20/02/2018 - 18:44

ثلاث نقاط حول قصة "هل الأولاد يعرفون؟" ...

الأمر الأخير، الموجه للأهل خاصة، هو أن اقتناء قصة لطفل أو لبالغ هي مسؤولية كبيرة، فربما نشتري قصة يكون وقعها سلبيا على الأولاد أكثر من فائدتها بكثير.

ثلاث نقاط حول قصة

تعالج قصة الكاتبة الفلسطينية، ميسون أسدي، "هل الأولاد يعرفون؟"، التربية والتوعية الجنسية، وموضوع إنجاب الأولاد. وهذا السؤال شرعي ومطروح لدى الأطفال في شتى مراحل الطفولة وبداية جيل المراهقة، ومن منا لم يمر في هذه التساؤلات في مرحلة معينة في طفولته.

وهذه أسئلة شرعية وطبيعية جدا لدى الولد والبنت على حد السواء. إلا أن الإشكالية الكبرى تقع عند شرح ذلك للأولاد وبحكايات مختلفة ومتفاوتة، وأحيانا نغلق فم الأطفال حين يسألون، ونقع في شرك كبير فنقول "عندما تكبر سوف تعرف"! أو من العار عليك أن تسأل هذه الأسئلة الآن وخاصة حين تكون الأسئلة بحضور ضيوف، أو أن تقتصر مفرداتنا على شرح وتفسيرات غير مقنعة للطفل، تماما مثل أجوبتنا لهم عن موضوع الموت أو الوجودية مثلا، حيث نجد ألف قصة خيالية نخترعها كي نفسر له أو لها ما نجهله جميعا، أو أننا نخجل في الإجابة عنها، أو حرصا عليهم من عدم الإمكانية لاستيعاب ما نقوله لأنه لا يزال مبكرا خوضها ويحتاج إلى معلومات وإدراك أعمق وأنضج قبل الوصول للجواب الحقيقي والكامل. وكذلك خوفا في إدخالهم في مطبات وتعقيدات نفسية ممكن أن تضرهم بدلا من أن تفيد. ويجب الاعتراف بأننا عاجزون حيال هذه الأسئلة ونحتاج إلى توجيه مهني ومدروس وعوامل مساعدة كي نحسن الإجابة.

ما طرحته الكاتبة في روايتها هو واحد من التفسيرات التي قد تُعطى للأولاد في بداية فترة المراهقة، شرحت فيه شرحا حسيا ما قد يشعر به أي فتى عندما يجلس بجانب الفتاة التي يميل إليها وهو سيكتشف لوحده ما تعنيه أمه. وناقشت قضية الدخول إلى السرير ومراحلها وسمت الأشياء باسمها بدون "لف أو دوران"، بأسلوب مبسط لجيل 10 سنوات وما فوق. القصة كتبت سنة 2015 وليس اليوم، وما "فتح السيرة" اليوم هو إدخال معلمة مدرسة لهذه القصة لأحد الصفوف، الأمر الذي أثار ضجة المدرسة ومن ثم أولياء الأمور ولجنة الأولياء ووزارة المعارف والثقافة والناس والشارع والأهل بين موافق وغير موافق، مؤيد وغير مؤيد، منزعج ومتعاطف، غاضب ومحرج، وغير ذلك من المشاعر والآراء المتضاربة حول القصة. بعضهم وصل بهم الغضب لدرجة الإهانة الشخصية للكاتبة.

حول الخوض في تحليل القصة وتأثيره النفسي على الأولاد وإسقاطات ذلك على عالم الأولاد، أتركه للمهنيين والخبراء النفسيين، مع العلم بأن الكاتبة هي عاملة اجتماعية في مهنتها ولديها الحس التربوي والباع الطويل ولها العديد من الإبداعات وكتب الأطفال في المكتبات.

ما يجب الالتفات إليه هنا بعد هذه الضجة على قصة "هل الأولاد يعرفون" للكاتبة ميسون أسدي يتمحور في 3 نقاط:

الأمر الأول، هو حرية التعبير والكتابة وطرح الموضوع الذي ترتئيه الكاتبة، هل نحن بصدد كم الأفواه ومنع حرية التعبير عن الرأي ومنع حرية الكتابة أم نحن في الطريق إليه؟، فللكاتبة الحق أن تقول ما تشاء، وللجميع الحق بنقده فالنقد شرعي بل محبذ، فيا حبذا لو نجد نقادا مهنيين للأدب وخاصة لأدب الأطفال. وكما نشهد اليوم فالساحة الأدبية تضج بكميات الكتب، منها السخيف ومنها الممتاز ومنها الأقل فائدة وأهمية لعالم الأطفال، ومنها المترجمة ومنها المأخوذة عن قصة أجنبية وفي كثير من الأحيان لا تلائم بنصها ومناخها كله عالمنا بل ممكن أن تبلبله بالمفاهيم غير المفهومة، فالقصص اليوم سوق كامل، نلحظ تزايدا في القصص تناقصا في النوعية الجيدة، التي تحاكي القيم الحسنة والمفاهيم الجميلة التي تقود الولد إلى عالم الجمال والخيال والمتعة في القراءة.

الأمر الآخر، هو دور وزارة المعارف بانتقاء الكتب الملائمة لطلاب المدارس وما هي المعايير التي تتبعها؟ هل هي نسبة الأرباح التي يأخذها هذا أو ذاك ليدخل الكتاب إلى المنهاج وتكون المدارس هي ساحات الأسواق للقصص والمناهج؟  أم هنالك معايير أهم؟ ومن يحدد أهمية الكتاب وفائدته ودقته أيضا؟

الأمر الأخير، الموجه للأهل خاصة، هو أن اقتناء قصة لطفل أو لبالغ هي مسؤولية كبيرة، فربما نشتري قصة يكون وقعها سلبيا على الأولاد أكثر من فائدتها بكثير. يجب أن نقرأ القصة جيدا ونمعن بتفاصيلها وإذا وقعنا في تساؤلات غير مفهومة يجب ألا نخجل من استشارة مهنية.

ويتضح تماما أننا لا زلنا اليوم مجتمعا حساسا ورافضا لطرح موضوع الجنس والاقتراب منه، وسوف يثير في سامعيه تداعيات وتفسيرات ويأخذنا كل إلى فئته وعاداته وتقاليده ومجرد المس بهذا الموضوع كمن يشعل فتيلا في الحطب المبلل بمادة مشتعلة وكيف إذا كانت المادة موجهة لجيل ما قبل المراهقة بقليل.    

التعليقات