ماكرون رئيسا لفرنسا لولاية ثانية: ترحيب أوروبيّ وتحديات داخليّة

أعاد الفرنسيون انتخاب إيمانويل ماكرون (44 عاما) رئيسا لولاية ثانية، متغلبا على منافسته من اليمين المتطرف، مارين لوبن، بحسب تقديرات أولية نشرتها مراكز الاستطلاع.

ماكرون رئيسا لفرنسا لولاية ثانية: ترحيب أوروبيّ وتحديات داخليّة

ماكرون بعد نتائح التقديرات الأولية (Getty images)

أعاد الفرنسيون انتخاب إيمانويل ماكرون (44 عاما) رئيسا لولاية ثانية، متغلبا على منافسته من اليمين المتطرف، مارين لوبن، بحسب تقديرات أولية نشرتها مراكز الاستطلاع، فيما رحب القادة الأوروبيون بالأنباء التي تفيد بفوز تيار الوسط المؤيد لأوروبا، وليس القومي بقيادة لوبن.

وحصد ماكرون ما بين 57,6 و58,2% من الأصوات، متقدما على لوبن التي حازت ما بين 41,8 و42,4% من الأصوات، بحسب التقديرات. وراوحت نسبة الامتناع عن التصويت بين 27,8 و29,8%.

استطلاعات الرأي تظهر على شاشة في ساحة دي مارس في باريس (Getty Images)

وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها في عموم فرنسا اليوم، الأحد، حيث يحق لـ48.7 مليون ناخب، الإدلاء بأصواتهم في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية بين ماكرون ولوبن.

وبلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات 63,23% أي أقل بنقطتين مقارنة بانتخابات عام 2017، بينما بلغت نسبة الامتناع عن التصويت نحو 28%، بحسب ما أعلنته وزارة الداخلية.

وكانت نسبة المشاركة قد بلغت عند منتصف النهار 26,41%، أقل بنقطتين عن انتخابات عام 2017، وذلك بحسب بيانات وزارة الداخلية.

كذلك، تعد هذه النسبة أقل من مثيلتها في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعامَي 2012 و2007.

يُشار إلى أن استطلاعات الرأي أشارت، أخيرًا، إلى تقدم ماكرون على لوبن بنسبة تتراوح بين 55 و56.5%، كما أنه حصد في الجولة الأولى أصوات أكثر من لوبن.

(Getty Images)

واختار الفرنسيون إعادة انتخاب رئيس وسطي ليبرالي وموال جدًا لأوروبا بدلًا من مرشحة راديكالية تضع -بحسب ما تقول- "الأولوية الوطنية" في صلب برنامجها وتنتقد الاتحاد الأوروبي بشدة.

ماكرون: "لست رئيس فريق إنما رئيس الجميع"

وأعلن ماكرون أن تصويت الناخبين ضد حزب التجمع الوطني "يلزمني للأعوام المقبلة"، لكن توجه أيضا إلى معارضيه، قائلا: "لست رئيس فريق، إنما رئيس الجميع".

وقال ماكرون في خطاب أمام برج إيفل في باريس: "أعلم أن عددا من مواطنينا صوتوا لي اليوم ليس دعما للأفكار التي أحملها، بل للوقوف في وجه (أفكار) اليمين المتطرف".

وأضاف: "هذا التصويت يلزمني للأعوام المقبلة".

وقال إنه لا بدّ من "إعطاء أجوبة" للذين دفعهم "الغضب والاختلاف في الرأي" للتصويت إلى أقصى اليمين.

وأضاف: "أتوجه بالشكر لكل من منحني الثقة حتى نواصل مسار فرنسا أكثر استقلالا، وأوروبا أكثر اتحادا".

وذكر أن "العديد صوتوا لي من أجل التصدي لليمين المتطرف وأتوجه لهم بالشكر".

وتابع ماكرون: "مشروعنا مبني على العمل والإبداع وأريد أن أحمله بكل قوة للسنوات المقبلة".

وأضاف: "نتمنى أن نصل إلى مجتمع أكثر عدلا ومساواة بين الرجال والنساء"، عادًّا أن "على فرنسا أن تكون واضحة في اختياراتها وأن تبني قوتها في كل المجالات".

وقال: "علينا تجسيد الوحدة لنكون أكثر سعادة في فرنسا وأن نواجه تحديات السنوات القادمة... كل منا ستكون على عاتقه مسؤولية، وهذا ما يجعل الشعب الفرنسي قوة استثنائية".

ولا يتوقّع أن تكون أمام ماكرون فترة راحة حتى ولو قصيرة، بعد أن صوّت كثيرون، وخصوصا من اليسار، له على مضض فقط لمنع اليمين المتطرف من الفوز.

وربما تندلع مرة أخرى وبسرعة كبيرة الاحتجاجات التي شابت جزءا من فترته الرئاسية الأولى، بينما يحاول المضي قدما في الإصلاحات المؤيدة للشركات.

وستتأثر طبيعة فترة ماكرون الرئاسية الثانية، بمدى قوة نتائج الانتخابات البرلمانية في حزيران/ يونيو.

وذكرت لوبن أنها تسعى لإيجاد كتلة قوية موحدة في البرلمان، بينما قال اليساري المتشدد، جان لوك ميلينشون، إنه يريد أن يكون رئيس الوزراء، وهو أمر من شأنه أن يجبر ماكرون على "تعايش" محرج يشوبه ركود سياسيّ.

