اضمحلال الزراعة العربية..

-

اضمحلال الزراعة العربية..
كانت الزراعة إحدى أهم مصادر العمل والرزق لدى الأقلية العربية قبل إقامة إسرائيل وفي السنوات الأولى بعد إقامتها. لكن في أيامنا هذه، وبعد أن عملت السلطات بطريقة منهجية ومبرمجة على سلب هذا المورد من العرب بواسطة قوانين مصادرة الأراضي ومن خلال المخطّطات التي تحدّ من القدرة على استعمال الأرض وتشديد قواعد استعمال المياه، هبط حجم العاملين العرب في فرع الزراعة الى 6.5 % في العام 1990 وإلى 3% في العام 2006.

كما وتواصل الدولة، بواسطة وزارة الزراعة بالأساس، وضع عوائق أمام تطور الزراعة العربية وتسعى إلى الإبقاء على تخلّف الإنتاج الزراعي العربي، وحجب الموارد اللازمة لتطوير الزراعة، الا انه وبالإضافة إلى السياسات الحكومية، هناك عوامل داخلية لدى المزارعين العرب تساهم ايضا في عدم النهوض في فروع الزراعة العربية.

وزارة الزراعة وتطوير القرية بحسب التعريف الرسمي، تلعب دوراً مركزياً في تطوير الزراعة وتحديث تكنولوجيات الإنتاج والريّ والاستثمارات المالية. من أهداف وزارة الزراعة، كما يرد في منشورات الوزارة الرسمية، نجد: زيادة الصادرات الزراعية؛ إيجاد فرص العمل في الإنتاج الزراعي؛ توسيع رقعة الاستيطان في المناطق غير المأهولة بكثافة بغية تحقيق تلك الأهداف وتشجيع الصادرات الزراعية والاندماج في السوق العالمية.

قامت وزارة الزراعة في تسعينيات القرن الماضي بوضع شبكات أمان لحماية المزارع الإسرائيلي منها: تحديد سقف أدنى لأسعار معظم المنتجات للسوق المحلي وللتصدير؛ زيادة حجم الهبات ومجالات عمل مديرية الاستثمار لتشجيع المحاصيل المعدّة للتصدير، زيادة التجهيزات التكنولوجية؛ زيادة حجم الاستثمار في الأبحاث والتطوير الزراعي.

في نهاية التسعينيات بادرت إسرائيل إلى وضع خطة ثلاثية لتطوير الزراعة بعنوان "خطة التنمية في الزراعة للسنوات 1999-2001"، ورصدت لتنفيذها ميزانية 2 مليار شيكل بهدف ضمان اندماج إسرائيل مع الاقتصاد العالمي ومع الأسواق الزراعية العالمية.

في هذه الخطة حظيت منطقتان بحصة الأسد وهما الجليل والجولان المحتلّ، التي استثمر فيها 461 مليون شيكل، والجنوب (النقب) الذي استثمر فيه 523 مليون شيكل، ومعاً حظيت المنطقتان بـ 50% من مجموع الاستثمارات. وقد غاب المزارع العربي والزراعة العربية من اهداف الخطة الثلاثية.

وفقا لمعطيات العام 2006، تشكل فروع الزراعة حوالي 2 % من الناتج القومي المحلي في إسرائيل، وحوالي 4% من ناتج العمل، وتشغل 3% من القوى العاملة و7% من الصادرات. ووصل مجموع ناتج الفروع الزراعية حوالي 21 مليار شيكل، منها 12.8 مليار في فــروع الزراعة و 8.3 مليار شيكل في تربية المواشي والحيوانات، يُصَدَر منها 22% (440 مليون شيكل).

مبنى المنتوجات الزراعية للعام 2006 (بالنسبة المئوية)

الخضار، البطاطا 23
منتجات (زراعة) الحقل 7.4
الحمضيات 4.3
الفواكه -لا يشمل الحمضيات 17.2
الورود والأزهار 5.2
فرع تربية الابقار والغنم 18.5
الطيور 16.6
آخر 7.8


مبنى الصادرات الزراعية في العام 2006 (%)

الخضار، البطاطا 35
منتجات (زراعة) الحقل 13
الحمضيات 10
الفواكه -لا يشمل الحمضيات 16
الورود والأزهار 16
آخر 8


متابعة لتقارير وزارة الزراعة على مدار سنين وواقع الزراعة العربية، تُظهر التّجاهل التّامّ لوجود المزارعين العرب في الدولة، وتغييب هؤلاء المزارعين عن عمليات التطوير والاستثمار، وغياب شبة تام عن الفروع الزراعية المصدرة وعن تربية المواشي والحيوانات.

