افتتاح السنة الدراسية بإسرائيل: إملاء التطرف القومي وانعدام التعددية

نتنياهو للمعلمين: "ربّوا تلاميذنا على الصهيونية"* سوط بينيت: يعتمد على الأوامر وتعزيز المواضيع الأساسية والانطواء القومي* ميزانيات لجهاز الأمن بدل جهاز التعليم يحدث فجوة كبيرة بين إسرائيل ودول منظمة OECD

افتتاح السنة الدراسية بإسرائيل: إملاء التطرف القومي وانعدام التعددية

بينيت بافتتاح السنة الدراسية، اليوم (فيسبوك)

ادعى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اليوم الأحد، أنه "أتذكر الانفعال الذي انتابني صبيحة اليوم الأول لدراستي في الصف الأول الابتدائي"، أي قبل 63 عاما! وإلى جانب هذا الادعاء في تهنئته بمناسبة افتتاح السنة الدراسية، التي نشرتها صحيفة "يسرائيل هيوم"، بث نتنياهو روحا قومية متطرفة تتلاءم مع سياسته. وطالب المعلمين بأن "ربّوا تلاميذنا على الصهيونية والتفوق. فدولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي" في إشارة إلى "قانون القومية" العنصري. وقال إن إسرائيل هي "دولة يهودية وديمقراطية"، زاعما أنها "تحافظ على حقوق الفرد لجميع مواطنيها، اليهود وغير اليهود. ولكل ولد وبنت في إسرائيل الحق في تحقيق نفسه"، علما أن هذا ادعاء فارغ من مضمونه كما سيتبين في السطور التالية.

وكان نتنياهو أعلن، في العام 2008، كرئيس للمعارضة، أنه بعد عشر سنوات ستتحول إسرائيل إلى واحدة بين الدول العشر الأكثر تقدما في مجال التربية والتعليم، واستعرض خطة مفصلة لتحسين جهاز التعليم الإسرائيلي. وتحدث عن الحاجة الملحة لإجراء تغييرات في هذا الجهاز. لكن بعد بضعة أشهر، انتخب نتنياهو رئيسا للحكومة، وشطب هذه الخطة وأزالها من موقعه الالكتروني. ومنذئذ لم يفعل شيئا تقريبا في مجال التعليم، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "ذي ماركر"، اليوم.

"العقد المُبذر": ميزانيات بدون إستراتيجية

قالت الصحيفة إن "نتنياهو مسؤول بقدر كبير عن العقد المُبذر في جهاز التعليم الإسرائيلي، وهو عقد تضاعفت خلاله ميزانية التعليم، بعد استثمار 30 مليار شيكل أخرى، ووصلت هذه الميزانية اليوم إلى 60 مليار شيكل، لكن دون نجاعة. ففي نهاية الأمر، جهاز التعليم الإسرائيلي ما زال قديما ومتخلفا قياسا بالعالم الغربي. وبمبالغ كهذه كان بالإمكان إغلاق جهاز التعليم الموجود وإقامة جهاز جديد، ومضاعفة راتب المعلمين. وكان بإمكان التلاميذ الذين يبدأون اليوم دراستهم الاستمتاع من تغيير وتقدم الجهاز. وبدلا من ذلك، سيدخلون إلى الجهاز نفسه، بمشاكله نفسها المعروفة للجميع".

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين اثنين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تطرقهما إلى "الأضرار الهائلة التي يتسبب بها جهاز التعليم للاقتصاد الإسرائيلي"، والتأثير السيء لجهاز التعليم على الفجوات الاجتماعية، والمؤهلات المتدنية للعاملين وإنتاجية العمل المدنية. وقال الخبير الاقتصادي المسؤول عن إسرائيل في المنظمة إنه "إذا أردتم الحفاظ على تفوق صناعة الهايتك، أنتم بحاجة إلى أن يكون مواردكم البشرية مثقفة، لكن الوضع في إسرائيل ليس كذلك". وأضافت الصحيفة أن "نتنياهو، هكذا تبدو الأمور، يواصل عدم اكتراثه، وهو أحد الزعماء القلائل في العالم الذين لا يستعرضون رؤيا تربوية".

