مؤتمر وارسو فتح الطريق للتحالف الإسرائيلي – الإماراتي

المؤتمر، الذي عُقد بداية العام الماضي، ضد إيران وشاركت فيه إسرائيل ودول عربية، فيما الدول الأوروبية قللت من أهميته، وتلاه اجتماع إسرائيلي – إماراتي سري في واشنطن، ركّز على على الأمن الإقليمي والإلكتروني والبحري

مؤتمر وارسو فتح الطريق للتحالف الإسرائيلي – الإماراتي

علم الإمارات على بلدية تل أبيب (أ.ب.)

مهدت محادثات سرية وعلاقات هادئة الطريق لاتفاق الأسبوع الماضي بين الإمارات وإسرائيل لتطبيع العلاقات. ووصف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاتفاق بأنه إنجاز كبير في الشرق الأوسط، وكان في الواقع تتويجًا لأكثر من عقد من العلاقات الهادئة المتجذرة في معارضة مسعورة لإيران، سبقت ترامب وحتى باراك أوباما، فضلاً عن هدف ترامب المعلن للتراجع عن إرث سلفه فيما يتعلق بالشرق الأوسط.

وتترك الصفقة وراءها ما كان حجر الزاوية في السياسة الأمريكية في المنطقة: حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتسارعت الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف قبل 17 شهرًا، في مؤتمر بقيادة الولايات المتحدة في وارسو، وفقًا لمسؤولين معنيين.

وعُقد هذا الاجتماع في شباط/فبراير من العام الماضي، وكان يُنظر إليه في الأصل على أنه تجمع مناهض لإيران، تحول إلى مسعى أمني أوسع في الشرق الأوسط بعد اعتراضات أوروبية على جدول أعماله. واختار العديد من الدول عدم إرسال كبار دبلوماسييها، وتجاهلت روسيا والصين والفلسطينيون ذلك تمامًا. وحضر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وكذلك وزراء خارجية الدول العربية الرئيسية.

وتحدث دبلوماسيون من السعودية والإمارات والبحرين في القمة عن التهديد الذي تشكله إيران لأمنهم واستخدامها لوكلاء شيعة في العراق وسورية ولبنان واليمن. وشددوا على أن مواجهة إيران أصبحت على رأس الأولويات - قبل حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني - في التعليقات التي ظهرت في مقطع فيديو مسرب، أكد صحته مسؤول أميركي حضر الاجتماع. وتبعه نتنياهو مرددا مخاوف مماثلة.

وقال المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، برايان هوك، للأسوشيتيد برس "كانت إيران على رأس جدول الأعمال في وارسو، لأن سياسة إيران الخارجية هي المحرك الأكبر لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط اليوم".

وبعد أربعة أشهر من القمة، عُقد اجتماع سري بين الإمارات وإسرائيل، في 17 يونيو/حزيران عام 2019، في واشنطن. وركزت الجهات الثلاثة على الأمن الإقليمي والإلكتروني والبحري، بالإضافة للتنسيق الدبلوماسي وتعطيل تمويل الإرهاب، وفقًا لمسؤول أميركي شارك في المحادثات، لكن لم يُسمح له بمناقشة الأمر علنًا وتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.

تلا ذلك اجتماعات أخرى في الولايات المتحدة وإسرائيل وأبو ظبي، وبلغت ذروتها بإعلان ترامب، يوم الخميس الماضي، أن إدارته توسطت في اتفاق بين إسرائيل والإمارات لإقامة علاقات دبلوماسية وتبادل للسفارات.

وقالت الإمارات إن إسرائيل وافقت أيضا على وقف خططها لضم مناطق واسعة بالضفة الغربية المحتلة يريدها الفلسطينيون ضمن دولتهم المستقبلية.

قال جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، لمراسلي البيت الأبيض إن المناقشات بشأن الاتفاق جرت خلال العام ونصف العام الماضيين. وأضاف أنه "لم يقتل أي إسرائيلي أي إماراتي قط، أليس كذلك؟ ليست هناك كراهية بين الشعبين".

مع ذلك، لقي الاتفاق ترحيبا كبيرا في إسرائيل أكثر من الإمارات، حيث ينظر الجمهور منذ فترة طويلة إلى إسرائيل بعين الريبة. لكن الانتقادات خفتت، ويرجع ذلك جزئيًا لقمع الحكومة لحرية التعبير.

ومهد ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، مسارًا لبلدان مثل المغرب أو البحرين أو عمان أو السودان لتحذو حذوه. ومع ذلك، هناك كثيرون يتجنبون أي تعامل عربي مع إسرائيل.

الفلسطينيون

بالنسبة للفلسطينيين، الذين يقولون إنه لم يصلهم إشعار مسبق بالاتفاق، أدارت الإمارات ظهرها للإجماع العربي القائم منذ فترة طويلة بأن الاعتراف بإسرائيل لا يمكن أن يأتي إلا بعد أن تؤدي التنازلات الإسرائيلية في محادثات السلام إلى إنشاء دولة فلسطينية.

احتجاجات في نابلس ضد التحالف الإماراتي الإسرائيلي (أ.ب.)

وقالت الباحثة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، كريستين سميث، "أعتقد أن الإمارات مدينة بالفضل لهذه الصيغ القديمة للتضامن ... والتي تمنحها مزيدًا من المرونة الاستراتيجية"، مضيفة أنه "ليس هناك شك في أن هذه خطوة لن تحظى بشعبية كبيرة بين الجمهور العربي والخليجي، الاتفاقية تجعل الإمارات عرضة لأي قرارات تتخذها إسرائيل في المستقبل."