في تقرير أعدّته وزارة الزّراعة في سنة 2001 بعنوان "الزّراعة في الوسط العربيّ: مبناها وسبل تطويرها" ومراجعة إصدارات جمعيّة الأهالي، نجد ان عدد المزارعين العرب يصل الى 7 آلاف مزارع ويشكلون 37% من المزارعين المستقلين في الدولة (19 ألفًا). ومن ناحية استخدامات الأرض تتّضح الصورة التالية:

استعمالات الأراضي الزراعية (آلاف الدونمات)

نوع الأرض---- قطري-----عربي-----نسبة العربية من القطرية (%)
أرض زراعية--- 4,200----- 811----- 19
أرض بور------- 673----- 231----- 34
أرض مفلوحة- 3,534----- 580----- 16
أرض بالري---- 1,943----- 72------ 4
أرض بعل------1,591----- 508----- 32




من خلال المعطيات الواردة في الجدول يتبين:

1. يشكّل المزارعون العرب المستقلون 37% من المزارعين المستقلّين في الدولة، لكنهم يفلحون فقط 19% من الأراضي الزراعية في الدولة.
2. 30% من الأراضي الزراعية العربية لا تٌفلح، مقابل 13% من الأراضي اليهودية.
3. يتم زراعة 9% من الأراضي العربية بواسطة الريّ الاصطناعيّ مقابل 64% من الأراضي اليهودية.
4. المزارعون العرب استعملوا فقط 2% من كمية المياه القطرية، ما يعادل 22 مليون متر مكعّب سنويًا.

تشكّل زراعة الخضار الغالبية العظمى من محاصيل الزّراعة العربيّة، وذلك للسهولة النّسبيّة في رعايتها حيث لا تحتاج إلى الكثير من المعرفة والتكنولوجيا، وتحتاج إلى أيد عاملة كثيرة؛ إضافة إلى أنّ مساحات الأرض المتوفّرة للمزارع العربيّ صغيرة، ما يناسِب زراعة الخضار؛ وإمكانيات التسويق المحلية سهلة نسبيًّا، كما وأنّ الاستثمارات الثّابتة والمصاريف المتغيرة في هذا المجال، منخفضة نسبيًّا. أي أن المزارع العربي يلائم عرضه للقسريّات القائمة، ولمتطلّبات السّوق، وبهذا، لا تحتوي خطواته على المجازفة.

في جانب الميزانيات، بموجب الخطة الخماسية الموضوعة في سنة 2000 لتطوير الوسط العربي، كان من المفروض أن ترصد وزارة الزراعة مبلغ 60 مليون شيكل على مدى أربع سنوات، لتطوير البنى التحتية في فرع الزراعة في البلدات العربية، ومنها 20 مليون شيكل لإقامة مشروع "بيت نطوفة". لكن حتى العام 2005، لم يتمّ إعداد أية خطة لتشجيع الزراعة في الوسط العربي. وفي ميزانية العام 2005 لم يكن أي ذكر لمبلغ تم تخصيصه لتطوير الزراعة في أوساط الزّراعة العربيّة. في سنة 2004 وصل إجمالي الميزانية المخصَّصة لـ"الأقليّات" حوالي 1.35 مليون شيكل مقابل 2.07 مليون شيكل في سنة 2003، وهو ما يعادل 1% من ميزانية وزارة الزراعة، و2.5% من ميزانية الهبات في الوزارة.

وفي سنة 2002 وصل مجمل الميزانيات التي خصَّصتها وزارة الزراعة لتطوير الزراعة العربية حوالي مليون شيكل. بكلمات أخرى، على امتداد فترة تنفيذ خطة تطوير الوسط العربي، منذ أكتوبر 2000، خصَّصت الوزارة أقل من 5 مليون شيكل من أصل 60 مليون شيكل كان من المفروض تخصيصها لهذا الغرض.

وقد علق السيد مصطفى ناطور من جمعية الأهالي، الخبير في شؤون الزراعة العربية على هذه المعطيات، وعلى فرص تطوير الزراعة العربية، قائلا ان أزمة الزراعة العربية متعددة المحاور، أبرزها السياسات الحكومية منذ إقامة الدولة وعدم تطوير ذاتي للزراعة وتحديثها.

وأضاف ان فروع الزراعة العربية وتربية المواشي آخذة في الاضمحلال تدريجيًا، ما عدا بعض التجارب الناجحة لمزارعين عرب استطاعوا فعلا الانتقال الى أنماط زراعة حديثة وتوسيع مزارعهم والمساحات المزروعة، منها تجربتان ناجحتان في منطقة باقة الغربية-جت. بالإضافة الى ذلك هناك صعوبات لدى المزارع العربي في تسويق منتجاته لشبكات التسويق الكبيرة التى تحتاج ضمان امداد المنتجات على مدار العام وبجودة عالية، لا يستطيع المزارع العربي الالتزام بها بسبب المساحات الزراعية الصغيرة وعدم مقدرتة على الاستثمار في الحقول والدفيئات.

مالكم: لقد كانت هناك محاولة ناجحة لزراعة القرنفل في قلنسوة في منتصف التسعينيات، لكنها سرعان ما فشلت، لماذا؟

كانت تلك المحاولة الجادّة الوحيدة لزراعة الورود في الوسط العربي وعلى وجه التحديد زراعة القرنفل. وظلّ هذا الفرع صغيراً جداً بسبب الحاجة إلى استثمار كبير في بداية المشروع، عدا عن أن تربية الورود تحتاج إلى خبرات ومعلومات ومهارات أكثر من غيرها، وتتطلّب شروط تسويق ليست هيّنة، ومعدّة بالأساس للتصدير إلى خارج البلاد. الا انه وبسبب حاجة هذا الفرع الى استثمارات عالية وأيد عاملة كثيرة أنتقلت زراعة القرنفل بمعظمها الى قطاع غزة، على غرار زراعة التوت الارضي.

