INSS: عقبات العمل العسكري دون أفق سياسي

"الطريق من أجل تحسين وضع إسرائيل الإستراتيجي هو بدفع مكانتها الإقليمية، على ضوء المصالح المتشابهة مع دول عربية سنية مركزية، ومفتاح ذلك هو حدوث اختراق في العملية السياسية مع الفلسطينيين. سيساعدها على مواجهة التحديات الإستراتيجية"

INSS: عقبات العمل العسكري دون أفق سياسي

قائد فيلق قدس بحرس الثورة الإيراني مع قواته في سورية

استعرض "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، خلال مؤتمره السنوي الشهر الماضي، الاستنتاجات المركزية لتقييم الأمن القومي لإسرائيل، بحلول العام 2019، وذلك بمشاركة عشرات الخبراء الإسرائيليين والأجانب وبحسب هذه التقييمات، فإن لإسرائيل "قوة عسكرية وسياسية وتكنولوجية واقتصادية كبيرة". ورغم ذلك، أشارت هذه التقييمات إلى مخاطر نشوب مواجهات عسكرية في أكثر من جبهة إسرائيلية، إضافة إلى قيود تفرضها السياسة الإسرائيلية الحالية، "التي تركز على العمل العسكري لكنها تفتقر للإصرار على استنفاذ فرص (أو آفاق) سياسية".

وأشارت التقييمات إلى أنه "في معظم مجالات الأمن القومي، باستثناء منع التموضع الإيراني في سورية ونقل أسلحة إلى حزب الله، فضّلت إسرائيل الحفاظ على الستاتيكو (الوضع القائم) على النهج الاستباقي، الذي سيكون ناجعا في دفع غاياتها الإستراتيجية القومية".   

وعددت تقييمات المعهد "العقبات الإستراتيجية"، وسط "مصاعب تواجهها إسرائيل في رسم غاياتها الإستراتيجية وتطبيقها"، بما يلي:

العقبة الأولى: تطلق إسرائيل على الغارات الجوية والقصف الصاروخي في سورية تسمية "المعركة بين الحروب"، وتدعي أنها بذلك تبعد حربا واسعة وتحقق ردعا. ورأت تقييمات المعهد أنه "ثمة شك في ما إذا حققت إسرائيل الغاية الإستراتيجية بإبعاد إيران عن سورية ووقف نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله، وربما أنها أبعدت هذه الغاية". وعزت التقييمات ذلك إلى "امتناع المستوى السياسي عن تحريك خطوة سياسية مكملة بالاستناد إلى هذه المعركة".

العقبة الثانية: شددت التقييمات على أن إسرائيل وكذلك إيران وحزب الله وحماس لا تريد الحرب، خاصة بسبب وجود ردع متبادل. واعتبرت الدراسة أنه رغم ذلك، فإن "سباق التسلح والتموضع العسكري لإيران، وميليشيات موالية لها وحزب الله في الجبهة الشمالية يتصاعد ويؤدي إلى أحداث، تضع هذه المعركة في خطر متزايد بتصعيد واشتعال الوضع. وهكذا أيضا بالنسبة للوضع الإنساني الصعب في قطاع غزة ومحاولة حماس حرف الضغوط عليها نحو إسرائيل".  

العقبة الثالثة: عبرت التقييمات عن قلق من سياسة الولايات المتحدة بالخروج من الشرق الأوسط. "التناقضات تبرز خصوصا في سياسة الرئيس دونالد ترامب. من جهة، ترامب يحارب على مكانة الولايات المتحدة كدولة عظمى رائدة، ومن الجهة الأخرى، يحطم أسس النظام العالمي، ويمس بتحالفات كانت أحد أسس قوة الولايات المتحدة ويتخلى عن الشرق الأوسط لصالح هيمنة روسية".

واعتبرت التقييمات أن "تحقيق غاية إسرائيل المركزية – لجم التموضع الإيراني في سورية وإبعادها من هناك – يتطلب تدخلا أميركيا، لإغلاق الجسر البري الإيراني بين العراق وسورية في موازاة قيادة الخطوات الدولية التي ستؤدي إلى إخراج القوات الأجنبية من سورية، وأولها إيران والميليشيات الموالية لها. لكن انسحابا أميركيا أحادي الجانب من هذا الحيز وترك الحلبة بأيدي إيران وروسيا سيصعب جدا تحقيق هذه الغاية".