فقد أعلن نتنياهو، مؤخرا، عن "الرؤيا الأمنية للعام 2030"، وفي صلبها إضافة 30 مليار شيكل لجهاز الأمن في العقد المقبل. ويركز وزير المالية ورئيس حزب "كولانو"، موشيه كحلون، على مجال المواصلات، وتبنى خطة "البنية التحتية للعام 2030" بتكلفة مليارات الشواقل لشق شوارع ومفترقات طرق وأنفاق وجسور. أما وزير التربية والتعليم الإسرائيلي ورئيس حزب "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، فإنه يطرح خطة لتعزيز تدريس موضوع الرياضيات بمستوى خمس وحدات، ولا يطرح إستراتيجية تطوير جهاز التعليم.

الجدير بالإشارة، أن زيادة ميزانية التعليم موّلت زيادة أجور المعلمين وتنفيذ تعهد الحكومة، منذ سنوات الثمانين، بتعليم مجاني من سن ثلاثة أعوام، وخاصة في أعقاب الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها إسرائيل في العام 2011. وأكدت الصحيفة على أن السبب الحقيقي أن جهاز التعليم لم يحقق نتائج كافية هو أنه جرى توزيع ميزانية التعليم من دون سلم أولويات ومن دون إدارة حقيقية، وبتبذير ومن دون اتخاذ خطوات إستراتيجية أو خطة موجّهة وإنما بشكل عفوي، وأحيانا كاستجابة لضغوط مختلفة. والنتيجة هي أن وزارة التربية والتعليم تواجه الآن نقصا كبيرا في معلمين نوعيين في جميع أنحاء البلاد، ونقصا في مدراء المدارس.

تخلف جهاز التعليم الإسرائيلي قياسا بدول OECD

أوضح تقرير "ذي ماركر" أن مفهوم الأمن الذي استعرضه نتنياهو، مؤخرا، لن يسمح بتقدم جهاز التعليم الإسرائيلي. وسبب ذلك يعود إلى أن جهاز التعليم الإسرائيلي يواجه اليوم فجوة تصل إلى 25 مليار شيكل بينها وبين معدل الاستثمار في دول OECD. وتستند هذه المقارنة إلى متوسط الاستثمار في التلاميذ في إسرائيل وفي دول المنظمة، وتبين منها أن الاستثمار في إسرائيل أقل بـ20% في المدارس الابتدائية، و33% في المدارس فوق الابتدائية.

وتظهر الفجوات الأخطر في هذا السياق في الاستثمار في الفئة العمرية 3 – 6 أعوام، رغم أنها تعتبر المرحلة التربوية الأكثر مصيرية. وتستثمر إسرائيل بتلاميذ روضات الأطفال أقل بكثير من دول OECD. لكن المعطى الأخطر يتعلق بجهاز التعليم الإسرائيلي للفئة العمرية 0 – 3 أعوام. والفجوة بين استثمار إسرائيل بالحضانات وبين استثمار OECD يزيد عن 60%. وبموجب قرار اتخذه نتنياهو، فإن هذه الفئة العمرية ليست ضمن مسؤولية وزارة التربية والتعليم وإنما وزارة الرفاه.

وقالت الصحيفة إن "هذه الفجوة الهائلة هي نتيجة ارتفاع نسبة الولادة في إسرائيل أيضا. ولا توجد دولة في الغرب، ولا حتى في السعودية، مرتفعة فيها نسبة الولادة بهذا الشكل، وفي العالم الذي ترتفع فيه تكلفة التعليم وتتطور، مطالبة الدول بالاستثمار أكثر بالطفل. والأمر المؤكد هو أن أي مبلغ يستثمر في جهاز التعليم يجب أن يكون مستثمر بشكل عقلاني، وفي إطار خطة إستراتيجية شاملة، وليس بصورة عفوية وكرد فعل على ضغوط سياسية" في إشارة إلى تمويل المؤسسات التعليمية الحريدية والحكومية – الدينية.

