31/10/2010 - 11:02

ألمانيا أخرجت العرب من حساباتها../ حسن عبد الحليم

-

ألمانيا أخرجت العرب من حساباتها../ حسن عبد الحليم
تعتبر زيارة المستشارة الألمانية ميركيل إلى إسرائيل الأكثر أهمية في سيل الزيارات الذي بلغ ذروته في الأسبوعين الأخيرين، لأنها تعتبر تتويجا لشراكة إستراتيجية حقيقية قائمة منذ عدة عقود وإجهارا لها بشكل لا يخلو من الفظاظة في التنكر للحقوق الفلسطينية وإسقاط الوزن الذي كانت تعيره ألمانيا لما كان يعرف بالعالم العربي.

لماذا كان؟ لأنه لم يعد، بل ربما لم يكن يوما، ولكن على الأقل كان يبدو أنه موجود، بالحد الأدنى من أشكال التضامن لا بجوهره، خصوصا في العقود الثلاثة الأخيرة، وإن لم يكن أفضل بكثير قبل ذلك.

هناك من يعتبرون أن دور ألمانيا في دعم إسرائيل لا يقل عن الولايات المتحدة على مر التاريخ، إلا أنها كانت تحاول الحفاظ على توازن ما في علاقاتها الدولية، وأسقطت اليوم تلك الأقنعة، بعد أن تراجعت المواقف العربية ودخلت في لعبة المحاور الأمريكية الصهيونية.

تبدل الأدوار في صراع المعسكرات والمحاور من «شرق وغرب» أبان حقبة القطبين والحرب الباردة، إلى «معتدل ومتطرف» في العهد الأمريكي والقطب الواحد، أتاح لإسرائيل أن تصنف نفسها في معسكر واحد مع دول عربية، ضد دول عربية أخرى، وأن تُصَنّف ألمانيا مع هذا المحور، وبذلك لا حرج لألمانيا من إسقاط الأقنعة وورقة التوت ولا حرج للآخرين.

إن تاريخ العلاقات الألمانية الإسرائيلية واسع جدا وقد يحتاج إلى الكثير من الكتابات لسبر أغواره، ولكن يمكن القول إن العقود الماضية اتسمت بـتأييد ألماني مطلق لإسرائيل وبصفقات سرية وعلنية وتعاون تجاري وصناعي على مستوى إنتاج وتزويد السلاح، وتعاون استخباري وصفه مصدر إسرائيلي بأنه أفضل من أي تعاون مع أي دولة في العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، لافتا إلى أن ألمانيا هي الدولة التي زودت إسرائيل بالغواصات ذات القدرة على حمل رؤوس نووية وتوجيه ما يعرف بـ«الضربة الثانية»، وبطبيعة الحال الأولى، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة رفضت تزويد إسرائيل بتلك الغواصات. ويضيف المصدر في سياق توجيه انتقادات لمن رفضوا استقبال ميركيل في الكنيست الإسرائيلي، أن ألمانيا ساهمت مساهمة كبيرة في تسويق إسرائيل ومواقفها وتحسين صورتها وتعزيز مكانتها في أوروبا. كما استذكر إنقاذ ألمانيا لإسرائيل من الانهيار المؤكد في سنوات الخمسين من القرن الماضي من خلال صفقة التعويض السخية لضحايا النازية. الصفقة التي يجري الحديث الآن عن إمكانية فتحها والمطالبة بالمزيد من التعويضات بزعم أن المليارات التي دفعت لم تكف لتأهيل الناجين وتعويض المتضررين، ويبدو أن ألمانيا أبدت تجاوبا مع الطلب الإسرائيلي.

إن تشكيل مجلس وزاري مشترك لحكومتي ألمانيا وإسرائيل هو تتويج لعلاقة على المستوى الاستراتيجي، وتمنح تلك العلاقة إسرائيل تميزا خاصا حيث أنها الدولة الخامسة في العالم التي لديها مع ألمانيا مجلس وزاري حكومي مشترك بعد فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وروسيا.

لا شك أن ميركل تعي التاريخ الذي أعقب المحرقة وأن نكبة حلت بشعب فلسطين وما زالت ماثلة، إلا أنها فضلت الحقائق المشوهة وإظهار دولة الإرهاب والاحتلال والقمع على أنها ضحية، وتبني وجهة النظر الصهيونية بشكل كامل حتى ذالك المتعلق بيهودية الدولة.

لا ألوم ميركيل، وبطبيعة الحال لا ألوم تشيني أو ماكين، أو بوش، ولا ساركوزي، فإن الموقف العربي المأزوم والمهزوم هو ما أتاح لهؤلاء التعبير دون رادع عن هذا الدعم الواسع لإسرائيل واتخاذ موقف العداء ضد أعدل قضية على وجه الأرض. ولو توفر موقف عربي لما رأينا هذا الحجيج بهذا الشكل الوقح..


التعليقات