العقبة الرابعة: تسود حاليا علاقات وثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لكن التقييمات أشارت إلى أن "الرئيس ترامب قد يغيّر مزاجه تجاه إسرائيل أيضا، في حال نفذت إسرائيل خطوات من شأنها توريط الولايات المتحدة في حرب أخرى في الشرق الأوسط والتسبب بالمس بالقوات الأميركية".

وتطرقت التقييمات إلى "صفقة القرن" التي يتوقع أن تطرحها إدارة ترامب من أجل حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. "وتبدو هذه خطوة جيدة لإسرائيل... لكن الإدارة لا تأخذ بالحسبان تبعات فشل آخر في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي هذا السياق أيضا، قد تتقوض العلاقات بين إسرائيل وإدارة ترامب إذا رفضت إسرائيل خطة ترامب لدى طرحها".

وأشارت التقييمات إلى أن العلاقات الإسرائيلية – الصينية الآخذة بالتطور يمكن أن تؤثر سلبا على العلاقات الإسرائيلية - الأميركية. وحذرت التقييمات من أن للعلاقات الوثيقة بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة ترامب تأثير على علاقات إسرائيل مع الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، التي تعارض سياسات ترامب. "ويضاف إلى ذلك الخلافات حول وجهات نظر مختلفة تتعلق بالقيم الديمقراطية والليبرالية والتعددية في اليهودية".   

العقبة الخامسة: أشارت التقييمات إلى أن "أهمية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في السياق الإقليمي والدولي آخذة بالأفول وضعفت قياسا بقضايا أخرى، لكن لا يوجد حتى الآن أسس لعلاقات إسرائيل مع دول الخليج والعالم العربي والإسلامي عامة، على الرغم من علاقات غير رسمية مزدهرة وتعاون غير مسبوق يستند إلى مصالحة متطابقة، خاصة ضد مساعي إيران للتأثير على المنطقة". وشددت التقييمات على أن "العقبة المركزية أمام تحسين العلاقات (بين إسرائيل والعالم العربي) هي عدم وجود تقدم سياسي مع الفلسطينيين".

ولفتت التقييمات إلى أن "إسرائيل فقدت المبادرة مقابل الفلسطينيين، عندما بدا أنها تؤيد عملية سياسية لكنها عمليا ترسخ الوضع القائم. وإلى جانب، تدعي إسرائيل أنها تفتقر إلى شريك للمحادثات حول تسوية، رغم أن السلطة الفلسطينية تؤيد مبدئيا تسويات سياسية، بسبب شك في قدرة السلطة على تطبيق تسويات في حال التوصل إليها. وفي الوقت نفسه، وخلافا للتصريحات، حكومة إسرائيل تبرم صفقات مع حماس، وهي منظمة إرهابية تنفي حق إسرائيل بالوجود. وينبغي الاعتقاد أن التفاهمات مع حماس لن تصمد لوقت طويل، إلا إذا جرى بذل جهد دولي، وعربي أيضا، لإعادة إعمار القطاع، وفقا لمبدأ ’إعمار مقابل عدم تعاظم عسكري’".

وأضافت التقييمات أنه "بنظرة بعيدة الأمد، يتعين على إسرائيل السعي إلى بناء الظروف التي ستسمح للسلطة الفلسطينية باستئناف سيطرتها على قطاع غزة وتفكيك ذراع حماس العسكرية من قدراتها التي تهدد إسرائيل، من أجل تطبيق مبدأ نزع السلاح من الكيان الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية".

وأظهر مؤشر الأمن القومي الإسرائيلي حدوث انخفاض في العقود الثلاثة الماضية لقيمة السلام بنظر الجمهور الإسرائيلي، على الرغم من أن الحل المفضل بنظر أغلبية هذا الجمهور (58%) هو حل الدولتين، كما أن 70% من الإسرائيليين يريدون الانفصال عن الفلسطينيين. لكن هذا لا يعني الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 أو حتى من معظم أراضي الضفة الغربية.

الأقلية الفلسطينية في إسرائيل

العقبة السادسة: اعتبرت التقييمات أن الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل يواجه واقعا استقطابيا. من جهة، تندمج هذه الأقلية تدريجيا في المجال المدني الإسرائيلي، ومن الجهة الثانية، تشجع هويتهم الفلسطينية الجمهور اليهودي في إسرائيل، الذي يرى بها "طابورا خامسا"، خطابا تحريضيا تجهها ويقوض مكانتها كجمهور متساو بين متساوين.

إطلاق صاروخ من غزة (أ.ف.ب.)

