دراسة: مصالح إسرائيل بتشكيل "منتدى غاز شرقي البحر المتوسط"

بحسب الدراسة، ينبغي أن تحقق إسرائيل غايات من هذا المنتدى، بينها "تعزيز الاعتراف الإقليمي، وخاصة العربي، بقيمة علاقات التعاون التي تشمل إسرائيل؛ زيادة التفاعلات البشرية والمدنية بين مجمل شعوب المنطقة؛ واستمرار تنمية مفاهيم حيّز إقليمي مشترك"

دراسة: مصالح إسرائيل بتشكيل

وزراء الطاقة الذين شاركوا في المنتدى بالقاهرة (تويتر)

رغم أن موضوع الطاقة كان الأساس في تشكيل "منتدى غاز شرقي البحر المتوسط" في القاهرة، منتصف كانون الثاني/يناير الفائت، إلا أنه بالإمكان رصد خطوات نحو تحولات جيو إستراتيجية واسعة أدت هي الأخرى إلى تأسيس هذا المنتدى، إلى جانب تحويله إلى رافعة لمزيد من التعاون بين الدول المشاركة فيه. وهذا المنتدى هو نتيجة إلى تحالفات ثلاثية بين مصر واليونان وقبرص، وبين إسرائيل واليونان وقبرص، ودُعي إلى حضور المنتدى كلا من إيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية.

وشارك في هذا المنتدى وزراء الطاقة في تلك الدول، وسيكون مقره في القاهرة، وسيشكل سقفا للتعاون والحوار حول تطوير موارد الغاز في المنطقة. وأعلن الوزراء في ختام المنتدى عن فتح محادثات رسمية حول مبنى المنتدى بهدف بلورة توصيات إلى الاجتماع المقبل للمنتدى في نيسان/أبريل المقبل.

وذكرت دراسة أصدرها "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أمس الأحد، أن بين الأسباب الرئيسية التي سرعت نشوء مثلث العلاقات الإسرائيلي – اليوناني – القبرصي، كانت الأحداث التي رافقت أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، في أيار/مايو العام 2010، والأزمة الاقتصادية في اليونان. "ورغم التخوفات التي كانت في إسرائيل بأن حزب اليسار المتطرف، سيريزا، الذي صعد إلى الحكم في العام 2015، سيؤدي إلى فتور العلاقات مع إسرائيل، إلا أنه في الواقع حدث العكس وتوثقت العلاقات. كما أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا، في حزيران/يونيو 2016، لم يوقف تطور العلاقات بين إسرائيل وبين اليونان وقبرص، خاصة وأنه بعد أقل من سنتين تراجعت العلاقات بين إسرائيل وتركيا ولا يوجد سفراء في تل أبيب وأنقرة".

وأشارت الدراسة إلى أنه إضافة إلى اللقاءات الدورية بين قادة إسرائيل واليونان وقبرص، فإن "العلاقات بين هذه الدول تشمل تعاونا في مجموعة واسعة من المجالات، وبينها المجال العسكري والاستعداد لفترات طوارئ". ويبرز في هذا السياق تأييد الولايات المتحدة لتوثيق العلاقات بين إسرائيل واليونان. واعتبر وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، أن "اليونان هي قوة ريادية في الاستقرار الإقليمي وشرقي البحر المتوسط".   

الحلف الثلاثي الإسرائيلي - اليوناني - القبرصي (أ.ف.ب.)

 

كذلك لفتت الدراسة إلى أن مثلث العلاقات المصرية – اليونانية – القبرصية توثّق في السنوات الأخيرة حول مصالح مشتركة في المجالين الاقتصادي والأمني. وأسهم في ذلك التوتر بين هذه الدول الثلاث وبين تركيا. وعقد قادة الدول الثلاث ستة لقاءات منذ العام 2014، تمحورت حول التنسيق في مواضيع عديدة، بينها الحدود الاقتصادية في البحر المتوسط، مد أنابيب غاز من قبرص إلى منشآت تسييل الغاز في مصر، ربط شبكات كهرباء، تطوير السياحة، مكافحة الهجرة غير القانونية وتدريبات مشتركة لأسلحة البحرية والجو. وتساعد هذه العلاقات مصر في دفع مصالحها مقابل الاتحاد الأوروبي، وتسهل على اليونان وقبرص دفع مصالحها في أفريقيا. "وترى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بهذه العلاقات ضمانا لدفع مصالح شركات غاز أميركية وأوروبية في شرقي البحر المتوسط وتقليص التعلق الأوروبي بالغاز الروسي".

"تحولات في العمق"

اعتبرت الدراسة تشكيل "منتدى غاز شرقي البحر المتوسط" تعبير عن تظرة الدول إلى أهمية البحر المتوسط للأمن القومي. "وفيما ترى اليونان وقبرص بالبحر المتوسط بصورة تقليدية كحيّز إستراتيجي رئيسي، فإن الحديث بالنسبة لمصر وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية يدور عن تغيير معين في التصور الإستراتيجي. واعتبرت الدراسة أن تشكيل التحالفات الثلاثية ثم المنتدى هو نتيجة لثلاثة تحولات في العمق، بحسب الدراسة، وهي:

أولا: "ازدياد وزن اعتبارات الواقعية – السياسية البراغماتية على حساب الأيديولوجيات المتشددة. ولا ترى دول المنطقة بالعلاقات في البحر المتوسط، حاليا على الأقل، أنها ’حلفا دائما’ يستند إلى روح فكرية أو ثقافية مشتركة، وإنما ’حلف ليّن’ ودور فعّال، يستند إلى مصالح في مجال الاقتصاد والطاقة وإلى تعاون في مواجهة تحديات أمنية مشتركة".    

