توتر بالخليج العربي: أميركا تؤجج؛ أوروبا تحذر والمنطقة تنتظر

تصاعدت حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وسط رسائل شديدة اللهجة، تجاوزت البروتوكولات الدبلوماسية، وصولا إلى "طلعات ردع" نفذتها مقاتلات أميركية في سماء الخليج ضد إيران

توتر بالخليج العربي: أميركا تؤجج؛ أوروبا تحذر والمنطقة تنتظر

مضيق هرمز (أرشيفية - أ ف ب)

تصاعدت حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وسط رسائل شديدة اللهجة، تجاوزت البروتوكولات الدبلوماسية، وصولا إلى "طلعات ردع" نفذتها مقاتلات أميركية في سماء الخليج ضد إيران، ما دفع الاتحاد الأوروبي للتحذير من تصعيد إضافي للتوترات حول الاتفاق النووي الإيراني، في وقت تحدثت فيه بريطانيا عن خطر اندلاع نزاع "عن طريق الخطأ" في الخليج.

واستمر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في إطلاق تصريحاته التي تحمل طابعا تهديديًا ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، مساء اليوم، الإثنين، حيث قال إن إيران سترتكب "خطًا كبيرًا" إذا فعلت شيئًا ضد الولايات المتحدة، في حين تتهم واشنطن طهران بالإعداد "لهجمات" على مصالح أميركية في الشرق الأوسط.

وقال الرئيس الأميركي، خلال لقائه رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، في البيت الأبيض، "إذا فعلوا أي شيء، فسوف يتألمون كثيرا". وتابع "سنرى ما سيحدث مع إيران"، متوقعًا أن تواجه طهران "مشكلة كبيرة (...) إذا حدث شيء ما". وقال "لن يكونوا سعداء".

وجاءت تصريحات ترامب بعد يوم من إعلان الإمارات تعرض 4 سفن تجارية، بينها ناقلتا نفط سعوديتان، لـ"عمل تخريبي" أثناء مرورها في الخليج العربي قرب شواطئ إمارة الفجيرة، على مشارف مضيق هرمز، من دون أن توجه اللوم في الحادث لأي بلد أو جهة.

فيما أجرت مقاتلات أميركية، الإثنين، "طلعات ردع فوق الخليج العربي"، موجهة ضد إيران، بذريعة "حماية المصالح الأميركية"، وقال المتحدث باسم قيادة القوات المركزية الأميركية، العقيد بيل أوربان، إن طائرات سلاح الجو الأميركي نفذت "طلعات ردع" ضد إيران، لحماية المصالح الأميركية.

وأكّد مسؤول إماراتي لوكالة "فرانس برس"، مفضّلا عدم الكشف عن هويته، أن اثنتين من السفن الأربع تحملان علم السعودية وهما "المرزوقة" و"أمجاد"، بينما تحمل الثالثة علم دولة الإمارات "آي ميشيل"، وهي أيضا ناقلة نفط، والرابعة تحمل علم النرويج، وتدعى "أندريا فيكتوري"، مشيرا إلى وجود أضرار في أسفل هيكل السفينة النرويجية من الجهة الخلفية.

وأعلنت شركة توم النرويجية، في بيان، أن ناقلة النفط أندريا فيكتوري تعرضت لأضرار هيكلية بعد أن "اصطدم بها جسم غير معروف".

ولم تحدّد الرياض ولا الإمارات طبيعة تلك الأعمال أو الجهة التي تقف خلفها. وبحسب المحلّلة في مجموعة "أميركان إنتربرايز إينستيتوت"، كارين يونغ، فإن "العمل التخريبي" قد يكون "هجوما إلكترونيا، أو أضرارا في المحرك، أو حتى بحق الطاقم".

"أندريا فيكتوري"

من جهته، وجّه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، أصابع الاتهام إلى "أطراف ثالثة تستهدف جر المنطقة إلى حرب"، ليبعد واشنطن عن دائرة الاتهام. واعتبر بيشه أن ما حدث يهدف إلى تصعيد التوتر بين إيران الولايات المتحدة وربما وقوع حرب بينهما.

