18/07/2008 - 11:13

مطلوب متظاهرون?/علاء حليحل

صفقة تبادل الأسرى إنجاز للمقاومة وخسارة لرئيس الحكومة الإسرائيلي

مطلوب متظاهرون?/علاء حليحل
ها هو وزير الثقافة الإسرائيلي، غالب مجادلة، يفتتح مهرجانا مسرحيا آخر، كما افتتح وسيفتتح مهرجانات وعروضًا ثقافية تجري في المجتمع العربي عندنا، بصفته وزيرًا مسؤولا (للأسف) عن هذه النشاطات.

ما يثير الخيبة والضحك من شرّ البلية أنّ عددًا من الذين تظاهروا ضد حضور مجادلة لافتتاح مسرحية "حارق المعبد" في مسرح "الميدان" في حيفا، قبل عدة شهور، يشاركون في هذا المهرجان الذي يرعاه وسيفتتحه مجادله وزلمه في الدوائر الثقافية الإسرائيلية. يوجد ممثل مبتدئ شارك في المظاهرة إياها وها هو يشارك الآن في مهرجان سيأتي مجادلة لافتتاحه. هل سيتظاهر ضده ليلة الافتتاح؟ كيف يعمل الآن بنقود مجادلة وعكاكيزه من "مباي"؟ وأولئك من الفنانين المحمومين الذين استغلوا مبادئ وطنية كي يحتجّوا على مصلحة شخصية صرفة، هل سيأتون للتظاهر في عكا؟

هل اعتقدتم أنّ هذه قمة السخرية والعهر السياسي؟ كلا؛ فأحد العاملين في الصحافة المحلية تظاهر وقتها ضد عرض "حارق المعبد"، وبعد انتهاء المظاهرة وجده مدير المسرح جالسًا في الصف الأول لحضور المسرحية، تحت تبرير: "هاي لحال وهاي لحال"!

أعتقد أنّ جميع الذين تظاهروا وقتها لن يتظاهروا ضد مجادلة في "مسرحيد"، إما لأنهم يعملون الآن ومستفيدون، وإما أنّ لا مصلحة شخصية أو حزبية لهم كي يستغلوا المظاهرة لأجلها. هذه ليست ملاحظات مع "الميدان" أو غيره؛ هي ضد نهج مجادلة في تحويل أموال عامة من حقنا إلى منّة من مختار عربي يلبس بدلة وربطة وعنق، وهي أيضًا ضدّ النفاق والتزلف وعدم المبدئية والمثابرة عند بعض أهل ثقافتنا.

هذه التسجيلات هي متابعة ومراجعة ومساءلة يحق لنا طرحها (وسنعيد الكرة في كل مناسبة لوضع النقاط على الحروف) كما يحق لجميع من يودّ التظاهر أن يتظاهر. في رأينا، حتى تسويغ "هاي لحال وهاي لحال" لن ينفع هذه المرة.

لا شكّ في أنّ صفقة تبادل الأسرى بين "حزب الله" وإسرائيل التي تمّت، أمس الأول الأربعاء، هي إنجاز للمقاومة وخسارة لرئيس الحكومة الإسرائيلي، إيهود أولمرت، الذي خرج إلى حرب دموية ومُدمّرة لتحرير الأسيريْن، وعاد بخُفّيْن وهزيمة.

وفي خضمّ هذه النهاية الحزينة من وجهة النظر الإسرائيلية، يحق لنا أن نتساءل اليوم والآن: ماذا لو جرت عملية التبادل أصلا من دون حرب؟ كم حياة كانت ستحفظ وكم بيتًا كان سيظلّ محتضنا لأبنائه وقصصه ودفئه؟ أليست هذه الصفقة دليلاً ساطعاً وحاسمًا على إجرامية تلك الحرب وعلى إجرامية قباطنة إسرائيل الذين خرجوا إليها؟

وإلى جانب الترحيب بالأسرى المحررين، وهنالك مبرر ومكان للترحيب وللاحتفال، يجدر ألا تتحول هذه إلى مهرجانات كثيرة ومتواصلة، وألا ننجرّ (في غمرة الفرحة الطبيعية والإنسانية والمفهومة) إلى تسمية كل شيء أو كل خطوة نصرًا وانتصارًا. هذا ليس تقليلا من شأن هذه الصفقة بل هو توكيد على أهمية الإنتصارات في أرض المعركة والقتال.

وقد سمعنا عن نقاشات جدية تدور حول نقل رفات الشهداء: هل تبقى للدفن في أرض فلسطين، حيث اختاروا أن يستشهدوا، أي في وطنهم فلسطين، أو أن يُعادوا إلى عائلاتهم، التي لها الحق في أن تشيّعهم. هذا نقاش كان يستحق أن يتم التعامل معه بجدية أكبر، في نظرنا ونظر مراقبين سياسيين.

ولا ضيْر في أن نلتفت الآن –والآن بالذات- إلى حقيقة بسيطة وهي أنّ إسرائيل شنت عدوانا أو أكثر بعد مثل هذه العمليات من التبادل، أي أنّ التبادل نفسه لا يعني تهدئة بأيّ حال من الأحوال. هي طقوس يتم الاتفاق عليها من أجل منفعة مشتركة، ومن بعدها عودة إلى منظومة الحرب والعدوان. علينا أن ندرك أنّ إسرائيل ليست نمرًا من ورق، ويجب ألا تغشنا مشاعر الذل الإسرائيلية؛ فإسرائيل قادرة على الاغتيال وعلى الانتقام والحروب.

ومع ذلك نتطلع بإعجاب وحب كبيرين إلى النموذج الذي قدمه لبنان في المقاومة وردع إسرائيل، وإلى قلب المعادلة نهائيًا: إسرائيل اليوم هي التي لا تفهم إلا بالقوة، وليس العرب كما كانوا يدّعون! وإذا كانت هذه المعادلة قد بدأت تتضح للعرب وللفلسطينيين (وللإسرائيليين أيضًا، ومن هنا ربما مقادير الكراهية والتحريض والحقد التي بثتها وسائل إعلامها الأربعاء وأمس الخميس)، فيصحّ عندها طرح التساؤل حول الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط: لماذا لا تقوم إسرائيل بالتبادل وتوفر كل هذه الدماء في غزة؟ أتخشى من تحقيق مكسب للحكومة الفلسطينية المنتخبة في غزة إلى هذا الحدّ؟

نحن نعتقد أنها تخشى فعلا.




التعليقات