تنصيب بايدن وعزل ترامب: الحذر الأمني يخيّم على واشنطن

ويُحاط الحدثان الاستثنائيان - تنصيب الرئيس الجديد وعزل الرئيس الخاسر - بمخاطر أمنية يثير حديث المعنيين عنها المزيد من الرعب. آخر سيناريو حذر من إمكانبة تنفيذ أحد أفراد الحرس الوطني، التابعين لوزارة الدفاع، عملية هجومية خلال التنصيب

تنصيب بايدن وعزل ترامب: الحذر الأمني يخيّم على واشنطن

(أ ب)

يستأنف مجلس الشيوخ الأميركي، يوم غد الثلاثاء، دورته، ومن المفترض أن يتسلم على الفور قرار مجلس النواب بمساءلة الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، وبالتالي المباشرة بمحاكته بعد إدانته، الأسبوع الماضي، في قضية اجتياح الكونغرس في السادس من الشهر الجاري.

وبدا وسط العاصمة الأميركية واشنطن، الإثنين، أشبه بحصن منيع قبل يومين من موعد تنصيب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة في مراسم ستجرى تحت مراقبة أمنية مشددة، فيما جدد الرئيس المنتخب، دعوته، إلى توحيد بلاد يسودها الانقسام.

ومساء اليوم، الإثنين، أعلن مسؤولون أميركيون عن إغلاق الكونغرس، ومنع الدخول إليه أو الخروج منه بسبب وجود "حريق" في خيمة مجاورة للمبنى، وأفادت وسائل إعلام أميركية، لاحقا، بأنه تمت السيطرة على حريق محدود قرب مبنى الكونغرس، مستبعدة وجود تهديد.

وذكرت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، نقلا عن مسؤولين محليين، أن المشاركين في بروفة لحفل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن تم إجلاؤهم من مبنى الكونغرس، بناء على إيعاز من المسؤولين الأمنيين، بعد اندلاع حريق في خيمة للمشردين.

وأضافت الوكالة أنه تم توجيه أولئك الذين تجمعوا للمشاركة في البروفة، بما ذلك فرقة عسكرية، للتوجه إلى الداخل والتحرك في اتجاه موقع آمن داخل مجمع الكابيتول.

وقال مسؤولون لوكالة "أسوشييتد برس" إن حريقا اندلع في عدة مبان وتم إخلاء مبنى الكونغرس بدافع الحرص والحذر. وحسب الوكالة، فإن شرطة الكونغرس أمرت بإغلاق المبنى خلال البروفة بدافع الحذر إثر حريق قريب، مشيرة إلى عدم وجود أي تهديد علني.

بدورها، ذكرت شبكة "سي إن إن" أن الكونغرس تم إغلاقه بسبب حريق محدود في خيمة قريبة من المبنى.

ويوم الأربعاء المقبل، تنتهي رئاسة ترامب في منتصف النهار، ليتسلم الرئيس المنتخب جو بايدن، مفاتيح البيت الأبيض في منتصفه الثاني، إثر الانتهاء من مراسم احتفال متواضع هذه المرة لأداء اليمين الدستورية.

وقد تتأجل مساءلة ترامب إلى ما بعد انتهاء تسلم الرئيس الجديد، أي إلى ما بعد ظهر الأربعاء. كما قد يجري ترحيلها إلى وقت لاحق بغية إفساح المجال لإدارة بايدن لتأمين بداية سلسة قدر الإمكان لولايته الرئاسية.

وتشير التقديرات إلى أن بايدن وفريقه يحبذان هذا الخيار، فيما يضغط الجناح الآخر من الحزب الديمقراطي باتجاه الاستعجال بإبلاغ مجلس الشيوخ، لحمله على فتح المحاكمة "بسرعة" وفق ما يقتضيه القانون.

ويُحاط الحدثان الاستثنائيان - تنصيب الرئيس الجديد وعزل الرئيس الخاسر - بمخاطر أمنية يثير حديث المعنيين عنها المزيد من الرعب. آخر سيناريو تردد في وقت متأخر من ليل أمس، أن هناك خشية من أن يقوم أحد أفراد الحرس الوطني، البالغ عددهم 25 ألفًا، التابعين لوزارة الدفاع (البنتاعون)، والمكلفين بحماية بايدن وفريقه خلال أداء القسم، بعملية هجومية خلال مجريات الاحتفال.

وسبقت ذلك معلومات عن إلقاء القبض، مساء الأحد، على سيدة مسلحة ترتدي بذلة شرطي للتمويه. وكانت التقارير الإعلامية قد ذكرت أنه جرى التعرف إلى أفراد من الشرطة ورجال الإطفاء وعدد من العسكريين المتقاعدين كانوا قد شاركوا في اقتحام مبنى الكابيتول.

