17/12/2015 - 09:20

البوعزيزي... شعلة ربيع العرب

نعم أشعل البوعزيزي الربيع العربي، فللعرب ربيع، مهما قاتله الجميع، ربيع سيُزهر حريّة وكرامة وعدلًا وتحريرًا... تحريرًا للإنسان وللأرض.

البوعزيزي... شعلة ربيع العرب

أضرم البوعزيزي النار في نفسه، فاشعل شرارة الربيع العربي، فمن تونس التي فاجأت الجميع كانت البداية، وخلال 18 عامًا أسقط الشباب التونسي الثائر حكم عائلي الطرابلسي وبن علي اللتان جعلتا من زين العابدين واجهة للحكم. وخرج الأخير بثلاثة خطابات متلفزة، بدأها بالتهديد والويل والثبور وعظائم الأمور، واستكملها، في ثانيهما، بالاعتراف بـ 'الحراك الشبابي مع الفصل بين الثائر والمخرّب، بين أخلاق التونسي المتحضّر والمخرّبين'؛ ثم، في آخر خطاباته قال 'أنا فهمتكم، أي نعم، أنا فهمتكم' ليغادر البلاد بعدها، هاربًا وأسرته، تاركًا تونس تحتفل بثورتها وحدها، وسط حالة من الأمل المسيطر على الأمّة العربيّة من المحيط إلى الخليج، بشعارات ردّدها العرب قاطبة خلف الشعب التونسي، 'الشعب يريد إسقاط النظام' و 'ارحل'.

الشعب يريد إسقاط النظام، حملتها الحناجر وأكف الثائرين من تونس إلى مصرَ التي انتفضت شوارعها رفضًا لدولة العواجيز والفساد والعسكريّة، الشعب يريد إسقاط النظام، ردّدها المتظاهرون في القاهرة وهم يُرمون بالرصاص الحي في ميدان التحرير، الشعب يريد إسقاط النظام، ردّدها الثوار وهم يُدهسون بالسيارات الديبلوماسيّة الأجنبيّة تارة ويضربون بالسيوف والخناجر في موقعة الجمل تارة أخرى؛ الشعب يريد إسقاط النظام، ردّدها الثوار في السويس حين احتجزت الشرطة المصريّة جثامين شهداء يوم الغضب ومنعت أهاليهم من الوصول إليهم أو دفنهم.

الشعب يريد إسقاط النظام، ردّدها الثوار على شكل لاءات رافضة لخطابات مبارك الثلاثة ولتكليفه عمر سليمان بالنيابة، ولحكومة أحمد شفيق؛ تنحى مبارك، وغار، كما يقول المصريّون العامّة، لتبقى مصر بعدها رهنًا للمجلس العسكري، ولأحزاب متصارعة متناحرة تحت سقف المجلس العسكري لا بشرعيّة الثورة المصريّة.

في يوم سقوط مبارك، ينتقل نشيد العرب الخالد، متى صحّ منهم العزم، الشعب يريد إسقاط النظام، إلى اليمن والبحرين؛ فتحقق حناجر الثوار في تعز وعدن والعاصمة صنعاء ما عجزت عن تحقيقه خناجر القبائل، التي حاولت إجهاض الثورة عبر تحالفات قبليّة غائرة، وعبر دعم رئيس جثم على العباد والبلاد أكثر من ثلاثين عامًا، رغم أنه لم ينه الصف السادس في التعليم، والأنكى، أنه يريد توريث الحكم لنجله أحمد، وهو عمل غير صالح يا صالح، كما قال الثوار له، وكما قال أخوة لهم من قبل، لزين تونس الذي أصبح شينها، ولمبارك مصر الذي أضاع بركة البلاد وجعلها مقاولًا للسياسات الأميركيّة والإسرائيليّة في المنطقة، لقاء المعونات الأميركيّة ووهم التوريث فضيلةً ديمقراطيّة.

تلقّفت ليبيا الثورة، فاهتزت طرابلس مع حناجر الثوّار، التي أنشدت عاليًا الشعب يريد إسقاط النظام، لكن القذافي، أسقط عليهم الصواريخ من أول أيام الثورة، حين انشق عنه طيّاروه، لأنهم رفضوا، حسبما قالوا، قصف الثوار بطائراتهم، لكن الإرادة الثائرة لا تعرف حدًا، فقد أطاحت بالقذافي بعد أشهر، حين توجّهت الثورة، مع البطش المفرط من قبل مرتزقة القذافي، إلى التسلّح، فسيطرت على طرابلس في نهاية آب/أغسطس، ولتتقدم كتائب الثوار نحو سرت في كانون الأول/أكتوبر، لتقضي على وهم الزعيم الأبدي الذي لا يقهر، فقضى القذّافي قتيلًا، بأحذية من وصفهم بالجرذان قبلًا.

لكّن القذافي، بجنوحه المفرط نحو البطش، بدأ مرحلة جديدة من ربيع العرب، عنوانها الموت من أجل الكرسي، بعدما آثر من كان قبله من رؤساء العرب على النجاة بحياتهم، وعلى دربه الرئيس السوري بشّار الأسد، فحين هتفت حناجر الثوّار بنشيد العرب، اقتلعت شبيّحة الأسد حناجرهم كما اقتلعت أقسامًا أخرى من أجسادهم، ما زالت الصور عنها تشرح حتّى اليوم.

أخذت الثورة السوريّة، بعد عام من الهتاف للحريّة في مواجهة بطش النظام، منحى عسكريًا، لتتحول ثورة الكرامة إلى حرب أهلية، تواجه عشرات الكتائب مختلفة الجنسيّات، وآخرها الغارات الروسيّة، ليعيدها الديبلوماسيّون، دومًا، إلى مربّعها الأول، هل يرحل الأسد أم لا؟ بحسابات الدول الكبرى لا حسابات الكرامة التي أرادها الشعب السوري عنوانًا له.

نعم أشعل البوعزيزي الربيع العربي، فللعرب ربيع، مهما قاتله الجميع، ربيع سيُزهر حريّة وكرامة وعدلًا وتحريرًا... تحريرًا للإنسان وللأرض.

التعليقات