22/12/2008 - 22:04

"سجل الزلازل العربي" يرصد تفسير العرب لاضطرابات الأرض..

-

يُشكّل كتاب الدكتور عبدالله يوسف الغنيم «سِجِل الزلازل العربي... أحداث الزلازل وآثارها في المصادر العربية» محاولة علمية لتوثيق حوادث الزلازل والبراكين التي هزّت المنطقة العربية منذ بداية القرن الأول الهجري وحتى أواخر القرن العشرين، وما رافقها من ظواهر جغرافياً واجتماعياً وثقافياً.

كما يشكّل خلاصة مُكثّفة لكتب التراث العربي الاسلامي على اختلافها، عن هذا الموضوع. وصدر الكتاب أخيراً عن «الجمعية الجغرافية الكويتية» في 470 صفحة من القطع الكبير. والمعلوم أن الغنيم يعمل أستاذاً للجغرافيا في جامعة الكويت.

يتحدث المؤلِف عن الأسباب التي قادته إلى وضع هذا المرجع غير المسبوق عربياً. ويقول: «شدتني تلك المساحات البازلتية الشاسعة التي يطلق عليها «الحَرّات» والتي تنتشر في معظم المناطق الغربية من شبه الجزيرة العربية، وفي الصحراء الأردنية، إضافة إلى الفوهات البركانية الواسعة، مخاريط الرماد، القواطع، والسدود الصخرية المختلفة الأشكال، التي تدلّ جميعها على مقدار النشاط الباطني الذي تعرضت له شبه الجزيرة العربية في مراحل مختلفة من تاريخها الجيولوجي. وتكوّن من جراء ذلك ما سمي بـ«الأخدود الأفريقي العظيم» الذي يشتمل على منخفض البحر الأحمر، وادي عربة وغور الأردن، وبعض امتدادات ذلك المنخفض شمالاً وجنوباً.

ويُرجع بعض الباحثين مجموعة أخرى من التكوينات الجغرافية الأقل أهمية إلى الزمن الجيولوجي الرابع، وأحياناً إلى العصور التاريخية الأكثر بعداً. وفي المقابل، يجري إهمال التحديد الدقيق نسبياً للزمن الذي حدثت فيه. كما يصعب العثور على إشارة إلى المصادر التاريخية التي يمكن ان تفيدنا في هذا المجال، بحيث يمكن في ضوئها وضع سجل زلزالي لهذه المنطقة... (ويفيد السِجِل في) التعرّف على مناطق الضعف القشرة الأرضية للمنطقة، ولتقصي النقاط الأكثر تعرضاً لظاهرة الزلازل. وكذلك يقدم تفسيراً للأشكال التي نشاهدها اليوم في الجزء الأكبر من غربي الجزيرة العربية وبلاد الشام».

وانشغل المؤلف بموضوعه منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي. وعمل على «جمع الأخبار المتعلقة بالزلازل من كتب التراث، خصوصاً الحوليات التاريخية والرسائل التي كتبت في هذا الموضوع. وأخيراً، كان للزلزال المدمر الذي حدث في اليمن في العام 1982 أثره في دفعي إلى تجميع كل ما ورد في المصادر العربية القديمة من أخبار الزلازل وتسجيله وتحليله. وكان ذلك نقطة تحوّل في معالجة الموضوع من مجرد قضية مرتبطة بدراسات التراث العربي، أو تاريخ العلوم عند العرب إلى قضية مرتبطة بالدراسات الزلزالية المعاصرة، وما يرتبط بها من آثار جغرافية على منطقتنا العربية في شكل عام، وعلى شبه الجزيرة العربية في شكل خاص».

وتأكيداً لأهمية هذا العمل على غير صعيد عربياً، يلحّ الغنيم على أن المكتبة العربية «في حاجة إلى دراسة تلقي الضوء على الإضافات العربية في علم الزلازل وتعرّفها وتفسّرها وتؤرخّها وترصد توزّعها». ولهذا شرع في تدشين هذه الدراسة الرصينة، والنادرة في مجالها وآثارها.

يتناول الكتاب مجموعة من المباحث تشمل أسباب الزلازل عند العرب، معرفة مدى تأثرهم بآراء من سبقهم من الأمم الأخرى، وصف أحداث الزلازل في الكتابات العربية، وسِجِل الزلازل العربي بالاعتماد على المصادر العربية الأكثر موثوقية، تحليلاً للسِجِل وبيان النتائج التي يمكن استخلاصها منه، بما يحقق دراية أكبر بحدود المعرفة العربية بعلم الزلازل.

