إسرائيل والإمارات: علاقات سرية قديمة وإحباط سلام مع الفلسطينيين

"ضباط سابقون في الموساد والشاباك والجيش، يصلون الإمارات بجوازات سفر أجنبية وإسرائيلية أيضا، بصفة مستشارين وخبراء. وقدموا استشارات حول حراسة، بشرية ومحوسبة، لقصور الحكام، الفنادق ومؤسسات عامة أخرى"

إسرائيل والإمارات: علاقات سرية قديمة وإحباط سلام مع الفلسطينيين

الوزيرة الإسرائيلية، ميري ريغف، في أبو ظبي (أرشيف - أ.ب.)

بدأت العلاقات بين إسرائيل والإمارات في ستينيات القرن الماضي، وكانت هذه علاقات معروفة ولكن غالبيتها سرية، وكُلّف في إسرائيل بالمسؤولية عن هذه العلاقات رؤساء الموساد ومساعديهم "تيفيل"، وهي الشعبة في الموساد المسؤولة عن العلاقات السرية بين إسرائيل ودول أخرى، حسبما ذكر المحلل الأمني، يوسي ميلمان، في مدونته في موقع صحيفة "هآرتس" الإلكتروني اليوم، الثلاثاء.

وأضاف ميلمان أنه في هذا الإطار، وصل مندوبو الموساد، بقيادة ناحوم أدموني، الذي أصبح لاحقا رئيس الموساد، إلى عُمان، وقبل ذلك شارك الموساد، سوية مع بريطانيا، في تدريب قوات خاصة وإنزال أسلحة لصالح قوات في اليمن، وبعلم السعودية.

وشدد ميلمان أنه "عمليا، التقى جميع قادة الموساد، منذ الستينيات وحتى اليوم، مع قادة دول الخليج ونظرائهم في هذه الدول، وبضمنها السعودية، وليس لمرة واحدة فقط". واعتبر أن "دول الخليج بحاجة إلى إسرائيل بسبب خوفها من إيران وتقدم تطلعاتها النووية وتحقيق هيمنة إقليمية"، لكن ميلمان لم يتطرق إلى سبب هذه العلاقات قبل سقوط نظام الشاه في إيران، عام 1979. وعلى خلفية مشاركة إسرائيل والإمارات في تدريب جوي في اليونان، عام 2017، نقل ميلمان عن رئيس الموساد الأسبق، شبتاي شفيط، قوله "إنهم ينظرون إلينا كأننا جبهة داخلية إستراتيجية".

وأضاف ميلمان أن "العلاقة مع الإمارات، وعمليا مع معظم الدول العربية، نابعة من القضية الفلسطينية. وحتى لو أن معظم القادة العرب سئموا عبئها على كاهلم، فإنه لا يمكنهم التنكر لها ويضطرون إلى دفع ضريبة كلامية خوفا من انتفاض شعوبهم ضدهم".

وأشار إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، يتسحاق رابين، زار برفقة شفيط عُمان، المغرب، إندونيسيا ودول أخرى. ولفت إلى أن إسرائيل فتحت مكتب مصالح في قطر، وتم إغلاقه إثر اندلاع الانتفاضة الثانية، عام 2000. وفي العام 2009، طردت قطر المندوبين الإسرائيليين في أعقاب العدوان على غزة. "لكن، في المقابل، لم تتضرر العلاقات السرية مع دول الخليج حتى في فترات الأزمات بين إسرائيل والفلسطينيين".

ووفقا لميلمان، فإنه ساد توتر معين في العلاقات بين الإمارات وإسرائيل في أعقاب اغتيال القيادي في حركة حماس، محمود المبحوح، في دبي بداية العام 2010، وحتى أن الإمارات ألغت صفقة مع شركة "إيروناتيكس" الإسرائيلية التي تصنع طائرات مسيرة. "لكن الموساد تعهد بأن إسرائيل لن تعمل بهذا الشكل مرة أخرى في الإمارات، وتم ترميم العلاقات. وبعد سنتين من الاغتيال، التقى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مع ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة".