وانتقدت التقييمات سن "قانون القومية" العنصري، لأنه "وسّع بشكل متطرف الفجوة بين الجمهورين اليهودي وغير اليهودي. ورغم التصريحات القومية المتشددة والأجواء العامة المتعكرة، إلا أن القانون نفسه لا يغير الواقع المدني في إسرائيل، لكنه يمس بكرامة وشعور الانتماء لدى الجمهور العربي".

وأضافت التقييمات أنه "توجد أجزاء في الجمهور التي ترى بخطوات معينة نفذتها الحكومة الإسرائيلية أنها تهدد صلابة الديمقراطية الإسرائيلية، مثل ’قانون القومية’، ’قانون التسوية’ (لشرعنة المستوطنات)، مشروع ’قانون الولاء بالثقافة’، مشروع قانون بشأن الالتفاف على قرارات المحكمة العليا، الهجوم على المحكمة العليا (من جانب اليمين الإسرائيلي)".

العقبة السابعة: حذرت التقييمات من الخطاب المنفلت، مشيرة إلى أن مقرون بتطور التكنولوجيا والشبكات الاجتماعية، التي تغذي المواقف المتطرفة بين أقطاب متناقضة.

وقالت التقييمات إنه "لا توجد لدى إسرائيل اليوم رؤيا واضحة، سرية أو علنية، بالنسبة للمسألة الجوهرية، وهي الانفصال، سياسيا وإقليميا ودمغرافيا، عن الفلسطينيين، على أساس تسوية بشأن تقسيم البلاد، أو ضم يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وتولي مسؤولية 2.5 مليون فلسطيني. و’صفقة القرن’ لا تحمل بشرى على ما يبدو، بمعنى أنها لن تكون جذابة بالنسبة لإسرائيل، للفلسطينيين أو لكلا الجانبين، وإذا لم تحدث مفاجآت، فإنها لن تدفع حلا. لذلك، فإنه من الصواب تبني إستراتيجية تسمح بليونة وتعديلات وفقا للتطورات والاحتياجات، في سيناريوهات متنوعة محتملة".

دور إقليمي

قالت التقييمات إن "دور العمل السياسي في الجبهة الشمالية هام. إيران لن تتخلى عن غايتيها الإستراتيجيتين المركزيتين – قدرة نووية وتأثير إقليمي – وإنما يتوقع أن تلائم برامجها هذه وطريقة تطبيقها للواقع الإقليمي والدولي المتغير وربما تؤجل تطبيقها بما يتلاءم مع هذا الواقع. وإيران لن تسحب قواتها والميليشيات الموالية لها من سورية طواعية. فقد استثمرت في سورية موارد أكثر مما يجعلها تتنازل عن إنجازاتها الميدانية في هذه الدولة، التي تعتبر مركزية بمنظورها للتأثير الإقليمي وخاصة بتحصين الذراع الشيعية العربية".  

ورأت هذه التقييمات أنه "لا توجد طريقة لوقف التموضع الإيراني في سورية بواسطة عملية عسكرية فقط، وإنما المطلوب هو خطوات سياسية. وروسيا هي العنوان المركزي لذلك. وبدورها ترى روسيا بنفسها أنها عامل توازن قوى وبحيث يتلاءم مع مصالحها. وعلى أساس هذا التقدير، على إسرائيل دفع خطوات مكملة، تستند بالأساس على روسيا، وعلى نظام الأسد أيضا، من أجل إقناعهما بأن مواصلة بناء القواعد الإيرانية في سورية يمس بنظام الأسد وبقدرته على استقرار الوضع في سورية والبدء بعملية إعمارها. وبإمكان إسرائيل أن تشكل تحالفا مع الدول العربية السنية البراغماتية، التي ستكون مستعدة لاستثمار موارد من أجل إعمار سورية شريطة إبعاد إيران وتأثيرها عنها".  

واعتبرت التقييمات أن "الطريق من أجل تحسين وضع إسرائيل الإستراتيجي هو بدفع مكانتها الإقليمية، على ضوء المصالح المتشابهة مع دول عربية سنية مركزية، خاصة من أجل التأثير الإيراني المتزايد في المنطقة. ومفتاح ذلك هو حدوث اختراق في العملية السياسية مع الفلسطينيين. وتطور إيجابي في هذا الاتجاه سيساعد إسرائيل على مواجهة التحديات الإستراتيجية المركزية الماثلة أمامها. والاتجاه العام المتمثل بابتعاد الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط يرسخ التقدير أن إسرائيل ستتمكن من تحسين مكانتها الإقليمية إذا أخذت على نفسها، بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، مهمات إقليمية تقود للاستقرار، كتلك التي كانت بأيدي الولايات المتحدة".

التعليقات