ومع ذلك، يحمل بناء العلاقات مع إسرائيل عددًا من المزايا الاستراتيجية للإمارات بخلاف المواجهة مع إيران، وتعليق ضم الضفة الغربية. فمن خلال إسرائيل، يمكن للإمارات العربية المتحدة بناء علاقات أقوى مع كل من الجمهوريين والديمقراطيين - وهو تحوط مهم بالنظر إلى عدم اليقين بشأن فرص إعادة انتخاب ترامب ضد نائب الرئيس السابق جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر تشرين ثان.

وكان الدافع الآخر هو التصور السائد بين دول الخليج العربي بأن الاعتماد على الولايات المتحدة قد تضاءل، بداية من الاتفاق النووي لإدارة أوباما مع إيران، إلى عدم القدرة على تنبؤ ترامب في السياسة الخارجية. وانعكست وجهات نظرهم بشأن هذه المسألة في أعمدة الصحف المرتبطة بالدولة وفي التذمر الهادئ في التجمعات الخاصة.

كما منع الكونغرس السعودية والإمارات من شراء أسلحة أميركية بمليارات الدولارات بسبب الخسائر الإنسانية لحربهما في اليمن، قبل أن يستخدم ترامب حق النقض ضد هذه الإجراءات.

قال المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية،، كينيث بولاك، والذي أصبح الآن خبيرًا في معهد "أميركان إنتربرايز" لشؤون الشرق الأوسط، إن "خيارهم الأول هو إشراك الولايات المتحدة بشكل كبير في الشرق الأوسط كحليف أساسي لهم. وإذا لم يتمكنوا من الحصول على ذلك، وهو غير ممكن مطلقًا تحت حكم ترامب، فإنهم سيذهبون إلى الخيار الثاني، وإسرائيل هي خيارهم الثاني."

ويريد السعوديون والإماراتيون بناء قوة عسكرية ويريدون من الولايات المتحدة منحهم المزيد من حرية المناورة في أماكن مثل ليبيا واليمن والقرن الأفريقي. وبوجود تحالف إماراتي - إسرائيلي أقوى، "يمكنهم الاعتماد على الإسرائيليين لإثبات هذه القضية في واشنطن"، وفقا لبولاك.

ويؤكد هوك أن سياسة إدارة ترامب العدائية تجاه إيران وقرارها الانسحاب من الاتفاق النووي هو الذي ساعد في إبرام الاتفاق الأخير. وقال هوك، الذي شارك في المحادثات الثلاثية "شعرت إسرائيل والإمارات بأن إستراتيجية أوباما تجاه إيران كانت خيانة لهما. ومعنا علمتا أننا نقف مع حلفائنا وشركائنا، وكانت تلك الثقة عاملاً حاسمًا في إنجاز اتفاقية السلام هذه."

كورونا وأسعار النفط

في الوقت الذي أدت فيه جائحة فيروس كورونا إلى تآكل عائدات النفط والسياحة الضرورية، ستنظر الإمارات إلى علاقاتها مع إسرائيل لتعميق الروابط التجارية والتعاون الأمني وتبادل التكنولوجيا. وبالفعل، نشرت الإمارات برامج تجسس إسرائيلية ضد معارضين، وفقًا لدعوى مرفوعة ضد شركة التكنولوجية في إسرائيل.

تعود جهود الإمارات للسعي لتحسين العلاقات مع إسرائيل كوسيلة لتحسين مكانتها في واشنطن إلى عام 2006، وفقًا لسيغورد نيوباور، مؤلف كتاب "منطقة الخليج وإسرائيل: كفاح قديم، تحالفات جديدة". وبدأت أزمة علاقات عامة بسبب المحاولة الفاشلة من جانب "موانئ دبي العالمية" لإدارة الموانئ الرئيسية في الولايات المتحدة. وعقد سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، أول لقاء له مع مسؤول إسرائيلي في عام 2008، وفُتحت قناة دبلوماسية للتركيز على إيران، وفقا لنويباور.

بن سلمان في البيت الأبيض للمطالبة بأسلحة، عام 2018 (أ.ب.)

وواجهت العلاقة عقبة، عام 2010، بعدما اغتالت إسرائيل القيادي في حركة حماس، محمود المبحوح، في أحد فنادق دبي.

وبعد ما يقرب من عقد من الزمان، وقفت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، ميري ريغيف، في أبو ظبي ورددت النشيد الوطني لبلدها في مسابقة للجودو، وصافحت المسؤولين الإماراتيين بحرارة وقامت بجولة في مسجد الإمارة الكبير في مشهد معبر عن العلاقات الدافئة.

في كانون الثاني/ يناير الماضي، عندما كشف ترامب عن خطة "صفقة القرن"، التي رفضها الفلسطينيون، حضر سفراء الإمارات والبحرين وسلطنة عمان حفل البيت الأبيض، الذي شارك فيه نتنياهو.

وقال الوزير الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إن العلاقة مع إسرائيل نمت "بشكل طبيعي" على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية أو نحو ذلك. وأضاف أنه من خلال التعامل مع إدارة ترامب، تطورت الفكرة، وكان من الصواب القيام بذلك.

التعليقات