سوط جهاز التعليم

يتجاهل جهاز التعليم الإسرائيلي، في السنوات الأخيرة وخاصة تحت قيادة بينيت اليميني المتطرف، الانفتاح للتعددية الفكرية والآراء المنوعة واللقاءات بين المجتمعات المختلفة في إسرائيل. ولفت المحلل لقضايا التعليم في صحيفة "هآرتس"، أور كاشتي، اليوم، إلى أن الصراع في أي جهاز تعليم هو بين مفهومين متناقضين: الأول يشدد على استقلالية المعلمين وعلى عملية تعليمية تتطور بدون نهاية وانفتاح على العالم؛ والمفهوم الثاني يعتمد على الأوامر وتعزيز المواضيع الأساسية والانطواء القومي، وهو سوط الجهاز. "وليس مؤكدا أن بينيت منشغل بمسائل كهذه حول السياسة التربوية، لكن أفعاله تضعه في مقدمة المجموعة المحافظة، الهلعة من أي تغيير يكون نتيجة فضولٍ. وبالنسبة له وللجمهور الذي يمثله، البلاد رائعة. وبالنسبة لمجموعات أخرى، العرب، اليهود العلمانيون أة لا سمح الله أولئك الذين يحملون أفكارا سياسية أخرى، فإن بينيت يهتم بأن تكون البلاد رائعة أقل" بسبب سياسته القومية المتطرفة والعنصرية والمعادية للديمقراطية.

وأضاف أنه من أجل ردع تلاميذ ومعلمات ومديرات مدارس من إحداث أي تغيير يلزم برقابة متواصلة، بهدف تقلي إمكانية النظر إلى الواقع من جوانب متعددة إلى الحد الأدنى. وأصبح "الدور الأساسي للمدرسة هو تأهيل الجيل القادم لحياة ذات بعد واحد". فقد تم رفض تدريس رواية الأديبة الإسرائيلية دوريت روبينيان، وسوغت وزارة التربية والتعليم ذلك بأن "علاقات حميمية بين اليهود وغير اليهود (العرب) تهدد الهوية الخاصة (لليهود)". وجرى سن قانون خاص يمنع جمعية أو منظمة حقوقية تفضح ممارسات الاحتلال، مثل منظمة "يكسرون الصمت"، لأن الوزير بينيت يرفض مواقفها ولذلك يمنعها من دخول المدارس، بينما يسمح بدخول منظمات اليمين. وخلال ولاية بينيت، وصلت ميزانية التعليم المخصص لـ"تعزيز الهوية اليهودية"، التي تمررها جمعيات يمينية مقربة من حزب "البيت اليهودي"، إلى 211 مليون شيكل في العام الماضي.

وكتب كاشتي أن "تبرير ما هو موجودة كإمكانية وحيدة، وتحجر الإمكانية للتخيّل، يحتاج إلى سيطرة على مواد التدريس. فالكلمات تبلور الوعي. وهذا هو السبب الذي دفع بينيت إلى إكمال المشروع الذي بدأه سلفه، غدعون ساعر، ونشر كتاب التدريس الجديد في موضوع المدنيات، الذي يشدد على الحق الواسع لليهود في أرض إسرائيل، ويشكك بأي "ادعاء" لغير اليهود (العرب). وكُتب في أحد فصول كتاب عن الدروز أنه ’هم يعانون من انعدام المساواة على حد قولهم’. كذلك يتحدث الكتاب عن إشكالية مكانة اللغة العربية".

ولفت كاشتي إلى أن المستشار العلمي الوحيد لكتاب المدنيات هو الدكتور أفيعاد باكشي، وهو أحد واضعي صيغة "قانون القومية" العنصري أيضا. واعتبر باكشي خلال جلسة في الكنيست أنه "يجب أن تكون هناك مقولة دستورية تقول إنه ’لن تكون هناك دولة ثنائية اللغة’". وشدد كاشتي على أن "كتاب المدنيات هو نسخى مسبقة لقانون القومية". ويقسم كتاب المدنيات الأقلية العربية إلى مجموعات، تقاس بحسب تعاملها مع الخدمة العسكرية.

ويتوقع أن تصدر وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، في الأسابيع القريبة المقبلة، كتاب المدنيات باللغة العربية ليستخدم للتدريس في المدارس العربية. وقالت مصادر مطلعة على هذا الموضوع إنه "تم بذل طاقات كبيرة من أجل التيقن من أن الروح اليهودية (أي القومية المتطرفة) لن تضعف في الترجمة العربية".

 

التعليقات