بين العقوبات والانتخابات النصفية: قلق عالمي من ارتفاع أسعار النفط

إسرائيل ترحب بالعقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، لكن هناك معارضة دولية لها، ويعتبر خبراء أن فوز الحزب الديمقراطي بالانتخابات الأميركية النصفية للكونغرس لمصلحة إيران وفوز الحزب الجمهوري لمصلحة إسرائيل

بين العقوبات والانتخابات النصفية: قلق عالمي من ارتفاع أسعار النفط

إيراني يتابع أسعار العملات بوسط طهران، أمس (أ.ب.)

رحبت إسرائيل رسميا بالعقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على طهران، ودخلت حيز التنفيذ أمس، الاثنين، عشية الانتخابات الأميركية النصفية لمجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس، التي تجري اليوم الثلاثاء. ويرى خبراء إسرائيليون أن ثمة علاقة بين العقوبات والانتخابات الأميركية الحالية، لكن محللين آخرين يحذرون من تبعات العقوبات وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، كون إيران واحدة من أكبر مصدرات النفط.

وتطرق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع كتلة حزب الليكود في الكنيست، أمس، إلى العقوبات على إيران، معتبرا أن "اليوم هو يوم تاريخي. هذا هو اليوم الذي فرضت فيه الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس ترامب عقوبات صارمة للغاية على إيران. هذه أشد العقوبات التي فرضت على إيران منذ انطلاق الجهود لصد عدوانها وبدأنا نرى تأثيرها على الأرض. نراه في تقليص الميزانيات التي تخصص للأطراف العدوانية التي تدعمها إيران داخل وخارج أراضيها. الموجة الثانية من العقوبات، وخاصة العقوبات التي فرضت على السويفت، وهي منظومة تحويل الأموال بين البنوك التي يستخدمها النظام الإيراني، وهذه الإضافة ستخنق بشكل كبير للغاية النظام الإرهابي الإيراني".

وأضاف نتنياهو أنه "آمنت بأنه ينبغي أن تشمل العقوبات المقاصة الائتمانية. وقد طرحت هذا الموضوع عدة مرات، أيضا خلال لقائي الأخير مع وزير المالية الأميركي، ستيفين مينوتشين. ويسرني أن الولايات المتحدة قررت شمل الائتمان في العقوبات الصارمة". وتابع نتنياهو أن "إيران تشكل أكبر تهديد على إسرائيل وعلى الشرق الأوسط وعلى السلام العالمي... وأعتقد أن هذا سيساهم في تعزيز الاستقرار والأمن والسلام. صحيح أنه قد تكون هناك عقبات في الطريق ولكن يجب التعامل مع ذلك من منطلق الموقف الحازم والقوي أخلاقيا واقتصاديا وأمنيا".

كذلك اعتبر وزير الأمن الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان، بواسطة حسابه في "تويتر" أن "القرار الشجاع للرئيس ترامب هو تغيير للواقع الذي انتظره الشرق الأوسط. وبضربة واحدة مسّت أميركا بشكل كبير بتموضع إيران في سورية ولبنان وغزة والعراق واليمن. أيها الرئيس ترامب، لقد فعلت ذلك ثانية! شكرا".

بين الانتخابات والعقوبات

فرضت إدارة ترامب جميع العقوبات، التي كانت إدارة سلفه، باراك أوباما، قد رفعتها في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي، في العام 2015. وفي إطار العقوبات الجديدة، أضافت إدارة ترامب 700 شخصية ومؤسسة إيرانية، بينها 50 مؤسسة مالية تم وضعها على قائمة العقوبات.

وأعلن مينوتشين أن "الضغط الذي فرضته الولايات المتحدة سيتصاعد من هذه الخطوة"، وأن الولايات المتحدة مصممة "على التأكد من أن النظام الإيراني سيتوقف عن تحويل احتياطاته من العملة الصعبة إلى استثمارات فاسدة وأن تصل إلى أيدي الإرهابيين".

مصفاة نفط إيرانية (أ.ب.)

ويأتي استئناف العقوبات بعد إعلان ترامب، في أيار/مايو الماضي، عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. ووصف ترامب العقوبات الجديدة بأنها "الأكثر صرامة" في التاريخ الأميركي، وبررها بأن "طهران بدت على وشك السيطرة على الشرق الأوسط، لكن الأمور تغيرت مؤخرا". وقالت وكيلة وزارة الخزانة الأميركية لمكافحة الإرهاب، سيغال مانديلكر، إن الهدف من العقوبات هو "منع البنوك الإيرانية التي تساهم في عملية قمع الداخل الإيراني وفي التدخلات الخارجية، من أن تكون جزءا من النظام المالي الدولي، وتسليط الضوء على الطبيعة الحقيقية للقمع الذي يمارسه النظام الإيراني على النظام المصرفي المحلي".

