02/04/2009 - 00:35

خطيئة أوسلو وتجربة جنوب افريقيا/ حسن عبد الحليم

-

خطيئة أوسلو وتجربة جنوب افريقيا/ حسن عبد الحليم
يعود بنيامين نتنياهو لتولي دفة السلطة الإسرائيلية، مصحوبا بأفيغدور ليبرمان على يمينه، وإيهود باراك على يساره لتجميل الصورة، مع أنه في حقيقته لا يجمل بل يتناغم مع المشهد. ويبدو أن نتنياهو تعلم من سابقه إيهود أولمرت، ومن كبير السبط شمعون بيرس، أن الكلمتين السحريتين «السلام» و «الدولة الفلسطينية»، هما المفتاح للأبواب المغلقة في الغرب والشرق دون أن يترتب عليهما أي استحقاق. ويبدو أن ليبرمان تأثر أيضا بمواهب المذكورين وتوصياتهما وتحدث اليوم عن التزام إسرائيل بخارطة الطريق، وركز على الجانب الأمني منها.

باراك في كل الأحوال يمثل لنتنياهو مسحوق تجميل، وليس عبثا دفع شمعون بيرس باتجاه دخول حزب العمل إلى حكومة نتنياهو. وها هو يحمل الاتفاق الائتلافي بين العمل والليكود الذي تضمن بنودا عن «العملية السلمية»، ويتنقل بين دول العالم ويجري الاتصالات لتسويق حكومة ليبرمان- نتنياهو، والتخفيف من القلق الغربي من تلك الحكومة.

بالنسبة للدول الأوروبية والولايات المتحدة، الأمر بسيط، يكفيهم أن ينطق نتنياهو بالكلمتين السحريتين «السلام» و«حل الدولتين»، بغض النظر عن ممارساته على الأرض. ولا أحد يسأل عن شكل ومضمون الدولة الأخرى. تماما كما تشدق ألمرت وليفني بالسلام وحل الدولتين. وكما يتحدث بيرس عن السلام. شعارات بدون فحوى، وممارسات على الأرض تناقضها ولا أحد يريد أن يرى الحقيقة، وإذا كان حدث ما أكبر من التجاهل فهناك جمل ديبلوماسية جاهزة لمثل هذه الحالات، لا تقدم ولا تؤخر.

وزير الخارجية الكارثي ليبرمان أحيى الموتى، وأعلن التزام إسرائيل بخارطة الطريق. هل تذكرون خارطة الطريق، تلك التي اعتمدت على «رؤيا بوش». الأغبياء أيضا لديهم رؤية حينما يكونون في مركز قوة. وهل يذكر أحد أنابوليس سوى السلطة الفلسطينية؟ أنابوليس كانت حفلا استعراضيا لإطلاق المفاوضات مرة أخرى. المفاوضات العبثية مع إيهود أولمرت التي لم تتمخض عن شيء، وأعلن ليبرمان اليوم وفاتها نهائيا.

أهم ما في خارطة الطريق بالنسبة للإسرائيليين، البنود المتعلقة بمكافحة الإرهاب، والتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وستعتمد سياسة نتنياهو- ليبرمان كسابقيهم على اشتراط أي تقدم في مراحل خارطة الطريق بمحاربة السلطة لفصائل المقاومة التي تصفها الاتفاقية بـ«الإرهاب» وبالتنسيق الأمني بين أجهزة أمن الاحتلال وأجهزة أمن سلطة أوسلو.

ستكون حكومة نتنياهو حكومة استيطان وقمع وتنكر للحقوق الفلسطينيية. وهذا الاستنتاج ليس بحاجة إلى قدرات خاصة في قراءة الصورة السياسية الإسرائيلية. ولكن من غير المستبعد أن تقبل تلك الحكومة بالتفاوض مع الفلسطينيين، أنابوليس آخر أو كامب ديفيد آخر أو واي ريفر آخر، فقد تعلم نتنياهو من سابقيه إنها مفاوضات حتى يوم القيامة كما قال "يتسحاك شامير". وهي في كل الحالات مفاوضات عقيمة، بل عاقر، هدف بحد ذاتها وليست طريقا لبلوغ الهدف.
ولكن في الجانب الآخر من المؤكد أن تتمسك السلطة الفلسطينية بأي مفاوضات مع إسرائيل مهما كان اسمها لأنها أصبحت المبرر الوحيد لوجودها.

في ظل الاجتماعات واللقاءات مع الإسرائيليين وتبادل القبل ضاعت القدس شيئا فشيئا وقضمت الضفة الغربية بتعزيز الاستيطان. ويعرض أكثر الإسرائيليين انفتاحا مسخا لا يرقى لأن يكون شبه.. شبه دولة. بينما نحن نتمسك بالمفاوضات، ونعلن ذلك ليلا نهارا، ونختلف في ما بيننا على الاتفاقات السابقة في القاهرة. وفي الجانب الآخر لا أحد يولي أهمية لتلك الاتفاقات. وها هو ليبرمان تنصل منها حال دخوله وزارة الخارجية.

كارثة أوسلو، ما زالت تلقي بتداعياتها على مستقبل القضية الفلسطينية. وخطيئتها في انطلاقتها. فقد كان هم القيادة الفلسطينية الاعتراف بها كممثل وحيد للشعب الفلسطيني. شعاراتية لا تقدم ولا تؤخر. وكان المطلوب هو مطالبة إسرائيل بالاعتراف- ليس بمنظمة التحرير، بل بمسؤوليتها التاريخية عن مأساة الشعب الفلسطيني، النكبة والتهجير والملاحقة والقتل والسلب، واستعدادها لإصلاح الغبن. هذه نقطة البداية لأي مفاوضات وكل نقطة بداية أخرى ستنتهي بالفشل لا محالة.

لا يوجد في الأفق ملامح استعداد لدى إسرائيل للاعتراف بالمسؤولية عن الغبن الذي لحق بالشعب الفلسطيني. والتعويل على قوى خارجية ثبت فشله خلال السنوات الستين الماضية. كما أن التعويل على الدول العربية في الواقع العربي المأزوم هو ضرب من العبثية.
آن الأوان للانتقال إلى النضال على غرار كفاح جنوب أفريقيا. ولنكن متيقنين أن معركة الفلسطينيين هي على الرأي العام العالمي، وتعرية أكاذيب إسرائيل، وتقويض اسس دعايتها على مدى عقود كثيرة. و كان التضامن مع غزة أبان العدوان مؤشرا إيجابيا للبداية.
"مواطن واحد صوت واحد" كان شعار كفاح الأفارقة، ويضاف إليه في نضالنا "حق العودة" والتعويض عن الغبن.
الدولة الواحدة شعار يخيف الصهيونية- ولكنه تنازل من الفلسطينيين ليس له مثيل في التاريخ.

لقد نجح الجنوب أفريقيون في استمالة الرأي العام العالمي لتأييد قضيتهم، وحققوا انتصارا بعد أن كان كافة قادتهم إما في السجن أو في المنفى. نجحوا لأنهم كانوا اصحاب حق واستطاعوا نقل قضيتهم إلى كافة المحافل الدولية، ولأنهم شددوا على ضمان حقوق البيض كي لا يدعي المستعمرون أن السود «يريدون إلقاءنا في البحر» كما تقول إسرائيل عن العرب. في جنوب افريقيا نجحوا لأنهم وضعوا استراتيجية للانتصار، علينا أن نحذو حذوهم ولا خيار آخر أمامنا.

التعليقات