إرث سياسي يميني؟: "فيل بأفريقيا لديه جلد نتنياهو"

محللون إسرائيليون: لم يطالب أي من قادة الائتلاف باستقالة نتنياهو أو تنحيه بسبب التحقيقات ضده، لكنهم لم يعلنوا دعما له* كيف سيرد نتنياهو، في ظل التحقيقات ضده، على طرح أميركي محتمل لخطة سلام؟* ماذا يقول إعلام نتنياهو؟

إرث سياسي يميني؟:

تميز الأسبوع المنتهي بكثافة الأنباء حول التحقيقات في شبهات الفساد المرتبطة برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. جاء ذلك في أعقاب تقديم الشرطة توصيات للنيابة العامة بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، تشمل تهمة الرشوة البالغة الخطورة، إلى جانب الاحتيال وخيانة الأمانة، في القضيتين 1000 و2000، المتعلقتين بشبهة تلقي نتنياهو منافع شخصية من أثرياء، في الأولى، والمحادثات بينه وبين ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أرنون موزيس، في الثانية.

وخلال هذا الأسبوع، تفجرت القضية 4000، التي يشتبه فيها نتنياهو، كوزير للاتصالات، بمنح امتيازات واسعة لصديقه شاؤل ألوفيتش، مالك شركة الاتصالات "بيزك"، والتي تحول فيها مدير عام هذه الوزارة وأمين سر نتنياهو، شلومو فيلبر، إلى شاهد ملك. وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، فإن فيلبر أبلغ محققي الشرطة بأنه نفذ تعليمات نتنياهو بكل ما يتعلق بمنح الامتيازات والتسهيلات لـ"بيزك"، في مقابل تقارير تحدثت عن أن نتنياهو حصل على تغطية داعمة في موقع "واللا" الالكتروني الذي يملكه ألوفيتش. كما تفجرت هذا الأسبوع القضية 1270، التي يشتبه فيها المستشار الإعلامي لنتنياهو والمقرب منه، نير حيفتس، بطرح صفقة على القاضية هيلا غريستل، بتعيينها مستشارة قضائية للحكومة مقابل إغلاقها ملف التحقيق الجنائي ضد زوجة رئيس الحكومة، ساره نتنياهو. وألمحت تقارير إعلامية إلى أن حيفتس قد يكون متورطا في القضية 2000، بسبب علاقته القوية مع موزيس، لأن حيفتس كان محررا كبيرا في "يديعوت".

لكن رغم الضجة الإعلامية الكبيرة حول هذه التحقيقات، لم تصدر تصريحات واضحة عن وزراء وأعضاء كنيست من حزب الليكود الحاكم، أو عن رؤساء الأحزاب الشريكة في الائتلاف الحكومي، تدعو نتنياهو إلى الاستقالة أو التنحي، وفي الوقت نفسه، لم تصدر تصريحات مؤيدة. وقد دوى بالأساس صمت رئيس حزب "كولانو" ووزير المالية، موشيه كحلون، ورئيس كتلة "البيت اليهودي" ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت. ورغم أن ائتلاف نتنياهو يعتبر ضيقا، ويعتمد على 65 عضو كنيست من أصل 120، إلا أن دعوات رؤساء أحزاب المعارضة، يائر لبيد ("ييش عتيد") وآفي غباي (العمل)، جاءت ضعيفة ومن دون صدى في الرأي العام.

وصدرت مقولات مبهمة نوعا ما عن كحلون وبينيت، مثل أن قرار توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو بأيدي المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، وأنهما لا ينويان في هذه الأثناء إسقاط الحكومة. وعمليا، هذان الوزيران يمددان عمر الحكومة، لأن في حال اتخاذ قرار بتوجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو، فإنه سيتم وضع مسودة لائحة اتهام قبل اللائحة الرسمية، وهذه عملية ستستغرق شهورا أو ربما سنة.

صمت قادة الائتلاف

رأت محللة الشؤون الحزبية في "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، اليوم الجمعة، أن "هذا سيكون صمتا طويلا"، إذ أنه "لا توجد مصلحة لدى أي عضو في الائتلاف بتفكيك الحكومة. كل واحد منهم يجلس في الكرسي الذي تاق إليه، وهذا الكرسي كان أحيانا أعلى من تطلعاته. وهناك أعضاء الكنيست (من الليكود)، الذين ثلثهم لن يكونوا في الكنيست أبدا في دورة الكنيست المقبلة".