وأضاف بيشه في تصريح لوكالة "إرنا" الرسمية، إن بلاده "هي الأكثر التزامًا بأمن المنطقة، وأظهرت ذلك من خلال التوقيع على اتفاقيات أمنية مع دولها في تسعينيات القرن الماضي"، مشددًا على "ضرورة أن تكون منطقة الخليج الفارسي آمنة".

ولم تكشف طهران عن هوية "الأطراف الثالثة"، لكن من الواضح أن المقصود هي "مجموعة ب"، التي اتهمها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في أكثر من مناسبة، بالسعي إلى استدراج الرئيس الأميركي إلى حرب مع بلاده، في إشارة إلى مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ووولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد.

وتحدثت تحليلات إيرانية عن أن إسرائيل تجد في ترامب فرصة كبيرة لجرّ واشنطن إلى حرب مع طهران، وهو ما عجزت عنه خلال العقود الماضية.

انخفاض كبير لأسهم الرياض ودبي وأبوظبي

وفي ظل حالة من الحذر بين المستثمرين في ظل الضبابية التي تكتنف المنطقة، مُنيت بورصتا دبي وأبوظبي، الإثنين، بأكبر انخفاض يومي لهما خلال سنوات، بعدما تعرضت سفن تجارية لهجمات قبالة ساحل الإمارات، بينما مرّت الأسهم السعودية أيضا بأسوأ يوم لها منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بعدما قالت الرياض إن ناقلتين نفطيتين لها من بين السفن التي تعرضت للهجوم.

ميناء الفجيرة حيث حصلت أحداث التفجير (أرشيفية - أ ف ب)

وتراجع المؤشر الرئيسي للسوق السعودية 3.6%، مع هبوط سهم مصرف الراجحي 4.6%، بينما انخفض سهم الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) 5.1%. وهبط المؤشر بنحو 10% منذ بداية مايو/ أيار.

وقالت المملكة إن الناقلتين النفطيتين السعوديتين تعرضتا للهجوم قبالة ساحل دولة الإمارات، مشيرة إلى أنها محاولة لتقويض أمن إمدادات الخام وسط تصاعد التوترات الأميركية- الإيرانية.

بومبيو و"خيبة الأمل" من الموقف الأوروبي

وعلى وقع التهديد والوعيد، حطّ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الإثنين، في بروكسل، في زيارة مفاجئة، حيث التقى نظراءه من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي في 2015، الهادف إلى الحد من طموحات إيران النووية مقابل رفع العقوبات عنها.

وجاءت تلك اللقاءات على هامش اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

وأعلنت إيران، الأسبوع الماضي، تعليق التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وذلك بعد عام على انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب منه، وفرضه عقوبات قاسية على الجمهورية الإسلامية، معرضا بذلك الاتفاق للخطر.

وأعطت الولايات المتحدة بعدًا عسكريًا للتوترات الدبلوماسية، مع قرارها إرسال سفينة هجومية برمائية وبطاريات صواريخ "باتريوت" إلى الخليج، حيث نشرت أصلًا قاذفات من طراز "بي 25" وحاملة الطائرات "أبراهام لنكولن".

وأعلن عن زيارة بومبيو لبروكسل في اللحظة الأخيرة، ووصل آملًا بإظهار وحدة بين الأوروبيين والأميركيين ضدّ إيران. لكنه مني بخيبة أمل مع انتقاد بريطانيا وفرنسا وألمانيا علنًا المقاربة الأميركية المتشددة حيال المسألة.

وقال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إن برلين "لا تزال تنظر للاتفاق النووي كأساس لعدم امتلاك إيران لأسلحة نووية في المستقبل، ونرى في ذلك بعدًا وجوديًا بالنسبة لأمننا".

وأكد ماس أنه شدد في لقائه الثنائي مع بومبيو على القلق من "التطورات والتوترات في المنطقة، وعلى أننا لا نريد أي تصعيد عسكري".

