السودان: قلق أمميّ ومواقف محليّة رافضة للمجلس السياديّ الجديد

يلوح في أفق الاقتصاد السوداني، شبح مشكلة تعثر الديون الخارجية، عقب تلميحات من الجهات الدائنة بعدم الإيفاء بالوعود التي قطعتها مسبقا، بعد التعقيدات التي شابت الأوضاع السياسية بالبلاد.

السودان: قلق أمميّ ومواقف محليّة رافضة للمجلس السياديّ الجديد

محتجتان سودانيتان (أ ب)

أثار قرار قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، تشكيل مجلس سيادة جديد برئاسته وتعيين محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائبا له، رفضا محليا، وقلقا أمميا، وسط دعوات للإفراج عن المعتقلين والعودة عن قرارات 25 تشرين الأول/ أكتوبر.

وأدى البرهان أمس الخميس، اليمين الدستورية، رئيسا للمجلس الجديد، أمام رئيس القضاء، عبد العزيز فتح الرحمن عابدين.

وضمّ المجلس إلى جانب البرهان وحميدتي، وفق مرسوم دستوري صدر أمس، كلا من: شمس الدين كباشي، وياسر العطا، وجابر إبراهيم، ومالك عقار اير، والهادي إدريس، والطاهر حجر، ورجاء نيكولا، ويوسف جاد كريم، وأبو القاسم محمد أحمد، وعبد الباقي عبد القادر الزبير، ولمي عبد الجبار.

وبحسب المرسوم، تم إرجاء تعيين ممثل لشرق السودان لمزيد من التشاور.

كما أصدر البرهان، قرارا بفك تجميد مواد بالوثيقة الدستورية، ما عدا عبارة "الحرية والتغيير" الائتلاف الحاكم السابق، بحسب بيان صادر عن الإعلام العسكري للجيش.

وأبرز المواد التي قرر البرهان فك تجميدها تتعلق بمجلس السيادة و صلاحياته ومهامه، ومجلس الوزراء ومهامه، ومرتبطة بالشراكة مع قوى "الحرية والتغيير".

وتتكون قوى "الحرية والتغيير" من قوى سياسية ومدنية، أبرزها الإجماع الوطني، ونداء السودان، وتجمع المهنيين، والتجمع الاتحادي، وتجمع القوى المدنية.‎

وفور إصدار تلك القرارات، خرجت مظاهرات ليلية بالعاصمة الخرطوم، رفضا لإعلان تشكيل جديد لمجلس السيادة بالبلاد.

وخرج عشرات المتظاهرين في أحياء "كافوري" و"كوبر" و"جبرة" و"الكلاكلة" بالخرطوم، و"ود البخيت" بمدينة أم درمان، غربي العاصمة.

وحمل المتظاهرون الأعلام الوطنية، ورددوا شعارات تندد بإعلان تشكيل مجلس السيادة الانتقالي، وعمدوا إلى إغلاق الشوارع بالحواجز الإسمنتية وإطارات السيارات المشتعلة.

وأعلن تجمع المهنيين السودانيين، "عدم شرعية" قرارات البرهان بإعلان مجلس سيادة جديد، قائلا إن الشعب سيقاوم تلك القرارات "حتى الإسقاط الكامل".

وذكر التجمع، قائد الحراك الاحتجاجي في بيان أن "المجلس الانقلابي ما زالت قواته تمارس العنف والتنكيل بالثوار وزج المناضلين في المعتقلات".

فيما اعتبر حزب المؤتمر السوداني (ضمن الائتلاف الحاكم السابق) أن "هذا التصعيد بتشكيل المجلس الانقلابي لا يستند إلى قانون أو أي شرعية دستورية؛ ونؤكد أننا سنناهضه ونقاومه مهما كلفنا؛ ونعلن أن صوت الشارع هو صوتنا وموقفه موقفنا".

(أ ب)

وشدد الحزب في بيان على "ضرورة الالتزام بالوضع الدستوري، وإطلاق سراح المعتقلين كافة، وإعادة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك وحكومته لممارسة مهامهم الدستورية، وإلغاء حالة الطوارئ والسماح للسودانيين باستخدام حقهم الأصيل في الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت".

بينما اعتبر تحالف "التجمع الاتحادي" وهو أحد مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير، إعلان تشكيل مجلس سيادي جديد، "خطوة تصعيدية انقلابية".

وأوضح التجمع أن "إجراءات البرهان ما هي إلا تصعيد واستمرار في الإجراءات غير الدستورية التي قام باقترافها منذ بيانه الانقلابي في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي".

من جهته، اعتبر الحزب "الشيوعي السوداني"، أن قرارات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بتشكيل مجلس سيادة تسير في إعادة النظام السابق لعمر البشير بشكله "الدكتاتوري".

ودعا الحزب في بيان جميع السودانيين، إلى "الوقوف صفا واحدا لهزيمة الانقلاب العسكري َوامتداداته".

من جانبه، قال متحدث الحكومة السودانية المعزولة، حمزة بلول الأمير، إن قرار تشكيل مجلس السيادة الجديد يمثل "امتدادًا للإجراءات الانقلابية" في البلاد.

وقال الأمير، والذي كان يشغل منصب وزير الثقافة والإعلام في الحكومة المعزولة في بيان إن "شعبنا قادر على دحر الانقلاب واستكمال مسيرة الانتقال الديمقراطي، وهذا القرار يؤكد صحة موقف قوى الحرية والتغيير الرافض للحوار مع الانقلابيين".

وعلى المستوى الأممي، قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم أمين عام منظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في مؤتمر صحافي، إن الإعلان عن تشكيل مجلس سيادي جديد في السودان "مقلق للغاية"، داعيا للعودة إلى المرحلة الانتقالية "بأسرع ما يمكن".

