عبرة إسرائيلية بعد الغزو الروسي: لا حرب بدون شرعية دولية

الجيش الإسرائيلي أقام "لجان استقصاء" في محاولة لفهم الحرب الروسية على أوكرانيا: "توجد هنا تبعات على أداء إسرائيل، فحرب من دون شرعية - مقابل غزة، لبنان، وبشكل خاص إيران – ستكبدها ثمنا سياسيا باهظا"

عبرة إسرائيلية بعد الغزو الروسي: لا حرب بدون شرعية دولية

هل يتكرر التدمير الرهيب بغزة في حروب إسرائيل المقبلة (أ.ب.)

أقام الجيش الإسرائيلي ما يصفها بأنه "لجان استقصاء"، في محاولة لفهم الحرب الدائرة في أوكرانيا. وتسعى هذه اللجان إلى فهم عدم استخدام روسيا في حربها على أوكرانيا منظومات عسكرية، بينها سلاحها الجوي، الحرب الإلكترونية، منظومات حماية الدبابات، وفقا لتقرير للمحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" نُشر اليوم، الجمعة.

وأشار التقرير إلى أن أي طائرة تمر قرب حدود إسرائيل الشمالية تشعر بتعطيل الـ"جي.بي.أس" والحرب الإلكترونية التي ينفذها الجيش الروسي في سورية، وإلى أن روسيا استعرضت منظومات حماية للمدرعات فيما دباباتها تنفجر في أوكرانيا إثر استهدافها بقذائف مضادة للدبابات. ويصف ضباط في حلف شمال الأطلسي (الناتو) هذه الحرب، خلال لقاءاتهم مع نظرائهم الإسرائيليين، بأنها "11 أيلول/سبتمبر الخاصة بنا"، ويقولون إنه "مثلما كان الوضع حينذاك، فإن المعلومات كانت موجودة هناك طوال الوقت، لكننا لم نفهم ماذا نرى".

والمعطيات الاستخباراتية التي تجمعها "لجان الاستقصاء" الإسرائيلية جزئية ومنقوصة، ويستند معظمها إلى تقارير علنية ليست موثوقة بالضرورة. كما أن الجهات الاستخباراتية في الناتو تواجه صعوبة في الحصول على معلومات كاملة ودقيقة، وفقا للتقرير. وتحاول "لجان الاستقصاء" رسم صورة واستخلاص عبر أولية حول تبعات هذه الحرب على مكانة إسرائيل في جبهاتها، إلى جانب تبعاتها على بناء القوة العسكرية الإسرائيلية.

وبحسب التقرير، فإن الحرب في أوكرانيا ليست مشابهة لحرب بين إسرائيل وإيران، في حال نشوبها، وفق "لجنة الاستقصاء" في سلاح الجو الإسرائيلي. "والسيناريو الأرجح في المرحلة الأولى لحرب كهذه هو إطلاق صواريخ كروز وطائرات مسيرة وصواريخ أرض – أرض لمدى 1500 – 2000 كيلومتر. وحرب كهذه قد تستمر أسابيع وحتى أشهر قبل أن تتحول إلى حرب برية عند حدود إسرائيل الشمالية. والإيرانيون يرسمون منذ الآن حدود الحرب بإطلاق طائرات مسيرة من العراق وإيران وسورية باتجاه إسرائيل. وطائرات مسيرة كهذه يمكن أن تصل من اليمن أيضا".

دبابات روسية مدمرة في بوتشا، أول من أمس (أ.ب.)

وفي حربها ضد أوكرانيا، أطلقت روسيا أكثر من 1500 صاروخ كروز وصواريخ أرض – أرض من طراز "إسكندر" لمدى مئات الكيلومترات، وقذائف مدفعية لمدى عشرات الكيلومترات، كما استخدمت طائرات مسيرة مفخخة.

وأشار التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي يجمّع المعلومات عن ذلك بمساعدة الناتو وقيادة أوروبا في الجيش الأميركي، رغم عدم توفر معطيات كافية مؤكدة من أجل استخلاص استنتاجات حيال نجاعة استخدام هذه الوسائل.

دلالات سياسية إستراتيجية

تعمل "لجنة استقصاء" أخرى، في الشعبة الإستراتيجية والدائرة الثالثة ("شعبة إيران") وبالتعاون مع شعبة الاستخبارات العسكرية، في تحليل الدلالات الإستراتيجية للأحداث في أوروبا وتبعاتها على إسرائيل. وبحسب التقرير، فإنه يبرز استنتاج واحد منذ الآن: لا يتم شن حرب من دون شرعية دولية، جزئية على الأقل. وتوجد هنا تبعات على أداء إسرائيل ضد أعدائها في الشرق الأوسط. وحرب من دون شرعية - مقابل غزة، لبنان، وبشكل خاص إيران، إذا قررت إسرائيل شن هجوم دون دعم دول عظمى – ستكبدها ثمنا سياسيا باهظا".

