الحراك السوداني يرفض الاتفاق مع العسكر... "محاولة لشرعنة الانقلاب"

ندد تجمع المهنيين السودانيين، المحرك الأساسي للحراك الثوري الداعي للحكم المدني الديمقراطي في البلاد، اليوم الأحد، بـ"الاتفاق السياسي" الذي وقعه حمدوك مع البرهان؛ فيما يواصل الآلاف التظاهر ضد الانقلاب العسكري وسط محاولات قمع من الشرطة.

الحراك السوداني يرفض الاتفاق مع العسكر...

حمدوك: وقعت على الإعلان السياسي حقنًا لدماء السودانيين (سونا/ تويتر)

ندد تجمع المهنيين السودانيين، المحرك الأساسي للحراك الثوري الداعي للحكم المدني الديمقراطي في البلاد، اليوم الأحد، بـ"الاتفاق السياسي" الذي وقعه رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، مع قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وأعيد بموجبه الأول إلى منصبه، فيما يواصل الآلاف التظاهر ضد الانقلاب العسكري وسط محاولات قمع من الشرطة.

وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية، اليوم، مقتل متظاهر بمدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم، بعد إصابته برصاص حي في الرأس، وإصابة عدد آخر في مناطق متفرقة "بواسطة ميليشيات الانقلابيين متعددة الأسماء والمهام والأشكال".

وبمقتل الفتى يوسف عبد الحميد (16 عاما)، يرتفع عدد القتلى في قمع القوى الأمنية للاحتجاجات الرافضة لانقلاب البرهان منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؛ "إلى 41 شهيدا"؛ "وهو الشهيد الأول في مقاومة الاتفاق الانقلابي المداهن المعلن اليوم"، بحسب ما أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية على تويتر.

وشدد تجمع المهنيين السودانيين، في بيان صدر عنه عقب توقيع الاتفاق بين حمدوك والبرهان في القصر الجمهوري بالخرطوم، على رفضه للاتفاق "جملة وتفصيلًا"، معتبرا أنه "لا يخص سوى أطرافه، فهو مجرّد محاولة باطلة لشرعنة الانقلاب الأخير وسلطة المجلس العسكري، وانتحار سياسي للدكتور عبد الله حمدوك".

وقبل مراسم التوقيع الذي نقلها تلفزيون السودان، وصل حمدوك إلى القصر الجمهوري في أول ظهور بعد ساعات من رفع الإقامة الجبرية عنه منذ قرارات البرهان بحل مؤسسات الحكم الانتقالي، الشهر الماضي.

وقاد البرهان انقلابا في 25 تشرين الأول/ أكتوبر خلال مرحلة انتقال هشة في السودان. واعتقل معظم المدنيين في السلطة وأنهى الاتحاد الذي شكله المدنيون والعسكريون وأعلن حالة الطوارئ.

وبثّ التلفزيون تفاصيل الاتفاق السياسي الذي شمل 14 نقطة في مقدمها: تولي حمدوك مجددا رئاسة الحكومة و"إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والعمل على بناء جيش قومي موحد". من جهته جدد البرهان "الثقة" بحمدوك ووجه له الشكر على "صبره وصموده" طوال الفترات الماضية.

أما حمدوك فقد قال، على ما نقل التلفزيون، إن من الأسباب الرئيسية التي احتكم إليها للتوقيع على هذا الاتفاق "حقن دماء السودانيين"، مشيرا إلى أن "التوقيع على هذا الاتفاق يفتح بابا واسعا لمعالجة كل قضايا الانتقال وتحدياته". وأضاف "فلنترك خيار من يحكم السودان لهذا الشعب العظيم".

رفض للاتفاق

من جانبها، رفضت قوى إعلان الحرية والتغيير وهي الكتلة المدنية الرئيسية التي قادت الاحتجاجات المناهضة لعمر البشير ووقعت اتفاق تقاسم السلطة في العام 2019 مع الجيش، اتفاق الأحد. وقالت في بيان "نؤكد موقفنا الواضح والمعلن سابقا أنه لا مفاوضات ولا شراكة ولا شرعية للانقلاب". كما طالبت المجموعة بمحاكمة قادة الانقلاب بتهمة تقويض شرعية العملية الانتقالية وقمع المتظاهرين وقتلهم.

وقال التجمع إن "نقاط اتفاق الخنوع، على علاتها وانزاوئها بعيدًا، دون تطلعات شعبنا، فإنها لا تعدو كونها حبرًا على ورق، جرّب شعبنا عهود الانقلابيين الكاذبة وخبر خسّتهم ونقضهم لها، طريق شعبنا أكثر وضوحًا الآن من أي وقت مضى، إسقاط شراكة الدم وكل من يلتحق بها، ومواصلة المقاومة السلمية ببناء قواعده المقاوِمة في لجان الأحياء والكيانات النقابية، وتنويع أدوات الفعل المقاوم بلا توقف وصولًا للدولة المدنية الديمقراطية وسلطتها الثورية الخالصة".

