إسرائيل 2050: السكن في الأبراج والترفيه تحت الأرض

تقرير أكاديمي جديد حول التبعات المتوقعة للاكتظاظ السكاني في إسرائيل في العام 2050، بوجود 18 مليون نسمة، حيث ستختفي البلدات الريفية من المشهد العام في البلاد، ويمتد مسطح إسمنتيّ من أشكلون حتى نهريا بسبب التكاثر السكاني السريع

إسرائيل 2050: السكن في الأبراج والترفيه تحت الأرض

تل أبيب (pixabay)

صدر مؤخرا تقرير هو الأول من نوعه، أعده خبراء إسرائيليون، حول إسرائيل في العام 2050، جاء فيه أنه "في العام 2050 سيعيش 18 مليون نسمة في إسرائيل، وسيسكن 98% منهم في أبراج مرتفعة. ويتوقع أن نسكن في اكتظاظ كبير سيتزايد، ولهذا الاكتظاظ تبعات اجتماعية وجماعية وبيئية".  

ويحلل التقرير، الذي كتبته البروفيسور راحيل ألترمان من معهد الهندسة التطبيقية "التخنيون" في حيفا، التبعات المتوقعة للاكتظاظ السكاني في إسرائيل في العام 2050، ويقترح عدة طرق للاستعداد لمواجهة وضع كهذا، بينها تشجيع تقليص الولادة، الاستعداد من جديد لسياسة المواصلات ودفع تشريعات تلزم المقاولين بتحمل التكاليف الخارجية السلبية للأبراج السكنية. وجرى استعراض التقرير خلال مؤتمر "مستقبل مكتظ – إسرائيل 2050" عُقد في جامعة تل أبيب، أول من أمس الأحد.

وتوقع التقرير أن شكل البلدات الريفية سيختفي من المشهد في البلاد، في العقود القليلة المقبلة، وفي المقابل سترتفع أبراج شاهقة، بينما التجمعات التجارية والشوارع وأنشطة عامة في مجالات البيئة والصحة والتربية والتعليم ستكون تحت سطح الأرض. وكتبت ألترمان أن "البلدات الريفية الوحيدة التي ستبقى ستكون بلدات اصطناعية بفعل سياسة حماية، وذلك إلى جانب الأثمان الاجتماعية للسكن في أبراج". ومن شأن كل ذلك أن يغير مشهد المدن. وبحسب التوقعات للعام 2050، ستنزل إلى تحت سطح الأرض التجمعات التجارية، قاعات الحفلات الموسيقية، المنشآت الصناعية، الشوارع والبنية التحتية، وذلك من أجل استغلال مساحة البلاد الصغيرة إلى الحد الأقصى.

مجمع تجاري (pixabay)

 

وبناء على ذلك، تقدر ألترمان، أن مجمل النشاط البشري، باستثناء السكن، سيجري تحت سطح الأرض بسبب النقص في الأراضي. لكنها تشير إلى أن إسرائيل متأخرة في الاستعداد لوضع كهذا من حيث التخطيط والتنفيذ.

ويتوقع أن يؤثر المشهد المستقبلي وتغيير شكل البناء الذي يرسمه التقرير على طبيعة المجتمع الإسرائيلي، لأن الأبراج الإسمنتية لا تنتج عنها مجتمعات، ليس داخل الأبراج ولا خارجها، بحيث لا تكون هناك أحياء والمبنى الاجتماعي المستقبلي من شأنه أن يُمَس، داخل الأبراج وخارجها. ويتوقع أن يؤثر ذلك على سوق تأجير الشقق والسكن الشعبي، إثر ملاءمة متدنية نسبيا لطبيعة السكن في الأبراج.

جودة الحياة    

يصف التقرير سيناريوهات مستقبلية تمنع إمكانية استحداث مدينيّ. "لن يكون بالإمكان أبدا القيام بعملية ترميم أحياء في الأبراج السكنية. وكونها ’ماكينات مغلقة’، فإنه من أجل التحسين الخارجي والداخلي للابراج ستكون تكاليف هائلة، تجعل هدمها مجديا أكثر، وبذلك فإنه يتوقع أن تُحدث صدمة بحجم لم نشهد مثله من قبل".   

وبدت التوقعات محزنة فيما يتعلق بجودة الحياة في الأبراج السكنية. "الأبراج ليست ملائمة لمبنى العائلة الإسرائيلية. وفيما يبدو أن الحياة في أبراج في سنغافورة وهونغ كونغ ودول متطورة ومكتظة أخرى ذات جودة عالية، إلا أن الولادات في هذه الدول مختلفة كليا عنها في إسرائيل". ففي إسرائيل يوجد بالمعدل 3.1 ولد في العائلة، بينما نسبة الولادة في سنغافورة هي 0.9 ولد في العائلة الواحدة. ولذلك فإن طبيعة الاكتظاظ هناك مختلفة كليا. "من الصعب جدا أن تكون هناك حياة عائلية في الأبراج، والدليل هو عدم وجود أولاد فيها، سواء في العالم الغربي أو المتطور. وسنغافورة وإسرائيل ليستا الحالة نفسها، ولم ولن تكونا الشيء نفسه".  

