استمرار اتساع ظاهرة "هروب الأدمغة" في إسرائيل

فشلت المحاولات في تقليص ظاهرة "هروب الأدمغة" من إسرائيل إلى خارجها، وخاصة إلى الولايات المتحدة، وقد اتسعت خلال ولاية بينيت* "عندما يقولون ’هروب الأدمغة’، يقصدون أفضل الباحثين، الذين يتلقون عروضا في خارج البلاد لا يمكن رفضها"

استمرار اتساع ظاهرة

جامعة هارفارد الأميركية (أ.ف.ب.)

رغم أن ظاهرة هجرة الأدمغة من إسرائيل مستمرة منذ عقود، إلا أن السلطات لم تنجح في وقف اتساعها، الأمر الذي يؤثر على المستوى العلمي عموما وعلى مستوى الأكاديميا الإسرائيلية خصوصا. وتوجد لهذه الظاهرة أسباب عديدة، لكن الأبحاث التي جرت حولها تؤكد أن السبب الأساسي هو عدم وجود وظائف كافية للأكاديميين في إسرائيل، على خلفية شحة الميزانيات في هذه الناحية. والحديث يدور هنا، وفقا لصحيفة "ذي ماركر" اليوم، الإثنين، عن الأكاديميين الذين يحملون شهادة الدكتوراه، وغالبيتهم يعملون في مجال الأبحاث.

وعدد الباحثين الإسرائيليين الذين يعملون في الولايات المتحدة هو الأعلى في العالم قياسا بعدد سكان الدولة، ومن أعلى النسب على مستوى العالم، وفقا من معطيات نشرها مؤخرا معهد التعليم الدولي (IEE) التابع لمكتب التعليم والثقافة التابع لوزارة الخارجية الأميركية. وتتعلق هذه المعطيات بالباحثين الإسرائيليين الذين يعملون في الجامعات الأميركية بصورة مؤقتة، وخاصة في فترة بوست – دكتوراه، أي بعد نيل شهادة الدكتوراه، وتشمل أيضا باحثين ومحاضرين ضيوف على الجامعات الأميركية.

ويشار إلى أنه يجري نقاش عام في إسرائيل حول هجرة الأدمغة، بين حين وآخر. ورغم ذلك، تؤكد التقارير والمعطيات حول هذا الموضوع، أن هذه ظاهرة آخذة بالاتساع، خاصة وأن أولويات الحكومات الإسرائيلية، وخاصة حكومات بنيامين نتنياهو، لا تضع مواجهة هذه الظاهرة ضمن سلم أولوياتها.

وأشار التقرير الأميركي إلى أنه في العام 2017 كان يعمل 1725 باحثا إسرائيليا في الجامعات الأميركية، أي بزيادة بنسبة 5.6% مقارنة بالعام 2016. وللمقارنة، فإن عدد المحاضرين والباحثين الدائمين يبلغ حوالي 1100 في جامعة تل أبيب، وهي أكبر جامعة أبحاث إسرائيلية. ويسود اعتقاد في إسرائيل أن الباحثين الذين يهجرون إسرائيل، لن يعودوا إليها. كما أن هذا المعطى لا يشمل باحثين إسرائيليين يعملون بوظيفة دائمة في الولايات المتحدة وأولئك الذين يعملون في الصناعات الأميركية.

ووفقا لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، فإن 2340 إسرائيليا يحملون شهادة الدكتوراه يعيشون ويعملون في خارج البلاد، غالبيتهم يعيشون في الولايات المتحدة، من بين قرابة 33 ألف أكاديمي يحملون شهادات إسرائيلية ويعيشون اليوم خارج البلاد. ويتوقع أن يرتفع هذا العدد باستمرار بسبب النقص في الوظائف في الأكاديميا الإسرائيلية.

يشار إلى أنه بعد الانتهاء من الدراسة للقب الدكتوراه في إسرائيل، يطلب من الباحثين الدراسة لبوست – دكتوراه في مؤسسات أبحاث في الولايات المتحدة أو أوروبا. ويقوم الباحثون بذلك كي يحسنوا إمكانيات قبولهم للعمل في الجامعات الإسرائيلية ومواصلة أبحاثهم فيها. لكن "ذي ماركر" أكدت على أن "الجامعات في إسرائيل ليست جاهزة أبدا لاستيعابهم من حيث عدد الملكات، ولذلك فإن قسم كبير من الباحثين الذين يسافرون إلى خارج البلاد لفترة بوست – دكتوراه يبقون هناك".  

هجرة متزايدة اتسعت خلال ولاية بينيت

تحتل إسرائيل المرتبة 16 في العالم في عدد الباحثين الذين تخرجوا من جامعاتها ويعملون في الولايات المتحدة. وعدد الباحثين الإسرائيليين في الولايات المتحدة، أي 1725 باحثا، مشابه لعدد الباحثين من تايوان، التي يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة، أي ثلاثة أضعاف سكان إسرائيل.