وأضاف التجمع أن "هذا الاتفاق الغادر هو تلبية لأهداف الانقلابيين المعلنة في إعادة تمكين الفلول وتأبيد سلطة لجنة البشير الأمنية القاتلة، وخيانة لدماء شهداء ثورة ديسمبر قبل وبعد انقلاب 25 أكتوبر، يقيننا أن شعبنا سيبطله وسيواصل وقوفه الصامد، بوجه عواصف القمع والانتكاس التي تحاول إعادته للوراء، منصوب الشراع".

وتابع "إننا في تجمع المهنيين السودانيين، متمسكون بمقترح الإعلان السياسي الذي تقدمنا به لقوى الثورة، وتنطلق مواقفنا من ذلك الإعلان الذي ندعو كل قوى الثورة لإعادة قراءته على ضوء المستجدات، فثورة شعبنا ليست رهنًا لأفراد، وعلى قواها الحية الملتزمة بلاءاتها المعلنة أن ترفع وتوسِّع من أشكال تنسيقها وأن تتجاهل دعوات الإنكفاء وعزل قوى الثورة عن بعضها، فالنصر معقود بلواء تكاتف وتكامل قوى الثورة الظافرة، وهو آتٍ دون ريب".

الاحتجاجات مستمرة

وفي الخرطوم ومدينتي كسلا وعطبرة في شرق وشمال البلاد، واصل آلاف السودانيين احتجاجاتهم ضد الانقلاب العسكري على الرغم من إعلان الاتفاق السياسي الجديد، بحسب ما أكد شهود عيان لوكالة "فرانس برس".

وفي المقابل، أطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين الذين خرجوا مساندين للحكم المدني قرب القصر الجمهوري، وسط الخرطوم.

وتظاهر المئات بميدان "جاكسون" وسط الخرطوم، استجابة لمظاهرات دعت لها "لجان المقاومة" (مكونة من نشطاء) وأطلقت عليها "مليونية 21 نوفمبر"، وفق شهود عيان.

وردد المتظاهرون الذين يحملون الأعلام الوطنية، شعارات، "حمدوك يا ني.. الشارع حي" و"الشعب يريد إسقاط البرهان"، و"الشعب أقوى، والردة مستحيلة"، "الثورة ثورة شعب، والسلطة سلطة شعب، والعسكر للثكنات".

وأفاد شهود عيان بأن المئات تظاهروا أيضا في مدن "عطبرة" (شمال)، و"ربك" (جنوب). ورفع المتظاهرون لافتات مكتوب عليها، "القصاص العادل للشهداء"، و"يسقط حكم العسكر"، و"الردة مستحيلة"، و"لا تفاوض، و"لا شراكة"، و"لا مساومة".

وكانت عودة حمدوك، خبير الاقتصاد الذي تلقى تعليمه في بريطانيا وعمل في الأمم المتحدة ومنظمات أفريقية، إلى رئاسة الحكومة مطلبا رئيسيا للمجتمع الدولي.

وأورد بيان الوسطاء أن الاتفاق تم التوصل إليه بعد توافق بين فصائل سياسية وجماعات متمردة سابقة وشخصيات عسكرية. وأشار البيان إلى أن "الاتفاق سيعلن رسميا في وقت لاحق اليوم (الأحد) بعد توقيع شروطه والبيان السياسي المصاحب".

وأعلن الاتفاق قبل احتجاجات دعا إليها ناشطون مؤيدون للتحول الديمقراطي ضد الانقلاب العسكري، هي الأحدث في سلسلة من التظاهرات التي قتل فيها 40 شخصا على الأقل، وفقا لمسعفين.

وشهد الأربعاء 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، سقوط أكبر عدد من القتلى بلغ 16 شخصا معظمهم في ضاحية شمال الخرطوم التي يربطها جسر بالعاصمة السودانية، حسب نقابة الأطباء المؤيدة للحراك المدني.

وفي تغريدة على "تويتر"، دعا تجمع المهنيين السودانيين الذي لعب دورا محوريا خلال الانتفاضة التي أدت إلى إسقاط عمر البشير في نيسان/ أبريل 2019، إلى مجموعة من التجمعات طوال الأسبوع من بينها تظاهرة "مليونية" حاشدة، الأحد.

وتظاهر مئات في مدينة الخرطوم بحري شمال شرق العاصمة، السبت، ووضعوا حواجز على طرق وأضرموا النار في إطارات مطاط، وهتف المتظاهرون بشعارات ضد الحكم العسكري.

التعليقات