تحليلات: إسرائيل امتنعت عن التصعيد وتأمل باكتفاء حزب الله بذلك

المحللون ينتقدون الجيش الإسرائيلي ويصفونه بأنه فشل أمس، لأن مقاتلي حزب الله عادوا بسلام* وصف الجيش الإسرائيلي للأحداث يدل على أن خلية الحزب لم تطلق رصاصة واحدة* معركة إسرائيل ليست ضد التسلل وإنما ضد إيران بسورية

تحليلات: إسرائيل امتنعت عن التصعيد وتأمل باكتفاء حزب الله بذلك

مزارع شبعا، أمس

انتظرت إسرائيل هجوما لحزب الله، ردا على مقتل أحد عناصره بغارة إسرائيلية قرب دمشق، يوم الإثنين من الأسبوع الماضي. انتظرت الرد طوال أيام، وُصفت بأنها متوترة وحشدت خلالها قوات على طول الحدود مع لبنان. وفيما تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تسلل خلية تابعة لحزب الله إلى مزارع شبعا وتبادل إطلاق نار أمس، الإثنين، إلا أن الجيش الإسرائيلي وصف ذلك بأنه ليس أكثر من عملية تسلل لأفراد الخلية وانسحابهم من المزارع المحتلة.

وحسب وصف الجيش الإسرائيلي للحدث، كما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الثلاثاء، فإن المجندات اللاتي تراقبن الحدود بواسطة كاميرات وتقنيات إلكترونية رصدن خلية "مسلحة" تتجه إلى موقع "غَلديولا" الإسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة. وبعد أن دخل أفراد الخلية لأمتار معدودة إلى المزارع، صدر الأمر وفتح الجيش الإسرائيلي النار باتجاههم بشكل مكثف. والخلية، التي ضمت بين ثلاثة لخمسة مقاتلين، انسحبت عائدة إلى لبنان. "وقد انتهى الحادث من دون إصابات".

ويعني هذا الوصف في حال كان دقيقا أن مقاتلي حزب الله لم يطلقوا رصاصة واحدة، وأن بيانه الصادر مساء أمس بنفي حدوث أي اشتباك مع القوات الإسرائيلية ينسجم بشكل كبير مع واقع الحدث.

وكتب المراسل العسكري للصحيفة، يوسي يهوشواع، أنه "بالإمكان الاستنتاج للوهلة الأولى أن حزب الله نفذ تهديده بشن عملية انتقامية، لكن ثمة شكا إذا وصلنا إلى هذه النقطة. وبالنسبة للجيش الإسرائيلي، فإن مستوى التأهب ما زال مرتفعا، والتعليمات للقوات لم تتغير وتم تقليل عدد الجنود في المواقع العسكرية" تحسبا من استهدافهم.

وأضاف يهوشواع أن نفي حزب الله وتلويحه بهجوم انتقامي سيأتي لاحقا يعني أن "الحدث لم ينته". وأشار إلى أن التقديرات في الجيش الإسرائيلي، قبل أحداث أمس، توقعت هجوما حتى موعد أقصاها يوم الخميس المقبل، عشية عيد الأضحى.

وحول عدم وقوع إصابات خلال أحداث أمس، نقل يهوشواع عن مصدر أمني إسرائيلي كبير قوله إنه "في الاعتبارات الحالية، ليس مؤكدا أنه سيكون من الصواب قتلهم"، بهدف منع التصعيد، وبادعاء أنه "توجد تحديات أخرى مقابل إيران في سورية".

واعتبر يهوشواع أن "علينا أن نتساءل حول اتخاذ هذا القرار، الذي يدل على وجود مشكلة في الردع مقابل حزب الله، لدرجة الامتناع عن استهداف مخربين في طريقهم لتنفيذ عملية. وهذا قرار مستغرب وفقا لجميع الآراء".

وأشار يهوشواع إلى امتناع الجيش الإسرائيلي عن نشر شريط فيديو لتسلل مقاتلي حزب الله، أمس، وذلك في الوقت الذي ينفي فيه الحزب وقوع أي حدث في مزارع شبعا. "وهذا يثير تساؤلات أيضا. والاعتبارات هنا أيضا هي الامتناع عن المس بحزب الله... والسبب هو الإدراك في الجيش أن (أمين عام حزب الله حسن) نصر الله لم يقرر فعلا شن عملية أخرى أو التمهيد لتهدئة".

من جانبه، اعتبر المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أن انتهاء أحداث أمس من دون إصابات بمثابة "معجزة". وأضاف أنه "بالإمكان تفسير المعجزات على طول الحدود حتى اليوم، بلجنة تجتمع بين حين وآخر في الناقورة اللبنانية ويشارك فيها مندوبون عن الجيش الإسرائيلية، قوات يونيفيل والجيش اللبناني الذي يمثل حزب الله. ويطرح الأطراف شكاويهم في هذه اللجنة حول خرق قرار الأمم المتحدة 1701، ولكن هناك أيضا يتم نقل رسائل وربما يصنعون سيناريوهات المعجزات باتفاق جميع الأطراف".

ردع متبادل: بين احتواء وفشل عسكري

رفض المراسل العسكري لقناة "كان" التلفزيونية الإسرائيلية الحكومية، روعي شارون، أن إسرائيل فقدت الردع مقابل حزب الله، وأشار إلى أن إسرائيل تعمل بقوة شديدة ضد الوجود الإيراني في سورية وضد نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله. "والحديث حول فقدان ردعها تبدو معزولة عن السياق".

