تقرير: مؤشرات على تراجع ثقة المجتمع الإسرائيلي بالجيش

"الأهم من الاستطلاعات هي المؤشرات التي يمكن أن تدل على تراجع أو التشكيك في مصداقية ضباط الجيش الإسرائيلي بنظر جنوده، والبحث عن طرق من أجل الامتناع عن التجند – بواسطة ’البند النفسي’ – والحصول على دعم اجتماعي"

تقرير: مؤشرات على تراجع ثقة المجتمع الإسرائيلي بالجيش

مواجهات عند حدود غزة تزيد شعور الجنود الإسرائيليين بالإحباط (أ.ب.)

أشار تقرير إلى أنه تجمعت مؤخرا تطورات من شأنها أن تنعكس بشكل سلبي على العلاقات بين الجيش والمجتمع في إسرائيل، بحيث ستكون لها تبعات على ثقة المجتمع بالجيش. ويأتي ذلك في الوقت الذي يحظى فيه الجيش الإسرائيلي بثقة 84 في المئة من المجتمع الإسرائيلي، بحسب استطلاع أجراه "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الأمر الذي سمح له بحشد دعم جماهيري وموارد وتجنيد قوى بشرية.

ووفقا لنتائج الاستطلاع الذي أجري مطلع العام الجاري، تراجعت نسبة ثقة المجتمع بالجيش الإسرائيلي بنحو 10 في المئة، إذ أظهرت نتائج استطلاع أجري عام 2019 أن نسبة ثقة المجتمع الإسرائيلي بالجيش، بلغت 93 في المئة. في المقابل، حصل الموساد - في الاستطلاع الأخير - على النسبة ذاتها التي حصل عليها الجيش الإسرائيلي من الثقة (84%)، في حين حصل الشاباك على 78 في المئة، والمحكمة العليا على 43 في المئة، والشرطة على 34 في المئة، والحكومة على 25 في المئة.

والتطور الأخير الذي أحدث هزة بين الجيش والمجتمع في إسرائيل تمثل بانتقادات وجهتها أجزاء واسعة في المجتمع للجيش في أعقاب مقتل القناص برئيل حداريا شموئيلي، في آب/أغسطس الماضي، إثر إطلاق فلسطيني النار من فتحة في الجدار الأمني المحيط بقطاع غزة.

وذكر التقرير، الصادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أن هذه الانتقادات تميزت، وليس للمرة الأولى، بتوجيه "اتهامات شديدة للجيش، والتعبير من خلال ذلك عن عدم ثقة بالجيش وضباطه. وحتى أن جهات في المعارضة (اليمينية) استغلت هذه الحادثة من أجل مناكفة الجيش. وواجهت القيادة العليا للجيش صعوبة في توفير رد مقنع، وانجرت خلف الأحداث الإعلامية والعاصفة في الشبكات الاجتماعية".

شاب فلسطيني يطلق النار من فتحة في الجدار على القناص الإسرائيلي

وسبقت ذلك انتقادات شديدة للجيش الإسرائيلي، في أعقاب تقارير نُشرت في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية حول طلب الجيش ميزانيات إضافية بمليارات الشواقل من أجل منح امتيازات مالية لضباطه، في الوقت الذي تفوق فيه مخصصات وميزات التقاعد للضباط في الجيش مثيلتها في المؤسسات المدنية، بأضعاف. ولا تزال المحكمة العليا تنظر في مدى قانونية هذه الميزانيات.

وأشار التقرير إلى أن مطالب الجيش بهذه الميزانيات، والتي دعمها وزير الأمن بيني غانتس، اعتبرها الجمهور أنه مبالغ فيه ومن شأنها أن تدل على "انعدام حساسية تجاه أوضاع فئات اجتماعية أخرى وخاصة تلك التي تضررت من جراء أزمة كورونا".

وأضاف التقرير أن "الزيادة الكبيرة لميزانية الأمن في هذه الفترة الاقتصادية الحساسة، وفي موازاة تقليص ميزانيات الوزارات، أثارت تساؤلات وتحفظات". ولفت التقرير في هذا السياق إلى أن مسحا للرأي العام أجراه "معهد أبحاث الأمن القومي" أظهر أن 59% من الجمهور يفضل استثمار الموارد في توفير حلول اجتماعية – اقتصادية على حساب ميزانية الأمن.

مجندون جدد (الجيش الإسرائيلي)

كذلك أثار إلغاء تقصير فترة الخدمة الإلزامية انتقادات، وذلك "بسبب التبذير المرتبط بخدمة عسكرية طويلة لجنود أقل حيوية وكذلك في أعقاب التجاهل الظاهر من جانب الجيش الإسرائيلي لقانون سنّته الكنيست قبل خمسة أعوام، وبدلا من العمل بموجبه، انتظر الجيش فرصة سياسية من أجل إلغائه" واستمرار الخدمة العسكرية الإلزامية لفترة طويلة.