وأضافت كدمون أنه بإمكان نتنياهو تقديم موعد الانتخابات، وبسهولة. لكن هذا ليس مجديا له ولا يوجد أي منطق بخطوة كهذه، طالما أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الليكود ما زال، رغم التحقيقات والضجة الإعلامية من حولها، الحزب الأكبر. كذلك فإن بإمكان نتنياهو، في الوضع الراهن، الاستمرار في منصبه لمدة عام. وتابعت المحللة أن لا أحد يكترث بشبهات الفساد، المرتبطة بالسيجار وزجاجات الشمبانيا (في قضية المنافع الشخصية)، "وطالما لا يجري الحديث عن مغلفات، ولا توجد أموال نقدية تنتقل من يد إلى أخرى، بالإمكان المرور على ذلك مر الكرام... طالما الأمن مستقر والوضع الاقتصادي معقول، بإمكان نتنياهو أن يحتفل".

لكن كدمون، ومثلها الكثير من المحللين أيضا، اعتبرت أنه يوجد احتمال ضئيل بأن يخرج المستشار القضائي نتنياهو نظيفا من هذه القضايا، وأنه "يصعب رؤية وضع بإمكان نتنياهو فيه الاستمرار بعد ولايته الحالية. ومصادقة مندلبليت على تجنيد شاهد ملك آخر (فيلبر) هو مؤشر على أنهم (في النيابة العامة) ماضون للإطاحة بنتنياهو... وحتى لو قرر المستشار القضائي عدم اتهام نتنياهو بالرشوة، فإنه توجد هنا مخالفات الاحتيال وخيانة الأمانة في الظروف الأكثر خطورة".

ولفتت كدمون إلى أن قضية "بيزك" هي الأخطر من بين القضايا المتورط بها نتنياهو، حتى الآن. "ثمة احتمال أنه عندما يستدعى نتنياهو للإدلاء بشهادة في قضية بيزك، سيسأل عن موضوع الغواصات أيضا. ومن الجائز أن يكون الأسوأ بانتظارنا" في إشارة إلى قضية الغواصات المتورط فيها بحسب الشبهات مبعوثه الخاص يتسحاق مولخو ومحاميه الخاص دافيد شيمرون.

واعتبرت كدمون أن نتنياهو، الموجود في قمة المؤسسة السياسية الإسرائيلية منذ عشرين عاما، بينها تسعة أعوام متواصلة في رئاسة الحكومة، محصن من التأثر بالتقارير الإعلامية، وأنه "ليست مجرد الصدفة هي التي أولدت الطرفة عن أنه يوجد في أفريقيا فيل لديه جلد نتنياهو"، كأنها تقول إن لنتنياهو جلد تمساح.

التحقيقات وقرارات محتملة لنتنياهو

تساءل المحلل السياسي أودي سيغال، في مقاله الأسبوعي في صحيفة "معاريف"، اليوم، عما إذا "كانت تحقيقات الشرطة، التي تزج بنتنياهو في الزاوية، وإذا ما كانت الصحافة اللاذعة، التي تضع ظهره نحو الحائط، ستؤثر بشكل ما على تصرفه وعمله كرئيس حكومة إسرائيل. وهل عندما يكون ظهره نحو الحائط، وغضبه على ملاحقة الشرطة والغضب على وسائل الإعلام السلبية سيحوله من قط إلى نمر؟".

ورغم أن سيغال رأى أن احتمال حدوث ذلك ضئيل، إلا أنه اعتبر أن التاريخ يدعم نظرية كهذه. وكتب أنه "قبل أن يستقيل ايهود أولمرت، قدم لأبو مازن اقتراحا سخيا لتسوية سياسية شملت 96% من مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة). وعندما واجه أريئيل شارون تحقيقا شرطيا في قضايا الجزيرة اليونانية وسيريل كيرن، توجه إلى خطة الانفصال (الانسحاب من غزة) المختلف حولها ونجح في خلق المعادلة المعروفة بأن ’عمق الاقتلاع كعمق التحقيق’".

وأضاف سيغال أن نتنياهو قد "يقرر أنه ملزم بإنشاء إرث، أو خطوة تبقي بصمته. على سبيل المثال، خطوة يمينية مدوية ومخترقة للحدود تضعه في قمة اليمين"، وذلك بعد أن "بدأت تطفو في الأسابيع الأخيرة مبادرات الضم، التوطين وفرض السيادة (على الضفة)، على أمل أن تغري هذه نتنياهو بالإقدام على خطوة سياسية مستغلا دعم إدارة دونالد ترامب. وقد رفض نتنياهو ذلك. وهو يدرك احتمالات الورطة السياسية. لكن هذا قد يتغير".

لكن سيغال لفت إلى أن "رئيس الحكومة يعلم أن المشكلة هي أنه من دون الإعلان عن فقدان قدرته على الحكم فإنه فاقد لهذه القدرة أيضا. وأية خطوة كبيرة سيقدم عليها ستكون موصومة منذ الآن بوصمة الخدعة الإعلامي، البهلوانية ومحاولة التخلص من التحقيق. وأية خطوة حزبية وسياسية مخترقة للطريق ستبدو كخدعة علاقات عامة. ونتنياهو محاصر في مربع الستاتيكو (الوضع القائم) الخاص به، والذي بموجبه هو قاد الدولة في السنوات الأخيرة وحقق إنجازات غير قليلة...".

