فرعي الزراعة والسياحة، لم يتقدم من جانب إسرائيل. واتهم الأردن إسرائيل بأنها تقوض التعاون الإقليمي.

وأضافت الدراسة أن الدولتين مستمرتان في التعاون الأمني بشكل كامل، وأن صفقات الأسلحة والعتاد العسكري تجري بدعم الولايات المتحدة ومساعدتها "بعيدا عن أعين الجمهور"، ويجري الجيشان اتصالات دائمة تشمل تدريبات وإرشادات.

ووفقا للدراسة، فإن الأردن يرى بالجمود الحاصل في المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية "تهديدا إستراتيجيا حقيقيا. وطالما يتم تخليد الوضع القائم، وعدم وجود أية خطوة لإقامة دولة فلسطينية، يتخوف الأردنيون من طرد الفلسطينيين إلى الأراضي الأردنية. وقد وصف الأمير حسن، شقيق الملك حسين، ذلك بـ’عدوانية ديمغرافية’".

إلى جانب ذلك، يرزح الأردن تحت أعباء يسببها دخول أكثر من مليون لاجئ سوري إليه، ما تسبب بتضعضع الوضع الاجتماعي – الاقتصادي، كما أن البنية التحتية تضع صعوبات أمام هذه الزيادة الديمغرافية، التي سبقها نزوح مئات آلاف العراقيين، إلى جانب توتر سياسي. ولفتت الدراسة إلى تراجع الدعم المالي الخليجي للأردن، وارتفاع نسبة البطالة إلى 18% بين مجمل السكان وإلى 25% بين خريجي الجامعات، العام الماضي. كذلك يشعر الأردنيون بالركود الاقتصادي وارتفاع أسعار المنتجات الأساسية، مقابل رفع نسبة ضريبة الدخل وضريبة الشركات.

هذه الأوضاع، وفقا للدراسة، أدت إلى تزايد الاحتجاجات في الأردن، في الأشهر الأخيرة، ضد العائلة المالكة، خاصة بسبب الضائقة الاقتصادية. وتصاعدت الاحتجاجات منذ حزيران/يونيو الماضي، ووصل إلى المدن الكبرى. "وفي المقابل، يبدو تراجع ردع قوات الأمن واضحا". ورد الملك عبد الله الثاني على هذه التطورات بإقالة حكومة هاني الملكي، وتعيين عمر الرزاز على رأس حكومة جديدة.

وقالت الدراسة إن الاعتقاد السائد هو أن "هدف المظاهرات سياسي، ويدعي الكثيرون أنها متزامنة من جانب المعارضة السياسية في المملكة". وأضافت أن "هذا توجيه إصبع اتهام لإسرائيل بسبب أدائها تجاه الأردن وأيضا بسبب سياستها تجاه الفلسطينيين، وهذه الاحتجاجات تأتي أيضا من جهة أوساط في الحكم". كما أن خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، المعروفة باسم "صفقة القرن"، التي لم تكشف تفاصيلها بعد، تعتبر بنظر الحكم الأردني، وبينهم الملك نفسه، "كتهديد محتمل على أمن المملكة" ولذلك يعارضها الشارع ووسائل الإعلام في الاردن أيضا.

"مظاهرات سياسية"

على ضوء ما تقدم، قالت الدراسة إنه "من هنا باتت الطريق قصيرة للتركيز على كرامة الأردن وصلاحياته في موضوع الحدود مع إسرائيل". وأشارت إلى مطالبة متظاهرين في عمان باستعادة الباقورة والغمر. "وبتصاعد المظاهرات، التي لم تكن على خلفية اقتصادية فقط، ازداد الضغط الجماهيري على الملك عبد الله من أجل إلغاء اتفاقية السلام عامة، والتركيز على الملحقين في الاتفاقية المتعلقين بالمنطقتين اللتين تستخدمها إسرائيل خاصة". كذلك وقّع 87 نائبا من أصل 130 في البرلمان الأردني على عريضة لإلغاء ملحقي الاتفاقية واستعادة السيادة الأردنية على الغمر والباقورة.

ورأت الدراسة أنه "كان بالإمكان على ما يبدو منع هذه الأزمة مسبقا بواسطة سياسة عاقلة وتتوقع المستقبل، ومنع مفاجأة سياسية محرجة وتشكيل خطر على مستقبل مزارعين إسرائيليين. ومنذ أن نشأت الأزمة، ينبغي أن نأمل أنها لن تشكل نقطة انعطاف نحو الأسوأ للعلاقات بين الدولتين. وقد أثبتت إسرائيل والأردن في الماضي أنه بمقدورهما التغلب على أحداث قاسية ومعقدة وحل خلافات الرأي بينهما. فالمصالح المتبادلة العميقة بين الدولتين كثيرة، في الاقتصاد والأمن الداخلي وتزويد المياه والزراعة، والأمن الإقليمي طبعا".

وأشارت الدراسة إلى أن "الاتفاقية نفسها تشمل جهاز مشاورات متبادلة، وينبغي البدء باستخدامه على الفور، في بداية عام الإعلان المسبق، وعدم الجلوس، مرة أخرى، بدون عمل. إذ أن كلا الجانبين معنيان باتفاقية السلام بينهما، ولذلك لا يوجد أي منطق أو جدوى بتهديدات وزراء إسرائيليين بمعاقبة الأردن على الخطوة المتخذة. فهذه أقوال عديمة المسؤولية".

وخلصت الدراسة إلى أنه "لا ينبغي توقع أن يتراجع الملك عن إعلانه. ولذلك يتعين على إسرائيل التركيز على مفاوضات والاستعداد لانتهاء فترة استخدام إسرائيليين لهاتين المنطقتين، وإطالة فترة الانتقال، وإيجاد حلول بديلة للمزارعين الإسرائيليين، ونسبة التعويض التي ستدفع لإسرائيل. والحديث هنا يدور عن خطأ خطير، ينبغي معالجته من خلال حوار معتدل وتجاهل اعتبارات سياسية داخلية، والأهم أن يكون ذلك بعيدا عن الأضواء".

التعليقات