ويشكل الباحثون الإسرائيليون نسبة 1.3% من الباحثين الأجانب في الولايات المتحدة. كما أن عددهم أعلى من عدد الباحثين من دول أوروبية لديها مؤسسات تعليم عال متطورة وكبيرة، مثل هولندا وسويسرا والسويد وفنلندا.  

وأشارت الصحيفة إلى أن "ظاهرة هروب الأدمغة تشغل الجهات ذات العلاقة في إسرائيل منذ مدة طويلة، وتم في السنوات الأخيرة بذل جهود من أجل لجمها أو على الأقل إعادة قسم من المغادرين. لكن هذه الجهود لم تحقق نجاحا، وهذه الظاهرة تتسع وحسب". وبحسب دائرة الإحصاء المركزية، فإن 33 ألفا من حملة الشهادات الأكاديمية الإسرائيليين، الذين أنهوا تعليمهم في السنوات 1980 – 2011، يعيشون ثلاث سنوات على الأقل خارج البلاد، ومعظمهم يحملون شهادات في مجالات العلوم والهندسة. "وخلال ولاية نفتالي بينيت كوزير للتربية والتعليم ورئيسا لمجلس التعليم العالي، غادر إسرائيل عدد أكبر من الأكادبميين ممن عادوا إليها".

وتضيف معطيات دائرة الإحصاء المركزية أن 11% من حملة شهادات الدكتوراه من جامعة إسرائيلية يعيشون ويعملون اليوم خارج البلاد، بينما هذه النسبة كانت 9.9% في العام 2013. ويعمل 24.2% من خريجي الجامعات الإسرائيلية في موضوع الرياضيات يعملون خارج البلاد، ومثلهم 20% من خريجي موضوع علوم الحاسوب، و17.5% من حملة الدكتوراه في موضوع الصيدلة، و16% - 17% من حاملي شهادة هندسة الطيران والهندسة الطبية الحيوية (بيو-طبية).

ويتبين من هذه المعطيات أن خريجي معهد وايزمان يشكلون النسبة الأعلى (20%) بين خريجي مؤسسات التعليم العالي الذين يعملون ويعيشون خارج البلاد، يليهم خريجو معهد الهندسة التطبيقية – التخنيون (11%)، ثم خريجو الجامعة العبرية في القدس (9%) وخريجو جامعة تل أبيب (8%).  

وتؤكد المعطيات أن الاتجاه بين الباحثين الإسرائيليين نحو الهجرة أكبر من العودة. ففي العام 2017 عاد 601 أكاديمي إلى إسرائيلي، بينما عاد حوالي 700 في العام 2016، و900 في العام 2014. وكان عدد الأكاديميين الذين غادروا إسرائيل في العام 2017 أعلى بـ2081 أكاديميا من الذين عادوا إليها.

منح أبحاث ضئيلة في إسرائيل

أشار الباحث في مركز أبحاث السياسات في جامعة تل أبيب، البروفيسور دان بن دافيد، الذي يتابع ظاهرة هجرة الأدمغة منذ سنوات طويلة، إلى أن "الهجرة الأكاديمية من إسرائيل إلى الولايات المتحدة لا مثيل لها في العالم الغربي".

وأوضح بن دافيد، في بحث نشره في العام 2013، أن الباحثين الإسرائيليين ينتقلون إلى الولايات المتحدة بسبب الراتب المرتفع للمحاضرين في المجالات المطلوبة والذي يحدد وفقا لنوعية التدريس. بينما الراتب في إسرائيل موحد وثابت لجميع الباحثين، ويتحدد بموجب الأقدمية والدرجة الوظيفية. لكن الاعتقاد في الأكاديمية الإسرائيلية هو أن الراتب لا يشكل السبب الأساسي للهجرة الأكاديمية إلى الولايات المتحدة، وإنما النقص الشديد في الملكات في الأكاديميا الإسرائيلية والميزانيات الضئيلة المستثمرة في مجال الأبحاث.

ولفت رئيس الصندوق الوطني للعلوم في إسرائيل، البروفيسور بيني غاير، إلى أن منحة البحث الأولية التي يحصل عليها الباحث في الولايات المتحدة تبلغ 150 ألف دولار تقريبا، وفي حالات كثيرة تصل المنحة إلى مبالغ أعلى بكثير، بينما منحة كهذه في الجامعات الإسرائيلية تبلغ 250 – 300 ألف شيكل، أي قرابة نصف المنحة الأميركية.  

وقال غاير إنه "عندما يقولون ’هروب الأدمغة’، يقصدون أفضل الباحثين، الذين يتلقون عروضا في خارج البلاد لا يمكن رفضها، وليس من حيث الراتب حصرا. وهؤلاء الباحثون لا يريدون التنازل عن أحلامهم العلمية المهنية ولذلك هم يميلون إلى البقاء في الولايات المتحدة، وبعضهم يترقون ويتوظفون في الجامعات المرموقة".

التعليقات