تقرير: "خطاب الترانسفير الإسرائيلي ليس شعبويا والعالم ينظر إليه بجدية"

اليمين الإسرائيلي في الحكومة يروج لطرد الفلسطينيين من قطاع غزة، وإلى "إبادتهم"، لكن هذا الخطاب لا ينحصر في اليمين الفاشي، أي سموتريتش وبن غفير، إذ كان نتنياهو أول من طرح فكرة "نقل" سكان القطاع إلى مصر

تقرير:

مدينة خيام أقامها النازحون من شمال القطاع في رفح، أول من أمس (Getty Images)

ينظرون في إسرائيل إلى الدعوات التي تتعالى من صفوف الحكومة لتنفيذ ترانسفير في قطاع غزة، أي طرد سكانه الفلسطينيين إلى دولة أخرى، على أنها خطاب "شعبوي" لليمين المتطرف الفاشي، الذي يقوده الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. لكن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، كان أول من أطلق دعوات كهذه، في بداية الحرب على غزة، عندما طالب مصر باستقبال "لاجئين" من قطاع غزة.

وبات خطاب الترانسفير في إسرائيل مطروح على الأجندة الدولية، خاصة في أعقاب الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، واتهمت فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في حربها على غزة.

وتناولت افتتاحية صحيفة "هآرتس" اليوم، الخميس، خطاب الترانسفير، واعتبرت أن "الإسرائيليين لا يسمعون أنفسهم، لكن في العالم يتعاملون مع هذه الأقوال بجدية"، في إشارة إلى الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا، وإلى التنديد بدعوات الترانسفير من جانب دول بينها الولايات المتحدة وفرنسا.

وقال عضو الكنيست موشيه سعدة، من حزب الليكود الحاكم، في الكنيست أول من أمس، إنه "مثلما هو واضح للجميع اليوم أن اليمين كان محقا في الموضوع الفلسطيني، فقد أصبح هذا أمر بسيط اليوم، ويقولون لك في أي مكان تذهب إليه: ’أبِدهم’".

وعُقد مؤتمر في الكنيست، أمس، تحت عنوان "هجرة الفلسطينيين من قطاع غزة وتوطينه باليهود". وقال عضو الكنيست تسفي سوكوت، من حزب الصهيونية الدينية، إن "علينا أن نحتل شمال القطاع أولا على الأقل، وضمه، وتدمير جميع البيوت هناك، وبناء أحياء"، أي مستوطنات.

بيوت غزة لم تعد صالحة للسكن (أ.ب.)

واعتبر سموتريتش أنه "إذا سيكون في غزة مئة أو مئتي ألف عربي وليس مليونين عربي، فإن الخطاب كله حول ’اليوم التالي’ سيكون مختلفا". ودعا بن غفير إلى "تركيز مشروع هجرة وتشجيع هجرة سكان من غزة". وكان الوزير عَميحاي إلياهو، من حزب بن غفير، قد قال إن "إلقاء قنبلة ذرية على غزة هي إحدى الطرق" للتخلص من سكان القطاع.

وبحسب الصحيفة، فإن "خط الدفاع الذي على إسرائيل اتباعه" في محكمة العدل الدولية في لاهاي، هو "إظهار أنها تبذل كل ما بوسعها لمنع استهداف الأبرياء، وأنها تدخل مساعدات إنسانية بشكل دائم إلى القطاع وتعمل ضد حماس فقط". لكن هذا الادعاء من جانب الصحيفة مفند ويجافي الحقيقة ولا يفسر مقتل أكثر من عشرين ألفا من المدنيين الفلسطينيين وتدمير القطاع، من مبان وبنية تحتية، بشكل كامل بحيث أصبحت مبانيه غير صالحة للسكن.

وفيما كان نتنياهو أول الداعين إلى ترانسفير، وحاول التوصل إلى اتفاق مع مصر بنقل سكان القطاع إلى سيناء وإقامة مدن لإيوائهم فيها، وحتى أنه طرح إغراءات اقتصادية مثل شطب ديون مصر، ادعت الصحيفة أن "الطريقة الأكثر فاعلية لتقويض أسس الدعوى (الجنوب أفريقية) هو بطرد المحرضين على جرائم حرب من الحكومة، لإظهار أن أقوالهم لا تمثل الواقع"، أي الوزراء وأعضاء الكنيست المذكورين أعلاه.