ويورد المؤلف آراء علماء الفيزياء والجغرافيا العرب. ويلاحظ أنهم متفقون «في تعليلهم للزلازل... إذ رأى إخوان الصفا أن الكهوف والمغارات والأهوية التي في جوف الأرض والجبال، إذا لم يكن لها منافذ تخرج منها المياه، بقيت تلك المياه هناك محبوسة زماناً، وإذا حُمّ باطن الأرض وجوف تلك الجبال، سخنت تلك المياه ولطفت وتحللت وصارت بخاراً، وارتفعت وطلبت مكاناً أوسع. فإن كانت الأرض كثيرة التخلخل، تحلّلت وخرجت تلك البخارات من تلك المنافذ... وإن كان ظاهر الأرض شديد التكاثف وحصيفاً، منعها من الخروج، وبقيت محتبسة تتموج في تلك الأهوية لطلب الخروج... وربما انشقت الأرض في موضع منها، وخرجت تلك الرياح مفاجأة، وانخسف مكانها، فيُسمع لها دوي وهدّة وزلزلة».

وفي ختام تحليله وشرحه، يذكر الغنيم أن «النصوص العربية أشارت إلى كثير من الظواهر الطبيعية والبشرية الناجمة عن الزلازل ويمكن ان تمثل دراسة تلك النصوص مادة مهمة للباحثين في مجال الزلازل من حيث آثارها وأخطارها ومناطق الضعف القشري التي يمكن رصدها، والتعرف الى التغيرات التي تطرأ عليها من اجل التنبؤ بالأحداث المحتملة للزلازل».

ويلاحظ أن الزلازل تميل عربياً للظهور في المناطق التي سبق أن ظهرت فيها في شكل عام. ويرى أن ذلك يظهر جلياً في السِجِل من تكرار وقوع الزلازل في أنطاكية وحلب ودمشق وأيلة واليمن، وغيرها من المناطق التي تدخل ضمن نطاق الضعف القشري. كما يُضاف إليها بعض المناطق الأخرى التي تحدث فيها «زلازل» في فترات متباعدة مثل مصر وبعض أجزاء الحجاز وبغداد.

يورد الغنيم معلومات ربما بدت غير مألوفة من سِجِل الزلازل العربية، خصوصاً في باب النظريات الحديثة المتعلقة بزحزحة شبه الجزيرة العربية (التي تُسمى أيضاً «الصفيحة العربية») وحركتها نحو الشرق والشمال الشرقي، وأن ذلك يحدث في شكل نبضات تتسارع احياناً، وتهدأ أحياناً أخرى. وبذا، يتمكن الكتاب من إعطاء بيانات جديدة تفيد النظرية التي تفسّر الزلازل بحركة الصفائح التكتونية Tectonic Plates اذ ان الكثير من المعلومات عن تزحزح شبه الجزيرة العربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بذلك النشاط الزلزالي. ويُبيّن أن مراجعة السِجِل العربي تُظهر أيضاً أن المناطق الأكثر عرضة للتدمير هي المنطقة الواقعة في القسم الشمالي الغربي من شبه الجزيرة العربية في منطقة انطاكية. وتأتي بعدها المنطقة الجنوبية الغربية للجزيرة العربية، وهي اليمن وما جاورها.

ويشير إلى أن اليمن ما زال منطقة يؤثر عليها شد الكتلة العربية التي تُبعدها تدريجاً الصفيحة الجيولوجية الأفريقية، على رغم استمرار تأثرها بالنشاط التكتوني لمنطقة القرن الأفريقي.

ويرى المؤلف ان «البيانات التي أتاحتها النصوص العربية عبر ما يزيد على عشرة قرون، ربما مكّنت الباحثين من استنباط مجموعة من النظم والقوانين التي تفسر سلوك الحركات الأرضية في منطقة الإخدود الأفريقي، وخصوصاً في غربي شبه الجزيرة العربية والأردن وفلسطين وبلاد الشام وصولاً إلى هضبة الأناضول والعراق، إضافة إلى مناطق الزلازل في إيران».

وتقود كل هذه المعلومات أيضاً إلى معرفة الصدوع النشطة في القشرة الأرضية، العمليات الباطنية التي تتحكم في تلك الصدوع، وارتباط كل ذلك بمواطن العمران البشري، وخصوصاً تلك التي تعرضت للزلازل تكراراً. ويرى أن تلك الأمور يفترض أن تُلاقي اهتماماً جاداً من الاختصاصيين، «ما قد يؤدي مستقبلاً إلى تخفيف الكوارث الزلزالية في هذه المنطقة.
"الحياة"

التعليقات