جميع هذه التقارير والسيناريوهات عززت الشكوك حول احتمال وجود اختراقات قد تكون أوسع في صفوف الجهات الأمنية المفترض أن تكون في خندق التصدي للتمرد والدفاع عن المؤسسات. يذكر أن الكلام من هذا النوع كثير، ومنه ما يستند إلى معلومات ومنه إشاعات أو تسريبات متعمدة بهدف إحباط أي عمليات أو مخططات عنف محتملة قبل وقوعها.

ومن الجدير الإشارة إلى أن هذه الاحتمالات مأخوذة على محمل الجد أكثر فأكثر مع اقتراب المواعيد الفاصلة، ليس في واشنطن فقط بل في عواصم الولايات الخمسين التي اتخذت تدابير واسعة، منها الاستعانة بقوات من الحرس الوطني.

ولم يتضح ما إذا كانت هذه الحشود الأمنية فضلاً عن ملاحقة المشاركين في الاقتحام، الذين جرى توقيف العشرات منهم، لعبت دورًا في حمل أنصار ترامب من القوميين البيض ومن اليمين المتطرف على إعادة النظر بحساباتهم والاستعاضة عن المظاهرات الضخمة بعمليات فردية، حسب ما تشير إليه تقديرات الجهات الأمنية.

ويأتي ذلك في ظل انقسام القيادات في الحزب الديمقراطي حول توقيت محاكمة ترامب، كما تشق الحزب الجمهوري الخلافات حول التصويت. ففريقه المتشدد متمسك بالدفاع عن ترامب كما فعل في المحاكمة السابقة، انطلاقًا من الانسجام مع خطه ومن حسابات سياسية – انتخابية. الفريق الآخر التقليدي، يدفع نحو اغتنام الفرصة للافتراق عن ترامب عبر التصويت ضده وبالتالي استرجاع الحزب الجمهوري "المتصدع" موقعه المحافظ التقليدي البراغماتي الموروث، على حد تعبير المخطط الجمهوري الإستراتيجي كارل روف.

وأشار روف إلى أنه لا يستبعد انضمام 17 من الشيوخ الجمهوريين إلى الديمقراطيين لضمان صدور قرار العزل بحق ترامب. واعتبر أن زعيم الأغلبية الجمهورية في المجلس السيناتور ميتش ماكونيل (الذي سيصبح زعيم الأقلية يوم الأربعاء)، قد أعطى الإشارة الخضراء لكل سيناتور جمهوري كي يصوت كما يشاء.

ورغم التدابير الأمنية غير الاعتيادية، يبقى المشهد ضبابيا إلى حد كبير، و المؤكد الوحيد هو أن ترامب لن يشارك في احتفال تدشين رئاسة بايدن. وذلك لأول مرة منذ 150 سنة، ما يجعل من نهاية ولايته استثنائية كبدايتها.

وتنتشر في العاصمة الأميركية قوات من الحرس الوطني سيصل عديدها إلى 25 ألفا، الأربعاء، بهدف ضمان أمن "منطقة حمراء" شاسعة تمتد من حي كابيتول هيل الواقع ضمن نطاقه مقر الكونغرس، حيث سيؤدي بايدن ونائبته كامالا هاريس القسَم، وصولا إلى البيت الأبيض.

وأغلق قطاع متنزه "ناشونال مول" الضخم حيث يتدفّق مئات آلاف الأميركيين كل أربع سنوات لحضور مراسم التنصيب. وبدت الطرق شبه مقفرة صباح الإثنين، وهو يوم عطلة إذ يصادف ذكرى أيقونة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ. وعادة ما يشارك الأميركيون في هذا اليوم في أعمال تطوّعية.

وفي واشنطن، حل العسكريون المسلحون والشرطيون المتمركزون قرب عرباتهم المصفحة بدلا من الفضوليين والمارة في الطرق المقطوعة بالحواجز الإسمنتية. وتم توقيف مدنيين مسلّحين على الأقل في الأيام الماضية في محيط "المنطقة الحمراء".

ولا تزال واشنطن تحت هول الصدمة منذ اقتحام دام لمقر الكونغرس نفّذه مناصرون لترامب في 6 كانون الثاني/يناير، في محاولة لمنع المصادقة على نتائج الانتخابات التي انتهت بفوز بايدن بالرئاسة.

ولضمان عدم تشكيل عناصر الحرس الوطني أي تهديد للامن خلال مراسم التنصيب، أعلن مكتب التحقيقات الفدرالي انه يدقق في سيَر العناصر الذين سيكونون منتشرين، الأربعاء.

وفي تصريح أدلى به لشبكة "فوكس نيوز" الإخبارية الأميركية، قال الجنرال وليام ووكر: "نريد أن نتأكد أننا ننشر الأشخاص المناسبين" ضمن الفريق الذي سيتولى حماية أمن الرئيس ونائبته.

التعليقات