لكن هذا ردع متبادل، أضاف شارون. "الردع بين إسرائيل وحزب الله قوي وموجود لدى الجانبين. فإسرائيل تمتنع غالبا عن تنفيذ عمليات في الأراضي اللبنانية واستهداف ناشطي حزب الله، ونصر الله من جانبه حذر جدا في ممارسة القوة ضد إسرائيل، وخاصة من لبنان. وحسب سلم الأولويات الإسرائيلي، فإن التموضع الإيراني موجود في مرتبة أعلى من تصفية أربعة ناشطين من حزب الله".

وتابع شارون أن بإمكان نصر الله الامتناع عن هجوم انتقامي، يستهدف جنودا إسرائيليين، "وبالإمكان بكل تأكيد استعراض الإنجاز الإدراكي. فطوال خمسة أيام،، تأهب جهاز الأمن (الإسرائيلي) في المنطقة الشمالية، ووسائل الإعلام انشغلت بالانتقام الموعود". وأشار إلى أنه "مقابل الإنجاز (الإسرائيلي) التكتيكي بتشويش الهجوم، تبقى علامة استفهام حول الرسالة التي تنقلها إسرائيل باتجاه ’صفر أهداف’".

نتنياهو وغانتس خلال مؤتمر صحافي، مساء أمس (أ.ب.)

واستهجن شارون وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أحداث الأمس بأنها "حدث أمني ليس بسيطا في الشمال". وتساءل: "ماذا ’ليس بسيطا’ بإحباط تسلل انتهى دون إصابات؟ وماذا سيكون رد فعل رئيس الحكومة لو وقعت هناك إصابات لا سمح الله؟ والتفسير المقنع للخطوات الإعلامية للاثنين (نتنياهو ونصر الله) لم يطرح بعد، لكن ربما غايتها هي تليين نصر الله: إذا اقتنع نصر الله بأنه تسبب بهلع لدى القيادة الإسرائيلية، ربما يتراجع عن عزمه استهداف الجنود الإسرائيليين ويكتفي بما حققه حتى الآن".

بدوره، استنتج المحلل العسكري في موقع "واللا" الإلكتروني، أمير بوحبوط، من أحداث الأمس أن "إطلاق النار كان بهدف الردع وليس من أجل القتل، وهذا الاستنتاج الأرجح، والاستنتاج الثاني هو أن الجيش الإسرائيلي فشل".

وأضاف أنه "إذا كانت غاية إطلاق النار هي الردع، فإن الحديث عن تطبيق سياسة الاحتواء بإيعاز من المستوى السياسي ومن أجل منع تدهور أمني فيما يتجول مواطنون كثيرون في شمال البلاد... وإذا لم تكن هناك تعليمات باحتواء تسلل المخربين، فإنه بالإمكان تعريف الحادث على أنه فشل خطير جدا لقوات الجيش الإسرائيلي في المنطقة، لأن القوات والقدرات المنتشرة في مزارع شبعا، والمدعومة جويا، لا يمكن أن تمكن خلية من الإفلات".

المعركة المركزية ضد إيران

توقع المحلل العسكري في صحيفة "معاريف"، طال ليف رام، ألا يتحدث الإسرائيليون عن سبب عودة مقاتلي حزب الله بسلام إلى لبنان دون إصابات. لكن بنظرة إلى أحداث السنوات الأخيرة، فإن الوضع كان بهذا الشكل دائما. من جهة، واجب كلا الجانبين بالرد، ومن الجهة الأخرى هناك محاولة مشتركة بعدم الدخول إلى مواجهة واسعة ومتدحرجة. ويبدو هذه المرة، وربما أكثر من المرات السابقة، أن الضائقات الداخلية وتبعات وباء كورونا عززت الحافز المتبادل على عدم دهورة الوضع إلى مواجهة شاملة".

ولفت ليف رام إلى أن جهاز الأمن الإسرائيلي يتعامل بجدية مع بيان حزب الله بأن أحداث الأمس لم تكن ردا على مقتل عنصر الحزب في سورية، الأسبوع الماضي، وأن الرد على ذلك قادم. "ورغم أن تشويش العملية أمس منع تصعيدا في توقيت غير مريح لإسرائيل، إلا أن المعادلة التي يضعها حزب الله أمام إسرائيل، وبموجبها أنه مقابل أي قتيل له في سورية سيرد من حدود لبنان، هي إشكالية، وفي نهاية الأمر قد تقود إلى مواجهة أكبر بكثير".

واعتبر المحلل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يوءاف ليمور، أن عملية حزب الله تبدو كأن الحزب "استلها" من كمّه، "وربما سارع حزب الله إلى العمل بسبب ضغوط داخلية مورست عليه، وربما أنه أراد إنهاء الحدث بسرعة، قبل عيد الأضحى. ومجرد أنه عمل، سمح له ذلك باستمرار بث روايته بشأن ’حامي لبنان’. وعمل بهذا الشكل في الماضي من أجل الامتناع عن التصعيد. وحقيقة أنه قرر في نهاية الأمر نفي عمليته، تبقينا مع الدَين نفسه الذي ما زال يتعين عليه جبايته من إسرائيل".

وأضاف ليمور أن "هذا يعني أن حالة التأهب العليا في الشمال ستستمر في الأيام المقبلة أيضا. وأملوا في الجيش الإسرائيلي أن يكتفي حزب الله بأحداث أمس، خاصة على خلفية وباء كورونا والوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، والامتناع عن تصعيد واسع... ولا يوجد سبب لإسرائيل للانجرار إلى حرب بسبب أحداث تكتيكية عند الحدود. فالمعركة الأساسية التي تخوضها إسرائيل ليست من أجل منع عمليات تسلل عند الحدود، وإنما من أجل منع تموضع إيران في سورية، ومنع تعاظم قوة حزب الله بأسلحة متطورة، وخاصة الصواريخ الدقيقة".

التعليقات