ومضى سيغال أنه بإمكان نتنياهو أن يستغل فقدانه القدرة على الحكم من أجل مواصلة سياسته. "تخيلوا أن يضع الأميركيون فعلا خطة سلام. بإمكان نتنياهو أن يهجم على الأوراق ويمزقها، أو يتبنى أجزاء منها. وقد يفسر ذلك بأنه الآن لا يمكنه الموافقة على ذلك من الناحية السياسية الداخلية. وأنه ملزم بأن يكون المستوطنون إلى جانبه، وأنه ملزم بإرضاء أجزاء الائتلاف المختلفة وأن هذا توقيت غير مريح. وهو محق. ليس بإمكانه تمرير أية خطوة محل خلاف".

لكن بحسب سيغال، فإن "كل شيء قد يتغير إذا انجرت إسرائيل إلى مواجهة عسكرية". ورأى أنه في حال حدوث "حدث متدحرج يستوجب إرسال جنود، تجنيد قوات احتياط والتسبب بتدهور المعركة لحرب، سيؤدي إلى السؤال التالي: هل من الناحية الأخلاقية بإمكان نتنياهو أن يرسل الجنود إلى الموت من أجل بلادنا؟ هل رئيس حكومة يخضع لتحقيقات ووزير أمن (أفيغدور ليبرمان) يحظى بتقدير ومعتدل مثلما كان في الفترة الأخيرة، لكنه لم يتولّ أي منصب عسكري هام، بإمكانه أن يقود إسرائيل إلى الحرب المقبلة؟ الإجابة ليست واضحة... بمفهوم معين، الحدث الجنائي – السياسي يقلل من احتمال الحرب. لكن تذكروا أن القط، إذا وضعته في قفص يتحول إلى نمر".

"الجمهور لن يغفر لمن يسقط نتنياهو"

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي في صحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من نتنياهو، عكيفا بيغمان، أنه على الرغم من التحقيقات والضجة الإعلامية الكبيرة، إلا أن "المؤسسة السياسية في اليمين تقف صامدة. وخلافا للتوقعات في استديوهات التلفزيون وحسابات التويتر، فإن الاستطلاعات تدل بشكل مثابر على استقرار واضح في الائتلاف، وعلى تأييد لرئيس الحكومة نتنياهو وعلى شكوك وعدم ثقة تجاه الشرطة وتسريباتها. وبناء على ذلك، فإن تقييمات الوضع التي يجريها سياسيون في اليمين تدل على أنه في الوضع الحالي لن يغفر الجمهور لمن سيتسبب بإسقاط الحكومة".

وأضاف بيغمان أن "الجمهور، على عكس نخبه، يولي الاهتمام قبل أي شيء بالسياسة. والجمهور يدرك أن مهمة رئيس الحكومة هي أولا توفير الأمن، الاستقرار، الازدهار والنجاح، ونتنياهو يوفر كل هذا بشكل كبير. والجمهور يظهر نضوجا مفاجئا وبقي مخلصا لما يدرك أنها مصلحة وطنية، مثلما تم التعبير عن ذلك في الانتخابات. وهذا الأمر يصعب قوله تجاه أجزاء في وسائل الإعلام والحلبة السياسية" في إشارة إلى المعارضة.

وهاجم بيغمان المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، روني ألشيخ، واتهمه بأنه تستر على ضابط كبير مشتبه بالتحرش الجنسي، وأنه يروج "نظريات مؤامرة"، عندما تحدث ألشيخ عن إرسال محققين خاصين لملاحقة محققي الشرطة الذي يحققون ضد نتنياهو. وكتب أن ألشيخ "لا ينبغي أن يكون متفاجئا عندما لا يتعامل الجمهور بجدية مع توصياته الجنائية والاعتقالات أمام كاميرات الإعلام" في إشارة إلى اعتقال مقربين من نتنياهو.

وتابع بيغمان أن "ثمة أهمية لأن نتذكر أنه لم يحدث شيئا حتى الآن سوى داخل الحلقة المغلقة للشرطة. هي التي حققت، اعتقلت، فحصت، شاهدت، وأوصت. حتى أن وجهة نظر النيابة العامة لم تُسمع بعد، كما لم نسمع رأي المستشار القضائي للحكومة حتى الآن".

واستطرد أن "خلافا للنخب، الجمهور يدرك أنه يحظر إنشاء السابقة التي تمنح سلك الموظفين (الشرطة) القوة للإطاحة برؤساء حكومة وتحديد الأجندة... والجمهور يدرك على ماذا تدور الحرب".

التعليقات