وتجاهلت تصريحات نتنياهو في هذا السياق، وكذلك الوثيقة التي أعدتها وزارة الاستخبارات، التي تتولاها الوزيرة غيلا غمليئيل من الليكود، وتضمنت خطة ترانسفير مفصلة خلال الحرب الحالية على غزة. كما تحدث رئيس الشاباك الأسبق ووزير الزراعة، أفي ديختر، عن "نكبة غزة 2023".

وقال مسؤول إسرائيلي رفيع، في إحاطة قدمها لوسائل إعلام إسرائيلية، أمس، إن "إسرائيل لن تغير أو تلغي عملياتها (العسكرية) في قطاع غزة تحت وطأت التهديد القضائي".

وادعى المسؤول الإسرائيلي أن "كافة العمليات التي تم تنفيذها حتى الآن في إطار القتال تمت بناء على مشورة قانونية"، وأضاف أن إسرائيل تدرس إمكانية تقديم "دعوى مضادة" لمحكمة العدل الدولية ضد جنوب أفريقيا أو إيران.

ولم يستبعد المسؤول إمكانية تقديم "دعوى مضادة ضد حركة حماس"، رغم أنها ليست دولة، وليست من الأطراف الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

ووصف المسؤول الإسرائيلي دعوات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة التي أطلقها وزراء في الحكومة الإسرائيلية، بأنها "أوهام غير مرتبطة بالواقع"، زاعما أن إسرائيل "لا تعمل على تهجير سكان غزة وتوطينهم في أماكن أخرى من العالم"، وتابع "لا مليون ولا خمسة آلاف"، ووفقا للمسؤول، فإنه "حتى لو أرادنا ذلك، إسرائيل ليس لديها القدرة على دفع سكان غزة إلى الهجرة إلى دولة أخرى".

وبالتزامن مع الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا، وضع مسؤولون رفيعو المستوى في جهاز الأمن الإسرائيلي موقفا، قالوا فيه إن "بإمكان سكان شمال قطاع غزة العودة إلى بيوتهم، بموجب ظروف قضائية وسياسية، في إطار المرحلة القادمة من الحرب، وإسرائيل لن تتمكن من منع ذلك من الناحيتين القانونية والسياسية"، حسبما ذكرت القناة 13.

إلا أن جهاز الأمن لم يحدد موعد السماح بعودة السكان، فيما قال مسؤولون سياسيون إسرائيليون إنه خلال مداولات مع "القيادة السياسية"، يتحدث ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي عن المرحلة الثالثة للحرب على أنه موعد لعودة السكان إلى شمال القطاع.

ويفسر جهاز الأمن موقفه بأن القانون الدولي لا يسمح بإبعاد سكان عن بيوتهم من دون تحديد مدة الإبعاد. وأشارت القناة 13 إلى أن أقوال الضباط تأتي على خلفية بدء نظر محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب أفريقيا، الأسبوع المقبل.

ويلاحظ في هذا السياق أن الحكومة الإسرائيلية، كسلطة سياسية، لا تبادر إلى وقف جرائم الحرب التي يرتكبها جيشها، وإنما الجيش بنفسه هو الذي يبادر إلى ذلك بعد تقديم دعاوى ضده في محاكم دولية.

بدوره، قال وزير الثقافة، ميكي زوهار، لموقع "واينت" الإلكتروني، إن دعوات الترانسفير، التي توصف بأنها "هجرة طوعية"، ليست حلا واقعيا، وأنه "حتى لو كانت هناك أفكارا كهذه أو غيرها، فإنه لا ينبغي إخراج كل شيء إلى العلن".

من جهة ثانية، أيد زوهار الدعوات لإقامة مستوطنات في القطاع. وقال إنه "ينبغي التحدث عن حل الاستيطان. فالاستيطان هو أمر جيد ومبارك، ورأينا ذلك على مدار السنين. ولا ينبغي نفي هذا الحل ووضعه جانبا بهذه السرعة".

التعليقات