ثانيا: "تغيير تعريف وحدات جغرافية إقليمية. التعامل المتزايد مع شرقي البحر المتوسط بمصطلحات ’إقليم’ يعكس بحد ذاته ازدياد وزن اعتبارات جيو – اقتصادية على حساب اعتبارات جيو – سياسية. ومثلما أوضح باحثون مصريون مقربون من المؤسسة الحاكمة، وبينهم محمد فايز فرحات وعبد المنعم سعيد، فإن حدودا إقليمية مشتركة لم تعد تشكل في القرن الواحد والعشرين شرطا ضروريا لإنشاء كتل إقليمية، على ضوء قدرة المصلحة الاقتصادية المشتركة في شرقي البحر المتوسط على تقزيم تأثير فروق بين دول وشعوب واستخدامها أساسا لإنشاء منطقة ازدهار مشترك".  

ثالثا: "تطور هوية متوسطية. يرافق المصالح المشتركة في شرقي البحر المتوسط خطاب متصاعد في دول المنطقة حول روح إقليمية مشتركة والحاجة إلى الاقتراب والإلهام المتبادلة بين شعوب المنطقة. وفي الحالة الإسرائيلية، فإن تطوير علاقات في شرقي البحر المتوسط تشكل عنصرا في التناسخ الحالي لـ’التحالف المحيطي’، وغايته الأصلية التغلب على عزلة إسرائيل الإقليمية. وفي الحالة المصرية، يوصف الانتماء إلى البحر المتوسط كمنفذ لانتقال مصر من أزمة إلى ازدهار اقتصادي، وكذلك كفرصة لتعزيز مكانتها الريادية في الحلبة الإقليمية والدولية، مثلما جرى التعبير عن ذلك بتشكيل مقر منتدى الغاز في القاهرة. وتسعى اليونان أيضا إلى دور مركزي في المنطقة على ضوء الأفضليات النابعة من عضويتها في الناتو والاتحاد الأوروبي. وفي الحالتين اليونانية والقبرصية، فإن الاعتقاد هو أنه عن طريق التعاون في شرقي البحر المتوسط أيضا ستتمكن الدولتان من التغلب على جزء من التبعات السلبية النابعة من دونيتهما العددية – السكانية مقابل تركيا".        

استبعاد تركيا ولبنان

لفتت الدراسة إلى أنه على الرغم من أنه جرى الإعلان عن أن المنتدى مفتوح أمام دول أخرى، إلا أن لقاء وزراء الطاقة في القاهرة، الشهر الماضي، لم يضم ممثلين من تركيا ولبنان وسورية، ولم يكن ذلك من قبيل الصدفة. إذ يوجد نزاع حول حقول الغاز بين تركيا وقبرص ونزاع بين إسرائيل ولبنان. كذلك يعكس عدم انضمام هذه الدول إلى المنتدى "القيود التي يجري التعاون فيها في شرقي البحر المتوسط، بينما توجد للدول التي استبعدت من المنتدى مصالح للعمل ضد توثيق العلاقات بين اللاعبين الآخرين. ومثلما التخوف من إيران يشكل عاملا دافعا للتقرب بين إسرائيل ودول الخليج العربية، فإن التحدي التركي هو عامل يقرب العلاقات الإسرائيلية – اليونانية – القبرصية في شرقي البحر المتوسط".

واعتبرت الدراسة أنه على الرغم من الانتقادات من جانب جهات داخل مصر والأردن إلى المنتدى، كآلية للتطبيع مع إسرائيل، إلا أن هناك عوامل مساعدة تشجع على تشكيل المنتدى: "المصالح الاقتصادية العميقة التي تقف وراء التعاون في مجال الطاقة؛ اقتصار المنتدى قضية عينية واحدة في محال الغاز؛ استعداد السلطة الفلسطينية أن تكون شريكة في المنتدى ومنح شرعية بالنتيجة لانضمام الأردن ومصر؛ إصرار مصر على ترسيخ مكانتها كمركزة طاقة إقليمية وأخذ هذه البطاقة من أيدي تركيا؛ والتأييد النشط من جانب اليونان وقبرص وإيطاليا لتشكيل المنتدى بدعم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".   

وبحسب الدراسة، فإن لهذا المنتدى قيمة اقتصادية ورمزية هامة، ولكن "من أجل أن يشكل المنتدى أساسا لتطور إقليمي إستراتيجي في الأمد البعيد، فإنه ينبغي تحقيق غايات أخرى: تعزيز الاعتراف الإقليمي، وخاصة في الدول العربية، بالقيمة الكامنة في علاقات التعاون التي تشمل إسرائيل في شرقي البحر المتوسط؛ زيادة التفاعلات البشرية والمدنية بين مجمل شعوب المنطقة؛ واستمرار تنمية مفاهيم حيّز إقليمي مشترك".  

التعليقات