صفقات أسلحة

وأضاف ميلمان أنه "خلافا للحلبة السياسية – الدبلوماسية، فإن العلاقات في الحلبة التجارية الخاصة مع الإمارات ثابتة، عميقة ومنذ سنوات طويلة. ويسمح لمئات رجال الأعمال وخبراء السايبر بالدخول إلى الإمارات وإبرام صفقات في الإمارات السبع التي تتألف منها هذه الدولة. وحجم هذه التجارة مليارات الدولارات، وخاصة تلك المتعلقة بحماية المعلومات والقتال السيبراني. ودرج ضباط سابقون في الموساد والشاباك والجيش، وما زالوا، على الوصول إلى الإمارات بجوازات سفر أجنبية وإسرائيلية أيضا، بصفة مستشارين وخبراء. وقدموا استشارات حول حراسة، بشرية ومحوسبة، لقصور الحكام، الفنادق ومؤسسات عامة أخرى".

أحد رجال الأعمال الإسرائيليين البارزين بعلاقاتهم مع الإمارات هو ماتي كوخافي، الذي وظّف في شركته "لوجيك"، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، عاموس مالكا، وقائد سلاح الجو الإسرائيلي الأسبق، إيتان بن إلياهو، ومسؤولين سابقين في الصناعات الجوية الإسرائيلية. "وقد أنجزوا في الإمارات منظومات حراسة منشآت الغاز ومنظومة ’عين الصقر’ للتعقب والتجسس". وباع كوخافي طائرتي تجسس من صنع بريطاني للإمارات.

نتنياهو في مطار بن غوريون في اللد، أمس (أ.ب.)

وأكد ميلمان أن "جميع صفقات التصدير الأمني مع الإمارات حظيت وتحظى بمصادقة وتشجيع وزارة الأمن الإسرائيلية والموساد، لدرجة أنه نشأت بين الضالعين في هذه الأعمال ما يمكن وصفه بـ’باب مستدير’، أي أن مسؤولي جهاز الأمن يتعرفون في إطار عملهم الرسمي على مجرى الأمور في الخليج، وبعد انتهاء خدمتهم ينتقلون إلى العمل التجاري في المجال نفسه. والمال السهل والكبير أغرى كثيرين، وفي عدة حالات نشبت خلافات ونزاعات مالية بين الإسرائيليين الذين خدموا معا في الموساد وتحولوا إلى شركاء. وقسم من هذه الدعاوى ما زالت المحاكم في إسرائيل تنظر فيها".

ووصف ميلمان علاقات إسرائيل والإمارات بأنها أشبه بـ"أرجوحة"، وأنه "في هذا السياق جدير تذكّر دروس الماضي: كانت هناك حالة تم فيها إرسال مسؤولين من جهاز الأمن الإسرائيلي، باسم نتنياهو، إلى إحدى دول الخليج من أجل إجراء مفاوضات حول خطة سلام، وغايتها دفع مفاوضات مع الفلسطينيين من رواء ظهرهم، وفي المقابل كانت ستقام علاقات دبلوماسية وتجارة وسياحة مع دول عربية كثيرة. وبارك نتنياهو الخطة، وهكذا فعلت معظم الدول العربية الشريكة في سر الاتصالات. وتبقى فقط أن يخطب نتنياهو وزعيم عربي معين في الجمعية العامة للأمم المتحدة ويعلنا عن الاتفاق. لكن نتنياهو تراجع قبل ذلك بعدة أسابيع".

وأضاف ميلمان أن توجه مؤخرا إلى رئيس الموساد الأسبق شفيط، وسأله إذا كانت هذه القصة ستتكرر. وقال شفيط إن "مصالح بيبي (نتنياهو) قصيرة الأمد. وإذا تغيرت الحلبة واتضح له أنها لم تعد تخدمه، فلن يتردد بتغيير قراره".

وحسب ميلمان، فإن "الصورة مختلفة هذه المرة. والقرار بشأن الخطوة مقابل الإمارات ليس قرار نتنياهو وحده فقط. فهذه رغبة شديدة لترامب، الذي يخطط لإقامة مراسم في حديقة البيت الأبيض، الشهر المقبل، بمشاركة مسؤولين عرب آخرين، بينهم سعوديون. وبإمكان نتنياهو أن يتنكر لوعود منحها لوزرائه وحتى التراجع عن تفاهمات مع زعماء أوروبيين، وقد وصفه الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي بأنه كذاب، لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك مع ترامب. وإذا فعل، فإن إسرائيل ستدفع ثمنا باهظا".

التعليقات