24/01/2018 - 11:47

الإصغاء الفعّال

يبدأ الإصغاء منذ فترة الرضاعة ، فنرى الأم تركز كل حواسها من أجل طفلها كي تتأكد من التواصل معه ، بالنظر، والقرب الجسدي،

الإصغاء الفعّال

حالة يومية متكرره أو نمطية:

يجلس الاب أمام التلفاز يشاهد برنامجا تلفزيونيا ، إلى جانبه يجلس ابنه الصغير يتحدث للوالد عما جرى في المدرسة مع أولاد صفه في ذلك النهار (8 سنوات)، يلاحظ الولد أن أباه غير مصغ لما يقول بشكل كامل ، يعلق الولد: "بابا سامع؟"، يزجره الاب ويطلب منه الانتظارقليلا ليسمع خبرا هاما ، يصمت الولد وبعدها يعود للتحدث عن المدرسة، والاب لا يزال في مقعده ،عينيه متمركزه في التلفاز، "بابا سامع؟"، يتكرر الشيء الولد يحاول ان يقترب لوجه أبيه ويديره اليه، يغضب الأب ويشتم الولد ويصرخ في وجهه ، يبكي الولد ويخرج دون أن يستطيع التعبير عما يريد.

مشهد أخر:

تنهمك الأم بغسل الأواني في المطبخ، تقف ابنتها وراءها، تشد في ثوب أمها محاولة الحديث عما جرى لها مع معلمة الصف (الصف الأول- الثاني) في المدرسة، الأم تعتقد أنها تصغي جيدا لابنتها ولكن سرعان ما تصرخ الطفلة :"ماما انت ميش سامعتيني! " ، (غير مصغية ).

الإصغاء:

هنالك أهمية قصوى لدى الاولاد والبالغين أيضا لأن يتحدثوا وأن يشاركوا أحدا بما يجول في أذهانهم ومشاعرهم، لذلك نرى الأولاد يتوجهون إلى أهلهم أو لأناس يشعرون بقربهم كي يتحدثوا إليهم، وفي سنوات متقدمة أكثر في جيل المراهقة يجد الأصدقاء أنفسهم متوجهين لبعضهم البعض لمشاركتهم همومهم ومشاعرهم المختلفة ، كذلك يلجأ الأزواج لإيجاد صداقات مبنية على الشعور بالارتياح المتبادل ، وعلى الغالب النابع من حرية الحديث مع بعض والمشاركة والإصغاء الواحد للآخر، السؤال المطروح كيف يمكن أن يكون عامل الإصغاء عاملا فعالا وجيدا كي يأتي بمفعوله الإيجابي والمساعِد؟.

الإصغاء الفعال:

يبدأ الإصغاء منذ فترة الرضاعة ، فنرى الأم تركز كل حواسها من أجل طفلها كي تتأكد من التواصل معه ، بالنظر، والقرب الجسدي، والانتباه للأصوات التي يُصدرها ، ضحك أو بكاء أو حركات مختلفة ، في الفترة قبل الكلامية، وبعدها يبدأ الطفل بالكلام المحدود والمفردات الأولى ، وهنا يبدأ الإصغاء للكلام في جيل سنة تقريبا وما فوق.

الإصغاء الجيد :

  • يحتاج الى تركيز، وقرب جسدي، وانتباه، وتفرغ ذهني وشعوري، أي أن نكون مهيئين من أجل شخص معين نصغي له، وذلك لكي نستوعب الأمور التي يجلبها، من هنا فالشخص المنهمِك بانشغالاته وشؤونه هو، لا يمكن أن يصغي لكل الكلام.
  • ماذا نتلقى من المتحدث، خلال الإصغاء الجيد ، فلو تحدثنا عن الأطفال عادة لا توجد لديهم القدرة على التعبير الواضح لما يريدون فعلا، يوجد فرق بين تفكير الأهل وتفكيرهم المحسوس، فنراهم يقولون شيئا محسوسا ليعبروا عن شيء أخر مثلا: " بطني تؤلمني" (محسوس) القصد التعبير عن ضيق آخر.
  • يفكرون بمفاهيم محدودة ويشعرون بها، تختلف عن مفهوم الأهل الواسع مثلا: "في ذئب في الغرفة" المقصود عند الأولاد الخوف أو الضيق مثلا، فالأهل يدركون أنه لا ذئب في الغرفة.
  • لا يتحدث الأولاد بتسلسل وبجمل مترابطة، بل بمجموعة جمل غير مترابطة وتتخللها انفعالات غير مفسرة. وهنا تكمن الصعوبة لدى الأهل (أو المصغي)، يجب التحلي بالصبر، والتأني، وعدم السرعة، ويجب إعطاء الأولاد الوقت الكافي لبلورة افكارهم ومساعدتهم على ذلك، فبالصبر نشجعهم على بلورة الأفكار بدون ضغط، وبذلك يشعرون أن الأهل معهم ويسمعونهم، ويجب الانتباه لعدم مقاطعتهم، او استباق ما يريدون قوله، بهدف مساعدتهم، فهم بذلك يخرجون عن تركيزهم وكأن القول هو للأهل وليس للأولاد.
  • (نتذكر دائما: هدفنا كأهل هو إشعار الطفل بالراحة والأمان بمشاركته، وننوه هنا أننا قد نقع في شَرَك اللوم والنقد، علينا تقبل، وسماع، والإصغاء لما يريد ويشعر الطفل ، ومن ثم تأتي ردة الفعل، اللوم الزائد يعيق عملية التواصل الصحيح مع الطفل ).
  • يجب احترام الأولاد أثناء الإصغاء لهم ومشاركتهم، وعدم التهكم والضحك والاستهزاء بهم، لأن ذلك يفقدهم ثقتهم بأنفسهم وبأهلهم.
  • الإصغاء للغتهم الغير كلامية ، وذلك بالانتباه لتعبير الوجه والحركة، فممكن أن يكون الكلام معبرا عن الحديث فعلا أو أن ينقضه، القول شيء والمعنى آخر، لذلك يجب على الأهل أن يفهموا ما بين السطور عن المعلومات التي لم يقولها الأولاد، فكلما شعر الأولاد بالأمان اكثر مع المصغي تقل الكلمات المخبئة بين السطور لديه وترتفع ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالأمان والطمأنينة.

من هنا نعود لما بدأنا به أعلاه بأنه لو كنا منهمكين بأمور أخرى وغير قادرين على الإصغاء الفعال وليس الإصغاء الخامل، يجب ان نوقف الولدعن الحديث ونطلب منه أن ينتظر لحين نتفرغ له، ومن ثم إعطائه المجال ليكون بالمركز ويأخذ حقه بالإصغاء ،وذلك لكي يشعر أننا نفهم ما يقول عن طريق تعبير وجهنا، أو عن طريق جمل مشجعة نقولها، أو الرجوع إلى ما قاله للتأكد أننا فهمنا كلامه بشكل حقيقي وأعطينا شرعية لمشاعره المختلفة.

 

التعليقات