ردود على النتائج

وكتبت رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في تغريدة: "عزيزي إيمانويل ماركون، أقدّم كل تهانيّ لإعادة انتخابك (...) أبدي ارتياحي الى التمكن من مواصلة تعاوننا الممتاز. معًا، سنمضي قدمًا بفرنسا وأوروبا".

وقال رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال عبر "تويتر": "في هذه المرحلة المضطربة، نحتاج إلى أوروبا صلبة وإلى فرنسا ملتزمة تماما من أجل اتحاد أوروبي أكثر سيادة وأكثر إستراتيجية".

كما اعتبر المستشار الألماني، أولاف شولتس، أن إعادة انتخاب ماكرون "إشارة قوية لصالح أوروبا".

(Getty Images)

من جانبه، هنأ رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، ماكرون، وغرّد بالفرنسية قائلًا: "أنا مسرور بأن نواصل العمل معا على موضوعات رئيسية بالنسبة إلى بلدينا وإلى العالم".

وهتف أنصار ماكرون الذين تجمّعوا في حديقة "شان دو مارس" في باريس تحت برج إيفل، "واحد، اثنان، خمسة أعوام إضافية!"، ثمّ علت موسيقى قبل عشر دقائق من إعلان التقديرات.

نسبة قياسيّة للامتناع عن التصويت

وماكرون (44 عامًا) هو أول رئيس فرنسي يُعاد انتخابه لولاية ثانية خلال 20 عامًا، منذ إعادة انتخاب جاك شيراك عام 2002 بعدما هزم منافسه آنذاك والد مارين لوبن، جان-ماري لوبن.

غير أن هذه الانتخابات تندرج في سياق نسبة امتناع عن التصويت قياسية تُقدّر بـ27,8% بحسب المعهد الفرنسي للرأي العام، وهي نسبة غير مسبوقة في دورة ثاني من الانتخابات الرئاسية منذ 1969 (31,3%).

لوبن (Getty Images)

على سبيل المقارنة، حصل ماكرون عام 2017 على 66,10% من الأصوات متقدّمًا بفارق كبير على لوبن (33,90%).

عين على الانتخابات التشريعية المقبلة

وتمكنت لوبن (53 عامًا) بحصولها على ما بين 41,8 و42,4% من الأصوات، من رفع اليمين المتطرف إلى مستوى قياسي في فرنسا، ما يُنذر بأن الرئيس سيواجه صعوبات كبيرة. وسيكون أول تحد أمامه الحصول على الأغلبية في الانتخابات التشريعية المقررة في حزيران/ يونيو.

بعد صدور التقديرات الأولى، اعتبرت لوبن أن ما حصدته من أصوات في الانتخابات الرئاسية، يشكل "انتصارا مدويا". ووعدت بـ"مواصلة" مسيرتها السياسية، مؤكدة أنها "لن تتخلى أبدا" عن الفرنسيين.

وقالت: "نطلق هذا المساء المعركة الانتخابية التشريعية الكبيرة"، وسط تصفيق حار من جانب مناصريها.

ووعد زعيم اليسار الراديكالي، جان لوك ميلانشون الذي حلّ في المركز الثالث في الجولة الأولى من الانتخابات، بأن تكون الانتخابات التشريعية المقررة في 12 و19 حزيران/ يونيو، جحيمًا بالنسبة لماكرون، معتبرًا أنه رئيس "انتُخب بشكل سيء". وقال إن "الجولة الثالثة تبدأ هذا المساء".

ماكرون "رئيس الأثرياء"

ووُصف ماكرون بـ"رئيس الأثرياء"، خصوصًا بسبب قرارين اتخذهما في بداية ولايته ولم يقبلهما اليسار أبدًا، وهما إلغاء الضريبة على الثروات وتخفيض إعانات السكن.

وأثارت مواقفه الخلافية بشأن مسائل عدة وممارسته العمودية للسلطة استياء جزء من الفرنسيين الذين اعتبروا أنه بعيد جدًا عن واقع حياتهم اليومية والصعوبات المادية التي يواجهونها في نهاية كلّ شهر.

(Getty Images)

وجراء أعمال العنف خلال تظاهرات "السترات الصفراء"، وتعامُل قوات الأمن مع المتظاهرين، إضافة إلى معاملة المهاجرين الأفغان والسوريين والسودانيين، وغرهم، بشكل "مهين" وفق منظمات غير حكومية دولية ووطنية خصوصًا في كاليه، فقد ماكرون بشكل نهائي جزءًا من اليسار رغم أنه التيار السياسي الذي يتحدر منه.

وخسرت لوبن للمرة الثالثة في مسيرتها انتخابات رئاسية. ولم تفلح مرة جديدة في تجاوز العتبة الكبيرة التي يمثلها انتصار اليمين المتطرف في فرنسا. لكن بحصولها على نتيجة مرتفعة، تضع لوبن عائلتها السياسية وأفكارها الراديكالية بشكل أكبر في صلب الساحة السياسية الفرنسية.

وتحصد لوبن ثمار إستراتيجية طويلة اتّبعتها منذ عقد لـ"نزع شيطنة" صورتها. فقد خففت حدة خطابها وبدت بمظهر المرشحة القريبة من مخاوف الفرنسيين، حتى أنها رفضت وصفها بأنها من اليمين المتطرف، رغم أن في الواقع لم يتغيّر برنامجها، خصوصًا في ما يخصّ الهجرة.

التعليقات