ولدى وصوله إلى بروكسل، دعا وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، إلى "فترة هدوء"، محذرًا بوضوح من خطر دفع إيران من جديد نحو تطوير أسلحة نووية. وقال "نحن قلقون من خطر نزاع يندلع عن طريق الخطأ بسبب تصعيد غير مقصود من قبل كلا الطرفين".

وتابع أن "الأهم هو أن نعمل على عدم عودة إيران إلى طريق التسلح النووي. إذا باتت إيران قوة نووية، فهذا يعني أن جيرانها قد يصبح لديهم الرغبة في أن يكونوا قوى نووية أيضًا". وأوضح "إنها المنطقة الأقل استقرارًا في العالم وسيكون ذلك خطوة كبرى في الاتجاه الخاطئ".

الاتحاد الأوروبي يحذر من التصعيد بين واشنطن وطهران

من جهتها، شددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، على أهمية الحوار، معتبرة أنه "الطريق الوحيد والأفضل لمعالجة الخلافات وتجنّب التصعيد" في المنطقة.

وأضافت "نواصل دعمنا الكامل للاتفاق النووي مع إيران، وتطبيقه كاملًا"، مضيفةً أن الاتفاق "كان ويبقى بالنسبة لنا عنصرًا أساسيًا لأسس عدم انتشار الأسلحة على الصعيد الدولي وفي المنطقة".

وانضمّ وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى منتقدي الولايات المتحدة، بالقول إن خطوة واشنطن بالتصعيد ضد إيران "لا تلائمنا".

وترأست موغيريني اجتماعًا مع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، حيث بحثوا بكيفية إبقاء الاتفاق النووي الإيراني على قيد الحياة.

وتطرقوا أيضًا إلى آلية "إنستيكس" للتجارة، التي وضعتها الدول الثلاث بهدف مواصلة العمليات التجارية بشكل قانوني مع إيران مع تفادي العقوبات الأميركية. وأطلقت الآلية في كانون الثاني/ يناير الماضي، لكنها لم تفعل بعد، كما رفضتها القيادة العليا في إيران.

وجاء رد موغيرني فاترا على نبأ زيارة بومبيو، مشيرة إلى أن المفوضية الأوروبية أبلغت بها في اللحظة الأخيرة. وقالت للصحافيين "سنكون هنا طوال اليوم مع برنامج عمل مزدحم، ولذلك سنرى خلال النهار كيف سننسق اجتماعًا (مع بومبيو) إن تمكّنا من ذلك".

وحدد الرئيس الإيراني، الأسبوع الماضي، مهلةً للأوروبيين، مهددًا بأن تعلق إيران تنفيذ تعهّدات في الاتّفاق النووي في حال لم تتوصّل الدول الأخرى الموقّعة على الاتّفاق إلى حلّ خلال ستّين يومًا لتخفيف آثار العقوبات الأميركيّة على القطاعين النفطي والمصرفي الإيرانيَيْن. لكن الأوروبيين رفضوا هذه المهلة.

وواصلت الولايات المتحدة في الأثناء زيادة الضغط على إيران، مع اتهام بومبيو طهران بأنها تخطط لاعتداءات "وشيكة" وتعزز حضورها العسكري في الخليج.

وادعى المبعوث الأميركي الخاص بإيران، براين هوك، أن الجمهورية الإسلامية تشكل "تهديدا متزايدا"، وقال للصحافيين "على إيران أن تنخرط في محادثات بدلا من إطلاق التهديدات. لقد اتّخذوا خيارا خاطئا بتركيزهم على إطلاق التهديدات".

وبقراره زيارة بروكسل، ألغى بومبيو زيارة إلى موسكو كانت مقررة الإثنين. لكن الوزير الأميركي سيتوجه إلى منتجع سوتشي على البحر الأسود للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرغي لافروف، الثلاثاء، وفق ما أعلن مسؤول من الخارجية الأميركية، مباشرة قبل مغادرة بومبيو واشنطن.

 

التعليقات