31/10/2010 - 11:02

2003: الحصاد الصعب/ سليمان نزال

2003: الحصاد الصعب/ سليمان نزال
على جبل النار يصعد فارسٌ من فرسان الإنتفاضة الباسلة, يطلق من حنجرة الصبر الفلسطيني و الصمود الفدائي أصوات عزيمة لا تلين, تردد صهيل التحدي و الثبات, فتتجاوب لها بذور المكان المرابط و زيتونه و صقوره و أبطاله و قرنفلات الفجر الأسير.

ذاكرتي في جرحي..حصادي من هذا العام: آلاف الشهداء و الجرحى و الأسرى..مجازر و مذابح و إغتيالات و إعتقالات مستمرة..جدار ضم و توسع و عزل و حصار و تشريد, تصفية لقادة فلسطينيين, قتل المزيد من أطفال و نساء و شيوخ فلسطين, ضغوط و إملاءات خارجية و داخلية, محاولات صهيونية لزرع بذور الفتنة و الإقتتال بين الفصائل و التنظيمات, هدنة دامت خمسين يوماً دمرها السفاح شارون عن قصد, من خلال جرائمه و مشروعه الدموي الرامي إلى فرض الإستسلام على الشعب الفلسطيني و قيادته.. فساد لبعض المراكز و الأطراف الفلسطينية إستشرى و إستطال, حتى بات أمر إصلاحه يقتضي معالجة في التربة و الجذر و الجذع و الأوراق و الأغصان , وصولا إلى الثمر الفاسد, المُضر..

جرحي في ذاكرتي..كان حصاد هذه السنة مراً..ما زال مراً, بيدَ أن بسالة و تضحيات , أبطال الإنتفاضة, ومقاومتهم للإجتياحات و الهجمات و سيل الإعتداءات الوحشية الشارونية الصهيونية, و تمسك شعبنا بأهدافه التحررية, السيادية, رغم كل العذابات و الآلام و الأخطاء و مشاريع التلهية و التفرقة و التبديد, يجعل مذاق هذا المحصول كالترياق الضروري مع زحف السموم العدائية الصهيونية و المتخاذلة, و محاولتها التخفي في هيئة الشهد المخلوط بالإحقاد و المكائد..

لقد زرع مناضلو فلسطين من مختلف الفصائل المقاتلة الوطنية و اليسارية و الإسلامية, أسباب وعلل الأزمات و المشكلات الإقتصادية و الأمنية و الإجتماعية و السياسية في قلب الكيان الصهيوني و مجتمعه, و هي أزمات و إستعصاءات و مآزق تتفاقم و تكبر مع كل عام إنتفاضي رادع جديد.

إذن, أُرغمَ شارون على جني ما زرعه له الفلسطينيون البواسل, في حقل تعنته و تعصبه و عنصريته و عدائه للسلام الشامل و المتوازن, كما تنص عليه كافة قرارات الشرعية الدولية, ليتجرع كؤوس العلقم و الخوف و الذعر و إنعدام الأمن و البطالة و التضخم.. هو الآخر السفاح مع حكومته المجرمة و جميع القتلة و المتطرفين في ثكنته التوسعية.

إستمرَ الحصاد الفلسطيني و العربي طيلة عام 2003, حزيناً..إذ شهدَ التوقيع على وثيقة جنيف السويسرية التي تتحايل بنودها و الموقعون عليها, للتنازل عن حق العودة المقدس, وسط حماية و توجيه و تغطية من متنفذين.. تعبوا من أعباء و تكاليف النضال, فأخذوا يبحثون عن حلول و معالجات النقص و التراجع, لكي يخرجوا من أزماتهم, و يفرغوا لشؤون و سراديب مصالحهم و إمتيازاتهم الشخصية و الفئوية, التي تحتاج إلى إستقرار و أمن و تهدئة و هدنة , تأتي بأي ثمن, دون نتائج و إشتراطات سياسية, و ليصيبوا في سبيل هذا المسعى الخاسر, ثوابتنا الفلسطينية, في العودة و الحرية و الإستقلال, في ضمور و إنتكاسة و تمييع...

لم يقتصر الحصاد الصعب لعام 2003, بزؤانه الكثير و قمحه الطموح على الشعب الفلسطيني فقط, بل أن العوسج و الأشواك و الخيبات و المواجع و الأحزان, تدافعت كلها و إختلطت مع أيام و شهور العام..لتشكل واحدة من أكبر الهزائم و الصدمات التي شهدها تاريخ العالم العربي, بسقوط عاصمة الشموخ بغداد على أيدي الغزاة و تحالف المصالح و الضغائن, بالتعاون مع المتعاونين مع الإحتلال..كما شهد وقوع الرئيس صدام حسين في الأسر, و معاملته بصورة إستعراضية إخراجية, تتعارض مع كل مزاعم قوات الإحتلال الأمريكي-البريطاني..عن حقوق الإنسان و المعاهدات الدولية..

و شهد هذا العام على الصعيد العربي, المزيد من الإلتحاقات الخانعة بذيل العولمة و أصحابها من الإستغلاليين الإستعلائين الدوليين, الذين يروعون شعبهم و يزرعون الخوف في صفوفه, بنشر مزاعم عن عمليات إرهابية, بهدف تأمين ولاية جديدة للرئيس بوش, الذي ترتدي إدارته نظارة سياسية متحيزة , صُممت خصيصاً لرؤية دماء الجنود الإسرائيليين الذين صرعوا في عملية تل أبيب الفدائية و غيرها من عمليات.. , فهي بالتالي تدين الفصائل الفلسطينية و عملياتها المشروعة و لا ترى شلالات الدم الفلسطيني المسفوك يومياً, على إمتداد مساحة الوطن , على أيدي وصواريخ و دبابات و طائرات الصهاينة, في عمليات قتل منظمة ضد الشعب الفلسطيني .

و شهدت نهايات هذا العام, بكل أسف, كارثة زلزال مدينة بم الإيرانية و التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى و الجرحى و كذلك كارثة سقوط الطائرة اللبنانية في بنين.

و شهدَ هذا العام مع سقوط بغداد- التي لا تسقط فعلياً و جوهرياً و رمزياً, إلا إذا توقفت المقاومة العراقية الجريئة الباسلة ضد الإحتلال الأجنبي الغازي, شهد ظهور و بروز طائفة من المنظرين و المحللين و الأدعياء و أضرابهم من عرب , الذين يهاجمون و ينتقدون الدكتاتورية و الإستبداد في بعض الدول, متجاهلين أن الدكتاتورية و القمع و التبعية بدات أول ما بدأت مع نشوء دولهم المصطنعة على أساس سايكس بيكو و من بعده!

هذا نفر يحث خطاه الإنتهازية ليتمكن من صعود مقطورة الذل و الإستخذاء التي تجرها قاطرة قاهرة, قامعة للشعوب, طامعة بخيراتها, متحالفة مع إسرائيل, ضامنة لوجودها, ساعية لجعل العراق العظيم, نقطة إرتكاز لنشر تعاليمها و أوامراها, في الخنوع و الصمت و التجزئة وتحويل مجرى العقل العربي و جدواله الحضارية و الثقافية و السيادية ليصب في بحر العولمة و إنعدام الشخصية الوطنية و إنحلال الشخصية القومية...

لولا البطولات و الملاحم و النضالات, يسجلها كل يوم بواسل فلسطين و العراق و الصامدون في سوريا و لبنان, وكل الشرفاء من العرب, لكانت حصيلة العام 2003 بالنسة للعرب و المسلمين, سواداً يدخل في منعطفات سوداء لينتهي إلى المصير الأسود!

التعليقات