فجوة عميقة

واعتبر التقرير أن التطور الأهم "مرتبط بالفجوة العميقة بين تسويق عملية ’حارس الأسوار’ العسكرية (العدوان على غزة في أيار/مايو الماضي) بأنها ناجحة، وبين نتيجتها المحدودة جدا على المستوى العملي والإستراتيجي. وتنعكس هذه الفجوة أيضا في الاستطلاعات المختلفة التي جرت في أعقاب العملية العسكرية مباشرة. فقد اعتبر 22 – 28% أن إسرائيل انتصرت. وبرزت صورة مشابهة في الاستطلاعات التي جرت بعد عملية ’الجرف الصامد’ العسكرية (عدوان 2014) وحرب لبنان الثانية في العام 2006".

ولفت التقرير إلى وجود قاسم مشترك بين هذه الأحداث، وهو أن "أي واحد منها وجميها معا من شأنها أن تعكس فجوات متراكمة بين الأجواء الحاصلة لدى الجمهور حيال الجيش الإسرائيلي، وبين نظرة أو استعراض الجيش الإسرائيل لنفسه. بل أن من شأن هذه الأحداث أن تثير شكوكا حيال وعي ومدى إدراك قادة الجيش الإسرائيلي للأهمية والحساسية الكامنة في العلاقات بين الجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي بعناصرها المختلفة".

وشدد التقرير على أن "الحفاظ على المكانة الرمزية للجيش الإسرائيلي كـ’جيش الشعب’، رغم أن نسبة المجندين لصفوفه من بين مجمل الجمهور الإسرائيلي آخذة بالتراجع، هي القاعدة الأساسية لشرعيته في المجتمع".

وحسب التقرير، فإن ثقة الجمهور بالجيش هي عنصر أساسي في قوة الجيش، لأنها تسمح له بإظهار دعم الجمهور لزيادة ميزانيته وتجنيد أفضل الشبان لصفوفه واستخدامهم في مهام يمكن أن تشكل خطرا على حياتهم.

مواجهات في قرية بدو (وفا)

وأشار التقرير إلى "تزايد أهمية الظاهرة الآخذة بالتطور إثر التقسيم الوظيفي بين المجموعات المختلفة للجنود، الذي يعيد نسخ التوزيع الطبقي المتزايد في الدولة مع مرور الوقت. وتسهم هذه الظاهرة بالشعور بالإحباط بين الجنود في الوحدات الميدانية، وخاصة حول أحداث يوجد فيها احتكاك عنيف مع السكان الفلسطينيين، كالتي قُتل خلالها شموئيلي. وهذا الإحباط يمكن أن يقود إلى غليان اجتماعي، يُعرّض الجيش الإسرائيلي لانتقادات مدنية ذات طابع سياسي مشحون".

واعتبر التقرير أن مستوى الثقة الذي يحظى به الجيش الإسرائيلي بين السكان اليهود "نابع بالأساس من العلاقة الإدراكية السائدة لدى الجمهور بين الخوف الأساسي على مجرد الوجود، بسبب المخاطر الأمنية، وبين اعتبار الجيش الإسرائيلي على أنه المدافع الأساسي عن وجود دولة إسرائيل، الشعب اليهودي والمواطنين في البلاد".

إلا أن التقرير أشار إلى أن "المستوى المرتفع لثقة الجمهور بالجيش ليس مضمونا في المستقبل، إذ أن الاستطلاعات الأخيرة في سياق أزمة كورونا، دلت على أهمية أكبر يوليها الجمهور للمخاطر المدنية مقابل تلك الأمنية. وتبين من مؤشر الأمن القومي، الذي صدر في حزيران/يونيو الماضي، أن معظم الجمهور كان قلقا بشكل كبير من التهديدات الداخلية قياسا بتلك الخارجية – الأمنية. و5% فقط أفادوا بأنهم قلقون أكثر من التهديدات الأمنية".

ولفت التقرير إلى أنه فيما يجري قياس الأمور وفقا لاستطلاعات الرأي، فإن "الأهم من ذلك هي المؤشرات التي يمكن أن تدل على تراجع أو التشكيك في مصداقية ضباط الجيش الإسرائيلي لدى جنوده، وخاصة في أوساط القيادة الدنيا وجنود الاحتياط، وكذلك لدى المرشحين للتجنيد. ويبدو أن قسما آخذ بالازدياد من هذه المجموعات يبحث عن طرق من أجل الامتناع عن التجند – بواسطة إعفاء على خلفية ’البند النفسي’ – ويحصل على دعم من محيطه الاجتماعي"؛ ويتيح هذا البند التهرب من التجنيد الإلزامي للجيش بذريعة عدم الأهلية النفسية للخدمة فيه.

التعليقات