ويضيف السيد مصطفى ناطور ان زراعة الزّيتون تشكل القسم الأعظم في الزّراعة العربيّة، إذ تحتلّ 76% من مساحات الأراضي الزراعية، ويتواجد معظمها في منطقة الشمال والمثلث. يبلغ إنتاج زيت الزيتون لدى المزارعين العرب 5000 طن سنويا، ولم تتغير هذه الكمية منذ العام 1980، بينما بلغ حجم الانتاج لدى المزارعين اليهود قرابة 3000 طن تزداد سنويا بفضل الدعم الحكومي الكبير وخاصة مجلس الزيتون الذي انشئ بالأساس لرعاية زراعة الزيتون العربية.

المزارع العربي غير متواجد تقريبا في فروع تربية المواشي ومنتجيات اللحوم

في مجال تربية المواشي نجد أن الزراعة العربية متخلفة إلى أقصى الحدود وراء الزراعة اليهودية. ففرع حظائر الدواجن واللحوم والحليب هو الفرع الأكثر تخلّفاً. هناك 11 مزارعاً عربياً فقط من أصل 3500 في كل الدولة يسوّقون منتجاتهم من خلال شركة "تنوفا".

بالإضافة الى المعيقات البيروقراطية والسياسية الحكومية، يقع على المزارع العربي قسم (وهو الأصغر) من المسؤولية، اذ تحتاج عملية تربية الحيوانات بأعداد كبيرة إلى استثمارات مالية كبيرة وتلزم صاحب المزرعة الحصول على الرخص اللازمة ومتابعة من وزارة الصحة. المزارع العربي لا يضمن نجاح المشروع ولا المردود المالي. وتزداد حدة هذه الظاهرة خصوصا في مجال الحليب، اذ تحتاج عملية إقامة معامل لتكرير وتصنيع الحليب، بالإضافة الى الاستثمارات المالية، تحتاج الى ضمان الأسواق وضمان تزويد المواد الخام وضمان الأسواق للمنتج، وفي هذه العملية التزامات كبيرة ومسؤوليات كبيرة، على ما يبدو المزارع العربي غير مهيأ لتحملها، ناهيك عن انعدام دعم وإرشاد المؤسسات المتخصصة.

ويضيف السيد ناطور، انه لا يوجد أي عائق لإقامة مصانع الحليب ذات طاقات انتاج متوسطة (بين 1000-1500 لتر حليب يوميا) لدى المجتمع العربي، لكننا نحتاج الى ضمان تزويد المواد الخام وضمان الأسواق، وبالأساس نحتاج الى استثمارات مالية.

لكن من ناحية أخرى، يتابع السيد مصطفى ناطور فإن فروع إنتاج اللحوم هي من أكثر الفروع الزراعية استقراراً. وعادة ما تكون الأسعار محددة من قبل الدولة، أي ان هذا الفرع ما زال يخضع لرقابة الدولة وغير خاضع لقواعد السوق الحر بشكل مطلق. ووفقا لمعطيات مركز الأهالي هناك قرابة 1000 مربي أغنام عربي يملك الواحد منهم 50 رأس غنم وأكثر، معظمهم يربي الأغنام بطريقة عشوائية (أي بدون مزارع منظمة).

بالنسبة لفروع الزراعة، فان معظم المشاكل والعقبات الأساسية للزراعة العربية تتمحور بالاساس في كميات المياه المحددة من قبل وزارة الزراعة، ومساحات الارض الصغيرة، وفي مجال الإنتاج والتسويق. وفي هذا المجال هناك افضلية للشركات الكبيرة والمزارعين الكبار؛ وكذلك بسبب انعدام وسائل التسويق الحديثة التي تفي بمتطلّبات السوق.

في مجال الزراعة، وبعد أن استولت الدولة على معظم الأراضي العربية وحدَّدت نوعية استعمالات الأراضي المتبقية، وقضت على أحد مصادر الرزق الأساسية لدى الأقلية، فهي ليست مستعدّة للعناية بتطوير هذا المجال وإزالة العوائق التي تمنع نموّه وتطوّره، بل تعمل على تطويعه لحاجات الزّراعة والاقتصاد اليهوديّين. تهتمّ الدّولة منذ تأسيسها بالإبقاء على تخلّف الإنتاج الزراعيّ العربيّ، وتحفظ وظيفتة كمسوِّق لمنتجاته في الوسط العربي ومزوّد للمنتجات الزراعية بأسعار زهيدة للوسط اليهودي. المزارع العربي ليس مشمولاً في عملية تحديث الزراعة الإسرائيلية وتطويرها، ويُغَيَّب المزارعون العرب بالأساس عن عمليات الأبحاث والتطوير.

التعليقات