تحليلات: ردع الفلسطينيين تلاشى والتنسيق الأمني بديلا

منذ بداية العام الحالي، أحبطت أجهزة الأمن الإسرائيلية قرابة 300 عملية هامة خطط فلسطينيون لها، والجهود متركزة حاليا على منع تكرار عملية "غوش عتصيون"، "وللتنسيق مع السلطة الفلسطينية إسهام هام وأكثر بكثير مما يعترفون به في إسرائيل"

تحليلات: ردع الفلسطينيين تلاشى والتنسيق الأمني بديلا

مواجهات في قرية قُصرة جنوبي نابلس (أ ب أ)

لم تتمكن أجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي من معرفة هوية، أو انتماء، منفذي عملية قتل الجندي المستوطن في الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون" حتى صباح اليوم، الجمعة. وبدت التحليلات المنشورة في الصحف الإسرائيلية غير متفاجئة من العملية، التي وقعت أمس. واعتبر بعض المحللين أن العملية وقعت بتوجيهات مباشرة من حركة حماس في غزة، بينما لم يتمكن محللون آخرون من التكهن بهوية منفذي العملية، لكنهم لم يتحرروا من فكرة أن "شبح" حماس يخيم عليها. وحذر أحدهم من إرهاب غلاة المستوطنين، وتنفيذهم اعتداءات بزعم "الانتقام" لمقتل الجندي.

غير أن التحليلات شددت على قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وربطتها بعملية قتل الجندي، وأن هناك محاولات فلسطينية كثيرة لأسر جندي أو مستوطن في الضفة الغربية، تقود إلى تبادل أسرى.

ووفقا للمحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، اليوم، فإنه منذ مطلع العام الحالي، أحبطت أجهزة الأمن الإسرائيلية قرابة 300 عملية كبيرة في الضفة والقدس. "والخلايا، التي بمعظمها مرتبطة بشبكة حماس في الضفة، خططت لعمليات إطلاق نار، دهس ووضع عبوات ناسفة. لكن لجميعها هدف سام واحد: خطف جندي، على قيد الحياة أو ميت، اعتقادا أن هذا الأمر سيقود إلى تحرير أسرى".

وأشار فيشمان إلى أن هوية منفذي العملية ليست واضحة بعد، "إلا أنه بالإمكان نسبها إلى حماس. فالضفة، بالنسبة للحركة، هي ’الخيار الذهبي’ لتحريك الكفاح المسلح: بإمكانك ممارسة إرهاب من غزة بواسطة أذرع في يهودا والسامرة من دون تحمل مسؤولية مباشرة ومن دون دفع ثمن".  

وخلافا لعملية أسر وقتل ثلاثة مستوطنين، في منتصف العام 2014، التي، في أعقابها، شنت إسرائيل عدوانا واسعا على غزة، كتب فيشمان أن "احتمال أن يحدث ذلك مرة أخرى ضئيل، لأن قنوات الاتصال (غير المباشرة) بين إسرائيل وحماس أفضل بكثير مما كانت عليه حينذاك. لكن طالما لم تقرر إسرائيل ماذا ستفعل مع حماس في غزة، فإنها عاجزة في ردود فعلها تجاه العمليات في الضفة. ورد فعل شديد جدا قد يؤدي إلى مواجهات دموية، تعتبرها السلطة الفلسطينية وإسرائيل خطرا داهما لتقويض استقرار السلطة والتدهور نحو انتفاضة".     

وتطرق فيشمان إلى أقوال سياسيين إسرائيليين، أمس، بأن إسرائيل فقدت الردع. "منذ فترة طويلة، تحول الردع عندنا من مصطلح يعبر عن واقع أمني إلى مصطلح يصف نوايا سياسية. هل ضغوط اقتصادية وأمنية على الفلسطينيين في الضفة ردا على قتل الجندي سيسهم في الردع، أم أن الهدف كله من ضغوط كهذه هي غريزة الانتقام؟ ينبغي المطالبة بعقوبة الإعدام كوسيلة ردع. (لكن) الجهات المهنية، وفي مقدمتهم المسؤولين في الشاباك، يعارضون ذلك بشدة. ويدعون أنه ليس فقط أن عقوبة الإعدام لن تردع، وإنما ستشكل عاملا مسرعا لعمليات انتقامية وتشجع عمليات اختطاف من أجل تحرير المدانين بالإعدام".