من جانبه، رأى الباحث في "مركز بيغن – سادات للأبحاث الإستراتيجية" في جامعة بار إيلان، بروفيسور إيتان غلبواع، أنه توجد علاقة مباشرة بين العقوبات الجديدة على إيران والانتخابات النصفية الأميركية. وتوقع أن هذه العقوبات الجديدة على صناعات النفط والغاز الإيرانية "غايتها تشديد الأزمة الاقتصادية في إيران بشكل أكبر، وفي أعقابها سيأتي الضغط الشعبي على القيادة الإيرانية". وأشار إلى أنه خلافا للعقوبات السابقة على إيران، قبل التوصل إلى الاتفاق النووي، التي شاركت فيها كافة الدول العظمى وبضمنها روسيا والصين، فإن العقوبات الجديدة الحالية تفرضها الولايات المتحدة فقط. ويعارض الاتحاد الأوروبي والدول العظمى الأخرى هذه العقوبات وتحاول إفشالها.

وبحسب غلبواع، فإن الولايات المتحدة تأمل بأن تهدد العقوبات النظام الإيراني وتُصعّد الاحتجاجات الشعبية ضده، "أو تؤدي على الأقل إلى مفاوضات حول اتفاق نووي جديد يُلغي مساوئ الاتفاق الحالي. وأن يعنى اتفاق جديد بصورة ناجعة بقضايا بقيت خارج الاتفاق الأصلي، بما في ذلك التجارب على صواريخ طويلة المدى وذات قدرة على حمل قنابل نووية، والسلوك العدواني الإيراني في أنحاء الشرق الأوسط".

وأضاف غلبواع أن الإيرانيين يخشون جدا من تبعات العقوبات، "لكنهم يأملون خسارة الجمهوريين في انتخابات منتصف الولاية. وهم يعتبرون أنه في حال فاز الديمقراطيون وسيطروا على أحد مجلسي الكونغرس على الأقل، فإن ترامب سيواجه صعوبة في الحكم وسيضطر إلى بذل جهود أكبر بكثير من أجل تحويل ميزانيات وقوانين وقرارات. ويأملون في طهران أن يسيطر الدمقراطيون على مجلس النواب، وأن تبدأ عملية إطاحة ضد ترامب من شأنها تقليص احتمال إعادة انتخابه لولاية ثانية في العام 2020... وفي حال فوز الجمهوريين واستمرار سيطرتهم على المجلسين، فإن ذلك سيعزز مكانة ترامب، وسيضطر حكام إيران إلى التوجه إلى بدائل أخرى".

في المقابل، شدد غلبواع على أن "فوز الديمقراطيين قد يضر بعلاقات الولايات المتحدة وإسرائيل في مجالات أخرى. فترامب هو الرئيس الأكثر تأييدا لإسرائيل منذ ولاية رونالد ريغن. وإزائه، فإن الحزب الديمقراطي يتجه نحو اليسار المتطرف، وستكون لمعطى كهذا نتائج على الانتخابات. فالتأييد لإسرائيل في صفوف الديمقراطيين هبط بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة، مثلما تم التعبير عن ذلك في استطلاعات الرأي العام، وبرامج الحزب ومواقف عدد من ممثليه القدامى ومواقف أولئك الذين انضموا إليهم في الانتخابات النصفية الحالية".

وتوقع غلبواع أن ينتقل الصراع بين إسرائيل وإيران إلى حلبة الانتخابات النصفية. "إسرائيل تتمنى فوز الجمهوريين كي يكون بالإمكان مواصلة الضغط على إيران واستمرار خطوات ترامب الداعمة لإسرائيل. ومن شأن نتائج الانتخابات أن تؤثر بشكل ملموس على أمن إسرائيل ورفاهيتها".

خطط مستقبلية للالتفاف على العقوبات

فيما بدأ سريان العقوبات الأميركية الجديدة على إيران يوم أمس، الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر، صرح الزعيم الإيراني علي خامنئي، الأسبوع الماضي، أن "الولايات المتحدة لن تنجح في تحويل الرابع من نوفمبر إلى يوم ذكرى حزين في تاريخ إيران". ففي الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر العام 1964، نفى الشاه الإيراني آية الله الخميني من البلاد، ليستقر أخيرا في باريس ويخطط منها للثورة الإيرانية التي أطاحت بنظام الشاه، في العام 1979، وتوقف الهيمنة الأميركية المطلقة على إيران، ومنها على الشرق الأوسط برمته.