وأضاف التقرير أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أيضا تدقق في العبر السياسية للحرب في أوكرانيا. ويجري يوميا تحليل لمكانة إسرائيل الإقليمية والدولية إثر موقفها من هذه الحرب. والصورة التي تتعالى حتى الآن تشير إلى أن الوقت ليس في صالح صورة إسرائيل ومكانتها لا تتحسن، بسبب محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، للوساطة بين روسيا وأوكرانيا، ويبدو أنها محاولات تثير استياء أميركيا.

وتابع التقرير أن "التقدميين بين الديمقراطيين في الولايات المتحدة بدأوا بالادعاء أنه يوجد هنا كيْل بمكيالين بين التعامل مع روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا وبين ما يصفونه بـ’الاحتلال الإسرائيلي’"، وذلك إلى جانب رفض إسرائيل تزويد أوكرانيا بأسلحة دفاعية، وخاصة منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ.

وتدرس "لجنة استقصاء" ثالثة، تابعة للواء العقيدة القتالية والإرشاد في شعبة العمليات الإسرائيلية، الجوانب التكتيكية والتشغيلية للحرب في أوكرانيا، وبضمن ذلك الاجتياح الروسي وأساليب القتال الدفاعية للأوكرانيين. وهذه الأساليب "هي عمليا قتال فرق أنصار من داخل الغابات وداخل المدن التي يصفها الجيش الإسرائيلي بأنها ’العدو الخفي. ويتضح أن الروس لم يستعدوا لحرب من هذا النوع. وفي المقابل، استثمر الجيش الإسرائيلي جهودا بجمع المعلومات الاستخباراتية وبالنيران كي يواجه هذه القضية في لبنان وغزة".

ووفقا للتقرير، فإنه يتعزز الانطباع بين طواقم "لجان الاستقصاء" في إسرائيل والناتو، بأن "الفشل العسكري الروسي نابع أولا من الاستخفاف بالعدو. ’إثم الغطرسة’ يكرر نفسه هنا. ويبدو أن المخطِط العسكري ما زال يعيش حرب احتلال القِرم في العام 2014".

دبابة إسرائيلية موجهة نحو الأراضي اللبنانية، شباط/فبراير الماضي (Getty Images)

ورجح التقرير أن "لجان الاستقصاء" ركزت أيضا على مجال السايبر، "الذي تستثمر إسرائيل فيه جزءا كبيرا من ميزانية الأمن. والحرب في أوكرانيا أثارت علامات استفهام كثير حيال هذا المجال. فروسيا هي واحدة من أربع دول رائدة في هذا المجال وأظهرت قدرات مثير للإعجاب في شل قدرات العدو خلال حربيها في جورجيا، عام 2008، والقرم في العام 2014، وحتى أنهم نفذوا توغلا كبيرا إلى جهاز الأمن الأميركي. لكن في الجولة الحالية، إنجازاتها ضئيلة. الروس لم يتمكنوا من تعطيل البنية التحتية للكهرباء والماء الأوكرانية، ولم يحققوا النتيجة المتوقعة من استهداف سيبراني ضد سلاح الجو ومنظومات الدفاع الجوي ومنظومة الاتصالات العسكرية الأوكرانية"، وذلك لأن "الأوكرانيين كانوا مستعدين جيدا في الدفاع".

واعتبر التقرير أن المخاوف الأوروبية من الحرب في أوكرانيا وزيادة ميزانياتها العسكرية ستترجم في النهاية إلى صفقات أسلحة. "وأحد العناوين البارزة هي الصناعات الأمنية الإسرائيلية. وساحة (شركة الأسلحة) إلبيت في رمات هشارون مزدحمة بالزوار الأجانب الذي جاؤوا سريعا إلى حملات مشتريات. وبالإمكان رؤية مشهد مشابه أيضا في رفائيل (شركة تطوير الأسلحة الإسرائيلية) والصناعات الجوية. ولا شك في أن السنوات القريبة المقبلة ستكون جيدة جدا للصناعات الأمنية، خصوصا في الولايات المتحدة وإسرائيل، الرائدتين في مجال الذخيرة الدقيقة. وهذه نتيجة أخرى للحرب في أوكرانيا".

التعليقات