بدوره، دعا نائب المندوبة البريطانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، جيمس كاريوكي، في تصريحات للصحافيين، الجيش السوداني إلى تسوية سياسية تقوم على أساس الشراكة بين المكونين العسكري والمدني.

في حين، أبلغ ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، فولكر بيرتس، مجلس الأمن الدولي، أن نافذة الحوار والحل السلمي في السودان "قد أُغلقت"، بحسب ما نقلته مندوبة بريطانيا الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة باربرة وودوارد. في تصريحات للصحافيين.

تهديد تعهدات الدائنين وتعثّر الديون الخارجية

ويلوح في أفق الاقتصاد السوداني، شبح مشكلة تعثر الديون الخارجية، عقب تلميحات من الجهات الدائنة بعدم الإيفاء بالوعود التي قطعتها مسبقا، بعد التعقيدات التي شابت الأوضاع السياسية بالبلاد.

والسودان الذي قطع شوطا في مفاوضات جدولة وإعفاء ديونه الخارجية خلال العامين الماضيين، أعادته الأحداث السياسية مؤخرا إلى المربع الأول.

فيما أكدت الخارجية الأميركية أن إخفاق السودان في استعادة الحكومة المدنية، سيزيد من عزلته عن المجتمع الدولي، وأوضحت أن أكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات، وعلى الأقل 19 مليار دولار من إعفاءات الديون، في خطر.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس الأسبوع الماضي خلال موجز صحافي، إن "الإخفاق في استعادة الحكومة المدنية بالسودان سيزيد عزلتها، وتحدثنا بالفعل عن تعليق تمويل بمقدار 700 مليون دولار".

وأضاف: "أكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات من شركاء ومنظمات تمويل وعلى الأقل 19 ملياراً من إعفاءات ديون للسودان في خطر".

يحدث ذلك، بعد إعلان قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حالة الطوارئ في البلاد، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإعفاء الولاة واعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، ووضع رئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، قيد الإقامة الجبرية.

وسابقا بذلت واشنطن جهودا في تخفيف الديون الخارجية، التي تثقل كاهل الخرطوم، من خلال قرض تجسيري لتسوية 1.2 مليار دولار متأخرات مستحقة عليه للبنك الدولي في كانون الثاني/ يناير الماضي.

وتبلغ ديون السودان نحو 60 مليار دولار؛ وفي 27 حزيران/ يونيو الماضي، انضمت إلى مبادرة صندوق النقد الدولي لتخفيف ديون الدول الفقيرة "هيبيك"، ما سمح بإعفاء البلاد من ديون بنحو 23.5 مليار دولار مستحقة لدائنين.

ويرى الخبير الاقتصادي، خالد التيجاني أن ربط اعفاء الديون الخارجية للسودان بالأحداث السياسية الراهنة من قبل الدول الدائنة، أمر يخضع لتقديرات الدول السياسية.

محتجون في العاصمة الخرطوم (أ ب)

إلا أن التيجاني رفض أن تتعامل مؤسسات التمويل الدولية بذات نهج الدول الدائنة، لجهة أن هذه المؤسسات اقتصادية وليست سياسية.

وقال إن السودان التزم ببرنامج الإصلاحات الاقتصادية التي بموجبها تم انضمامه لمبادرة الدول المثقلة بالديون.

وأضاف أن "عدم التزام هذه المؤسسات الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، عن وعودهما في المساهمة في تخفيف ديون السودان، يعتبر نكوصا عن التعهدات التي قطعوها مسبقا".

وفي حزيران/ يونيو 2020، وقعت الحكومة السودانية مع صندوق النقد الدولي على برنامج المراقبة الذي يعمل على مراقبة اشتراطات الصندوق على الحكومات وتقييمها بعد عام، للحصول على تسهيلات مالية وقروض تزيد عن المليار دولار.

واشترط الصندوق على الخرطوم، الإقرار بجملة من الإصلاحات من أهمها رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء وتوحيد سعر الصرف في جميع المنافذ.

وبحسب التيجاني، إن "الصناديق الدولية لم تضع في اعتبارها المواطن السوداني، الذي دفع ثمن الإصلاحات الاقتصادية التي أجرتها الحكومة الانتقالية، للحصول على دعم من المجتمع الدولي".

وفي حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت الحكومة الانتقالية في البلاد رفع الدعم عن الوقود (البنزين، الديزل) نهائيا٠

وفي شباط/ فبراير الماضي، عومت الحكومة السودانية جزئيا عملتها الوطنية، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار لأكثر من 375 جنيها من 55 جنيها السعر الرسمي قبل التعويم، في مسعى لجسر الفجوة بين السعر الرسمي وأسعار السوق الموازية.

وتبع التعويم، تحرير سعر الدولار الجمركي (الدولار الذي يبيعه البنك المركزي للتجار بغرض استيراد السلع).

وفي المقابل، أكد المحلل الاقتصادي، محمد الناير على عدم رغبة السودان في العودة مجددا إلى العزلة الدولية، بسبب ما يحدث على الصعيد السياسي.

وذكر الناير أن توجهات المجتمع الدولي تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد السوداني، لاسيما في مشكلة الديون الخارجية.. "لكن الحكومة حققت 90 بالمئة من وصفة صندوق النقد، ولا مبرر للتهديد بعدم الإيفاء".

وقال إن "أي دولة نفذت سياسات الصندوق حصلت في المقابل على الإعفاء"، لافتا إلى أن "المجتمع الدولي لم يف بوعوده مع السودان".

التعليقات