وأضاف فيشمان أنه "يوجد خلاف أيضا حول تأثير هدم بيوت منفذي عمليات، وليس من الناحية القانونية فقط. فقد أكدت لجان مهنية دققت في هذا الموضوع، مثل لجنة اللواء أودي شاني، على أن الهدم لا يؤثر. والحكومة قررت خلاف ذلك. لكن يتم إعادة بناء البيوت، العمليات متواصلة، والمهم أن الجمهور الإسرائيلي راض من الحكومة التي تعاقب وتفعل شيئا ما".

"التنسيق الأمني يحقق الردع"

اعتبر فيشمان أن "الردع الحقيق يتم تحقيقه بواسطة الشاباك والجيش الإسرائيلي، اللذين يعملان في تكسيح مثابر لبراعم الإرهاب. وللتعاون (التنسيق) مع السلطة الفلسطينية إسهام هام للغاية، وأكثر بكثير مما بإمكان الاعتراف به في إسرائيل. ولذلك، فإن أي خطوة إسرائيلية تدفع السلطة إلى خفض العلاقة الأمنية، سيمس بالردع مباشرة. وحماس هي عدو مشترك، وأجهزة الأمن الفلسطينية تعمل ضدها ليس من أجل إنقاذ إسرائيل، وإنما من أجل إبقاء حكم أبو مازن على حاله. وبالإمكان الترجيح أن لقاء المصالح هذا يحقق تبادل معلومات هام".

ولفت فيشمان إلى أن عملية "غوش عتصيون"، أمس، جاءت في وقت تتراجع فيه القضية الفلسطينية عن الأجندة العالمية، وفي ظل معاداة إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للفلسطينيين، واعتبار دول الخليج أن لديها مصالح مشتركة مع إسرائيل في القضية الإيرانية. "الدولتان الوحيدتان اللتان بإمكان الفلسطينيين الاعتماد عليهما هما إيران وربما تركيا أيضا. كما أن آلاف الفلسطينيين الذين يتظاهرون في أيام الجمعة (مسيرات العودة) لا تهم أحد. والنتيجة التي تستخلصها السلطة الفلسطينية دراماتيكية: ليس لديها عنوان باستثناء إسرائيل".

وتابع فيشمان أن "الانتفاضة ليست خيارا بالنسبة لأبو مازن، إلا إذا اختارت إسرائيل خطوة ’ردعية’ تشعل المنطقة. وما يهم الشارع الفلسطيني الآن هو عبور عيد الأضحى بسلام. وما يهم إسرائيل هو الوصول إلى الانتخابات بسلام. لذلك، ينبغي الحذر جدا من تسييس الأمن. والمنطقة قد تشتعل ليس بسبب رد فعل إسرائيل غير مدروس فقط، وإنما على خلفية عمل انتقامي تنفذه جهات يهودية متطرفة أيضا، وستضرم النار".

"منع عمليات مشابهة"

اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يوءاف ليمور، أن "التحدي الإسرائيلي هو إحباط الإرهاب من دون التسبب بانهيار النسيج الحساس للحياة في يهود والسامرة. إذا لا توجد مشكلة في فصل الشوارع، ما يعني تقييد حركة الفلسطينيين، وهذا يعني عمل أقل للفلسطينيين، وتراجع الوضع الاقتصادي وتصاعد اليأس، وهذه وصفة أكيدة لتصاعد الإرهاب. والقيادة السياسية – الأمنية تسعى للامتناع عن ذلك".

وأضاف ليمور أنه "إلى جانب المجهود من أجل الوصول إلى القتلة، يتركز المجهود حاليا على منع عمليات أخرى بالأسلوب نفسه. تقليد عملية بعد نجاحها. وهذه الجهود ستحبط بالتأكيد عدد كبير من العمليات، لكنها لا تخفض الإرهاب إلى الصفر".

التعليقات