وفيما يتعلق بالمناطق المفتوحة، يشير المدير العام السابق لسلطة الطبيعة والحدائق والمستشار في مجال التخطيط، دان بيري، إلى أن تضاعف عدد السكان، الذي سيؤدي إلى تضاعف البناء والبنية التحتية ايضا، سيلحق ضررا هائلا بالمشهد المحلي في العام 2050. "وهذه المضاعفة، بكل البنية التحتية والشوارع، تعني وجود مسطح إسمنتي واحد يمتد ما بين أشكلون (عسقلان) ونهريا، مع تشعبات نحو الشمال والجنوب. وهذه تبعات مباشرة لتكاثر السكان، التي من خلال تغيير السياسة وتخطيط حكيم واستعداد مسبقة، سيكون بالإمكان تقليص الاضرار المتوقعة. لكن حتى في حالة التخطيط المثالي، البعيد سنوات ضوئية عن وضع التخطيط اليوم، فإن الضرر المتوقع ما زال هائلا".

تل أبيب (pixabay)

ويوجه بيري انتقادات لشكل استخدام الأراضي اليوم، ويؤكد أن إسرائيل تهدر 7000 دونم سنويا من الأراضي "بسبب نزوات سياسيين يحاولون خفض أسعار السكن، ومن دون أن تمنع، بشكل لائق، استمرار البناء الملتصق بالأرض (أي المنازل الخاصة) وتخطيط ملائم لأنسجة المدن". ولفت إلى أنه في العام 2050 سيكون في إسرائيل أقل 600 إلى 700 ألف دونم من المناطق المفتوحة، وغالبيتها في وسط البلاد.

وتطرق بيري إلى المقارنة بين إسرائيل وسنغافورة، معتبرا أن هذه مقارنة خاطئة، لأنه على الرغم من أن الاكتظاظ في سنغافورة مرتفع جدا، ويصل إلى 8000 إنسان في الكيلومتر المربع الواحد، إلا أن هذه مدينة وليست دولة، وتعتمد بشكل كامل على مناطق مفتوحة لدول أخرى من أجل التزود باحتياجات الأمن والغذاء والماء والاستجمام، وهذه امتيازات ليست متوفرة لإسرائيل. إضافة إلى ذلك، فإن المواصلات العامة رائعة في سنغافورة لكنها تفرض قيودا شديدة على السيارات الخاصة. وخلافا لإسرائيل، فإنه في سنغافورة لا يتضاعف عدد السكان كل 25 عاما.

حرية الفرد

يشبّه البروفيسور شلومو بيخور، من معهد أبحاث المواصلات في التخنيون، إسرائيل بسنغافورة ومناطق أخرى في آسيا من حيث حجم الاكتظاظ المتوقع، لكنه يوضح أيضا أن المقارنة بما يتعلق بباقي جوانب الحياة خاطئة، لعدة أسباب بينها النظام وأنماط السكن المتبعة إسرائيل. "نحن نقترب من الاكتظاظ الذي يميز الدول في جنوب شرق آسيا، لكن من دون مبنى مدينيّ مشابه. وفيما تعيش العائلة في إسرائيل في 150 مترا مربعا، فإن العائلة في اليابان تعيش في 30 مترا مربعا، الأمر الذي يسمح بتزويد خدمات تنقل السكان خلال وقت معقول".   

وأضاف بيخور أنه "يصعب تخيل وضع يصبح فيه المبنى المدينيّ في إسرائيل شبيها بالوضع في اليابان أو سنغافورة، وبين أسباب ذلك الفرق الكبير في التنظيم. فالمجتمع والحكم في سنغافورة مختلفان كليا عن المجتمع في إسرائيل والحكم في سنغافورة ليس ديمقراطيا. ومن أجل شراء سيارة هناك، ينبغي أن تعبر سلسلة قيود صارمة جدا، ومن الأسهل في ظروف كهذه إدارة مواصلات مجتمع مكتظ، لكن ثمن ذلك هو مس خطير بحرية الفرد".  

تل أبيب (pixabay)

ورأى رئيس الهيئة الأكاديمية العامة "تسافوف" (مكتظ) ورئيس قسم السياسة العامة في جامعة تل أبيب، البروفيسور ألون طال، أن "الكثير من التحديات الوطنية الهائلة التي تواجهها حكومة إسرائيل في السنوات العشر الأخيرة – أسعار سكن بارتفاع طردي، ازدحام هائل في الشوارع والمستشفيات والغرف الدراسية، أزمة النموذج التقاعدي، زحمة هائلة في المحاكم أو اختفاء المناطق المفتوحة – هي جزء من اتجاه واحد واضح. وباتت إسرائيل مكتظة بشكل غير مألوف قياسا بالعالم المتطور، والحلول من أجل الحفاظ على جودة البنية التحتية العامة وجودة الحياة في إسرائيل أصبحت معقدة ومكلفة من سنة إلى أخرى".  

وأضاف أنه "توجد حلول عينية، ولكن بنظرة طويلة الأمد هي ليست أكثر من ضمادة لجرح عميق. وطالما نستمر في تجاهل الفيل الذي في الغرفة ولا نتحدث عن السياسة الديمغرافية في إسرائيل، فإنه محكوم علينا أن نجري أكثر وأكثر من أجل أن نبقى واقفين مكاننا، جراء التكاثر السكاني الأسرع في OECD".

التعليقات