وكتب محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، تسفي بارئيل، أن "ثمة شكا في ما إذا كان ترامب قد دقق في الرزنامة كي يضيف إسهامه إلى أيام الذكرى الوطنية الإيرانية، لكن المؤكد هو أن ترامب لا يثير قلقا كبيرا لدى الإيرانيين فقط، وإنما قلق المنظومات الاقتصادية في العالم بسبب توقع ارتفاع أسعار النفط. وربما لن يتم المس بالنظام العالمي (مثلما حذر وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف) بسبب العقوبات الأميركية الجديدة على النفط الإيراني، لكن إذا اضطر مواطنو دول كثيرة في العالم إلى أن يدفعوا مالا أكثر مقابل الوقود في سياراتهم والكهرباء في بيوتهم، وتضطر المصانع إلى رفع أسعار منتجاتها، فإن إيران والدول الغربية ستعاني من ذلك".

احتجاجات ضد الولايات المتحدة في طهران، أول من أمس (أ.ب.)

وفيما يقدر محللون غربيون أن السعودية وروسيا ستتمكنان من سد النقص جراء العقوبات على النفط الإيراني، الذي يبلغ حجمه قرابة مليوني برميل نفط يوميا، أشار بارئيل إلى أن هذه عملية تستغرق عدة شهور وحتى آذار/مارس المقبل على الأقل. لكن من الجهة الثانية، فإن السياسة الأميركية ستكون في هذه الحالة رهينة النية الحسنة للسعودية وروسيا. وأضاف أن هاتين الدولتين ستحققان أرباحا جيدة من ارتفاع أسعار النفط، كما أنه "مقابل تعاونهما ستطالب الولايات المتحدة بأن تدفع بعملة سياسية ليست رخيصة، ويعني ذلك تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا ومساعدة السعودية في طمس مقتل الصحافي جمال خاشقجي".

من جهة أخرى، توجد خلافات داخل الإدارة الأميركية، بين مستشار الأمن القومي، جون بولتون، الذي يطالب بعقوبات مشددة، وبين وزارة الخارجية، التي تؤيد تخفيفا معينا على حجم صادرات النفط الإيراني من أجل منع أضرار يمكن أن تلحق بدول صديقة للولايات المتحدة جراء الارتفاع المتوقع لأسعار النفط. لكن بولتون خفف لهجته قليلا حيال العقوبات، الأسبوع الماضي، وصرح بأن الولايات المتحدة "لا تريد المس بدول صديقة، وعلى ما يبدو أننا لا نستطيع المضي في العقوبات حتى النهاية"، أي حظر مطلق على استيراد النفط الإيراني. كذلك اقترح مينوتشين، الذي يؤيد فرض عقوبات مشددة، عدم قطع إيران عن منظومة سويفت، كي تتمكن من شراء الغذاء والدواء، ليوحي بذلك أن العقوبات ضد النظام وليست ضد الشعب الإيراني.

ورأى بارئيل أن تصريحات بولتون ومينوتشين تنطوي على تناقض، "إذ أن عقوبات ضد النظام هي عقوبات ضد الشعب، وإذا كان القصد أن ينتفض الشعب ضد النظام، فإن أي تخفيف للعقوبات سيضعف الانتفاضة المنشودة. وهذا الخلاف والتناقض يدل على أن الإدارة الأميركية نفسها لا تعرف تماما ما الذي تريد أن تحققه بواسطة العقوبات، وعلى الأقل هي لا تعرف كيف تسد الفجوة بين التطلع إلى ليّ ذراع إيران وعدم الرغبة بالمس بحليفاتها. وإحدى الإمكانيات هي الاستجابة لطلبات عدة دول، مثل الهند وتركيا، بإعفائها من العقوبات"، وقد تم الاستجابة لطلب الهند.

وتشير التقديرات إلى أنه إذا وافقت الولايات المتحدة على إعفاء دول من المشاركة في العقوبات ضد إيران، فإنها ستضطر أيضا إلى التعامل مع الموقف الصيني الصلب ضد هذه العقوبات، والنتيجة المتوقعة هي السماح لإيران، في إطار نظام العقوبات، بتقليص إنتاج النفط إلى النصف، أي مليون برميل يوميا. وبذلك ستكون إيران في وضع أفضل مما كانت عليه إبان العقوبات السابقة التي فرضها أوباما قبل التوقيع على الاتفاق النووي. ووفقا لبارئيل، فإنه "هنا يكمن أساس التقدير، بأن ترامب لن يتنازل كي لا يظهر كرئيس ضعيف".

لكن في مقابل ذلك، تتواصل الاتصالات بين الهند وإيران والصين وروسيا حول فتح مسار للسفن، في المستقبل، يلتف على قناة السويس لنقل بضائع بين الهند وبين الصين وروسيا عبر ميناء شهبار الإيراني، وهو مسار يوفر 30% من تكلفة النقل الحالي عن طريق قناة السويس. وتعتزم الهند استثمار 500 مليون دولار في الميناء الإيراني، ويبدو أنه لدى فتح هذا المسار سيشكل طريقا للالتفاف على العقوبات ضد إيران.

التعليقات